هل يشهد عام 2022 مصالحة إيرانية سعودية؟
دعت إيران مؤخراً، إلى حوار إقليمي شامل يضم كلا من السعودية ومصر وتركيا لمعالجة مشاكل الشرق الأوسط، مؤكدة استعدادها لإعادة العلاقات مع الرياض، تأتي هذه الدعوة بعد أن أجرت السعودية وإيران عام 2021 عدد 4 جولات من المحادثات في بغداد كانت حول تطبيع العلاقات المقطوعة، وسبل حل الخلافات، والتطرق إلى المسائل العالقة وفقاً لخارطة طريق تم الاتفاق عليها سابقاً، بما في ذلك التمثيل الدبلوماسي بين البلدين، وتشير تلك التطورات الأخيرة إلى بدء ذوبان الجليد في العلاقات في خطوة من الممكن أن تقود إلى تطبيع العلاقات الثنائية- وبالتالي، وهل يشير ما على ما سبق إعادة العلاقات الكاملة بين البلدين؟ وهل تصل العلاقات إلى مستوى بناء تحالف وثيق بين الرياض وطهران؟ وهل يعني ذلك أن طهران ستفرط في كل الأوراق التي كسبتها في المنطقة؟.
نقاط التوتر:
اتسمت العلاقات السعودية الإيرانية بالاحتقان الشديد، بين البلدين فقد قطعت السعودية العلاقات الدبلوماسية مع إيران في 1988 بعد مصرع أكثر من 400 شخص، معظمهم إيرانيون، أثناء أدائهم فريضة الحج، في منى في صدامات مع الشرطة السعودية، وتم استعادة العلاقات عام 1991، وتم قطعها مجدداً في مطلع 2016، على وقع تصاعد الأزمة بين البلدين إثر إعدام السلطات السعودية لرجل الدين الشيعي “نمر النمر” وما تلي ذلك من مهاجمة متظاهرين إيرانيين للسفارة والقنصلية السعوديتين في إيران، ومنذ ذلك الحين، تصاعد التوتر بين السعودية وإيران وتزايدت حدة الخلافات بينهما في كافة القضايا الإقليمية خاصة في اليمن وسوريا ولبنان، فعلى مدى السنوات الماضية، تمكنت طهران من تثبيت نفوذها عبر حلفائها في دول مثل لبنان سوريا والعراق واليمن، التي شهدت الدولة الوطنية في كل منها ضعفاً ملحوظاً، ولذلك فإن التصالح بين البلدين يمكن أن ينهي الصراعات التي ارتبطت بتدخل هذه القوى أو ما يعرف بـ”حروب الوكالة” باتت في طريقها إلى الحل.
وتعد الخلافات الحالية بين الدولتين في أعمال المباحثات القادمة هي في أهمية الملفات، خاصةً أن السعودية تريد بعض الترتيبات التي تتناسب معها وأولوية فيما يتعلق بالملف اليمني، فيما ترى إيران ضرورة العمل ضمن مسار تطبيع العلاقات بين الجانبين وعودة السفارات والسفراء ومن ثم النظر في ملفات المنطقة الأخرى، ففيما يتعلق بالحرب في اليمن، فمنذ عام 2015، قادت السعودية تحالفا عسكرياً لدعم الحكومة اليمنية ضد المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران، وتتبادل البلدان الاتهامات حيال تأجيج الصراع في اليمن إذ تتهم السعودية إيران بتسليح الحوثيين فيما تصر طهران على أن دعمها للحوثيين ذو طابع سياسي فقط، ويمكن العمل على حل هذا الخلاف الحاد في العلاقات بينهما، فقد يتعين على إيران بذل الجهد على الصعيد الدبلوماسي فيما يتعلق بالصراع في اليمن، وذلك من خلال إبرام اتفاق لوقف إطلاق النار بين الأطراف المتحاربة في اليمن، ولكن يبدو أن إيران ترفض أن يكون الحوار من أجل حل القضية اليمنية في الأساس، حيث أوضحت طهران أن ما يتعلق باليمن يمكن مناقشته مع اليمنيين.
تصريحات دافئة:
شهدت الفترة الماضية بعض التغيير في شكل العلاقة بين الرياض وطهران، أكدتها عديد من التصريحات من أهمها، ما يلي:
(*) التصريح الأول، أعرب فيه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان عن أمله في أن “تؤدي المحادثات مع إيران إلى نتائج ملموسة لبناء الثقة وإحياء العلاقات الثنائية”، بالإضافة إلى أنه أجرى عدد من المسئولون السعوديون والإيرانيون جولات من المباحثات خلال الأشهر الماضية في بغداد، كُشف عنها للمرة الأولى في أبريل 2021، وفقاً لما أعلنه المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زاده، أنّه “في الأشهر القليلة الماضية، أجرينا اتصالات أكثر تنظيماً مع السعودية”، وأنها “كانت هناك محادثات جيدة حول القضايا الثنائية”، كما سبق أكدت طهران مراراً أنها ترحب دائماً بالحوار مع الرياض، وأنها مستعدة لـ “إجراء محادثات مع السعودية على أي مستوى، وقد ترجمت هذا التصريحات في لقاء تم في بغداد في شهر أغسطس الماضي مؤتمراً إقليمياً جمع رؤساء دول عربية وكبار المسؤولين، بمن فيهم وزيرا خارجية إيران والسعودية، كما كان في نهاية شهر سبتمبر الماضي لقاء في العاصمة بغداد جمع بين ممثلين سعوديين وإيرانيين، وذلك ضمن جولات المحادثات بين البلدين.
(*) كان أيضاً تصريحًا لافتًا من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان عندما قال في كلمة له أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، في 22 من سبتمبر 2021 أن “إيران دولة جارة، وكل ما نطمح له أن تكون لدينا علاقة طيبة ومميزة معها”، ثم أضاف: “نريد أن تكون إيران مزدهرة، لدينا مصالح معها ولديهم مصالح معنا”، رغم أنه استدرك القول بوجود “تصرفات سلبية لإيران في البرنامج النووي والصواريخ الباليستية ودعم ميليشيات خارجة عن القانون”، في إشارته للحوثيين، لكنه مع ذلك استطرد بأنه يتم العمل لإيجاد حلول للإشكاليات وتجاوزها، وجاء الرد الإيراني على تصريحات بن سلمان ليؤكد حسن النية، إذ صرحت الخارجية الإيرانية بأن الطرفين يمكنهما “وضع خلافاتهما السابقة جانبًا وبدء فصل جديد من التفاعل والتعاون من خلال الحوار البناء”.
(*) وقد جمع لقاء بين وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان ونظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان في العاصمة الباكستانية إسلام أباد، ورغم أن اللقاء قال عنه المتحدث باسم الخارجية الإيرانية أنه كان “لقاء مجاملة عابر”، بحسب وكالة أنباء “فارس” الإيرانية، إلا أنه خطوة لكسر الجليد بين البلدين، خاصة بعد إعلان عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، جليل رحيمي جهان أبادي، عبر حسابه على “تويتر”، إن العلاقات بين إيران والسعودية يتم إحياؤها وإن السفارتين تستعدان لإعادة فتحهما، وهى خطوة تهدف للحد من التوترات الإقليمية، كما ستشهد العاصمة العراقية بغداد، خلال الفترة المقبلة، جولة جديدة “الخامسة” من المفاوضات بين البلدين، لإحياء العلاقات بين طهران والرياض، التي شهدت تصدعا ًكبيراً خلال السنوات الماضية.
(*) لم تقتصر تلك التقاربات على الزيارات المتبادلة للمسئولين وإعلان استعادة العلاقات، بل شملت أيضا خطوات عملية كتوقيع اتفاقيات للتعاون الاقتصادي والاستثماري، تحدث عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية الإيرانية في البرلمان الإيراني، جليل رحيمي جيهان أبادي، عن استعاد إيران والسعودية لإعادة افتتاح سفارتيهما، بعد إغلاقهما منذ نحو ست سنوات.
وترتيباً على ما سبق، يمكن اعتبار أن اللقاءات والتصريحات تشير لمؤشر إيجابي لاحتمالية إجراء لقاء بين إيران والسعودية في بغداد، أو ما يعرف بالجولة الخامسة من اللقاءات، لكن ترتيب بعض النقاط في المحادثات وجدول الأعمال هو المختلف عليها في الوقت الراهن، حيث أن طهران ترغب في الحديث عن القضايا الثنائية فقط أولاً، في حين أن الرياض ترغب في أن تكون القضايا الإقليمية على رأس النقاط التي يجب حلها أولاً، لكن لغة المصالح قد تجبر الفرقاء على التقارب، خصوصًا عندما يتبين أن الإمعان في العداء يعود سلبًا على البلدين، لذلك تثمر المصالحة عن نتائج هامة في عدة ملفات في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي، منها على سبيل المثال:
(&) تحتاج إيران بدورها للمصالحة، إذ تدرك أن علاقة مثمرة مع السعودية تعني علاقات أفضل مع الكيان العربي، وتحسين صورتها أما العالم الإسلامي السني وعودة العلاقات مع الدول العربية مما يعود عليها بالنفع اقتصادياً وسياسياً.
(&) الملف اليمني، حيث يمكن للصلح بين الجانبين أن يدفع إلى إنهاء الحرب بشكل سلمي، وإنهاء الحرب في اليمن.
(&) الملف اللبناني، إذ يمكن للجانبين المساهمة في حل الأزمة السياسية (حيث توجد قوى سياسية في لبنان موالية لإيران كحزب الله)، ويمكن للتأثير أن يصل حد الأزمة السورية وكذلك الوضع في العراق.
(&) تخفيف الاستقطاب السني-الشيعي الذي كان أحد أسباب احتدام المعارك في سوريا وتردي الوضع الأمني في العراق واندلاع الأزمة اليمنية، خاصةً مع تخلي الدولتين من حدة المشاريع القائمة على المذهب.
خطوات جادة نحو التقارب:
رصد العديد من الخبراء المقربين من الشأنين السعودي والإيراني، عدة خطوات تدلل على أن هناك رغبة في التقارب، وسيمكن التطرق إلى هذه الدلالات على النحو التالي:
- استأنفت إيران صادراتها إلى السعودية، واعتبرت أن هذه الخطوة هي ثمرة المباحثات مع الرياض بواسطة العراق.
- وافقت السعودية على منح تأشيرات لثلاثة دبلوماسيين إيرانيين للإقامة في المملكة، في علامة جديدة على تحسن العلاقات المقطوعة بين البلدين.
- عودة الممثلين عن إيران لدى منظمة التعاون الإسلامي إلى مقرهم في مدينة جدة السعودية، وهي الخطوة التي اعتبروها خطوة إيجابية.
- تنخرط السعودية في مساعي عودة الحكومة السورية إلى الجامعة العربية وهو الانخراط الذي ترحب به إيران الداعم القوي للرئيس السوري بشار الأسد.
- إقدام الإمارات – حليف السعودية الوثيق- على تهدئة التوتر مع إيران في الآونة الأخيرة.
- عدم تطبيع العلاقات القائمة السعودية مع إسرائيل بشكل رسمي وهو ما تنظر إليه إيران بإيجابية.
لكن يبقى القلق دائماً من الجانب الإيراني، حيث تزداد المخاوف الإقليمية من السياسات الإيرانية في المنطقة؛ لأن طهران تنتهج موقفاً يتسم بالمماطلة دائماً، ويخشى من عدم الجدية بشأن محادثاتها مع الرياض، بالرغم من أن المملكة ترغب في دفع المناقشات نحو القضايا الجوهرية التي تتعلق بسلوك الحكومة الإيرانية في المنطقة والعمل على حلها، خلاصة القول يتعين على إيران التي لديها مصلحة كبيرة في تعزيز علاقاتها التجارية في محيطها الإقليمي، وقد يترجم هذا في السلوك الإيراني خلال الفترة المقبلة في المنطقة، والتي قد تشهد فيه العلاقات الإيرانية السعودية صفحة جديدة، ترسمها المتغيرات والمصالح المشتركة، وتحقيق فكرة تسوية قضايا الخلاف يمكن أن تقوم على مبدأ أن يربح الجميع، ولكن يبقى الأكيد أن أي اتفاق إيراني سعودي، سيؤدي إلى تخفيف الاحتقان وليس إلى إنهائه في المنطقة، لأن هناك ظروفاً تفرض نفسها وقد لا تسمح بإنهاء الأزمات بشكل كامل.