حدود الدور المصري في الكوميسا خلال العامين الماضيين
انطلقت أعمال القمة الـ 22 للسوق المشتركة لدول الشرق والجنوب الأفريقي ( الكوميسا ) وذلك فى لوساكا عاصمة دولة زامبيا، وتحت شعار “التكامل الاقتصادي من أجل كوميسا مزدهرة ترتكز على الاستثمار الأخضر والقيمة المضافة والسياحة، وذلك خلال الفترة من 8 إلى 10 يونيو 2023. وشهدت أعمال القمة انتقال رئاسة “الكوميسا” من مصر إلى زامبيا، بعد فترة تجاوزت العام ونصف من جهود مصرية عديدة لتعزيز دور التكتل. وركزت القمة على الموضوعات الحيوية الهامة التى تحتاجها وبشدة دول التكتل خاصة بعد تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على اقتصاداتها، وما قبلها من تداعيات وباء كورونا.
وفي هذا الإطار، يتناول هذا التحليل أهم الإسهامات المصرية خلال رئاستها لمنظمة الكوميسا، والعلاقات التجارية بين القاهرة وأعضاء الكوميسا.
ملامح تكتل ( الكوميسا):
تضم السوق المشتركة لشرق وجنوب أفريقيا (كوميسا) في عضويتها 21 دولة حتى عام 2019 وهم: مصر، وبوروندي، وجزر القمر، وجيبوتي، وإريتريا، وإثيوبيا، وكينيا، ومدغشقر، وملاوي، وموريشيوس، ورواندا، وسيشل، والسودان، وسوازيلاند، وأوغندا، وزامبيا، وزيمبابوي، والكونغو الديمقراطية، وليبيا. كما انضمت دولة الصومال، كذلك تونس فى عام 2019.
وتتسم الدول الأعضاء بإمكانات هائلة فى القطاع السياحى، حيث تسهم السياحة في دول مثل سيشيل ومدغشقر وموريشيوس وجزر القمر بما يتراوح بين 14٪ و25٪ من الناتج المحلي الإجمالي، وتصل هذه النسبة فى مصر وكينيا إلى حوالي 12٪ من الناتج المحلي الإجمالي؛ ونظرا لأهمية القطاع، تحتاج دول التكتل إلى تكثيف الجهود لاستغلاله خاصة انه مصدر هام للنقد الأجنبي والدخل القومى.
هذا بالإضافة إلى ما تشهده معظم دول القارة من تغيرات مناخية أضرت باقتصادات الدول وبشعوبها وحرمتها من العيش فى بيئة صحية مستدامة، وبالتالي ركزت أيضا أعمال القمة على كيفية التحول نحو الاقتصاد الأخضر وتعزيز سيل الاستثمار الأخضر الصديق للبيئة خاصة فى مجالات الطاقة المتجددة، والزراعة الذكية مناخيا. كذلك التركيز على القيمة المضافة، بما يعنى إمكانية تحول دول الكوميسا إلى الإنتاج الصناعي حتى ولو بعملية إنتاجية وسيطة وليست نهائية، حتى تتمكن من إشباع السوق المحلى أولا، ثم رفع عائدات التصدير ثانيا خاصة فى إطار العلاقات التجارية البينية لدول التكتل.
جدير بالذكر أن تكتل الكوميسا أحد أهم التكتلات الاقتصادية الإقليمية فى أفريقيا ليس فقط بسبب كبر عدد الدول المنضمة اليه؛ ولكن أيضاً لطبيعة المزايا التى ينعم بها التكتل، حيث تشكل مساحة الإقليم الذى يغطيه هذا التكتل نحو 41% من إجمالي مساحة القارة الأفريقية، ويقدر تعداد سكان الإقليم بنحو 583 مليون نسمة أى نحو50% من إجمالي عدد سكان القارة. فضلاً عن حجم الناتج المحلى الإجمالي الضخم لهذا التكتل والذى بلغ نحو ما يزيد عن 805 مليار دولار أمريكى وفقا لبيانات عام 2022 .
وقد وضعت كوميسا العديد من المبادرات التي تهدف الى تعزيز الوضع الاقتصادى للجماعة وتشمل المجالات التالية: تحرير التجارة من خلال إنشاء منطقة تجارة حرة فى 31 أكتوبر عام 2000 ،وإزالة الحواجز غير الجمركية بين معظم الدول الأعضاء، ليصل عدد الدول المشاركة فى تلك المنطقة 13 دولة وهم: مصر / وكينيا / السودان / موريشيوس / زامبيا / زيمبابوي / جيبوتي / ملاوي / مدغشقر، وانضمت إليهم رواندا وبوروندي فى عام 2004، كما انضمت ليبيا وجزر القمر عام 2006.
كما نجحت الجماعة فى إزالة القيود المتعلقة بأسعار الصرف، عن طريق إزالة القيود على العملة الأجنبية، وإزالة حصص الاستيراد والتصدير، فضلاً عن حواجز الطرق، من خلال تبسيط الإجراءات الجمركية، وتمديد ساعات العمل عند الحدود. وبشكل أكثر تحديدا، ومن أجل تعزيز التكامل التجاري، قامت الكوميسا بتصميم وتنفيذ العديد من برامج وأدوات التكامل التجاري المتعلقة بمجال التجارة الحرة والاتحاد الجمركي وتسهيل التجارة وتسهيل المرور العابر بما في ذلك إدارة الحدود المنسقة من خلال مراكز حدودية واحدة، وتسوية الحواجز غير الجمركية أمام التجارة؛ والتجارة الحرة الرقمية كطريقة لتعميق التكامل التجاري. وقد نمت الصادرات البينية للكوميسا من 4.4 مليار دولار أمريكي في 2005 إلى حوالي 10.9 مليار دولار أمريكي في 2019 وتجاوزت الـ13 مليار دولار عام ٢٠٢٢ وهو أكبر قيمة للتجارة البينية شهدها تاريخ التكتل منذ إنشاءه.
العلاقات التجارية بين مصر وتكتل الكوميسا:
ساهمت الجهود المصرية أيضا في ارتفاع حجم التبادل التجاري بين مصر ودول الكوميسا في ذلك العام إلى أعلى قيمة لها منذ انضمام مصر للكوميسا ليصل 1.6 مليار دولار لعام 2022، وبلغت قيمة الصادرات المصرية لدول التكتل 3ر4 مليار دولار للعام ذاته وفقا لبيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، مقارنة بـ 3.1 مليار دولار عام 2021 بزيادة قدرها 10.9٪، أى أن نحو 60% من تجارة مصر مع أفريقيا تتوجه الى دول تكتل الكوميسا . وقد بلغت قيمة الواردات المصرية من دول الكوميسا 1.9 مليار دولار خلال عام 2022 مقارنة. إلى 1.3 مليار دولار في عام 2021 ، بزيادة قدرها 42.4٪. وتصدرت ليبيا قائمة أكبر عشر دول مستوردة من مصر خلال عام 2022، حيث بلغت قيمة صادرات مصر 1.2 مليار دولار، تليها السودان بـ 929.2 مليون دولار، ثم كينيا بـ 355.7 مليون دولار، تليها تونس وجيبوتي وأوغندا. وعن أهم المجموعات السلعية التي صدرتها مصر لدول الكوميسا عام 2022، كانت المنتجات الكيماوية والبلاستيك جاءت في المرتبة الأولى بقيمة 1.1 مليار دولار، ثم المنتجات الحيوانية والنباتية بقيمة 782.3 مليون دولار، ثم الرخام، الحجارة والسيراميك والزجاج بقيمة 267.7 مليون دولار، ثم الوقود والمنتجات البترولية بقيمة 208.6 مليون دولار، ثم المنتجات المعدنية بقيمة 207.6 مليون دولار. أما أهم المجموعات السلعية التي استوردتها مصر من دول الكوميسا خلال عام 2022 هي: المنتجات المعدنية بقيمة 908.9 مليون دولار، والمنتجات الحيوانية والنباتية بقيمة 709.2 مليون دولار، والغزل والألياف النسيجية ومنتجات الغزل والنسيج. بقيمة 144.6 مليون دولار، والمنتجات الكيماوية والبلاستيك بقيمة 51.1 مليون دولار، ثم 18.9 مليون دولار من المطاط والجلود والخشب، و 15 مليون دولار في الآلات والأجهزة الكهربائية، و 12.6 مليون دولار في الرخام والحجر والخزف والمصنوعات الزجاجية، و 0.7 مليون دولار في المعدات العلمية، و 0.1 مليون دولار من الوقود والمنتجات البترولية. ومعظم تلك الواردات المصرية كانت من السودان وكينيا وزامبيا والكونغو.
شكل رقم (1) تطور تجارة مصر مع تكتل الكوميسا خلال الفترة (2015-2020)
الجهود المصرية خلال رئاسة تكتل الكوميسا:
انضمت مصر إلى اتفاقية “الكوميسا” في عام 1998، وتولت رئاسة الكوميسا للمرة الثانية فى نوفمبر 2021، ووضعت مصر منذ ذلك الحين خطة تنموية للنهوض بدول التكتل، وبما يتماشى مع أجندة أفريقيا 2063. كما تم إطلاق الخطة الاستراتيجية متوسطة المدى للكوميسا 2021(2021 – 2025) خلال ترأس مصر للتكتل، حيث تقوم الخطة على محاور رئيسية تتعلق بضرورة تكامل الأسواق الإنتاجية الأفريقية، وتحسين البنية التحتية ووسائل النقل والمواصلات، فضلا عن تقليل تكلفة ممارسة الأعمال التجارية وتعزيز القدرة التنافسية، من أجل تعزيز القدرة التنافسية والإنتاجية الإقليمية، ومن أهم الجهود المصرية خلال تلك الفترة ما يلى:
- مبادرة لتعزيز التكامل الصناعي الإقليمي: قامت مصر بإعداد تلك المبادرة بما يتوافق مع الاستراتيجية الصناعية للكوميسا ٢٠١٧ – ٢٠٢٦، وتتضمن إطلاق مبادرة “صنع في الكوميسا”، والتى تستهدف دفع التوجه نحو الصناعة فى دول التكتل، حتى تتمكن دوله من تنويع هياكل الإنتاج بها، وتعزيز معدلات النمو الاقتصادى، خاصة بعد أن أثرت التحديات الدولية الأخيرة ومنها وباء كورونا والحرب الروسية الأوكرانية على سلاسل الامداد وعلى إمكانية الحصول على العديد من السلع المصنعة .
- إطلاق أكاديمية “الكوميسا” للأعمال الإلكترونية:حيث أكدت مصر على أن التحول الرقمى ضروري قصوى لدول القارة حتى تتمكن من مسايرة التقدم التكنولوجى العالمى، وتسعى تلك الأكاديمية الى تنمية كافة المهارات المتعلقة بالتحول الرقمى واستخداماته بالإضافة إلى إنشاء منصة لتبادل المعلومات والخبرات المتاحة بالإقليم.
- تشكيل لجنة وزراء الصحة للكوميسا: والتى أبرزت أهميتها مصر خاصة بعد أن أوضح وباء كورونا أن الدول الكرى ليست محل اعتماد للحصول على اللقاحات ومواجهة الوباء. وكانت مصر عازمة على مساعدة دول القارة بأكثر من 30 مليون جرعة لقاح. وجاء إنشاء تلك الجنة من أجل متابعة الوضع الصحى بدول التكتل ومحاولة النهوض به، وصياغة خطة عاجلة لمواجهة التحديات التي فرضتها جائحة كورونا.
- الاهتمام بمشروعات البنية التحتية والتنمية الزراعية بين الدول الأعضاء: ومن أبرزها، مشروع الربط بين بحيرة فيكتوريا والبحر المتوسط، ومشروع الربط الكهربائي بين مصر والسودان، كما تعتبر المشروعات الزراعية من أكثر المشروعات المشتركة نجاحاً للتعاون مع الدول الإفريقية، ومن هنا جاء مشروع إنشاء المزارع المصرية المشتركة مع عدد من الدول الأفريقية الأعضاء فى الكوميسا مثل إريتريا وزامبيا وكينيا. كما تمثلت أبرز المشروعات الاستثمارية التى تنفذها وزارة الرى في إنشاء 5 سدود، وحفر 75 بئر جوفي، وميكنة 2 بئر جوفي لتوفير مياه الشرب النقية بأوغندا، وأيضاً حفر 180 بئر جوفي في كينيا، و60 بئر جوفي في تنزانيا، و10 آبار جوفية بإقليم دارفور، فضلاً عن تنفيذ 6 محطات مياه شرب جوفية لتوفير مياه نقية لمواطني مدينة جوبا بجنوب السودان.
ويضاف إلى تلك الجهود، ما قامت به مصر دائما وأبدا فى العديد من المحافل الإقليمية والدولية فى الحديث باسم القارة وعرض قضاياها ومشكلاتها ومحاولة الوصول الى حلول عاجلة تستهدف تحقيق التنمية المستدامة لشعوبها، ومنها على سبيل المناخ قمة المناخ COP27 التى استضافتها مصر فى نوفمبر 2022، كذلك الجهود المصرية المستمرة فى تسوية اى منازعات تتم بدول الإقليم وغيرها من الدول الإفريقية.
تأسيسا على ما سبق، يتضح أن الاهتمام المصرى بتعزيز العلاقات الإفريقية عامة، ومع أعضاء تكتل الكوميسا خاصة لم يكن وليد فقط لفترة رئاسة مصر للتكتل، بل بدأت فى الظهور بشكل واضح منذ تولى الرئيس عبد الفتاح السيسى، واهتمامه بدعم العلاقات المصرية الأفريقية لتكون على رأس أولوية السياسة الخارجية المصرية، أما عن تكتل الكوميسا فما يزال من أهم وأكبر التكتلات الأفريقية، ومازال المستقبل يحمل فى طياته العديد من المزايا الاقتصادية المتوقعة، فوفقا لدراسة أعدها مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء المصري، سوف تبلغ نسبة إمكانات التصدير غير المستغلة إلى دول التكتل نحو 9% من إجمالي الفرص التصديرية بحلول 2025، وهو ما يعادل نحو 1.8 مليار دولار، وبحسب الدراسة، تحظى صادرات مصر إلى كل من دول ليبيا وكينيا والسودان وإثيوبيا وتونس، بأكبر قيمة لإمكانات التصدير المتوقعة لعام 2025.
ختاما، لم تتوقف مصر عن دعم علاقتها الاقتصادية والتنموية بدول القارة أجمع فى إطار أشمل وأعمق وهو منطقة التجارة الحرة القارية التى تم التصديق عليها أثناء رئاسة مصر للاتحاد الإفريقي. وعلى زامبيا الآن مسؤولية كبيرة وهى البناء على ما قامت به مصر من جهود سابقة خاصة فى ظل ما يواجه دول التكتل والقارة ككل من تحديات اقتصادية تدور فى ظروف عالمية صعبة.