تحديات قائمة.. فرص نشر قوات أممية على الأراضي الفلسطينية

في ختام أعمال مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة في الدورة العادية الـ33 بالبحرين خرجت القمة التي عُقدت الخميس 16 مايو 2024 في بيانها الختامي بمقترح نشر قوات حفظ سلام دولية تابعة للأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية تعمل على حماية المدنيين وضبط الأمن لحين الوصول إلى إنهاء الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي عبر حل الدولتين، ووجه القادة العرب أيضًا دعوة جماعية لعقد مؤتمر سلام دولي تحت رعاية الأمم المتحدة لحل القضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين مع ضرورة وضع سقف زمني للعملية السياسية والمفاوضات، ونجد أن مُقترح نشر قوات أممية على الأراضي الفلسطينية قد يبدو للوهلة الأولى حلًا مثاليًا للأزمة، والواقع يقول إنه بجانب فرص تحقيق هذا المقترح، إلا أن ثمة تحديات تنتظر تطبيقه على أرض الواقع ، وتأسيسًا على ما سبق سيناقش هذا التحليل أهم الفرص والتحديات التي تنتظر تطبيق المُقترح كحل لإنهاء الصراع بين الطرفين وحل القضية الفلسطينية.

فرص وتحديات

لقي هذا المقترح ترحيب عربي فهناك موافقة من عدة دول عربية بالمشاركة في هذه القوة الأممية لحل الأزمة، ويعتقد محللون عسكريون ومراقبون أن قوة حفظ السلام الأممية “تعد حلًا مثاليًا” ضمن خطوات لاحقة لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وتوفير الأمن في مثل هذه النزاعات والتي من الممكن أن تنجح في وقف أي تجاوزات أو خروقات، فإن وجود قوة حفظ سلام (إنتقالية) في فلسطين بعد وقف الأعمال العدائية ضرورة ملحة لتوفير الأمن والاستقرار المؤقت وأنها ستساهم لاحقًا في تسليم تلك المسؤوليات الأمنية إلى السلطات المحلية بعد استقرار الأوضاع في الأراضي الفلسطينية.

وعلى الرغم من ذلك نجد ثمة تحديات عديدة تواجه إرسال تلك القوات ليست لوجستية أو مادية ولكن تحديات ترتبط بتوجهات أطراف الصراع من جهة والدول المعنية بإنهاء القتال المستمر بقطاع غزة والتي تتباين في رؤيتها ويمكن توضيح ذلك على النحو التالي:

(*) الموقف الإسرائيلي: جاء الرد الإسرائيلي سريعًا على القمة العربية فضرب رئيس الوزراء “بنيامين نتنياهو ” ببيان القمة عرض الحائط، ففي اليوم الذي صدر خلاله ” إعلان البحرين”، نفذ جيش الاحتلال هجومًا واسعًا على رفح الفلسطينية والتي يعتبرها نتنياهو آخر معقل رئيسي لـ”حماس” في غزة وأنها بمثابة شريان حياة لها للهروب وإعادة الإمداد.

وأشار محللون إسرائيليون إلى أن تل أبيب وحدها هي من تقرر متى تنتهي العملية العسكرية في قطاع غزة بشكل عام ورفح بشكل خاص، وأن إسرائيل لن تسمح بوجود قوات دولية بالأراضي الفلسطينية، فهذا المُقترح يصب في مصلحة مقترحيه لكنه لا يتوافق مع المصلحة الإسرائيلية، حيث تتصرف وفق مصالحها الأمنية وما تراه ملائمًا حسب الظروف على الأرض، وبالتالي فإن تواجد مثل هذه القوات من الممكن أن يقيد قدرة إسرائيل في “الدفاع عن نفسها”، وأنها في حاجة دائمة للاستعداد لأي هجوم من قبل الفصائل الفلسطينية كـ”حماس” و”الجهاد الإسلامي”، وبالتبعية ستقيد القوة الأممية المقترحة قدرة جيش الاحتلال وستحد حركة قواته في الأراضي المحتلة، فلا يستطيع القيام بهجمات ضد عدوه دون التحقق من مواقع انتشار جنود الأمم المتحدة أولًا، كما من المستبعد وجود طرف ثالث مسلح أو قوات دولية في الأراضي الفلسطينية فدائمًا ما تزعم إسرائيل بأنها لم تطلب من الجنود الغربيين المخاطرة بأرواحهم دفاعًا عنها، وأن الدفاع عن نفسها بنفسها مبدأ أساسي في العقيدة العسكرية الإسرائيلية.

(*) موقف حماس: واجه المقترح رفضًا مسبقًا من قبل “حماس”، حيث أكدت على هذا الرفض مهما كانت الذرائع والأسباب فتعتبر أي قوات دولية في القطاع بمثابة “عدو لها “، وقد أكد قياديين بالحركة على أن الفلسطينيين يريدون إنهاء الاحتلال ولا داعي لقوات عسكرية لحمايته وتقنين وجوده على الأراضي الفلسطينية، فمن وجهة نظر الحركة تتمثل الأولوية في أن يسعى العالم لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين بدلاً من السعي وراء نشر قوات أممية فيها توفر الحماية للإسرائيليين، فلا يوجد لـ” حماس” أي تحفظ بهذا الشأن بعد انتهاء الحرب ووقف إطلاق النار مع التوجه لتسوية نهائية تنتهي بإقامة الدولة ولكن ليس قبل ذلك.

(*) الموقف الأمريكي: لم تذهب الولايات المتحدة الأمريكية إلى حد معارضة المقترح ولكن قد يشكل موقفها تحديًا أمام تنفيذه، فبعد إصدار هذا المقترح من الجانب العربي خرج المتحدث باسم الخارجية الأمريكية “فيدانت باتيل” بتصريح يؤكد فيه أن جلب قوات أممية للأراضي الفلسطينية قد يضر بالجهود الإسرائيلية لهزيمة حركة “حماس”، وبالتالي فإنه من غير المرجح أن يتم نشر قوات حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة لأن إرسال مثل هذه القوات إلى أي منطقة صراع يتطلب أولًا موافقة مجلس الأمن وهو ما قد سيواجه بعراقيل الفيتو الأمريكي.

وفي المقابل تشجع الولايات المتحدة الأمريكية تحت إدارة “بايدن” الدول العربية على المشاركة في قوة حفظ سلام تنتشر في غزة بمجرد انتهاء الحرب لملء الفراغ في القطاع حتى يتم إنشاء جهاز أمني فلسطيني ذو مصداقية.

(*) الموقف الأممي: تربط الأمم المتحدة إرسال قوات حفظ سلام بقرار من مجلس الأمن، حيث أكد مدير عمليات حفظ السلام في الأمم المتحدة “جان بيارلاكروا” أنه من غير الواقعي تصور إرسال جنود دوليين لوقف حرب ما في غزة أو في أي مكان آخر، فقوات حفظ السلام لها حدود ولا يكون الأمر مجديًا إلا بهدف دعم اتفاق بين أطراف مثل وقف إطلاق النار وليس السعي لوقف حرب ما، وبالتالي فإن نشر قوة لحفظ السلام تابعة للأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية وفق ما طالبت به الجامعة العربية هو أمر “افتراضي جدًا” في هذه المرحلة على حد تعبيره، ولكن من الممكن أن تؤدي بعثة الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة دورًا هامًا في اليوم التالي للحرب، ومن ثم فإن الحديث عن نشر قوات أممية في غزة سابقًا لأوانه فالوضع بعد الحرب غير واضح فلا أحد يعرف كيف سيبدو اليوم التالي للحرب على غزة وعليه أكد “لاكروا” أنه “لا تخطيط في هذه المرحلة” لاحتمال تدخل قوات الأمم المتحدة في غزة فهم أينما ينتشرون لا ينص تفويضهم على “فرض السلام”.

وعليه نجد أن إرسال بعثة أممية إلى الأراضي الفلسطينية قد لا يحظى بفرصة كبيرة للنجاح في الوقت الراهن، فالتدخل لحماية المدنيين يكون ممكنًا في حال التوصل إلى إتفاق لوقف إطلاق النار وانسحاب القوات الإسرائيلية من قطاع غزة وإنهاء الحصار والاعتراف بالدولة الفلسطينية ومن ثم نشر قوات حفظ السلام الأممية لتحقيق حل الدولتين، ولكن الحديث عن نشر تلك القوات قبل الوصول لاتفاق بين الطرفين لم يكن مجديًا، فعلى الرغم من تواجد قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان “اليونيفيل” التي تساعد منذ 1978 في الحفاظ على السلام على الحدود بين إسرائيل ولبنان إلا أن تواجدها لم يمنع الاشتباكات المسلحة شبه اليومية بين “حزب الله” وجيش الاحتلال منذ بداية أحداث غزة الأخيرة.

إلى جانب تأكيد بعض المحللين صعوبة أن تكون هناك قوات أممية في فلسطين المحتلة لأن وجود مثل هذه القوات معناه إقرار بوجود دولة فلسطين وبالتالي ليس من الممكن الحديث عن موافقة الجانب الإسرائيلي على نشر مثل هذه القوات داخل الأراضي الفلسطينية قبل وضع حل للصراع والاعتراف بالدولة الفلسطينية ودون ضغوط أمريكية.

وختامًا؛ إن مقترح نشر قوات أممية داخل الأراضي الفلسطينية في ظل استمرار الحرب وعدم الوصول لاتفاق بين الأطراف المعنية لن يجد صدى إسرائيليًا، ذلك بغض النظر عن أن تطبيق هذا المقترح يتطلب أيضًا موافقة مجلس الأمن الدولي وكذلك قبول الأطراف المعنية بالحرب لوجود مثل هذه القوات، الأمر الذي يقف أمامه عراقيل وتحديات عديدة من أجل تحقيقه خاصة في ظل تعنت الجانب الإسرائيلي وعدم الاستجابة لأي ضغوطات دولية لوقف الحرب، ولكن لابد من التوصل أولًا إلى اتفاق سياسي محدد بين كافة الأطراف لإنهاء الصراع ومن ثم إمكانية نشر مثل هذه القوات داخل الأراضي الفلسطينية من أجل الإشراف على إتمام خطوات تنفيذ هذا الاتفاق.

د. جهاد نصر

رئيس برنامج دراسات الجيوبوليتيك بالمركز- مدرس مساعد بقسم العلوم السياسية جامعة ٦ أكتوبر، متخصصة في مجال الجيوبوليتيكس، وشئون الأمن الإقليمي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى