آليات أكتوبر.. هل انعكست إجراءات الحكومة المصرية على الأسعار؟

بعد الأزمة الروسية الأوكرانية ارتفعت الأسعار في العالم أجمع، وأصبحت معدلات التضخم مرتفعة للغاية في العديد من الدول، فالوضع في السوق المصري يُعتبر أزمة مُصدرة من الخارج؛ لذلك تقوم الحكومة المصرية باتخاذ العديد من الإجراءات التي تُخفف من حدة التضخم في السلع الأساسية في السوق، إذ أطلقت مبادرة لتخفيض السلع في أكتوبر الماضي، بالإضافة إلى القرار الذي تم اتخاذه حديثًا، والذي يعمل على إعفاء البضائع المتداولة في الموانئ من رسوم الأرضيات لمدة 3 أشهر، علي أن يكون بأثر رجعي من منتصف شهر أكتوبر الماضي، وهو الأمر الذي من المتوقع أن يُخفض الأسعار في السوق بشكل كبير.

وتأسيسًا عما سبق يتطرق هذا التحليل إلى أسباب أزمة ارتفاع الأسعار في مصر، بالإضافة إلى التعرف على الانعكاسات الإيجابية لهذه القرارات الحكومية الأخيرة.

دوافع الأزمة:

ارتفعت أسعار الغذاء في مصر بسبب مجموعة العوامل، حفزت هذه الموجة التضخمية، وهي ما يلي: –

(*) تأثيرات الأزمة الروسية الأوكرانية: تسببت هذه الأزمة التي اندلعت في فبراير عام 2022، في إحداث خلل في توريدات الغذاء العالمية، إذ ضعُفت سلاسل الإمداد والتوريد بشكل كبير بعد هذه الأزمة، وكانت مصر من أكثر الدول تضررًا من هذا الوضع، حيث تستورد مصر حوالي 80% من واردتها من القمح من كلاً من روسيا وأوكرانيا أي حوالي 12.9 مليون طن، فانخفضت هذه الواردات بشكل كبير بعد هذه الأزمة، بالإضافة إلى تأثير الأزمة على أسعار القمح العالمية، التي عملت علي رفع تكلفة الاستيراد علي الدولة المصرية، إذ قامت وزارة المالية برفع أسعار القمح في موازنة العام المالي 2022/2023 إلي 424 دولارًا للطن، بالمُقارنة بـ 330 دولارًا للطن، وهو ما ترتب عليه كما يوضح الشكل رقم (1) ارتفاع التكلفة من 4.2 مليار دولار قبل الأزمة إلي 5.5 مليار دولار بعد الأزمة، وهو ما يوضح حجم العبء الاقتصادي علي الدولة المصرية لتوفير سلعة غذائية هامة وهي القمح.

بالإضافة إلى ذلك خفضت كلاً من روسيا وأوكرانيا صادراتها من الحبوب، وتأزمت المشكلة من إن الواردات من الحبوب لا يُمكن تعويضها من دول أخري، وهو ما أدي إلى نقص المعروض العالمي من الحبوب، وهو ما ترتب عليه نقص المعروض داخل الدول المستوردة لها، ومن ناحية أخري حدثت زيادة كبيرة في أسعار الأسمدة بنسبة 300% مع بداية عام 2022، الأمر الذي شكل ضغط على منتجي الأغذية في الدول المختلفة.

المصدر: الشكل بالاعتماد على بيانات وزارة المالية

(*) ارتفاع أسعار الطاقة: اتجهت أسعار الطاقة العالمية إلى الارتفاع بشكل كبير، من جراء الأزمات العالمية المختلفة التي عصفت بالعالم أجمع، خاصة أزمة فيروس كورونا والأزمة الروسية الأوكرانية التي تم الإشارة إليها سابقًا، حيث تسببت في ارتفاع أسعار الغاز بشكل ملحوظ، الذي يُعتبر عامل أساسي في إنتاج الأسمدة، ذات الاستهلاك الكبير للطاقة، فكما يوضح الشكل رقم (2) إن أسعار سلة أوبك أخذت اتجاه تصاعدي بعد الأزمة الروسية الأوكرانية، إذ ارتفعت من 63.24 دولار في أبريل 2021 إلي 113.48 دولار في مارس 2022، وعلي الرغم من انخفاضها في عام 2023، إلا إنها تظل مرتفعة عن المعدلات في عام 2021، إذ سجلت 92.35 دولار في 4 أكتوبر 2023؛ ويرجع السبب وراء ذلك هو زيادة الطلب العالمي بعد التعافي من أزمة فيروس كورونا.

المصدر: أوبك

(*) ارتفاع الأسعار العالمية: نتج عن الأزمات العالمية وتقطع سلاسل الإمداد، ارتفاع كبير في أسعار السلع العالمية كما يتضح من الشكل رقم (3) الذي يدل علي ارتفاع مؤشر أسعار الأغذية بعد الحرب بشكل كبير، إذ إنه في عام 2022 حدث ارتفاع كبير في هذا المؤشر، حيث سجل 143.7 بالمُقارنة بـ 91.9 في عام 2016، أي ارتفع بمقدار 56.4%، وعلى الرغم من انخفاضه في أغسطس 2023 إلا إنه مازال مرتفع بدرجة كبيرة عن مقياسه في الأعوام التي سبقت أزمتي فيروس كورونا والأزمة الروسية الأوكرانية، وهو الارتفاع الذي شهدته أسعار السلع الغذائية في العالم، الأمر الذي ترتب علي زيادة تكلفة الواردات علي الدول المستوردة، مما تسبب في رفع أسعار السلع داخل دولهم.

المصدر: منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة

(*) استغلال التجار: تتمثل أحد العوامل الداخلية التي ساهمت في تفاقم أزمة ارتفاع أسعار السلع الغذائية داخل الدولة المصرية، هو استغلال التجار، إذ استغل التجار تصدير الأزمة العالمية إلى الداخل المصري، وعملوا على رفع هامش الربح الخاص بهم، وهو الأمر الذي توضح من خلال حدوث تفاوت في الأسعار بين المتاجر المختلفة، بالإضافة إلى ذلك حدوث خلل في منظومة ضبط الأسواق، وهو ما جعل رئيس الوزراء المصري يوجه بسرعة ضبط السوق المصري والتأكد من توافر السلع الأساسية.

قرارات محورية:

كنتيجة طبيعية للوضع الحالي في السوق المصري، اتخذت الحكومة مجموعة من القرارات التي تُحدث الاستقرار في الأسعار، ومن هذه القرارات ما يلي:

(-) إعفاء البضائع في الموانئ من رسوم الأرضيات: يُعتبر هذا القرار من القرارات الهامة جداً التي اتخذتها الحكومة في الوقت الحالي، إذ إن عدم دفع هذه الرسوم يُقلل من تكلفة الاستيراد، فمن هنا يكون سعر السوق أقل مما كان عليه، بشرط إحكام الرقابة على السوق المصري؛ لمنع جشع التجار واعتبار هذا التخفيض هامش ربح إضافي له، وفي هذا الإطار اتخذت الحكومة المصرية العديد من الإجراءات في عام 2019؛ لتبسيط الإجراءات الجمركية، وتقليص زمن الإفراج وتكاليف التخليص الجمركي، وهو الأمر الذي سيؤتي ثماره على استقرار الأسعار في مصر.

(-) مبادرة حكومية لخفض الأسعار: شارك في هذه المبادرة عدد من الفاعلين الأساسين في إجراءات خفض الأسعار مثل رئيس الاتحاد العام للغرف التجارية، و رئيس اتحاد الصناعات ورئيس جهاز حماية المستهلك ومنع الممارسات الاحتكارية، وفي هذا الإطار تعمل هذه المبادرة على خفض أسعار السلع من خلال العمل علي زيادة المعروض داخل السوق المصري بشكل يتناسب مع حجم الطلب المحلي، كما تعمل المبادرة على تقديم تسهيلات، تتمثل في التخفيض من الغرامات الملاحية، وتخفيض الرسوم من الجهات الرقابية، وكما تلزم المبادرة المُنتجين بتخفيض جزء من هامش ربحها؛ للمساعدة في توفير السلع الأساسية للمواطنين بأسعار مناسبة، كما إن المبادرة تُلزم البنك المركزي المصري بتوفير المكون الدولاري؛ لزيادة المعروض من السلع الأساسية.

انعكاسات جوهرية:

يأتي اتخاذ هذه الإجراءات في الوقت الحالي من السياسات الهامة التي اتخذتها الحكومة المصرية، والتي ستنعكس على تحقيق العديد من المكاسب الإيجابية داخل السوق المصري، والتي تتمثل في الآتي: –

(*) انخفاض الموجة التضخمية: من المُحتمل أن يترتب على هذه الإجراءات، انتهاء الموجة التضخمية التي انتشرت بين أسعار السلع الغذائية في مصر، إذ إن التحرك الحكومي نحو الأزمة، يعطي الضوء الأخضر لإنهائها تمامًا، وهو الأمر الذي سيعمل على تخفيض التضخم العام داخل الدولة المصرية، إذ تُساهم أسعار السلع الغذائية بنسبة كبيرة في ارتفاع معدلات التضخم داخل مصر، الأمر الذي يُشير إن مجابهة تضخم أسعار الغذاء سيترتب عليها انخفاض كبير في معدل التضخم العام داخل الدولة.

(*) سرعة ضبط الأسواق: إن قرار تخفيض الرسوم على البضائع المتداولة في الموانئ، واجتماع رئيس الوزراء المصري مع التجار والصناع؛ لبحث مشكلة ارتفاع أسعار الغذاء، سيعمل بشكل أساسي على تحقيق سرعة ضبط الأسعار داخل السوق المصري، إذ إن تشديد الرقابة على سوق السلع سيضع حدًا لمشكلة استغلال التجار بشكل كبير داخل الدولة المصرية، كما سيجعل سعر السلعة يعبر عن تكلفتها،فإن حل المشكلة يبدأ بتوحيد الجهود المختلفة نحو إنهائها.

(-) سرعة الإفراج الجمركي عن البضائع: من المُحتمل بشكل كبير إن يترتب على قرار خفض رسوم الأرضيات، سرعة الإفراج الجمركي عن البضائع المحتجزة في الموانئ، الأمر الذي يعمل علي زيادة المعروض في السوق المصري، بقدر يعمل على تغطية الطلب المحلي، إذ إن هذا القرار يعمل علي زيادة الإنتاج، فمن ثم تنخفض الأسعار بشكل كبير في السوق.

(*) زيادة الرضا العام: ستنعكس الإجراءات التي تتخذها الحكومة علي زيادة الرضا الشعبي عن توجهات الحكومة المصرية، إذ إن ارتفاع أسعار السلع تمس بشكل رئيسي المواطن المصري، فالعمل على مواجهتها من جانب الحكومة المصرية، سيزيد من قناعات الشعب المصري، إن الحكومة المصرية تُدرك المشاكل التي تواجهه وتعمل على حلها، وهو مسار إيجابي في طريق التنمية.

(*) زيادة القدرة الشرائية: انطلاقًا من الحقيقة التي تُشير إنالمواطن المصري يستهلك جزء كبير من دخله في الإنفاق على السلع الغذائية، فإن ارتفاع أسعار السلع الغذائية يعمل على امتصاص جزء كبير من دخل المواطن، ويترتب عليه انخفاض القوة الشرائية لدخله، وفي المقابل فإن انخفاض أسعار السلع الغذائية سيعمل علي زيادة القوة الشرائية لدخل المواطن المصري، أي يستطيع شراء كميات كبيرة من السلع بنفس قيمة الدخل الشهري، وهو ما يعمل علي زيادة المنفعة الاقتصادية للمواطن.

وعليه، يُمكن القول، إن إجراءات الحكومة المصرية؛ لخفض أسعار السلع الأساسية، تُعتبر خطوة في الطريق السليم نحو تحقيق التنمية المستدامة داخل الدولة المصرية، كما إنها سيترتب عليها تحقيق مزيد من الاستقرار داخل السوق المصري، الأمر الذي سينعكس بشكل إيجابي على المواطن المصري، ويجعله أكثر قدرة على توفير احتياجاته الأساسية، وهو ما سيؤثر على زيادة الرفاهية الكلية للمواطن المصري.

رضوى محمد سعيد

رئيس برنامج الدراسات المصرفية بالمركز، والمشرف على برنامج دراسات السياسات العامة. الباحثة حاصلة على بكالوريوس اقتصاد، كلية اقتصاد وعلوم سياسية- جامعة القاهرة، الباحثة مهتمة بتحليل القضايا الاقتصادية الكلية، عملت كباحثة متخصصة في تحليل السياسات العامة المصرية بالعديد من الشركات المتخصصة ومراكز الفكر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى