مونديال قطر 2022.. دور الممارسات الإسرائلية في تغذية حالة الكراهية؟

لم يعكس العزوف الجماهيري العربي عن التجاوب مع الإعلام الإسرائيلي المتواجد في قطر لتغطية فعاليات كأس العالم؛ حالة الرفض الشعبي للتقارب مع إسرائيل؛ بل عبر عن استمرار حالة العداء المترسخة بين العرب وإسرائيل، الأمر الذي يستدعي الوقوف على دوافع وأسباب هذا العداء، والعوامل المغذية لحالة الكراهية الدائمة بين الجانبين؟، وفي محاولة لتحديد ذلك؛ ربما علينا العودة أكثر من سبعين سنة إلى الوراء؛ لكي نفهم الأحداث والسياقات التي رسخت لهذه الحالة، حتى يمكننا فهم العوامل السياقية التي تؤدي إلى ظهور السلوك الجماهيري المقاطع – أو المعادي- لهذا الطرف أو ذالك.

ويطرح هذا التحليل تساؤلاً رئيسياً، حول الرؤية الإسرائيلية للعرب والفلسطينيين، وكيف أسهمت السياسات الإسرائيلية في ترسيخ الصورة السلبية للعرب والفلسطينيين لدى العقل الجمعي للإسرائيليين؟.

 

مغذيات حالة الكراهية:

لا يحتاج تحديد عوامل وأسباب نشأة حالة العداء بين العرب وإسرائيل للكثير من الجهد لمعرفة أبعادها وكيفية تشكلها؛ فمنذ إنشاء إسرائيل سنة 1948-بالكيفية المعروفة سلفاً- والحروب والصراعات الإسرائيلية مع العرب عامة والفلسطينيين خاصة لم تتوقف، وكذلك الممارسات الإسرائيلية العنيفة المستمرة والمتكررة ضد الشعب الفلسطيني، ولعل ذلك يمثل أبرز العوامل المغذية لحالة الكراهية بين العرب وإسرائيل؛ غير أن هناك العديد من العوامل الأخرى التي تشكل دوافع ومغذيات أساسية لاستمرار هذه الحالة، يمكن رصدها على النحو التالي:

(*) استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية: فرغم صدور القرارات الدولية التي تطالب إسرائيل بالانسحاب من الأراضي العربية المحتلة–أهمها قراري مجلس الأمن (242 ،383)، لكن ما تزال إسرائيل تحتل فلسطين وهضبة الجولان السورية، وما زال التعنت الإسرائيلي مستمراً تجاه تنفيذ القرارات الدولية، والامتثال للقوانين والشرعية الدولية، حتى بدا وكأنها خارج سلطة القانون الدولي، بل إن استمرار التعنت والممارسات الإسرائيلية؛ تكرس لهذا الرأي حرفياً.

(*) الممارسات الإسرائيلية العنيفة بحق الفلسطينيين: فعمليات القتل وسفك الدماء والتعذيب والاعتقال والتهجير والهدم، بحق الفلسطينيين، لا تتوقف، وكذلك الحروب الإسرائيلية المتتالية على قطاع غزة، والتي كثيراً ما تخلف ضحايا أبرياء بالمئات، إضافة إلى آلاف الجرحى والمصابين، فضلاً تهجير عشرات العائلات وتدمير المنازل والمنشئات.

ولا تتوقف الممارسات الإسرائيلية العنيفة بحق الفلسطينيين في الضفة والقطاع فقط، بل تمتد إلى داخل إسرائيل، فهناك ارتفاع في العنصرية الواسعة ضد العرب، وقد كتبت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية تعليقاً على تلك الأحداث بالقول: “لدينا مشكلة عنصرية”، وفي استطلاع أجراه مركز ((achord، التابع للجامعة العبرية في القدس، بداية عام2021، ووفقًا لما نشرته صحيفة “هآرتس”، أن غالبية الشباب الإسرائيلي المتدين والمتشدد، لديهم كراهية لجيرانهم العرب ومواطنيهم، بنسبة 42%، 66 % على التوالي.

ووفق نتائج استطلاع أجرته جامعة حيفا عام 2021 -والتي تقدم مؤشراً سنوياً منذ عام1980، حول المواقف الإسرائيلية تجاه العرب- أشارت إلى أن أكثر من نصف اليهود الإسرائيليين لا يريدون العيش بجانب العرب، وفي دراسة أخرى، قال 63%، من المشاركين في الاستطلاع يرون أن “العرب خطر أمني وخطر ديموغرافي على الدولة”، بينما رأى 40%، أن على الحكومة الإسرائيلية تشجيع عرب إسرائيل على الهجرة.

يقول “مردخاي كرمنيتسر”، أستاذ القانون في الجامعة العبرية: “يتعرض العرب للهجوم لمجرد أنهم عرب”، إن حالة الحرب، هي الآن جزء من الحياة اليومية، لقد تعلم جنودنا في وقت مبكر أن الآخرين أقل شأنا منهم، ولا يزال الخطاب المتطرف يتغلغل في الوعي الجماعي، ومع تعاطف الشرطة في كثير من الأحيان مع المهاجمين، فليس من المستغرب أن المسئولين عن المهاجمين العنصريين لا يُعاقبون دائمًا، بل إن بعض السياسيين، وخاصة القوميين والمتدينين، عندما يريدون لفت الانتباه إلى أنفسهم يدلوا بتصريحات معادية للعرب، بدلاً من الدعوة إلى التعايش السلمي”.

(*) التصريحات العدائية للساسة الإسرائيليين: التي تشكل تصريحات تحريضية وعنصرية ضد الفلسطينيين، فالعديد منها دعا إلى القضاء على الفلسطينيين، وصدرت من أكبر الساسة في إسرائيل، مثل: تصريح “دافيد بن جوريون”، أول رئيس وزراء إسرائيلي 1948، الذي قال: “يجب أن نستخدم الإرهاب والاغتيال والترهيب ومصادرة الأراضي وقطع جميع الخدمات الاجتماعية لتخليص الجليل من سكانها العرب”، كما وصف “مناحيم بيغن”، رئيس الوزراء الإسرائيلي 1982، الفلسطينيون، بأنهم وحوش تمشي على قدمين”، وقالت “ايليت شكد” وزيرة العدل الإسرائيلية 2014، “الشعب الفلسطيني كله هو العدو … الثعابين”، ودائمًا ما اتهم “بنيامين نتنياهو”، رئيس الوزراء الملكف حالياً؛ العرب في إسرائيل بدعم الإرهاب، ووصفوهم بأنهم طابور خامس، ولا زالت التصريحات العدائية للساسة في إسرائيل مستمرة، والواقع أن تلك التصريحات، تعد من أشد مغذيات المشاعر السلبية وحالة الكراهية تجاه العرب والفلسطينيين.

(*) سن قوانين تعزز المعاملة غير المتكافئة بين الفلسطينيين الذين يعيشون داخل إسرائيل- والبالغ عددهم تقريبا مليونين من الفلسطينيين والإسرائيليين: فبعد رفض الكنيست الإسرائيلي اقتراحًا يضمن المساواة الكاملة بين جميع المواطنين، أصدرت إسرائيل في عام 2018، قانون الدولة القومية، الذي كرّس الممارسات التمييزية ضد العرب، كما خفض هذا القانون مرتبة اللغة العربية، فرغم الاعتراف بها كلغة رسمية، إلا أنها لم تزل غير ذات أهمية، خاصة لأن يهود إسرائيل لديهم صور نمطية سلبية عن اللغة العربية مقارنة بلغتهم العبرية، هذه حقيقة تؤكدها قلة رغبة الشعب اليهودى فى تعلم واستخدام هذه اللغة، فى حين أن المواطنين العرب مضطرون لتعلم اللغة العبرية.

(*) الصورة النمطية السلبية: يعتمد بناء العلاقات بين الدول والشعوب في الأساس على الصورة الذهنية التي تستقر في عقول الشعوب بعضها عن بعض، وتعج الذاكرة العربية الكثير  والكثير من الصور السلبية والمؤلمة للممارسات الإسرائيلية بحق العرب والفلسطينيين، من مشاهد القتل وسفك الدماء، والتدمير والتهجير، وأساليب القمع العنيفة التي تتعامل بها إسرائيل مع الفلسطينيين، والتي تعد مغذي أساسي لحالة الكراهية لدى العرب.

في حين تتشكل الصورة النمطية لدى الإسرائيليين عن العرب من وسائل عدة، أهمها:

(&) المناهج التعليمية الإسرائيلية: والتي تؤسس لحالة الكراهية لدى أطفال إسرائيل ضد العرب والفلسطينيين، وتتضمن عملية تشويه ممنهجة في المدارس الإسرائيلية، وهو ما كشفه بحث نشرت نتائجه صحيفة هآرتس منتصف شهر يوليو 2011-07-18، حيث أكد الباحث السياسي”إيلي بوديا”، المحاضر فى جامعة حيفا، بأن كتب التدريس الإسرائيلية أشعلت طيلة نصف القرن الماضي جذوة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وكرست حالة الحرب، وحالت دون التوصل للسلام بين العرب واليهود، ووصف هذه المناهج بالمنحرفة، وتتميز بطغيان الصورة النمطية والأفكار المقولبة حيال العرب، وزرع كراهيتهم فى نفوس التلاميذ الإسرائيليين إلى حد الاستنتاج بأن ما جرى داخل جدران المدارس الإسرائيلية، قد أثر إلى مدى بعيد فى قرار الحرب والسلام لدى قادة تل أبيب.

(&) الإعلام الإسرائيلي: أسهم بشكل رئيسي في تزايد حدة الصراع ونشر الكراهية ضد العرب والفلسطينيين، من خلال نشر المعلومات المغلوطة، والتركيز على وجهة النظر الإسرائيلية، ودعم الممارسات الإسرائيلية وتبريرها، وهو ما يتناغم مع ما ورد في قانون الإذاعة والتلفزيون الإسرائيلي، أن من الأهداف المطلوبة: “التعبير والدعاية للحياة الثقافية اليهودية في العالم أجمع، وبث برامج بالعربية لترويض الجمهور العربي في أراضي عام 1948، وترويج دعاية للفلسطينيين والعرب عمومًا، إضافة إلى بث برامج خارج حدود إسرائيل لتحقيق أهداف الصهيونية، والدفاع عن السياسة الإسرائيلية، وخاصة العدوانية والمتعلقة بالاستيطان والتهويد وأعمال العنف الحربية التي تشنها إسرائيل”.

وكشف “مؤشر العنصرية والتحريض على وسائل التواصل الاجتماعي الإسرائيلية في عام 2021″، الصادر عن منظمة “حملة” غير الربحية، عن رصد (620) ألف محادثة، تضمنت العنف والتحريض ضد العرب والفلسطينيين، بزيادة في التحريض بلغت ثلاثة أضعاف منذ عام 2020.

(&) الثقافة العبرية: والتي ترسخ لتنميط صورة سلبية للعربي والفلسطيني، وتصنفه كإرهابي متوحش، وتحمل الكثير من المواد الثقافية والأدبية العبرية، صور وكلمات وإشارات عنصرية، تدعوا إلى كراهية العرب والفلسطينيين.

في إطار ما سبق، يتبين أن ردود أفعال الجماهير العربية تجاه الإعلام الإسرائيلي لم يكن مفاجئاً للساسة الإسرائيليين، بل متوقعاً، فما يواجهه الإسرائيليون من مقاطعة أو عزوف عربي – أو حتى عنف محتمل- لا يقارن بالكراهية التي ترسخها إسرائيل ضد العرب، والعنف الشامل وإرهاب الدولة الذي تمارسه بحق الفلسطينيين.

دلالات كاشفة:

هناك من يرى أن ردود الأفعال العربية على الإعلام الإسرائيلي خرجت بعفوية جماهيرية مطلقة، ومن يرى أن الأمر خطط له؛ كي يبدو وكأنه فرصة للتعبير عن الرأي بعيدا عن القيود المفروضة لإظهار معاداة إسرائيل في الدول الأخرى، والذي يأتي في سياق التماهي مع التوظيف السياسي للحدث الرياضي العالمي؛ لتحقيق مكاسب دعائية عالمية.

وأياً ما كان الأمر، أعتقد أنه لا يجب أن يصدم الساسة في إسرائيل، ولا الإسرائيليين أنفسهم من ردة الفعل الجماهيرية هذه، فحجم الممارسات العنيفة التي تمارس بحق الفلسطينيين العزل داخل إسرائيل وفي القدس وفي المناطق الفلسطينية، لا يقارن بالضجة التي أحدثتها ردود الأفعال الجماهيرية تجاه الإعلام الإسرائيلي في قطر، والانزعاج من المقاطعة والانتقادات التي أثيرت حول ذلك؛ في حين لم تكن هناك ضجة مماثلة حول انتهاكات الإسرائيلية المستمرة بحق الفلسطينيين، وحالات القتل المتعمدة ضد فلسطينيين عزل- تحدث بشكل متكرر، دون مواجهة أو عقاب.

في الأخير، نجد التقارب مع الشعوب لا يحتاج إلى اتفاقيات تعاون- رغم أهميتها- بل يتطلب أفعال وممارسات ماثلة على أرض الواقع، لذلك الفرصة الحقيقة التي يجب أن ينتهزها الساسة في إسرائيل؛ هي الاتجاه إلى تحسين العلاقات بين العرب والإسرائيليين بطريقة عملية، من خلال نبذ العنف والكراهية بحق العرب، ووقف القتل والتهجير بحق الفلسطينيين، والسعي عملياً لإحلال السلام!.

وسواء أكان هدف اتفاقات السلام المبرمة بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، هو الارتقاء بقضية السلام والتفاهم بين الشعوب العربية وإسرائيل، والوصول إلى حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، أو كانت مساعي إسرائيلية لفرض سياسة الأمر الواقع، ودفع المجتمعات العربية للقبول بإسرائيل، ودمجها في المحيط العربي قسرياً؛ تؤكد العديد من الشواهد أن ثمة فوارق جوهرية بين مواقف الشعوب والحكومات العربية، فالأخيرة وإن كان بعضها جاء وفق ضرورات الأوضاع الإقليمية والدولية، لكن ستظل جدواها وفعاليتها على المحك!.

يأتي التأكيد على أن كل العنصرية في حد ذاتها مرفوضة شكلاً ومضموناً، فلا يحق معاقبة الناس على معتقداتهم أو أعراقهم أو ثقافاتهم، وبإمكان إسرائيل تحويل الكراهية إلى تسامح، والمقاطعة إلى تعاون وتشارك، إذا كان لديها القدرة والإرادة الحقيقية على منح الفلسطينيين حقوقهم المشروعة، والتي أقرتها المواثيق الدولية، وإلا فلا لحق العربي والفلسطيني غير قابل للنسيان!.

ومن يريد السلام لا يستمر في القتل والعنف ونشر الكراهية، والجماهير العربية تريد رؤية السلام في فلسطين واقعاً فعلياً، وليس شعارات تردد في خطابات رسمية، أو أجواء احتفالية، وتظل الطريقة الأكثر فاعلية لنبذ الكراهية، هي إحلال السلام العادل والشامل، وإرجاع الحقوق إلى أصحابها، لا التحايل على ذاكرة الشعوب ومحاولات إجبارها!.

المراجع:

 

 

 

 

 

 

 

 

د. عبد الناصر سعيد

خبير مشارك- حاصل على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية , حاصل على في ماجستير الإعلام ,حاصل على ماجستير في العلوم السياسة , باحث مشارك في عدد من المراكز البحثية السياسية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى