فرص استفادة مصر من منتدى دافوس 2023
انتهى المنتدى الاقتصادي العالمي دافوس 2023 يوم الـ 20 من يناير، الذي انعقد تحت شعار “التعاون في عالم منقسم، وجاء فى ظل ظروف اقتصادية عالمية صعبة بسبب انعكاسات الحرب الروسية الأوكرانية، التى طالت الجميع وأثقلت كاهل الاقتصاد العالمي بقضايا شائكة أهمها التضخم، وصعوبات سلاسل الإمداد العالمية، والأمن الغذائي.
يذكر أن المنتدى هذا العام، حضره وفود من 52 دولة على مستوى العالم. كما شاركت مصر بوفد رفيع المستوى على رأسه الدكتورة هالة السعيد وزيرة التخطيط والتنمية المصرية .وذلك وسط غياب العديد من قادة العالم منهم الرئيس الصيني شي جين بينج ورجال الأعمال الصينيين، بسبب التفشي الأخير لوباء كورونا، ويغيب أيضا رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا ، كما تغيب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إلى جانب المؤسسة التجارية الروسية بأكملها، بعد أن تم شطب قائمة الضيوف بسبب العقوبات المفروضة على روسيا بسبب العملية العسكرية في أوكرانيا. ويتضمن جدول الأعمال العديد من الجلسات العامة حول مجموعة متنوعة من الموضوعات التي تتراوح بين الأزمات الجيوسياسية والتحديات التنموية، وجهود التحول نحو الاقتصاد الأخضر.
ظروف عالمية صعبة:
منذ عام 2020، ينعقد منتدى دافوس العالمى فى ظروف اقتصادية صعبة وحرجة، حيث التداعيات السلبية لوباء كورونا ومن بعدها الحرب الروسية الأوكرانية، التى أضاعت الكثير من جهود التنمية الاقتصادية فى العديد من دول لعالم، خاصة في ظل توقع ثلثي كبار الاقتصاديين حدوث ركود عالمي في عام 2023، واستمرار التضخم المرتفع الذى تضاعف فى عام 2022 ليصل إلى ما يفوق 9% مقارنة بنحو 7.4% قبل الحرب الروسية. إذ زادت الضغوط التضخمية العالمية في الربع الثاني من عام 2022، في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا. مما أدى إلى التقلبات فى أسعار الطاقة والغذاء والسلع الأساسية، إذ بلغ التضخم العالمي الإجمالي وفقا لبعض التقديرات الاقتصادية العالمية في العام المالى 2022-2023 نحو 7.9٪ في عام 2022 وهى معدلات أعلى ما حققته فى عام 2021، وسط أمال متفائلة أنه قد ينخفض5٪ بنهاية عام 2023 إذا توقفت الحرب. وبشكل عام، ستشعر البلدان التي تعتمد بشكل أكبر على الطاقة بتأثيرات تضخمية أعلى في عام 2023.
شكل رقم (1) معدلات التضخم المتحققة والمتوقعة بنهاية عام 2023 لدول العالم
هذا بالإضافة إلى معدلات النمو الاقتصادي المتواضعة، والظروف الاستثمارية غير المواتية. وهو ما سبق وأن أدركته المؤسسات الاقتصادية الدولية، فقد حذرت مديرة صندوق النقد الدولي ” كريستال جورجيفا ” من أن ثلث الاقتصاد العالمي سيتعرض لحالة ركود خلال هذا العام .وفي تقرير نشرته صحيفة “نيويورك تايمز ” (New York Times)- أكدت فيه على أن معدلات النمو الاقتصادي العالمي من المتوقع تباطؤها خلال عام 2023 لتصل إلى 2.9% مقارنة بما كان عليه فى عام 2021 إذ بلغ حينها 5.7%، كذلك التوقعات الواردة في تقرير الآفاق الاقتصادية العالمية للبنك الدولي كانت أيضا ليست متفائلة بشكل كبير، فقد حددت نموا بنسبة 3.6%، فضلا عن دخول نحو 75 مليون شخص عتبة الفقر المدقع.
شكل رقم (2) معدلات النمو الاقتصادي لأهم دول العالم المتحققة والمتوقعة لعام 2023
وبجانب هذا الركود الذي يلوح في الأفق، تظهر وبوضوح مشكلة الطاقة فى أوروبا، والتي ستكون على رأس أولويات المنتدى، فى ظل انقطاع ما يقترب من 45% من إمداداتها من الغاز الروسى. كذلك حروب أسعار الفائدة وسبل تبنى السياسات النقدية الانكماشية المناسبة لمواجهة التضخم وهروب رؤوس الأموال. وبحسب التقارير المتداولة في المنتدى، تبدو صورة حركة النمو العالمي خلال الأشهر القادمة بدون ملامح واضحة، فى ظل ظروف اقتصادية غير ملائمة لتحقيق النمو حتى فى الاقتصادات الكبرى مثل الولايات المتحدة وكذلك اقتصاد الصين .فنحو 60% من المؤسسات الصناعية الكبرى في العالم أصبحت تعانى من صعوبات إنتاجية وتجارية، خاصة مع ارتفاع أسعار مدخلات الإنتاج وتكلفة التشغيل.
مصر وفرص الاستفادة:
إن مشاركة مصر في المنتدى فرصة كبيرة لإعادة الظهور على الساحة الاقتصادية الدولية بملفات مختلفة تعكس الرؤية التنموية لمصر، منها على سبيل المثال تنويع مصادر الاستيراد والتصدير وفتح أسواق جديدة، حيث تحتاج مصر بشكل خاص إلى تنويع جهات الاستيراد فى ظل الأزمات التجارية العالمية الراهنة، لاسيما مع توقعات الركود في أوروبا الفترة المقبلة. هذا فضلا عن أن مصر لديها فرصة جيدة من خلال المشاركة لدعم اقتصادها خاصة في ظل قربها جغرافيا من أوروبا التي تمثل الشريك الأساسي لمصر اقتصاديا بما يزيد على 26% من إجمالي التجارة المصرية وفقا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء.
كما يعتبر المنتدى منصة للترويج الاستثماري لمصر لجذب استثمارات في مجالات الطاقة النظيفة في ظل المتغيرات المناخية، ما يتماشى مع توجهات قمة المناخ COP27التي انعقدت في مصر نوفمبر الماضي. حيث وقعت مصر شراكات لمبادرات مناخية بقيمة 15 مليار دولار في قطاعات “الماء والغذاء والطاقة”. كما أن برنامج “نوفي”، وهو منصة للمشروعات الخضراء تتبناها الحكومة المصرية، جمع تمويلات إنمائية ميسرة قيمتها 10.3 مليار دولار بعد توقيع عدد من اتفاقيات الشراكة وخطابات النوايا مع “شركاء التنمية متعددي الأطراف والثنائيين والمؤسسات الدولية” لتمويل مشروعات البرنامج في قطاعات المياه والغذاء والطاقة .فضلاً عن إبرام صفقات مع شركات مختلفة تتجاوز110 مليارات دولار خلال أعوام قادمة تتركز على الهيدروجين الأخضر وإنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية والرياح، بالإضافة إلى توقيع عدة اتفاقيات مع عدد من شركات الطاقة العالمية، لإنشاء 9 مشروعات لإنتاج الهيدروجين والأمونيا الخضراء، في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، بتكلفة استثمارية إجمالية 83 مليار دولار، مما يضع مصر على الطريق لتصبح مركزاً إقليمياً لإنتاج الهيدروجين الأخضر. وكل تلك الصفقات ستكون فرصة كبيرة لمصر لإعادة عرض ملفات الاستثمار في الاقتصاد الأخضر على جميع رجال الأعمال وأصحاب الثروات الحاضرين بالمنتدى بما يشكل ترويج استثماري عالمي لمصر.
كذلك فرص تصدير الغاز الطبيعي المصري لدول أوروبا، حيث سبق وأكدت وكالة “بلومبيرج” الأمريكية على أن مصر لديها إمكانات فى قطاع الغاز تؤهلها من زيادة الإمدادات على المدى المتوسط والطويل في ضوء التعاون ما بين دول شرق المتوسط من خلال منتدى ” دول غاز شرق المتوسط “، حيث تعد مصر خامس أكبر مالك لاحتياطيات الغاز الطبيعي المؤكدة في إفريقيا. هذا فضلاً عن أن اكتشافات الغاز الأخيرة وضعت لمصر قيمه عالية لدى أوروبا، لأن مصر الوحيدة التي لديها شبكة خطوط ومحطات إسالة على درجة كبيرة من الكفاءة، وتعد اللاعب المهيمن في مجال الطاقة في شرق المتوسط، مما يؤهل مصر لتوقيع العقود قريبًا لمناطق استكشاف بحرية جديدة غرب الدلتا. وتسعى مصر إلى أن تصبح مركزا إقليميا للطاقة عبر تصدير فائض إنتاج الغاز الطبيعي إلى جانب تصدير فائض الدول المجاورة من الغاز، عبر محطتي الإسالة الواقعتين على شاطئ البحر المتوسط بإدكو ودمياط.
يضاف إلى ذلك فرص تعزيز الشراكات بين مصر ومؤسسات التمويل الدولية فى مجالات استثمارية متعلقة بالابتكار والإبداع ومشروعات ريادة الأعمال، خاصة فى ظل فتح هذا المجال بكثافة للقطاع الخاص باعتباره شريكًا رئيسيًا في تنفيذ جهود التنمية، ووفقا لتوجهات وثيقة سياسات ملكية الدولة التي تستهدف تحديد قطاعات معينة تتخارج منها الحكومة على المدى المتوسط، وترك تلك الساحات الإنتاجية للقطاع الخاص المحلى والأجنبي.
وتأسيسا على ما سبق، يمكن القول بأن منتدى دافوس الاقتصادي لهذا العام ما زال يشهد تحديات اقتصادية عديدة خلفتها الحرب الروسية الأوكرانية، ووقف أمامها العالم عاجزا إلى حد كبير عن تجاوزها بشكل سريع وبأقل الخسائر, ومن هنا ظهرت الدعوات خلال هذا المنتدى إلى ضرورة تبني مستقبل اقتصادي عالمي ومفتوح من أجل تحقيق النمو الشامل، الذى يشارك فيه دول العالم كافة وخاصة الدول النامية، دون الاقتصار على الاقتصادات الكبرى التى أثبتت عجزها عن تحقيق الصمود أمام الأزمات والصدمات الاقتصادية فى ظل سياسات الاقتصاد الرأسمالية .وفى ظل تلك الظروف الاقتصادية غير واضحة المعالم، ينفذ الاقتصاد المصرى إلى نقاط نور جديدة قد تساعد بشكل كبير فى فتح أفاق جديدة للتعاون مع المجتمع الدولى، خاصة عقب نجاح مصر فى جذب انتباه العديد من المستثمرين الى قطاعات إنتاجية خضراء تبنتها مصر أهما الطاقة النظيفة والهيدروجين الأخضر ، فضلا عن سبل التعاون التقني والرقمي الذى يمثل نافذة أخرى نحو التعاون ، قد تخفف نسبيا من تداعيات الحرب الراهنة على الاقتصاد المصرى.