هل تواجه برامج الفقراء في مصر تداعيات الحرب الأوكرانية؟
فى ظل تصاعد التداعيات السلبية للحرب فى أوكرانيا ومن قبلها أزمة “كورونا” على الاقتصاد العالمى، وانعكاساته السلبية على الاقتصاد المصري- اتخذت الحكومة المصرية مجموعة من برامج الحماية الاجتماعية، بهدف مساعدة الفئات الأكثر تضرراً من تلك التداعيات، حيث وسعت الدولة قاعدة المستفيدين من هذه البرامج، وأعدت حزمة من البرامج الخاصة، التي اعتبرتها حماية اجتماعية استثنائية، سعياً لتخفيف الأعباء عن كاهل الأسرة المصرية من تلك الفئة المجتمعية.
لتوضيح ما سبق، يسعى هذا التحليل قراءة وتحليل الإجراءات الاستثنائية في برامج الحماية الاجتماعية التي اتخذتها الحكومة المصرية لمصلحة المواطن، وحدود انعكاساتها عليهم.
برامج جادة:
شرعت الحكومة المصرية في تنفيذ برنامج طموح واسع النطاق لإعادة تعريف العقد الاجتماعي، تتمثل أحد مكوناته في التحول من الدعم الذي يتّصف بالتعميم وقلة الكفاءة إلى شبكات حماية اجتماعية تتّسم بالكفاءة واستهداف الشرائح المجتمعية الأولى بالرعاية. وبصورة عامة، استطاعت الحكومة في هذا الصدد إحراز بعض التقدم تجاه إنشاء سجل قومي موحد لتحديد الأُسر التي تعاني من الفقر،- وقد ارتفع إجمالي الإنفاق على برامج الحماية الاجتماعية كما هو موضح بالشكل رقم 1 من 198.5 مليار جنيه من بداية هذه البرامج فى عام 2014-2015 إلى 283.4 مليار جنيه فى 2021/ 2022 مما يعكس الاهتمام الكبير من قبل الدولة بالحماية الاجتماعية، ويمكن توضيح أهم هذه البرامج فيما يلي:
شكل رقم (1) تطور الإنفاق الحكومي على البرامج الاجتماعية
المصدر: الشكل من إعداد الباحث، بالاعتماد على بيانات الجهاز المركزي للإحصاء
(*)- الدعم النقدي “تكافل وكرامة”: حققت مصر تقدمًا كبيرًا في وضع أسس برنامج للدعم النقدي “تكافل وكرامة”، حيث يدور محور تركيز “تكافل” حول الأسرة، ويقوم بتقديم الدعم النقدي “المشروط” للأمهات، بشرط حصولهن وحصول أطفالهن على الخدمات الصحية أو انتظام الأطفال في الدراسة بنسبة حضور لا تقل عن 80%. على الجانب الآخر، يركز “كرامة” على الأفراد، ويقوم بتقديم الدعم النقدى “غير المشروط” إلى كبار السن والأشخاص الذين يعانون من الإعاقة التي تحُولهم عن العمل، وقد قامت الحكومة بإطلاق هذا البرنامج في عام 2015 بدعم من البنك الدولي “عبر قرض وصلت قيمته إلى 400 مليون دولار”، ولكن يبقى الأهم أن البرنامج أصبح معتمدًا بشكل شبه كُلّى على التمويل المحلي من الموازنة العامة. وقد حقق نتائج ايجابية قوية للفئات المستحقة فى المجتمع، وقد كان الاهتمام ببرنامجي تكافل وكرامة يتم بالتوازي من حيث الفئات المستهدفة، وذلك على النحو التالي:
1- يتضح من الشكل رقم (2) أن عدد المستفيدين من الأسر المصرية، وصل فى عام 2022 إلى 5 مليون أسرة، وهذا حدث بعد قيام الدولة بتوسيع قاعدة المستفيدين من برنامج تكافل وكرامة بضم مليون أسرة جديدة، حيث كان عدد الأسر المستفيدة يقدر بـ 4.1 مليون أسرة، وعليه أصبح عدد المواطنين المستفيدين من برنامج تكافل وكرامة حوالي 20 مليون مواطن، وهذا وقد وصلت تكلفة تمويل برنامج برنامج تكافل وكرامة إلى 60 مليار جنيه فى الخمس سنوات الماضية. فكما يتضح من الشكل رقم (3) أن حجم تمويل برنامج تكافل وكرامة وصل من 19 مليار جنيه فى عام 2021 إلى 25 مليار جنيه فى أبريل 2022، وترجع هذه الزيادة إلى ضم مليون أسرة إضافية ضمن البرنامج.
شكل رقم (2) يوضح عدد المستفيدين من كرامة وتكافل من الأسر والمواطنين
المصدر: الشكل من إعداد الباحثة، بالاعتماد على البيانات المنشورة في التقارير الرسمية للحكومة المصرية
2- إن التوسع فى حجم التمويل كما هو موضح بالأشكال المنشورة، يشير إلى حدوث توسع واضح فى حجم المظلة الاجتماعية للأسر الأولى بالرعاية، وبهذا يعد برنامج تكافل وكرامة، هو أكبر برنامج دعم نقدى مشروط يهدف إلى مساعدة المواطنين وتمكينهم ، فالمواطن الذي استفاد من برنامج تكافل وكرامة شعر بأنه مشمول برعاية الدولة فى توفير دخل شهري له، وهو ما لقي استحسان كبير من قبل المواطنين. وهنا تجدر الإشارة وفي ذات الشأن أن وزارة التضامن الاجتماعي، وقعت مذكرة تفاهم مع الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية لتنفيذ برنامج ” مشروع قوى عاملة مصر “، حيث يقوم هذا المشروع، بتوفير فرص عمل للمستفيدين من برنامج “تكافل وكرامة” و “حياة كريمة” هذا بالإضافة إلى توفير الدعم اللازم وتوفير المعدات الإلكترونية اللازمة للوحدات المركزية والفرعية. تحليل ما سبق، يوضح أن وزارة التضامن الاجتماعي تعمل على التمكين الاقتصادي للسيدات وتحول الشباب إلى الإنتاج والانتقال إلى سوق العمل، خاصة أن مشروع “قوى عاملة مصر” يهدف إلى دعم المهارات الإنتاجية والتوظيف وتعزيز مهارات القوى العاملة من خلال إنشاء آليات مؤسسية يمكنها سد الفجوة بين العرض والطلب فى سوق العمل المصري.
شكل رقم (3) يوضح تطور تمويل برنامج تكافل وكرامة
المصدر: الشكل من إعداد الباحثة، بالاعتماد على البيانات المنشورة بالجهاز المركزي للإحصاء
(*)- الزيادة التموينية: من منطلق أن بطاقة التموين، أصبحت آلية تستطيع الدولة من خلالها تعويض الأسر المصرية محدودة الدخل والمستفيدة من البطاقات التموينية نتيجة تقلبات سعر الصرف للعملة ومواجهة التضخم، فإن زيادة التموين الجديدة تأتى ضمن إجراءات الحماية الاجتماعية، التى تتخذها الحكومة، والتى بدأت فى أول سبتمبر الجاري 2022، وستشمل هذه الزيادة الجديدة الدعم لنحو 36 مليون مستفيد من أصحاب البطاقات التموينية، وهذا يقدر من إجمالي 64 مليون مستفيد من الأسر الأولى بالرعاية، ويستمر هذا الدعم لمدة 6 أشهر، حيث تشمل إجراءات الحماية إضافة 100 جنيه للبطاقة التموينية، التى تضم أسرة واحدة و200 للبطاقة التى تشمل أسرتين أو ثلاث أسر، و300 لأكثر من 3 أسر. وبالتالي يمكن القول إنه وفقا لهذه الزيادة الرقمية، تلاحظ زيادة القوة الشرائية للأسر، فقد حصلوا على مجموع سلع تموينية أكثر مما كانوا يحصلون عليه من قبل، وفى سبيل ذلك قامت الحكومة بزيادة عدد السلع إلى 29 سلعة بدلا من 25 سلعة بمنافذ الصرف بعد إضافة 5 سلع جديدة، وبالتالي استفادت 1.8 مليون أسرة من الزيادة التموينية بواقع 8 مليون بطاقة تموين من إجمالي 23 مليون بطاقة دعم. وعليه تكون التكلفة الإجمالية لهذه الزيادة 3 مليارات و833 مليون، ومن التصنيف الذي حددته وزارة التموين والتجارة الداخلية يتبين عدالة اختيار الفئات المستحقة، حيث تم تحديد الأسر الأكثر احتياجاً وتشمل أصحاب الرواتب الشهرية الأقل من 2700 جنيه وأصحاب المعاش الذي يقل عن 2500 جنيه، والفئة الثالثة مستفيدي تكافل وكرامة، وأصحاب معاش الضمان الاجتماعي.
شكل رقم (4) يوضح عدد المستفيدين من الزيادة التموينية
المصدر: الشكل من إعداد الباحثة، بالاعتماد على البيان الصادر عن وزارة التموين والتجارة الداخلية
(*) منحة العمالة غير المنتظمة: يعد من ضمن إجراءات الدولة لدعم الفئات المتضررة من الأزمات، هو قيام الحكومة بصرف منح للعمالة غير المنتظمة، التي تضررت بشدة من تأثيرات فيروس كورونا على النشاط الاقتصادي فى الدولة، فقد وصل إجمالي ما تم صرفه 58 مليون جنيه بصرف 500 جنيه شهرياً للفئات المستحقة، وتشمل كل من العمالة اليومية، والعاملين في قطاع السياحة، والعاملين في المهن الحرة، إلى جانب العاملين في القطاعات غير المنتظمة ولا يتمتعون بنظام تأميني، ووفقا للمعلن استفاد 1.5 مليون مواطن من منحة العمالة غير المنتظمة، وحصلت نسبة كبيرة من المستحقين على هذه المنحة.
انعكاسات مجتمعية:
القراءة المنطقية للمشهد المصري منذ أزمة كورونا حتى الوقت الراهن، تشير خاصة في القرى والريف والمناطق الشعبية- إلى انعكاس ايجابي واضح لبرامج الحماية الاجتماعية على فئات واسعة من المواطنين المصريين، قد يتمثل في تخفيف العبء والآثار السلبية لارتفاع الأسعار عالميا، ويمكن توضيح ذلك على النحو التالي:
(&)- ساهم برنامج تكافل فى زيادة نسبة التحاق الأطفال بالتعليم، وتقليل نسبة التسرب من المدارس بالقرى والنجوع، والذي ربما كان سيتزايد نتيجة ارتفاع أسعار الغذاء والمتطلبات الضرورية للأسر، حيث اشترط البرنامج حضور أبناء الأسر المستفيدة لحصصهم المدرسية بنسب لا تقل عن 80%، كما وقعت وزارة التضامن برتوكول مع وزارة التربية والتعليم بشأن تسجيل غياب الطلاب المستفيدين من برنامج تكافل، مما أنعكس على موسم الدراسة وانتظام الطلاب فى الحضور. هذا بالإضافة إلى أن هذا البرنامج التكافلي حقق أهدافاً صحية، تتمثل في تحسين الصحة العامة من خلال دعوة الأمهات بتلك الأُسر لحضور جلسات توعية صحية، ومتابعة الحمل، وإعطاء الأطفال كافة التطعيم الدورية على مدار الـ6 سنوات العمرية الأولى، فقد وصل عدد الأطفال المستفيدين من تكافل وكرامة إلى ٤.٤ مليون مستفيد. كما قد ساهم برنامج كرامة، فى تحسين أحوال المسنين والمعاقين، وكفلهم بالرعاية، حيث يحصل هؤلاء المواطنون الأولى بالرعاية على معاش شهري قدره 450 جنيها وبدون شروط. وكان مبلغ المعاش بادئ الأمر 350 جنيها، لكن تمت زيادته في الآونة الأخيرة إلى 450 جنيها لتمكين المستفيدين من مواجهة زيادات الأسعار.
(&) الزيادة التموينية وما اشتملت عليه من زيادة فى حجم السلع التى يحصل عليها المواطنين، فقد لاقى قرار الزيادة التمونية في هذا التوقيت ترحيباً واسعاً فى الشارع المصرى، وزاد الاستحسان بالأخص عند المواطنين، الذين حصلوا عليها، وزادت ثقتهم فى قرارات صناع القرار التى تعمل على تخفيف أزماتهم المعيشية، ولكن ما يعيبها فقط، وهو ما يتحدث عنه المواطنون أنها استثنائية لمدة 6 أشهر فقط، لذا يقترح أن يتم استدامتها، حيث أنها تُخفف من وطأة الظروف الاقتصادية على المواطن المصرى فى ظل هذه الأزمات.
فى النهاية، يتضح لنا نجاح مساعي الدولة المصرية فى تخفيف حدة الظروف الاقتصادية على المواطن المصرى، فحزمة برامج الحماية الاجتماعية التى اتخذتها الحكومة تؤكد استجابة قرارات الحكومة لمطالبات الشارع المصرى التى تعبر عنها لجان الحوار الوطنى المختلفة التى تقف على قدم وساق مع ما يحتاج إليه المواطن المصري فى ظل هذه الفترة. واستكمالا لدور الدولة الفعال فى تحسين الظروف الاقتصادية على المواطن المصري، قد يكون من الضروري في ظل احتمالات عدم قدرة الموازنة العامة للدولة على تحمل مزيد من أعباء برامج الحماية الاجتماعية بصفة دائمة- تدعيم المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر، حيث تعد برامج سوق العمل النشط أحد أهم برامج الحماية الاجتماعية، التي تمكن الفقراء من الانخراط في سوق العمل، بما يمكنهم من الاعتماد على أنفسهم وتضمن لهم دخلا مناسبا مما يقلل اعتمادهم تدريجيا على شبكات الأمان الاجتماعي، ومن ثم انضمامهم إلى نظم التأمينات الاجتماعية. هذا بالإضافة إلى ضروري إعادة النظر فى قاعدة البيانات الخاصة ببرنامجي تكافل وكرامة، منها تقليل حدة الكشف الطبي على كل من لدية شهادة إعاقة، خاصة أن هناك عدد غير قليل من أصحاب الشهادات يتأخرون في الحصول على الإعانة بسبب تكرار الكشوف الطبية، كما أنه من الضروري إعادة التفكير في منظومة ربط استحقاق كرامة وتكافل بالحيازة الزراعية.