أي مسارات تأخذها العلاقات السعودية – الإيرانية؟
سارة عويس- ماجستير في العلوم السياسية، مهتمة بدراسة الشأن الخليجي
تحظي العلاقات السعودية – الإيرانية باهتمام عالمي متزايد نظرًا لتنامي الأهمية الاستراتيجية لطرفيها خلال العقود الماضية، وتعتبر منطقة الشرق الأوسط مسرحًا دائما للتفاعلات بين الرياض وطهران، وهو ما انعكس على دول المنطقة وعلاقاتها البينية والتي شهدت منذ مطلع العقد الأخير تحولات و تغيرات استراتيجية مست كيانات عديدة نتيجة للصراع حول الدور المحوري لاسيما في الدائرة الخليجية، وتشهد الفترة الآنية مرحلة جديدة في العلاقات بين البلدين بفعل أحداث إقليمية و دولية، ويحاول هذا التحليل الإجابة على أسئلة مهمة، منها: كيف تتحرك العلاقات السعودية ـ الإيرانية؟ ومآلات مستقبلها طبقًا للمعطيات الحالية؟
واقع العلاقات:
العلاقة بين السعودية وإيران خلال الحقبة البهلوية كانت تتسم بالتنافس في بعض مراحلها، ولكن ظل ذلك التنافس في نطاقه السياسي بعيدًا عن إقحام الدين أو المذهب، إلا أن الأمر شهد تحولًا كبيرًا بعد ثورة 1979 م؛ في إيران التي اكتست بطابع ديني رافعة لواء المذهب الشيعي وساعية صوب نشره في أوسع نطاق ممكن على نحو أفضى إلى تصادمها مع المملكة العربية السعودية قطب المذهب السني، ولم يقف الأمر عند حد التنافس المذهبي بل تعداه إلى التنافس على لعب دور القائد، لاسيما في الدائرة الخليجية.
ولقد احتدم هذا التنافس إثر اندلاع الثورات العربية في 2011م، ما بين إيران المرحبة بها والسعودية الرافضة لها في دول الخليج العربي. وظل الصراع بين الطرفين هو سيد المشهد خلال العقد الماضي ، ولكن مع بداية عام 2020 بدأ الحديث عن سياسات توافقية بين البلدين.
عودة العلاقات:
بالنظر إلى مستقبل العلاقات السعودية ـ الإيرانية في الوقت الحالي، نجد أن الرياض لديها استعداد لإعادة العلاقات مع طهران ولكن بشروط معينة، أهمها:
(*) وقف إيران محاولة تصدير التشيع في المنطقة خاصة في السعودية، والتي بها تواجد شيعي بصورة كبيرة، تحديدًا الأجزاء الشرقية (الأحساء والقطيف) وكذلك المنطقة الجنوبية.
(*) ووقف دعم الميليشيات التابعة لها كجماعة الحوثي وحزب الله، والذين يشكلون تهديدًا حقيقيًا لأمن المنطقة الخليجية عمومًا، وللأمن السعودي بصفة خاصة.
(*) وجود علاقات توافقية بين السعودية وإيران تصب في مصلحة الطرفين، حيث اعتمدت السعودية سياسة تصب في مصلحة روسيا عندما قررت خفض إنتاج النفط وهذا يتسق مع السياسة الإيرانية الداعمة للجانب الروسي بطبيعة الحال، ومن هذا المنطلق يمكن أن يكون للطرفين تنسيق وتبادل للمنافع، خاصة أن السياسة لا يوجد بها عداء دائم أو صداقة دائمة ولكن هناك مصالح هي التي تحدد الأمر.
(*) الوساطة العراقية بين الرياض وطهران، فمنذ نهاية عام 2019 على وجه التحديد سعت الأطراف الإقليمية وعليى رأسها العراق إلى تمكين لغة الحوار بين هذين القطبين المهمين على الساحة الإقليمية والخليجية، حيث أُجريت خمس جولات بينهما في العاصمة العراقية بغداد، كانت أولها في ديسمبر 2019، كأول حوار مباشر بين طهران والرياض منذ انقطاع العلاقات عام 2016، تم خلالها بحث ملفات معقدة وشائكة، تحكم العلاقة بين البلدين منذ فترة طويلة.
وكان من المقرر أن تُجرى الجولة السادسة من المحادثات السعودية الإيرانية في سبتمبر 2022 وفق ما أعلنه حينذاك وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، عقب الجولة الخامسة بينهما التي عقدت في 21 أبريل 2022 في بغداد، بسبب الأزمة السياسية في العراق البلد المستضيف لهذا الحوار والتي امتدت حتى تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة محمد شياع السوداني في أكتوبر 2022.
وكانت تلك المحادثات التي تمت برعاية عراقية إبان فترة رئيس الوزراء العراقي الأسبق عادل عبد المهدي ثم رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي قد تطرقت إلى سبل تخفيف حدة التوتر بين البلدين، وعودة العلاقات الدبلوماسية بينهما والرؤى المطروحة لتسوية قضايا اليمن وسوريا ولبنان، وملف الجماعات المسلحة التي تدعمها إيران في المنطقة، والملف النووي الإيراني، وسبل حفظ أمن منطقة الخليج ووقف سباق التسلح فيها، وقضايا التعاون الثنائي في مجالات الحج والتجارة وغيرها.
مؤتمر بغداد الثاني، حيث يعتقد الخبراء أن يدفع مؤتمر بغداد في دورته الثانية والذي استضافته الأردن، باتجاه عودة المحادثات السعودية الإيرانية، بالإضافة إلى أن الحوار كان مجالا للنقاش بين رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني والمسؤلين الإيرانيين أثناء زيارته لطهران في نوفمبر 2022، وكذا أثناء زيارته للرياض لحضور “القمة العربية الصينية” ولقائه بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في 9 ديسمبر.
سيناريوهات محتملة:
وفي نظرة استشرافية لمآلات مستقبل العلاقات السعودية – الإيرانية نجد طبقا للمعطيات الحالية أن هناك سيناريوهين محتملين، أحدهما توافقي والآخر حرب باردة، وهما:
(-) السيناريو الأول: (سيناريو توافقي): بعد قطع شوط طويل من الوساطة العراقية بين الرياض وطهران، نجد أنه قد أسفرت الجولتان الأخيرتين في مؤتمر بغداد الثاني عن توقيع مذكرة تفاهم من عشر نقاط وهي تعتبر بمثابة نقطة تحول في العلاقات بين السعودية وإيران نحو التوافق، حيث تشمل فتح قنصليتي البلدين في جدة ومشهد، والتفاهم لحل الأزمة اليمنية ومسألة الحجاج الإيرانيين، والتعاون في مجالات التجارة ومكافحة الجريمة والإرهاب، وتفاهمات حول الأوضاع في لبنان وسوريا، وتحقيق الأمن والاستقرار في الخليج، ما يمثل انفراجة كبيرة في الأزمة بين البلدين.
وتناولت المحادثات عدة قضايا إجرائية تتعلق بمستوى التمثيل فيها، والذي تدرج من مستوى الخبراء والموظفين إلى مستوى رجال الأمن والدبلوماسية؛ ثم تطور ذلك في الجولة الخامسة التي شهدت تمثيلا عالي المستوى من الجانبين.
ومثل الجانب السعودي رئيس جهاز المخابرات خالد بن علي الحميدان، مقابل مفوضين من الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني، وقد عكس ارتفاع مستوى التمثيل السياسي في المحادثات عن تطورات إيجابية في معالجة القضايا محل الحوار، وإن اختلف الطرفان في توصيفه حينذاك، حيث وصفه الجانب الإيراني بالإيجابي وفق تصريحات كل من وزير الخارجية والمتحدث باسم الخارجية الإيراني، بينما وصفه الجانب السعودي على لسان وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان بأنه تطور جيد لكنه ليس بالتقدم الكبير.
وفي إطار دعم سيناريو التوافق بين الرياض وطهران دوليًا وإقليميًا فنجد أن هذه المحادثات قد لاقت ترحيبًا واسعًا من قبل الولايات المتحدة الأمريكية ومن دول الاتحاد الأوروبي وروسيا والدول العربية والأمم المتحدة، وهو ترحيب يشجع الطرفان على الاستمرار في السعي نحو الحوار والتفاهم، فموسكو ترى مصلحة في التقارب الإيراني السعودي لأنها ترغب بإبعاد الولايات المتحدة عن المنطقة، حيث سبق لموسكو طرح مبادرة لإنهاء الخلاف بين إيران والسعودية، كما أن واشنطن ترى في التقارب بين طهران والرياض فرصة لإنهاء الأزمة اليمنية، وتشجيع طهران على تقديم التنازلات المطلوبة لإنجاح مفاوضات فيينا، فالتطورات الإقليمية والدولية الأخيرة أقنعت إيران والدول العربية بضرورة وضع الخلافات جانبًا، واعتماد لغة التفاهم والتنسيق لمصلحة المنطقة برمتها، خاصة وأن الإدارة السياسية الحالية لدي الجانبين تفضل التفاوض على لغة الصراع والتهديد، لأن لكل منهما أجندة عمل داخلية تجاه شعبها مليئة بالطموحات، خاصة بالنسبة للجانب السعودي في ضوء رؤية 2030.
من ناحية أخرى، فإن إيران بحاجة إلي تهدئة الرأي العام الداخلي وإرضائه، والذي يشهد سلسلة من الاحتجاجات التي زادات حدتها خاصة في سبتمبر الماضي إثر مقتل الفتاة الشابة مهسا أميني داخل أحد مراكز الاحتجاز الأمنية. مما أدي إلي اشتعال الأوضاع في الداخل الإيراني وتصاعد وتيرة الاحتجاجات والتي قوبلت بالقمع من قبل قوات الأمن وكذلك شن حملات اعتقال واسعة ضد المواطنين المحتجين. وهذه الاحتجاجات توسعت لتضم مطالبات شعبية متنوعة متعلقة بمستوى المعيشة والظروف الاقتصادية. ومن ثم فهي بحاجة ماسة لشرعية الإنجاز للحفاظ على استقرار الدولة والنظام.
(-) السيناريو الثاني: (حرب باردة): على صعيد آخر فإن المحادثات التي أجريت بشأن ترسيخ لغة الحوار والتوافق بين الجانبين السعودي والإيراني واجهت تباينات في رؤى البلدين حول معالجة القضايا محل الحوار بينهما، وهذه التباينات لا تزال تعطل عودة العلاقات الدبلوماسية علي سبيل المثال، كما أنه من الممكن أن تسعى الجماعات المسلحة المدعومة من إيران إلى عرقلة أي تقدم في هذه المحادثات، وغالبا ما تستخدم طهران الجماعات المسلحة، في إرسال الرسائل أو التصعيد أو الضغط على الطرف المقابل، وتعتمد طهران هذا الأسلوب من أجل حث الطرف المقابل على تقديم التنازلات أو الاستجابة لمتطلباتها، وذلك مقابل دعم كبير من قبل إيران لتلك الجماعات.
لذا، تسعي هذه الجماعات إلى إخراج نفسها من أي تسوية رسمية مع إيران، تحديدًا في محادثاتها مع المملكة العربية السعودية، خاصة وأن دعم طهران للجماعات المسلحة المرتبطة بها، هو ملف يتواجد على طاولات المفاوضات والمحادثات المتعددة. ومن شأن نجاحها أن يضر بمصادر الدعم والتمويل لتلك الجماعات.
ويتأسس هذا السيناريو على فرض بقاء الحرب البادرة بين الدولتين؛ كون الاستراتيجية الإيرانية تقوم على عدم فتح مواجهات عسكرية جديدة بعد انتهاء الحرب مع العراق والتي استمرت 8 سنوات، واستخدام القوة الناعمة بديلا عن ذلك في تنفيذ مشروعها الاقليمي.
وبالنظر إلي طبيعة العلاقات السعودية الإيرانية في الفترة السابقة نجد أنها غلب عليها طابع الحرب البادرة، حيث أن البلدين لم يدخلا في صدام عسكري مباشر حتي مع ارتفاع معدلات التهديد من الجانبين ووصول الخلاف بينهما إلى مستويات بالغة الخطورة.
وختامًا. ثمة حقيقة أن التنافس السياسي وبسط النفوذ يكونان ناجحين من خلال النماذج التنموية الاقتصادية والسياسية، وليس من خلال العزف على النزاعات الطائفية والمذهبية، والعمل على زعزعة أمن الدول واستقرارها.