السيناريو المحتمل بعد صواريخ إيران تجاه إسرئيل؟

شنت إيران مساء أمس الثلاثاء الأول من أكتوبر 2024، هجومًا بالصواريخ الباليستية على إسرائيل، وهو ما اعتبره البعض، بمثابة “تمثيلية” لعدم وجود خسائر كبيرة سواء بشرية أو مادية للكيان. تجدر الإشارة إلى أن  “الحرس الثوري” الإيراني أطلق مئات الصواريخ الباليستية، مستهدفاً عمق الأراضي المحتلة، رداً على اغتيال الأمين العام لـ “حزب الله” حسن نصر الله،وزعيم حركة “حماس” إسماعيل هنية، والقيادي في “الحرس” عباس نيلفروشان.

يذكر أن هذه العملية الإيرانية تجاه إسرائيل، هي الثانية التي واجهت فيها إيران جيش الاحتلال الإسرائيلي منذ عملية “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر العام الماضي؛ ما أدى إلى اندلاع حرب غزة، وامتد الصراع ليشمل الكثير من حلفاء إيران بما في ذلك “حزب الله” في لبنان، وجماعة “الحوثي” في اليمن، فقد شنت إيران هجوماً بالصواريخ والمسيرات في منتصف أبريل الماضي، رداً على قصف قنصليتها في دمشق، في مطلع الشهر نفسه. وردت إسرائيل بضربة محدودة استهدفت رادار مطار عسكري قرب منشآت نووية حساسة وسط البلاد.

عملية الوعد الصادق2:

أشارت وسائل إعلام إيرانية بالأمس إلى إطلاق 200 صاروخ في نصف ساعة، 30 منها من مدينة تبريز الواقعة في شمال غرب إيران، وظهرت مقاطع فيديو على شبكات التواصل الاجتماعي، إطلاق صواريخ من قواعد صاروخية تابعة لـ “الحرس” في مدن تبريز وكرمان وأصفهان وشيراز وأراك ورباط كريم في جنوب غرب طهران، وجاءت العملية “بعد فترة من ضبط النفس أمام انتهاك سيادة الجمهورية الإسلامية باغتيال هنية على يد الكيان الصهيوني، وبناءً على حق البلاد في الدفاع المشروع عن نفسها وفقًا لميثاق الأمم المتحدة”.

وكتب الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان عبر منصة “إكس”: “استناداً إلى الحقوق المشروعة وهدفاً للسلام والأمن لإيران والمنطقة، تم الرد بشكل حازم على اعتداءات النظام الصهيوني”. وذكر التلفزيون الرسمي لطهران أن “الحرس الثوري” استخدم صاروخ “فتاح” الفرط صوتي لأول مرة، مستهدفاً منظومة صواريخ آور 2 و3، المصممتين للدفاع الصاروخي بعيد المدى. ونقلت مواقع إيرانية عن “الحرس الثوري” قوله إن “الصواريخ التي أطلقت من إيران استهدفت قواعد عسكرية للنظام الصهيوني في محيط تل أبيب”، ودوت صفارات الإنذار وطُلب من السكان جميعاً التوجه إلى الملاجئ.

وعليه؛ فقد واجهت إيران ضغوطاً متزايدة لدعم “حزب الله”، لكنها وجدت نفسها محاصرة بين رغبتها في حماية وكيلها والحفاظ على هيبتها ونفوذها، وبين الحاجة إلى تجنب هجوم مضاد مدمر من إسرائيل، يمكن أن يدمر برنامجها النووي أو يقتل قادتها البارزين، فإن إيران تتجنب الدخول في حرب مع إسرائيل؛ ما قد يؤدي إلى مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة.

دعم أمريكي:

قبل الهجوم الذي أطلقت عليه إيران “الوعد الصادق 2″، أشارت وسائل إعلام إسرائيلية إلى أن طهران أخطرت الولايات المتحدة وروسيا، فقد قال ثلاثة مسئولين أميركيين لصحيفة “نيويورك تايمز” إن “بلادهم تلقت بلاغاً أميركياً بشأن شن إيران، هجوماً سيشمل طائرات مسيرة وصواريخ تطلق باتجاه إسرائيل”. وقال “الحرس الثوري الإيراني في بيان إن “الهجوم، ثأر لمقتل زعيمي “حزب الله” حسن نصر الله و”حماس” إسماعيل هنية، والقيادي في “الحرس الثوري” عباس نيلفروشان”.

وأفاد مسئول كبير في البيت الأبيض، بأن الولايات المتحدة تتأهب للمساعدة في الدفاع عن إسرائيل ضد هجوم إيراني وشيك بالصواريخ الباليستية، وقال المسئول: “نحن ندعم بنشاط التحضيرات الدفاعية للدفاع عن إسرائيل ضد هذا الهجوم”. وأضاف: “الهجوم العسكري المباشر من إيران ضد إسرائيل سيترتب عليه عواقب وخيمة على إيران”.

ورغم ما سبق، إلا أن إيران،  كذبت تواصلها مع الولايات المتحدة قبل الهجوم على إسرائيل، حيث نفى وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، تواصل طهران مع الولايات المتحدة قبل الهجوم الصاروخي على إسرائيل، مشيراً إلى أن بلاده تواصلت مع الجانب الأمريكي بعد الهجوم. كما أكد عراقجي أن طهران حذرت الولايات المتحدة من “مغبة” التدخل بعد الهجوم الإيراني على إسرائيل. وقال للتلفزيون الرسمي “حذرنا القوات الأمريكية بضرورة الانسحاب من هذه المسألة وعدم التدخل”، وأنه تم تمرير الرسالة عبر السفارة السويسرية في طهران.

حدود التأثير:

وفي أول رد فعل على الهجوم الإيراني، قال الرئيس الأميركي جو بايدن، إن “بلاده مستعدة لمساعدة إسرائيل في مواجهة هذه الهجمات وحماية الأميركيين في المنطقة”. ودعا بايدن إلى اجتماع مع نائبته هاريس وفريق الأمن القومي الأميركي لمناقشة الهجوم الجديد.، كما توالت الإدانات الغربية للهجوم الإيراني.

وأعلن بيان لجهاز الإسعاف الإسرائيلي، عن إصابة شخصين بجروح طفيفة جراء الهجوم الصاروخي، وتم نقلهما إلى المستشفيات لتلقي العلاج. ورغم نطاق الهجوم وعدد الصواريخ الكبير، لم يسفر عن أضرار جسيمة بفضل الأنظمة الدفاعية التي اعترضت معظم الصواريخ.

 لقد دوت صفارات الإنذار في جميع أنحاء الأراضي المحتلة، من بينها القدس ومحيطها، وبئر السبع ومناطق محيطة بصحراء النقب. وقد أفادت القناة 13 الإسرائيلية، بأن نتنياهو موجود منذ ساعات إلى جانب عدد من الوزراء في مكان محصن تحت الأرض بمدينة القدس. في حين كان وزير الدفاع يوآف جالانت متواجداً في مبنى تحت الأرض بوزارة الدفاع بتل أبيب.  وعلق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إن إيران “ارتكبت خطأ كبيراً، وستدفع ثمنه”، بعد الهجوم الصاروخي الذي شنته طهران على إسرائيل. وقال متحدث باسم الجيش لوكالة الصحافة الفرنسية إن ” نية قتل مدنيين غير مسبوقة. هدف إيران كان قتل آلاف المدنيين» عبر إطلاقها حوالي 180 صاروخاً باليستياً على إسرائيل. وكان الناطق باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري قال: “ستكون هناك عواقب لهذا الهجوم (الصاروخي). لدينا خطط وسنتحرك في المكان والزمان اللذين نقررهما”.

وذكرت صحيفة “يديعوت أحرونوت” نقلاً عن مسؤولين عسكريين كبار أن “إسرائيل لن تقف صامتة في أعقاب الهجوم الصاروخي الإيراني”. وتوعد أحدهم بـ”رد شديد”، بينما حذر آخر من أن “ما عانت منه إيران حتى اللحظة، ليس سوى جزء بسيط مما ستواجهه الآن” .كما دعا زعيم المعارضة في إسرائيل، يائير لابيد إلى رد “صارم” على الهجوم بالصواريخ الباليستية، الذي شنته إيران الليلة الماضية.

سيناريوهات المستقبل:

في ظل التوترات المتصاعدة بعد اغتيال حسن نصر الله يواجه لبنان مرحلة حاسمة، تتعدد فيها السيناريوهات الممكنة للصراع، وهنا نسلط الضوء على الحسابات الإسرائيلية والخيارات المتاحة أمام الأطراف المتنازعة. إن إسرائيل تعتمد حالياً على ما يمكن وصفه بـ”الحسابات الصفرية” حيث تسعى لفرض جميع شروطها على لبنان وحزب الله بدون تقديم أي تنازلات، وأحد أبرز الشروط الإسرائيلية يتمثل في انسحاب حزب الله من المنطقة الفاصلة بين نهر الليطاني والحدود اللبنانية الإسرائيلية، هذه المنطقة تعتبر حيوية لأمن إسرائيل والهدف الرئيسي من وراء هذا الشرط هو فصل جبهة لبنان عن جبهة غزة مما سيسهل على إسرائيل إدارة الصراع على كلا الجبهتين بشكل منفصل وهو قد يكون السيناريو الأضعف تنفيذاً .

(*)- السيناريو الأول المحتمل، هو خوض حرب استنزاف طويلة بين إسرائيل وإيران، والتورط في حرب قد تكون مكلفة للغاية وتستنزف قدراتهما العسكرية والاقتصادية. ولذلك فإن أحد أهم الاحتمالات القوية هو أن تنفذ إسرائيل الآن هجمات جوية على إيران، ربما تستهدف مواقع تستخدم في برنامجها النووي، وهي مهمة بالغة الخطورة خطط لها جيشها منذ فترة طويلة، حيث إن تنفيذ الحرب الإقليمية الشاملة التي كان يخشاها الكثيرون منذ هجمات حماس على إسرائيل قبل عام تقريبًا، تبدو الآن احتمالاً أقرب.

(*)- أما السيناريو الثاني، الأكثر احتمالًا هو أن تقوم إسرائيل والقوى الغربية بتطويع إيران ووكلاءها استعداداً لمشهد جديد وخريطة جديدة ترسمها الشرق الأوسط لتغيير الخريطة الإقليمية وتصبح إسرائيل القوى الوحيدة المسيطرة على الشرق الأوسط والوحيدة أيضاً التي تملك القوة النووية، ويبقى السؤال الرئيس الحالي هل طهران قادرة على إنقاذ نفسها مع الرد الإسرائيلي المتوقع أم ستدمر إسرائيل لها منشآتها النووية؟

د.سهرة القاسم

خبير مشارك في شئون الأمن الإقليمي. حاصلة على الدكتوراه في تخصص أثر التنافس التركي الإيراني على الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى