حدود التغيير في السياسة الإيرانية بعد رحيل “رئيسي”

ساد اعتقاد على نطاق واسع بأن رئيسي، هو من بين المرشحين الأوائل لتولي منصب المرشد الأعلى البالغ من العمر 85 عامًا. ومع ذلك، فهو ليس المرشح الوحيد، ما يعني أنه من غير المرجح أن يتأثر انتقال القيادة بطريقة تغير قواعد اللعبة، ولكن إذا كان مرجحاً أن يتولى المنصب، فإن مصرعه يترك علامة استفهام كبيرة حول خلافة خامنئي.

وبعد إعلان المرشد الإيراني الحداد في إيران لمدة 5 أيام بعد مصرع الرئيس والوفد المرافق له، حيث كان إبراهيم رئيسي منافساً قوياً لمنصب المرشد خلفاً لعلي خامنئي، وربما لم يكن البعض يريد أن يحدث ذلك. لكن في المجمل. – وُصف إبراهيم رئيسي” بالوريث المُحتمل” للمرشد خامنئي، وأول رئيس إيراني يضرب إسرائيل بالصواريخ والمُسيّرات، وقد اعتبر خامنئي حادثة تحطّم طائرته “استشهادًا”.

وانقسم الرأي العام الإيراني بين حزن شديد على وفاته من المحافظين المتشددين المؤيدين له وبين فرح وسعادة واحتفالات من معارضي النظام الراحل، فقد أثار تحطم مروحية رئيسي ومرافقيه “ابتهاج” الكثير من الإيرانيين، وحظي الحادث بصدى واسع في وسائل الإعلام في كافة أنحاء العالم. وعبر معارضو النظام عن سعادتهم بهذا الحادث، واعتبروا أن هذا “الابتهاج” من قبل الشارع الإيراني، نتيجة القمع الشديد خلال فترة رئاسة رئيسي، كما أعلن أهالي ضحايا النظام الإيراني عبر رسائلهم ومنشوراتهم عن ابتهاجهم بخبر وفاة رئيسي في تحطم مروحيته بمحافظة آذربيجان الشرقية، شمال غربي إيران، من خلال نشر مقاطع تظهر احتفالات في شوارع إيران عقب الإعلان عن موت إبراهيم رئيسي في حادث سقوط مروحيته، وهو ما دعى  المسئولون في جهاز القضاء والشرطة في إيران يهددون رواد مواقع التواصل الاجتماعي والصحافيين من نشر أي مواد تسبب “الإضرار بالأمن النفسي في المجتمع”.

كما هدد المدعي العام محمد موحدي آزاد، بالأمس 21 مايو 2024 مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي بـ”الرد السريع والحاسم” في حال قاموا بـ”الإضرار بالأمن النفسي في المجتمع”، كما في السياق نفسه قال رئيس الشرطة السيبرانية الإيرانية وحيد مجيد: “إننا نراقب بعناية الفضاء الإلكتروني”، أيضاً هددت الشرطة مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، ودعتهم إلى الامتناع عن نشر “أي محتوى يحرض ويزعج المشاعر العامة بأي شكل من الأشكال”.

وفي بيان، هدد جهاز الاستخبارات التابع لقيادة الشرطة في إيران مستخدمي وسائل التواصل والصحافيين، وقال: “جميع حسابات نشطاء وسائل التواصل الاجتماعي تخضع لمراقبة الشرطة”.

وبناء على سبق، تظهر ردود فعل الإيرانيين مختلطة بالمشاعر المتضاربة من معارضين ومؤيدين تجاه خبر مصرع وفاة الرئيس الإيراني. فهل ستكون نقطة تغيير جذري في السياسة الإيرانية. وأن تأتي الانتخابات القادمة بوجوه أكثر اعتدالية من المحافظين وأن يلقى الإصلاحيين عودة للحكم؟

قراءة في خريطة الانتخابات الرئاسية:

يقسم النظام السياسي في إيران، بين المؤسسة الدينية والحكومة، حيث يكون للزعيم الأعلى سلطة اتخاذ القرار في جميع السياسات الرئيسية، وفي ظل ظروف بيئية واقتصادية صعبة حيث ما زالت الاحتجاجات الداخلية في طهران قائمة والأزمة الاقتصادية تتفاقم بسبب العقوبات الغربية، ستجري الانتخابات الرئاسية الإيرانية في 28 يونيو المقبل، يأتي هذا فيما أعلن المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية في إيران أن النائب الأول للرئيس محمد مخبر أصبح المسئول عن السلطة التنفيذية وأمامه فترة أقصاها 50 يوما لإجراء الانتخابات.

وكان الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي والذي يبلغ من العمر 63 عامًا، تولى رئاسة إيران في أغسطس 2021، بعد فوزه بانتخابات يونيو 2021 وحصوله على 17 مليوناً و950 ألف صوت من أصل 28.6 مليون من أصوات المقترعين نحو 62% من الأصوات في الدورة الأولى للانتخابات، وبنسبة اقتراع بلغت 48.8%، وكانت الأقل منذ انتصار الثورة الإيرانية.

وإذا ستجرى انتخابات مبكرة، فلا بد من تنظيم مثل هذه الانتخابات بحلول نهاية يوليو 2024، وهذا من شأنه أن يمنح أي مرشح الحد الأدنى من الوقت للقيام بحملته الانتخابية، وهذا يعني أن نسبة الإقبال المرتفعة نسبيًا لن تعتمد فقط على السماح للمرشحين المؤيدين للإصلاح بالترشح، بل أيضًا على الاعتماد على الوجوه المعروفة بالفعل على المسرح السياسي.

 انقسامات محتملة:

ففي خضم الظروف الاقتصادية والسياسية الداخلية الصعبة على مدى العقد الماضي، تتعمق تعدد الأقطاب في إيران بشكل أكبر، وخلال السنوات الأخيرة تواجه الدولة الإيرانية نسبة مشاركة منخفضة للغاية في كل من الانتخابات البرلمانية والرئاسية، ولذلك من المرجح أن تواجه ضغوطًا لفتح المجال السياسي أمام القوى المؤيدة للإصلاح. ومع ذلك، فإن المؤسسات التي يهيمن عليها المحافظون لم تظهر حتى الآن أي ميل لإظهار المرونة، خاصة وأن طهران في قبضة انتقال القيادة.

وهذا ظهر جلياً في الانتخابات البرلمانية خلال شهر مايو الجاري ذكرت صحيفة “فرهيختكان” المحافظة في 12 مايو الجاري أن نسبة المشاركة في طهران، أكبر دائرة انتخابية في البلاد لم تتجاوز 8 بالمئة. وكان هناك 16 مقعدًا من أصل 30 في العاصمة، على عكس آخر مرة أجريت فيها الانتخابات البرلمانية في جولة ثانية في طهران كانت في عام 2012، حيث بلغت نسبة المشاركة نحو 24 بالمئة. ولذلك طالب المرشد الإيراني علي خامنئي، على مدى الشهور الماضية، مراراً وتكراراً برفع نسبة التصويت في الانتخابات، في مسعى لتأكيد قبول النظام لدى الرأي العام، بعدما شهدت الاحتجاجات الأخيرة ردود فعل غير مسبوقة.

تأثير تعدد الأقطاب:

شهدت الانتخابات البرلمانية الأخيرة في إيران فوز غلاة المحافظين بـ 35 مقعدًا من أصل 45 مقعداً، ما يعكس الصراع الداخلي بين الفصائل المختلفة، لذلك من المرجح أن تظهر نتائج الانتخابات الرئاسية القادمة استمرار سيطرة المحافظين، وقد تشهد أيضاً دعوات أثناء الاقتراع للمقاطعة من قبل الناشطين من الأحزاب والقوى السياسية والثقافية لدعم تحالف المرشحين المعتدلين والإصلاحيين، وأيضاً من المتوقع أن تمنع السلطات السياسيين الذين يدعون إلى أي تغيير في حكومة البلاد، والمعروفين على نطاق واسع باسم الإصلاحيين، من خوض الانتخابات، كما قد يتم منع الذين يطالبون بإصلاحات جذرية من الترشح، ويمكن عرض الأقطاب المتنافسة على النحو التالي:

