كيف أثر الرد الإيراني على صورة طهران وقوتها العسكرية؟


بعد أن نفذت إيران هجومًا عسكريًا في وقت متأخر مساء السبت الماضي ضد أهداف عسكرية إسرائيلية، ردًا على الهجوم الإسرائيلي الذي دمر القنصلية الإيرانية في العاصمة السورية دمشق مطلع أبريل الجاري، مما أدى إلى مقتل من فيها خصوصًا المسئول المهم في الحرس الثوري عن سوريا ولبنان الجنرال الإيراني محمد رضا زاهدي، وهو ما شكل ضربة موجعة لطهران، بل إن أول قصف يطال قنصلياتها أو سفاراتها شكل صفعة معنوية أيضًا لها، وهو ما اعتبر بحسب الأعراف الدولية موازيًا لاستهداف العمق الإيراني، والذي خلف عدد 11 قتيلاً بينهم قياديين ومستشارين مهمين في الحرس الثوري الإيراني، ورغم أن سبق لإسرائيل أن استهدفت عناصر من الحرس الثوري في سوريا خلال السنوات المنصرمة إلا أن تلك الاستهدافات كانت استثناءًا، أما استهداف القنصلية وهي منشأة دبلوماسية يشبه استهداف إيران على أراضيها. وبذلك فقدت إسرائيل حصانتها، التي كانت تمنع استهداف أراضيها بصورة مباشرة، وبدأ مأزق إيران مُحكمًا، فإذا تهاونت في الانتقام من الاستهداف الإسرائيلي لقنصليتها بدمشق ومقتل بعض كبار قادتها العسكريين فسوف تفقد هيبتها الإقليمية، وربما تماسكها الداخلي.

عملية “الوعد الصادق”

وسط تساؤلات عن طبيعة الرد الإيراني وسيناريوهاته هذه المرة، فقد هددت إيران مراراً بأنها سترد على استهدافات إسرائيل إلا أن طبيعة الرد اقتصرت دائمًا على وكلائها في المنطقة وليس من خلالها مباشرة، أما الرد خلال هذه المرة فإن الفشل في الرد من الجانب الإيراني من شأنه أن يقوض الوجود العسكري الإيراني في سوريا، وفي المقابل من المحتمل أن تكون ناتج الرد الوقوع في الفخ الإسرائيلي من أجل دفعهم للدخول في حرب مباشرة.

فجاء الرد الإيراني إثر تفجر حرب من نوع جديد بين إسرائيل وإيران، حيث على مدى سنوات ظل الصراع بين العدوين (إيران وإسرائيل) في إطار ما يعرف بـ “حرب الظل” عبر الميليشيات المدعومة من طهران في المنطقة من العراق مرورًا بسوريا ولبنان واليمن حيث الحوثيين.

وكان الرد الإيراني يفتقر لعنصر المفاجأة، مما أعطى إسرائيل فرصة ذهبية لانتظار الصواريخ قبل وصولها لأجوائها بساعات طويلة، وبالتالي تمكنت من تدميرها بوسائل الدفاع الجوي، كما أن هذا الإبلاغ مكن وسائل الدفاع الجوي الأمريكية والفرنسية والبريطانية من تدمير العديد من الصواريخ والمسيرات الإيرانية قبل دخولها للأجواء الإسرائيلية.

كما أن البعد الجغرافي لمسرح العمليات، عزز من محدودية قدرة السلاح على الوصول أو الاختراق أو القدرة على التدمير، واعتُبر الهجوم “عملية محدودة”، وبحسب مجلس الأمن القومي الإيراني فإنه “الحد الأدنى من الإجراءات العقابية”، وفي حقيقة الأمر هذه هي قوة إيران في أقصى القدرة التدميرية من صواريخ كروز وصواريخ باليستية وطائرات مسيرة بأبعد المديات.

عملية “الوعد الصادق” و”أسطورة” السلاح الإيراني

أطلقت طهران مئات الصواريخ والمسيّرات ليل السبت الماضي على إسرائيل، حوالي 300 طائرة مسيّرة وصاروخ، إلا أن الهجوم كشف حقيقة قوة إيران وقوة إسرائيل، وهو ما أطاح بأسطورة القدرة العسكرية التدميرية للسلاح الإيراني، هذه الأسطورة التي قيل على لسان قادة الجيش الإيراني وقادة الحرس الثوري إنها “قادرة على تدمير إسرائيل من البحر إلى النهر في سبع دقائق دون قدرة الدولة العبرية على الرد”.

ورغم أن نصف صواريخ إيران أو مسيّراتها ضربت في الطريق من بطاريات التحالف الغربي في المنطقة، أما النصف الآخر فقد تكفلت به بطاريات القبة الحديدية، إلا أنه وللأسف عاش الرأي العام المناصر لإيران على الوهم، حتى أن سكان الضاحية الجنوبية في بيروت قاموا بتوزيع الحلوى والعصائر فرحة وابتهاجًا ببدء حرب التحرير الإيرانية.

حقيقة التوازن العسكري بين البلدين:

يمكن الوقوف على حقيقة التوازن العسكري بين البلدين في سياق النقاط التالية:

(#) الإنفاق العسكري الإيراني في أقصى حالاته عشرة مليارات دولار، مقابل 24.5 مليار دولار لإسرائيل.

(#) مصادر تسليح إيران من الخارج هي روسيا والصين وكوريا الشمالية، بينما مصادر تسليح إسرائيل من أحدث ترسانات الولايات المتحدة وأوروبا.

(#) تكنولوجيا الحرب الحديثة المتوفرة لإيران تعتمد أساسًا على المتوفر لديها من أبحاث علمائها، بينما تمتلك إسرائيل برامج تعاون مع أكبر مراكز البحث التكنولوجي التي تعطيها الأفضلية والأولوية فيما هو حديث.

(#) تمتلك إسرائيل ما لا يقل عن مئة رأس نووي منذ أن بدأت أبحاث الطاقة النووية منذ عام 1957، بينما ما زالت إيران تشتغل على أبحاث التخصيب للماء الثقيل.

(#) في مجال القوة الجوية تمتلك إسرائيل 612 طائرات حربية منها 241 مقاتلة و39 هجومية، كما تمتلك 146 مروحية من بينها 48 من النوع البحري. ولدى إسرائيل أهم طائرة مقاتلة قاذفة في العالم وهي طائرة (إف 35)، بالمقابل لدى الجيش الإيراني 551 طائرة حربية بينها 186 مقاتلة و23 هجومية.

نتائج عملية “الوعد الصادق” الإيرانية

رغم تصريح الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي: بأن “الهجوم على إسرائيل في نهاية هذا الأسبوع كان عملًا من أعمال “الدفاع المشروع”، حسب وصفه، وذلك كان ضمن اتصال هاتفي مع أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وقال أيضًا: “كما سبق وأن أعلنا رسميًا بالفعل أن عملية “الوعد الصادق” تم تنفيذها بنجاح بهدف معاقبة المعتدي”. وقالت القراءة الإيرانية للمكالمة التي نشرها موقع إبراهيم رئيسي على الإنترنت: “الآن نعلن بحزم أن أقل إجراء ضد مصالح إيران، سيُقابل بالتأكيد برد هائل وواسع النطاق ومؤلم ضد جميع مرتكبيه”.

وعليه؛ يمكن الوقوف على النتائج التالية:

(*) أن العملية الإيرانية لم تسفر عن أي خسائر إسرائيلية في الأرواح، الأمر الذي جعل قادة إسرائيل يقولون إنهم نجحوا نجاحًا باهرًا في التصدي للصواريخ الإيرانية بنسبة ٩٩٪ مما يكشف ضعف القوة العسكرية الإيرانية.

(*) أدت الضربة إلى تلاحم الداخل الإسرائيلي لمصلحة نتنياهو، واستعادة تعاطف الدول الكبرى خصوصاً أمريكا وفرنسا وبريطانيا، بل إنها قد تعطى فرصة لتحالف دولي مع إسرائيل لمزيد من العقوبات ضد إيران، بل استهداف برنامجها النووي.

(*) تحظى إسرائيل بوجود قواعد عسكرية داعمة لها في المنطقة. وتحظى أيضاً بالخدمات البحرية لأساطيل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وهولندا في البحرين الأحمر والمتوسط. بالمقابل تحظى إيران بخدمات ودعم من وكلائها في اليمن، ولبنان، وسوريا، والعراق.

(*) هناك شبكة قوية للغاية في التجسس والاختراق لدى إسرائيل المعروفة بتفوقها التكنولوجي في هذا المجال توفر المعلومات اللحظية، وقادرة على الاختراق والتنصت، والرقابة، والرصد، والمتابعة. ولدى إسرائيل بروتوكولات تعاون مع كبريات أجهزة التجسس للاستخبارات العالمية التي تستخدم شبكة رصد من الأقمار الصناعية فائقة الدقة.

تداعيات مقلقة

أعلنت إسرائيل أنها سترد على الهجوم الذي شنته طهران مطلع الأسبوع الجاري، فقد أشارت التقارير الإسرائيلية إلى أن الرد على طهران من المرجح أن يجري بطريقة لا تؤدي إلى جر المنطقة لحرب شاملة وبطريقة يمكن أن يقبلها الجانب الأمريكي.

وأخيراً فإن الرد الإيراني قد يعد على الجانب الآخر تطور مهم وخطير في موازين القوى بالمنطقة وأن إيران استهدفت الأراضي الإسرائيلية مباشرة للمرة الأولى منذ الثورة الإسلامية في إيران عام ١٩٧٩، فقد كسرت نظرية الأمن والردع الإسرائيلي، ووجهت ضربات مباشرة إلى إسرائيل، بل إن هذه الساعات القليلة من الهجوم أرغمت غالبية سكان إسرائيل على النزول للملاجئ، وبحسب الخبراء فقد كلفت الخزينة الإسرائيلية حوالي مليار دولار، بسبب استنفار منظومة الدفاع الجوي الإسرائيلي ومنظومات التحالف الغربي.

د.سهرة القاسم

خبير مشارك في شئون الأمن الإقليمي. حاصلة على الدكتوراه في تخصص أثر التنافس التركي الإيراني على الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى