هل سقطت طائرة “رئيسي” بفعل العوامل الجوية؟
شهدت حوادث تحطم الطائرات العديد من المآسي وراح ضحيتها آلاف الناس العاديين، ولم يكن الزعماء أو قادة الدول أو كبار الشخصيات بمنأى عن مثل هذه الحوادث المميتة والقاتلة، وإن حادث المروحة الإيرانية جلل لكنه ليس فريدًا، حيث إنه وفقًا للخبرة التاريخية ومن دراسة الشؤون الإيرانية تعلمنا أن اغتيالا أو وفاة أو موت رئيس إيراني في ظروف غير عادية هو أمر طبيعي، فعلى مدار السنوات الأربعين الماضية شهدت طهران عمليات اغتيال وقتل أكثر من رئيس إيراني أو محاولات لذلك، منهم علي خامنئي المرشد الإيراني الحالي، الذي تعرض لأكثر من محاولة اغتيال، لدرجة أن إحدى هذه المحاولات تم فيها شلل ذراعه اليمنى، وهذا ثابت تاريخياً، كما أن هناك اغتيال الرئيس الإيراني الثاني وهو محمد علي رجائي، وهناك أكثر من رئيس إيراني تثار الشبهات حول أنه مات مسمومًا أو مقتولاً مثل علي أكبر رفسنجاني، وذلك من خلال تصريحات أبنائه في أحاديث تنشر في الإعلام الإيراني، وبالتالي نحن أمام حدث جلل للغاية، لكنه اعتيادي في دراسة الشؤون الإيرانية. وهنا التساؤل هل تقف الولايات المتحدة الأمريكية أو إسرائيل وراء الحادث؟
فقد أعلنت إيران الاثنين رسميًا خبر وفاة الرئيس إبراهيم رئيسي مع الوفد المرافق له وعلى رأسهم وزير خارجيته في حادث تحطم طائرة مروحية في منطقة جبلية وعرة بشمال غرب البلاد، وأعلن المرشد الإيراني الحداد في إيران لمدة 5 أيام بعد مصرع الرئيس والوفد المرافق له، وسيتم تشيع الجثامين من تبريز غربي أذربيجان الشرقية، تولى رئيسي والذي يبلغ من العمر63 عامًا، رئاسة إيران في أغسطس 2021، بعد فوزه بانتخابات يونيو 2021 وحصوله على 17 مليوناً و950 ألف صوت من أصل 28.6 مليون من أصوات المقترعين نحو 62% من الأصوات في الدورة الأولى للانتخابات، وبنسبة اقتراع بلغت 48.8%، وكانت الأقل منذ انتصار الثورة الإيرانية.
موكب رئاسي:
كانت مروحية الرئيس إبراهيم رئيسي ضمن موكب من ثلاث مروحيات تقلّه برفقة مسؤولين آخرين، كانت تتجه الطائرة إلى محافظة أذربيجان الشرقية في إيران، وسقطت في منطقة وعرة قرب الحدود مع أذربيجان، بمحافظة أذربيجان الشرقية شمال غربي إيران، وتم العثور عليها بعد 20 ساعة من البحث، ورغم أن المروحيتين الأخريين “وصلتا إلى وجهتهما بسلام”، إلا أن طائرة الهليكوبتر التي كانت تقل الرئيس إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان تحطمت، وتعد طائرة هليكوبتر بيل 212 من طراز النقل الثقيل والتي تتمتع بتصميم يسمح بأداء متعدد المهام بكفاءة عالية، وهي مروحية تم إنتاجها في الولايات المتحدة وكان يطلق عليها في سبعينيات القرن الماضي اسم “دبور الجحيم.”
(&) سوء أحوال جوية أم اغتيال أم عدم صيانة الطائرة؟: كشفت تقارير معلوماتية عن أنه تحوم كثير من الشكوك بأن سقوط طائرة الرئيس الإيراني كانت فى إطار عملية اغتيال مدبرة وليست مجرد حادث جوى عارض، هذا وقد أعلن مدير الشؤون السياسية بمحافظة أذربيجان الشرقية، أنه سيتم عرض جثامين الرئيس ومرافقيه على الطب الشرعي.
(&) أصابع الاتهام للولايات المتحدة: إن الولايات المتحدة الطرف الأقوى بين أعداء إيران، وقد اكتفت البيانات الرسمية الأمريكية بإعلان أن الرئيس جو بايدن قطع إجازته وعاد للبيت الأبيض، لمتابعة تقارير الحادث، عن كثب. واشنطن متهمة أيضًا بشكل غير مباشر في سقوط طائرة رئيسي، فالمقاطعة الاقتصادية التي فرضتها على إيران، وراء عدم تحديث أسطول إيران الجوي، لا بطائرات جديدة ولا بقطع غيار، منذ ما يقرب من نصف قرن. وقد اتهم وزير الخارجية الإيراني السابق محمد جواد ظريف الولايات المتحدة بالتورط في حادث مقتل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان، بعد تحطم مروحيتهم بعد ظهر أمس الأحد، وقال ظريف في تصريحات تناقلتها وسائل الإعلام الإيرانية، إن الولايات المتحدة تقف وراء الحادث بسبب إقرارها عقوبات على بيع قطع غيار الطائرات لإيران.
إسرائيل تتبرأ من الحادث:
إن لرئيسي تهديد شهير عقب الضربة الإيرانية للكيان الصهيوني بإزالة إسرائيل من على الخريطة، إذا أقدمت على ضرب إيران.
وأعلنت إسرائيل مقتل رئيس إيران في تفجير طائرته ونفت تورطها في ” اغتيال رئيس إيران”، وتعد إسرائيل، من بين أشد أعداء إيران، فإيران تحت حكم إبراهيم رئيسي، كانت أول دولة يجرؤ سلاحها على الوصول إلى العمق الإسرائيلي، بل إلى تل أبيب، بعد “عراق صدام حسين”، الذي شهد نهاية مأساوية، وبعد المقاومتين اللبنانية والفلسطينية، اللتين تضربان بسلاح إيراني.
وخلال الشهر الماضي أبلغت إيران الولايات المتحدة بنيتها في توجيه ضربات مباشرة لإسرائيل للرد على الهجمات الإسرائيلية التي استهدفت مجمعات دبلوماسية إيرانية في العاصمة السورية دمشق، وأكدت طهران لواشنطن بأنه سيتم تنفيذ ضربة مباشرة داخل إسرائيل في غضون 48 ساعة، وبالفعل نفذت إيران تهديدها الذي ترتب عليه رد إسرائيل محدود.
ورغم تبني إسرائيل أيضاً سياسة الاغتيالات مع طهران مؤخرًا أيضاً وبوتيرة متتالية ضد قادة قيادات إيرانية هامة في المنطقة، كما تتوجه طهران أصبع الاتهام إلى الكيان الصهيوني بشكل مباشر أو غير مباشر، إلى جانب استهداف الولايات المتحدة الأمريكية لقادة وعلماء إيرانيين، كذا التفجيرات والعمليات في الداخل الإيراني نفسه، إلا أن سارعت تل أبيب إلى نفي علاقتها بحادث طائرة الرئيس الإيراني، إلا أن إعلامها اتخذ لغة ساخرة، معلنًا –قبل الجميع- “مقتل الرئيس الإيراني”.
إن الخطاب الإيراني الرسمي ربط الحادث بسوء الأحوال الجوية وكثافة الضباب، -وهو سبب قد يكون واقعيًا-، فيما برر تأخر 65 فريقًا للإنقاذ في الوصول لمكان الطائرة -ومن ثم إعلان خبر النتيجة النهائية للحادث وهو الوفاة-، بصعوبة التضاريس في منطقة تكثر فيها الجبال والبراكين والغابات وتقل الطرق البرية.
حوادث أخرى:
(*) ففي فبراير 2023، تعرضت مروحية كانت تقل وزير الرياضة والشباب الإيراني الأسبق حميد سجادي لحادث مماثل في أثناء هبوطها بمدينة بافت في محافظة كرمان جنوب البلاد، مما أدى إلى إصابة الوزير وعدد آخر من مرافقيه، فضلاً عن مقتل مساعده إسماعيل أحمدي.
(*) كما شهدت في 21 فبراير 2022، حادث تحطم طائرة مقاتلة إيرانية في منطقة سكنية بمدينة تبريز شمال غربي البلاد، وقتل في الحادث ثلاثة أشخاص.
(*) كذلك قتل في 18 فبراير 2018، 66 راكبا في تحطم طائرة إيرانية جنوب محافظة أصفهان أثناء رحلة داخلية.
(*) وقبلها في 25 مايو من عام 2016، شهدت إيران سقوط مقاتلة من نوع “ميغ 29” ومقتل طيارها في محافظة همدان غرب إيران.
(*) وفي عام 2005، قُتل قائد القوات البرية للحرس الثوري الإيراني، أحمد كاظمي، مع عدد من قادة الحرس الثوري الإيراني، بتحطم طائرة من طراز داسو فالكون 20، بالقرب من أورمية.
(*) وتحطمت طائرة ياك 40 التابعة لشركة فراز قشم الجوية، والتي كانت تقل وزير الطرق والنقل، رحمن دادمان، في محافظة مازندران شمال إيران في عام 2001.
(*) كذلك قتل في عام 1994، قائد القوات الجوية، منصور ستاري، مع كبار ضباط القوات الجوية في حادث تحطم طائرة بالقرب من مطار بهشتي الدولي في أصفهان.
(*) وفي عام 1981، تحطمت طائرة هرقل سي-130 تابعة لسلاح الجو الإيراني بالقرب من طهران ولم ينجُ سوى 19 من ركابها البالغ عددهم 77 راكبا، حيث قُتل في هذه الحادثة مجموعة من أبرز قادة الحرب العراقية- الإيرانية، بينهم يوسف كلاهدوز ومحمد جهان آرا، وكان وزير الدفاع آنذاك، موسى نامجو، من بين القتلى في هذا الحادث.
أبرز ردود الفعل الدولية:
توالت ردود الفعل من قادة إقليميين ودوليين، إثر مصرع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، ووزير خارجيته أمير حسين عبداللهيان ومسئولين آخرين
(-) روسيا: في موسكو، قالت الرئاسة الروسية “الكرملين”، اليوم الاثنين إن الرئيس فلاديمير بوتين عبر عن تعازيه في وفاة الرئيس الإيراني. وقال بوتين إن “الرئيس الإيراني رئيسي قدم مساهمة لا تقدر بثمن في العلاقات الروسية الإيرانية” وأشد به بوصفه “زعيما مميزاً”. كما قدم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف تعازيه في وفاة رئيس إيران، إبراهيم رئيسي. وقال لافروف إن روسيا فقدت “صديقَين حقيقيَين” بمقتل الرئيس الإيراني ووزير خارجيته.
(-) الصين: في بكين، قالت وزارة الخارجية الصينية، اليوم الاثنين، إن الرئيس الصيني شي جينبينغ قدم تعازيه في وفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية أمير عبد اللهيان. واعتبر الرئيس الصيني شي جينبينغ وفاة رئيسي “خسارة كبيرة للشعب الإيراني”.
(-) باكستان: وفي إسلام أباد أعلنت يوم حداد وتنكيس للأعلام، ونعت باكستان، الرئيس الإيراني الذي توفي والوفد المرافق له، الأحد، في حادث تحطم مروحية. وأعلن رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف يوم حداد في باكستان احتراما لوفاة رئيسي ومرافقيه في حادث تحطم الطائرة.
(-) الهند: وفي نيودلهي، رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي على إكس: “أشعر بحزن عميق وصدمة شديدة بسبب الوفاة المأساوية للدكتور السيد إبراهيم رئيسي.. وستظل مساهمته في تعزيز العلاقات الثنائية بين الهند وإيران في الذاكرة دوما. تعازي القلبية لعائلته وللشعب الإيراني. الهند تقف إلى جانب إيران في هذا الوقت الحزين”.
(-) تركيا: وفي أنقرة، عبر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، اليوم الاثنين، عن تعازيه بوفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، ووصف رئيسي بأنه كان “رفيقاً وأخاً لا يقدر بثمن”. وكتب أردوغان على منصة إكس “باعتباري رفيقا شهد شخصيا جهوده من أجل سلام الشعب الإيراني ومنطقتنا خلال وجوده في السلطة، أتذكر السيد رئيسي بتقدير وامتنان”. وقال إن تركيا تقف إلى جانب إيران في هذا الوقت الصعب.
(-) بروكسل: رئيس المجلس الأوروبي يعرب عن “تعازيه الصادقة”أعرب رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال عن “التعازي الصادقة” للاتحاد الأوروبي بعد مقتل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ومسؤولين آخرين أبرزهم وزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان في تحطم مروحية بشمال غرب الجمهورية الإسلامية الأحد. وكتب ميشال على منصة إكس “يعرب الاتحاد الأوروبي عن تعازيه الصادقة لوفاة الرئيس رئيسي ووزير الخارجية أمير عبداللهيان والأعضاء الآخرين في وفدهم والطاقم في حادث مروحية”.
أبرز الدول العربية:
(-) جمهورية مصر العربية :نعت الرئاسة المصرية في بيان “تنعى جمهورية مصر العربية بمزيد من الحزن والأسى الرئيس إبراهيم رئيسي رئيس الجمهورية الإسلامية لإيرانية”.
(-) الخارجية السعودية: قالت وزارة الخارجية السعودية، نتابع بقلق بالغ ما تم تداوله بشأن مروحية الرئيس الإيراني ونؤكد وقوف المملكة إلى جانب طهران في هذه الظروف الصعبة، والمملكة مستعدة لتقديم أي مساعدة تحتاجها الأجهزة الإيرانية.
(-) الإمارات: قال رئيس الإمارات، الشيخ محمد بن زيد آل نهيان، على “إكس”: خالص العزاء وعميق المواساة للجمهورية الإسلامية الإيرانية قيادة وشعبا في وفاة الرئيس إبراهيم رئيسي”.
(-) قطر: وقام أمير قطر، تميم بن حمد آل ثاني، بالتعازي إلى إيران “حكومة وشعباً”، وكتب على منصة “إكس”: “صادق التعازي للجمهورية الإسلامية الإيرانية حكومة وشعبا في وفاة الرئيس إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان والمسؤولين المرافقين في حادث المروحية الأليم”.
(-) حماس وحزب الله وجماعة الحوثي ترثي رئيسي: سارع حزب الله اللبناني وحركة حماس وجماعة الحوثي في اليمن، وهي حركات ينظر إليها من قبل الغرب على أنها أذرع إيران في الشرق الأوسط، إلى تقديم تعازيها في وفاة الرئيس رئيسي، الذي وُصف بأنه كان “حاميا لحركات المقاومة”، وفقا لما جاء في بيان أصدره حزب الله اللبناني. أما حركة حماس فعبرت عن “تضمانها الكامل مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، في هذا الحادث الأليم والمصاب الجلل الذي أودى بحياة ثلة من خيرة القيادات الإيرانية التي كانت لها مسيرة حافلة في نهضة إيران ومواقف مشرفة في دعم قضيتنا الفلسطينية”
ماذا بعد؟:
أكدت الحكومة الإيرانية، في بيان لها الإثنين، أنها ستواصل العمل من دون “أدنى خلل” بعد وفاة الرئيس إبراهيم رئيسي، وجاء في البيان الحكومي “تؤكد الحكومة للشعب الإيراني الوفي والمقدر والعزيز على أن طريق العزة والخدمة سيستمر وبفضل روح آية الله رئيسي البطل وخادم الشعب والصديق الوفي للقيادة التي لا تعرف الكلل.. لن يكون هناك أدنى خلل او مشكلة في الإدارة الجهادية للبلاد”، وقد أعلنت الحكومة الإيرانية تعين علي باقري وزيرًا للخارجية خلفًاً لعبد اللهيان
الدستور الإيراني:
أعلن المرشد الإيراني: محمد مخبر النائب الأول للرئيس الراحل يتولى مهام الرئاسة وفقًا للبند 131 من الدستور الإيراني
لذلك يتولى محمد مخبر، النائب الأولى للرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي، منصب الرئيس موقتاً لغاية تنظيم انتخابات رئاسية خلال 50 يومًا. ويعتبر مخبر (68 عامًا) أحد المقربين من الزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي الذي له القول الفصل في كل شؤون الدولة. وأدرجه الاتحاد الأوروبي بين عامي 2010 و2012 على قائمة الأفراد والكيانات الخاضعة للعقوبات بسبب ما قيل عن الضلوع في “أنشطة نووية وأنشطة للصواريخ الباليستية”.
تداعيات كبيرة:
(*) سيواجه النظام الإيراني تحديًا كبيرًا داخلياً في تنظيم انتخابات رئاسية جديدة، خلال 50 يومًا كما ينص الدستور، كذلك في أعقاب وفاة رئيسي قد تدخل طهران مرحلة جديدة من عدم الاستقرار السياسي والصراع الداخلي حول خلافة المرشد علي خامنئي، فرئيسي كان من المرشحين البارزين لخلافته
(*) مخاوف من تصعيد التوترات مع إسرائيل: إلى جانب الاضطرابات الداخلية، فإنه قد يلجأ النظام الإيراني إلى التصعيد والمواجهة مع إسرائيل في محاولة لتحويل الانتباه وتعزيز شرعيته، وتأتي هذه المخاوف في سياق التوترات المتصاعدة بين إيران وإسرائيل، والتي جاءت على خلفية استهداف مقر قنصلية طهران في سوريا، ما استدعى ردًا إيرانيًا بهجوم موسع باستخدام مسيرات على عدد من المواقع في إسرائيل.