(*) المحافظون المتشدّدون: يسيطر المحافظون على أجهزة المخابرات والحرس الثوري وأجهزة الرقابة القضائية والأجهزة المنوطة بحماية الثورة عموماً ولا سيما مجلس صيانة الدستور، وهذا ما اشتكى منه مرارا التيار الإصلاحي، لأن هذه الأجهزة تهيمن على الحياة السياسية واستطاع المحافظون من خلالها أن يعرقلوا ترشيحات الإصلاحيين الأخيرة، وأن يحكموا بالسجن على العشرات من أعضاء البرلمان والصحافيين والمثقفين غيرهم، كما أغلقوا عشرات الصحف، حتى بات تطبيق برامج الإصلاحيين أمرا مشكوكا فيه.

وهنا على الجانب المحافظ، يشمل المتنافسون المحتملون الأكثر طموحًا رئيس البرلمان الحالي محمد باقر قاليباف الذي ترشح للرئاسة ثلاث مرات سابقة ويملك قاليباف قاعدة شعبية كبيرة داخل النظام. وشغل مناصب عدة في السابق، بما في ذلك عمدة طهران وقائد شرطة العاصمة، وفي سباق المحافظين فقط، سيكون قاليباف كذلك في وضع قوي لخلافة رئيسي.

(*) المعسكر الإصلاحي: يضم التيار الإصلاحي مجموعة من الأحزاب والقوى والتجمعات السياسية التي تقول إنها تسعى للإصلاح من داخل منظومة الحكم، وتتبنى -بشكل عام- التوجه نحو التجديد والتحديث الديني المرتكز على الممارسة الديمقراطية. وكانت العديد من مكوناته تمثِّل اليسار بدايات ثورة عام 1979، وشكل وصول الرئيس محمد خاتمي للسلطة عام 1997 “ميلادًا” جديدًا للتيار الإصلاحي، حيث كان وصوله للسلطة علامة فارقة في مسيرة هذا التيار، وشهدت فترته تحولات فكرية ومراجعات أجراها اليسار الديني، وبزغت مصطلحات ومفاهيم جديدة تتعلق بالمجتمع المدني واحترام القانون وقبول الاختلاف، كما لعب خاتمي دورًا كبيرًا في بلورة حوار الحضارات، وبعد فوز خاتمي وضع هذا التيار لنفسه اسم التيار الإصلاحي، أو الإصلاحيون، وأطلقت بعض مجموعاته على نفسها “تنظيمات الثاني من خرداد” (اليوم الذي انتخب فيه خاتمي حسب التقويم الإيراني)، وضم في البداية 18 حزباً يساريًا، لكنه توسع وتمدد ليصل إلى أكثر من خمسين حزبًا ومجموعة.

وقد يصل عدد الأحزاب والحركات الإصلاحية إلى أكثر من خمسين مجموعة بات بعضها محظوراً بعد مناصرتها للحركة الخضراء والاحتجاجات الشعبية التي أعقبت إعادة انتخاب الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد عام 2009 وسقط خلالها قتلى وجرحى.

وقد يضطر الإصلاحيون في بعض الفترات لعقد تحالفات مع شخصيات معتدلة من التيار المحافظ لمواجهة ما يعتبرونه “اللون الأكثر تشددًا في التيار المحافظ”.

إجمالا، من المتوقع أن لا تحدث الانتخابات الرئاسية القادمة، تغيير جذري في السياسة الإيرانية، بل على العكس سنجد الصراع على السلطة خاصة من قبل المحافظون الذين يسيطرون على أجهزة المخابرات والحرس الثوري وأجهزة الرقابة القضائية والأجهزة المنوطة بحماية الثورة، وهو ما سنراه والذي بات وشيكا في القريب العاجل من خلال المشهد الانتخابي خلال الشهر المقبل من داخل طهران.

د.سهرة القاسم

خبير مشارك في شئون الأمن الإقليمي. حاصلة على الدكتوراه في تخصص أثر التنافس التركي الإيراني على الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى