هل يؤثر تخفيض سعر الفائدة على سباق الانتخابات الأمريكية؟

اتخذ بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي قراره في الثامن عشر من سبتمبر، بخفض أسعار الفائدة بنصف نقطة مئوية، إلى ما بين 4.75% و.005%. ويعد بذلك أول خفض من قِبَل البنك المركزي الأميركي منذ رفع أسعار الفائدة لقمع التضخم في عام 2020. ويمثل هذا التحول بداية لدورة من التيسير النقدي. كما يمثل رهاناً على أن التضخم سوف يصبح قريباً مشكلة الأمس وأن التحرك مطلوب لدعم سوق العمل. وللمرة الأولى منذ عام 2005، عارض أحد محافظي بنك الاحتياطي الفيدرالي في واشنطن القرار. فقد فضلت ميشيل بومان خفض أسعار الفائدة بربع نقطة مئوية. وقال رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي السابق في بوسطن إريك روزنجرين لوكالة فرانس برس “لقد فوجئت قليلا بأن التخفيض كان 50 (نقطة أساس) وليس 25، لكنني أعتقد أن رئيس الفيدرالي قام بعمل جيد في توضيح الأمور”.

وطالما أن السياسات النقدية لبنك الاحتياط، تُعد من الأمور الهامة المؤثرة في اتجاهات تصويت الناخبين،- يبقى السؤال، هو: ما حدود تأثير السياسات المالية المُتخذة على مسار الانتخابات الأمريكية التي ستجرى في نوفمبر القادم؟

قرار مؤثر:

تعتبر السياسات النقدية المنوط بإداراتها بنك الاحتياط الفيدرالي من الأمور الهامة وذات التأثير المباشر على المواطن الأمريكي. ومن أهم هذه السياسات يأتي سعر الفائدة الذي يرتبط بالرهن العقاري ومعدلات الأسعار والأجور والعوائد الادخارية والشركات التجارية والقطاع المصرفي وقطاع التامين. وفي 18 سبتمبر الجاري، اتخذ بنك الاحتياط الفيدرالي قرار هاما بتخفيض سعر الفائدة لأول مرة منذ أربع سنوات بالولايات المتحدة الأمريكية. وفي التوقعات المحدثة التي نشرت إلى جانب قرار بنك الاحتياطي الفيدرالي بشأن أسعار الفائدة. أشارت التوقعات المتوسطة لصناع السياسات إلى معدل بطالة يبلغ 4.4 في المائة في الربع الرابع من هذا العام، ارتفاعا من 4.0 في المائة في آخر تحديث في يونيو الماضي .كما توقعوا معدل تضخم سنوي بنسبة 2.3%، وهو أقل قليلاً من يونيو الماضي. ويتوقع متداولو العقود الآجلة احتمالات بنحو 65% بأن يخفض بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة بنحو 75 نقطة أساس أخرى على الأقل هذا العام، وفقاً لبيانات مجموعة CME.

ويعد تخفيض بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي أسعار الفائدة خطوة هامة سيكون لها تأثير كبير على الاقتصاد الأميركي وقد تساعد في تحديد من سيشغل البيت الأبيض خلال السنوات الأربع المقبلة.وفي هذا السياق، أعلن بنك الاحتياطي الفيدرالي في أن صناع السياسات صوتوا بنسبة 11 إلى 1 لصالح خفض سعر الفائدة القياسي للبنك المركزي إلى ما بين 4.75 و5.00 في المائة. كما حددوا نصف نقطة مئوية إضافية من التخفيضات قبل نهاية هذا العام، ونقطة مئوية إضافية من التخفيضات في عام 2025.

ويتمتع بنك الاحتياطي الفيدرالي بتفويض مزدوج من الكونجرس للعمل بشكل مستقل لمعالجة كل من التضخم والتوظيف. لكن قراره – بلا شك- سيكون له مع ذلك تداعيات سياسية، نظرًا لأهمية التضخم وتكلفة المعيشة للمستهلكين الأميركيين في هذه الانتخابات الرئاسية. وقال رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي “جيروم بأول” للصحفيين بعد الإعلان عن القرار: “لقد حان الوقت لإعادة معايرة سياستنا إلى شيء أكثر ملاءمة، بالنظر إلى التقدم المحرز في التضخم، وفي انتقال العمالة إلى مستوى أكثر استدامة”.وأضاف: “هذه بداية هذه العملية”.

من خلال خفض أسعار الفائدة بنسبة نصف في المائة، أشار بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى أنه يعتقد أن المعركة ضد التضخم المرتفع الذي ابتلي به الاقتصاد الأميركي على مدى السنوات الثلاث الماضية قد تم الفوز بها إلى حد كبير .[1]ورسم “بأول” صورة لاقتصاد يتمتع بصحة قوية مع توقعات وردية – انخفاض معدل البطالة، ونمو قوي للأجور والتضخم معتدل إلى حد كبير.

على صعيد أخر، ذكر روزنجرين، وهو باحث زائر في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا حاليا، أن لجنة تحديد أسعار الفائدة في بنك الاحتياطي الفيدرالي ذهبت على الأرجح إلى التخفيض الأكبر استجابة لبيانات الوظائف الأخيرة الأضعف من المتوقع و”الأخبار الإيجابية للغاية” بشأن التضخم. وقال ناثان شيتس، كبير خبراء الاقتصاد العالمي في سيتي جروب، لوكالة فرانس برس “لا أعتقد أنه ذعر. أعتقد أنه قرار استراتيجي من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي”، مضيفا أن الخطوات التالية “ليست واضحة تماما[2]“. في حين دافع “باول” عن قرارات البنك المركزي. وقال: “لقد أتى نهجنا الصبور على مدار العام الماضي بأرباح”. “أصبح التضخم الآن أقرب إلى هدفنا واكتسبنا ثقة أكبر في أن التضخم يتحرك بشكل مستدام نحو 2٪”.

وجاء إعلان بنك الاحتياط الفيدرالي في هذا التوقيت متماشية مع رغبة الحزب الديمقراطي الحاكم وذلك قبل أقل من شهرين من الانتخابات الرئاسية الأمريكية .في حين أن بنك الاحتياطي الفيدرالي مستقل، فإن قراره بخفض أسعار الفائدة قبل أقل من 50 يومًا من الانتخابات من المرجح أن يكون له تداعيات كبيرة على أداء الناخب الأمريكي لصالح المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس. على الجانب الأخر، قال “دونالد ترامب”، الذي كسر البروتوكول خلال رئاسته للضغط على البنك المركزي لخفض أسعار الفائدة، إنه لا ينبغي له أن يفعل ذلك مع اقتراب يوم الاقتراع. وانتقد “ترامب” مرارًا وتكرارًا ” جيروم باول”، الذي عينه أولاً لإدارة بنك الاحتياطي الفيدرالي، واقترح “ترامب” مؤخرًا أن يكون للرئيس الأميركي “على الأقل” رأي في قرارات أسعار الفائدة

وبعد إعلان البنك الفيدرالي قراره بتخفيض سعر الفائدة ورسمه صورة متفائلة للاقتصاد الأمريكي، استغلت السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض كارين جان بيير، القرار كدليل على أن سياسات إدارة بايدن-هاريس كانت ناجحة. وقالت: “أسعار الفائدة تنخفض، والاقتصاد لا يزال قوياً، وهو ما اعتقد العديد من المنتقدين أنه مستحيل”. 

اتهامات متبادلة:

قال رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي بأول، إن استقلال البنك “جيد للجمهور”، مضيفًا أنه يأمل ويعتقد أن هذا الترتيب سيستمر. وأضاف، ردًا على سؤال حول استقلال بنك الاحتياطي الفيدرالي: “نحن لا نخدم أي سياسي، أو أي شخصية سياسية، أو أي قضية، أو أي شيء”. على النقيض من ذلك، ألمح المرشح الرئاسي الجمهوري “دونالد ترامب”، إلى وجود دافع شرير وراء القرار، مشيرًا إلى أن بنك الاحتياطي الفيدرالي قد يكون “يلعب بالسياسة”. ولقد رفض باول، الذي عينه ترامب، هذا الاتهام. وقال إن “وظيفة مجلس الاحتياطي الفيدرالي هي “دعم الاقتصاد نيابة عن الشعب الأمريكي” و”لا تتم مناقشة أي شيء آخر”.

وأكد ترامب أن السبب الوحيد، بصرف النظر عن “اللعب بالسياسة”، لخفض 0.5 في المائة هو أن “الاقتصاد سيئ حقًا”. وتجدر الإشارة إلى أن أحد أهم أسلحة الرئيس السابق والمرشح الحالي للرئاسة الأمريكية ” ترامب” تتمثل في هجماته على الإدارة الحالية هو حالة الاقتصاد .كلما ساء الاقتصاد، زادت فرصه في الفوز في نوفمبر، كون أن “ترامب” ينتقد الرئيس جو بايدن ونائبة الرئيس كامالا هاريس بسبب ارتفاع الأسعار.

وفي حين إن عودة التضخم إلى مستواه المستهدف، هو خبر جيد لإدارة بايدن-هاريس سياسياً. ومع ذلك، فإن المشكلة بالنسبة لهاريس في الانتخابات المقبلة، هي أن الأسعار لا تنخفض في الواقع؛ بل لكنها لا ترتفع بالمعدل الذي كانت عليه، لكن في النهاية، سوف يتكيف الناس مع الأسعار الجديدة. ولكن في الوقت الحالي، لا يزال من السهل مقارنة السعر الحالي للسلع اليومية بما كانت عليه قبل ثلاث أو أربع سنوات .وتقول حملة “ترامب” إن التضخم يعني أن الأسرة الأمريكية النموذجية تدفع الآن 28000 دولار أمريكي سنويًا مقابل السلع أكثر مما كانت تدفعه قبل انتخاب بايد، إلا أنه في الأشهر الأخيرة، لا يمكن تجاهل زيادات الأجور التي تجاوزت معدلات التضخم، مما يعني أن الناس أصبحوا في حال أفضل في المتوسط[3].

في النهاية يمكن القول، إن هذه الخطوة، تمثل بداية نهاية سياسات أسعار الفائدة المرتفعة التي يتبعها بنك الاحتياطي الفيدرالي والتي كانت تهدف إلى تخفيض الطلب، خاصة مع تراجع التضخم الآن نحو هدف البنك المركزي الطويل الأجل البالغ 2%. بالتالي، وعلى هذه الخلفية، ربما يكون خفض أسعار الفائدة الكبير الذي أجراه بنك الاحتياطي الفيدرالي يوم الأربعاء18 سبتمبر، بمثابة أخبار جيدة للمرشحة الرئاسية الديمقراطية ونائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس، التي تخوض الانتخابات ضد الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب.

وهو ما دعا هاريس أن تصدر بيان، تذكر فيه: “بينما يعد هذا الإعلان خبرًا مرحبًا به للأمريكيين الذين تحملوا وطأة الأسعار المرتفعة، فإن تركيزي ينصب على العمل الذي ينتظرنا للاستمرار في خفض الأسعار” .ونشير في هذا السياق إلى أن أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيون إليزابيث وارن، وشيلدون وايتهاوس، وجون هيكينلوبر، قد وجهوا كتابا إلى “بأول” قبل صدور قرار الفيدرالي بيومين قائلين له: “من الواضح أن الوقت قد حان لبنك الاحتياطي الفيدرالي لخفض أسعار الفائدة. في الواقع، قد يكون الأوان قد فات: لقد هددت تأخيراتك الاقتصاد وتركت بنك الاحتياطي الفيدرالي خلف المنحنى”. وهو الأمر الذي جعل ترامب يقول إنه يستحق أن يكون له رأي في قرارات بنك الاحتياطي الفيدرالي، إذا عاد إلى البيت الأبيض. في حين أصرت كامالا هاريس على أنها لن “تتدخل” في مداولات البنك الفيدرالي.

____________________________________________________________

[1] – https://www.abc.net.au/news/2024-09-19/us-interest-rate-federal-reserve-powell-harris-trump-white-house/104369922

[2] -https://www.france24.com/en/americas/20240918-federal-reserve-lowers-us-interest-rates-weeks-before-us-election

[3] -https://www.abc.net.au/news/2024-09-19/us-interest-rate-federal-reserve-powell-harris-trump-white-house/104369922

د. مصطفى عيد إبراهيم

خبير العلاقات الدولية والمستشار السابق في وزارة الدفاع الإماراتية، وعمل كمستشار سياسي واقتصادي في سفارة دولة الإمارات بكانبرا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى