إشكالية التحديات.. ما حدود استفادة مصر من عضوية “بريكس”؟

تحتل قمة مجموعة البريكس التى تمتد 3 أيام من 22 الى 24 أغسطس 2023 في جوهانسبرغ بجنوب أفريقيا، تحت شعار “بريكس وأفريقيا”: شراكة من أجل النمو المتسارع والتنمية المستدامة والتعددية الشاملة- أهمية خاصة في ظل تداعيات حرب روسيا على أوكرانيا والصراع الجيوسياسي بين الولايات المتحدة والصين. إذ ترفع الدول الأعضاء بالمجموعة شعارات عالم أكثر توازنا وأمنا، وتدعو لإنهاء عصر القطب الواحد وتوسيع نفوذ التكتّل. وحظى اجتماع دول البريكس الخامس عشر مستوى من الاهتمام الدولي، نادراً ما نشهده منذ “تشكل المجموعة لأول مرة منذ 14 عاماً مضت ، وأعادت الجدل حول ما إذا كانت الكتلة ستظل تحالفاً تجارياً جديدا قادرة على العمل كثقل موازن للشمال العالمي، وهل ستضرب بجذورها في الاعتقاد السياسي الراسخ بأن العالم المتعدد الأقطاب يشكل ضمانة أفضل لمصالحها من عالم تهيمن عليه المصالح الأحادية القطب . ومن هذا المنطلق، يستعرض هذا التحليل ملامح تكتل البريكس وأهميته الاقتصادية، فضلا عن طبيعة الفرص والتحديات التى قد تواجه مصر بعد إعلان قبول انضمامها رسميا للتكتل فى يناير 2024.الأهمية الاقتصادية لتكتل البريكس:أنشئت مجموعة البريكس بأربعة أعضاء هم ( الصين وروسيا والهند والبرازيل ) في العام 2009، ثم انضمت إليها جنوب إفريقيا عام 2010، لتضم بذلك اقتصادات من أربع قارات ومتنوعة من حيث الأداء الاقتصادى والاتجاهات الجيوسياسية، إذ تعد الصين، هى الاقتصاد الأكبر يليها الهند وروسيا والبرازيل وجنوب أفريقيا. وتمثّل بريكس 23 % من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، ونحو 42 % من سكّان العالم، وأكثر من 16 % من التجارة العالمية. وتسعى الدول الأعضاء إلى عصر جديد للتنمية العالمية ولتحقيق هذه الغاية، سبق واجتمعت وفود دول البريكس في قمة في بكين عام 2022. وكانت نقطة التركيز الرئيسية هي التأكيد على “دعم توسيع وتعزيز مشاركة الأسواق الناشئة والبلدان النامية.
شكل رقم (1) تطور حجم الناتج المحلى الإجمالي للدول الأعضاء فى البريكس خلال الفترة (1965- 2021)
وعن حجم المعاملات التجارية البينية لدول البريكس، ارتفعت التجارة الخارجية للصين مع دول البريكس الأخرى بنسبة 12.1 % على أساس سنوي [195.71 مليار دولار أمريكي] في الأشهر الخمسة الأولى من هذا العام 2023، أي أعلى بحوالي 3.8 نقطة مئوية من معدل النمو الإجمالي للصادرات الأجنبية الصينية خلال نفس الفترة. أما روسيا فقد بلغ حجم تجارتها 164 مليار دولار أمريكي. وتستمد روسيا نفوذها على وجه التحديد باعتبارها منتجا للطاقة في مجموعة البريكس.وسجلت الهند حجماً قوياً من التجارة بين بلدان مجموعة البريكس بقيمة 142 مليار دولار أميركي، بينما جاءت البرازيل وجنوب أفريقيا الأقل حجما من حيث التجارة البينية.
العلاقات الاقتصادية بين مصر والبريكس:
تجدر الإشارة هنا إلى العلاقات الاقتصادية القائمة بالفعل بين مصر وأعضاء مجموعة البريكس، فعلى صعيد التجارة الدولية، ارتفعت قيمة الصادرات المصرية لدول البريكس إلى 4.9 مليار دولار عام 2022 مقابل 4.6 مليار دولار عام 2021 بنسبة زيادة 5.3%، فيما بلغت قيمة الواردات المصرية من دول البريكس 26.4 مليار دولار مقابل 23.6 مليار دولار، بزيادة قدرها 11.5% ومعنى ذلك وجود عجز تجارى لمصر فى علاقتها التجارية مع دول البريكس. وجاءت الهند على رأس قائمة أكثر دول البريكس استيرادا من مصر خلال عام 2022. وبلغت قيمة صادرات مصر 1.9 مليار دولار، بينما جاءت الصين في المركز الثاني بـ 1.8 مليار دولار، ثم روسيا بـ 595.1 مليون دولار. ثم البرازيل بمبلغ 402.1 مليون دولار، وأخيرا جنوب أفريقيا بمبلغ 118.1 مليون دولار. يأتي ذلك فيما تصدرت الصين قائمة أعلى دول البريكس المصدرة لمصر خلال عام 2022؛ حيث بلغت قيمة واردات مصر 14.4 مليار دولار، بينما جاءت روسيا في المركز الثاني بـ 4.1 مليار دولار، ثم الهند بـ 4.1 مليار دولار، ثم البرازيل بـ 3.6 مليار دولار، وأخيراً جنوب أفريقيا بـ 133 مليون دولار.
وعلى صعيد الاستثمارات، بلغت استثمارات دول البريكس في مصر 891.2 مليون دولار خلال العام المالي 2021/2022، مقابل 610.9 مليون دولار خلال العام المالي 2020/2021، بنسبة زيادة 45.9%. واحتلت الصين المركز الأول في قائمة الدول الأعلى استثمارًا لمجموعة البريكس في مصر خلال العام المالي 2021/2022؛ حيث بلغت قيمة استثماراتها 369.4 مليون دولار، وجاءت الهند في المرتبة الثانية بـ 266.1 مليون دولار، ثم جنوب أفريقيا بـ 220.3 مليون دولار، ثم روسيا بـ 34.5 مليون دولار، وأخيراً البرازيل بـ 829 ألف دولار.
أما فيما يخص تحويلات العاملين، كشف الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، أن قيمة تحويلات المصريين العاملين في دول البريكس بلغت 84.7 مليون دولار خلال العام المالي 2021/2022، مقابل 41.8 مليون دولار خلال العام المالي 2020/2021، بنسبة زيادة 102.5%، بينما وبلغت تحويلات العاملين من دول البريكس إلى مصر 49.7 مليون دولار مقابل 54.5 مليون دولار بانخفاض قدره 8.7%. وجاءت البرازيل على رأس قائمة أعلى دول البريكس في تحويلات المصريين العاملين بها خلال العام المالي 2021/2022؛ وجاءت روسيا بقيمة 42.4 مليون دولار في المركز الثاني بقيمة 16.4 مليون دولار، ثم الصين بـ 13.2 مليون دولار، ثم جنوب أفريقيا بـ 6.7 مليون دولار، وأخيراً الهند بـ 6 ملايين دولار.
مزايا اقتصادية:
مما لا شك فيه أن قبول انضمام مصر لمجموعة “بريكس” يعد دليل قوى على قوة الدولة المصرية وخاصة ركائزها الاقتصادية. ويشير أيضا إلى أهمية مصر كدولة محورية فى الشرق الأوسط، كما أنها البوابة الرئيسية للقارة الأفريقية، خاصة أنها كانت ضمن 6 دول وافقت المجموعة على انضمامها في البداية من بين 23 دولة طلبت الانضمام. ومن أهم تلك المزايا المتوقعة ما يلى:
(1)- ارتفاع حجم التبادل التجارى: تتمتع مصر بحجم كبير من التجارة مع أعضاء مجموعة البريكس، وخاصة روسيا والصين والهند. ومع اقتصادها النامي، تستطيع مصر توسيع صادراتها إلى هذه البلدان، مع الاستفادة من الاتفاقيات التجارية مثل السوق المشتركة للجنوب (ميركوسور)، لتصبح مركزا يربط أفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية. كما تعتبر البريكس سوق إنتاجي ضخم يضم نحو 42% من سكان العالم سواءً من دول المجموعة أو دول تتعامل معها، وبالتالى إمكانية النفاذ والترويج للسلع والخدمات المصرية، في المقابل، البريكس يستفيد أيضًا من وجود مصر في عضويته؛ حيث تكون بوابة لأفريقيا من حيث نفاد وتوجيه السلع والخدمات الخاصة بهم، وتصدير لباقي دول القارة للاستفادة من السوق الأفريقية؛ استغلالًا لموقع مصر الجغرافي والمقومات التي تمتلكها، وهذا يجعل منها شريكًا وحليفًا قويًّا لدول التجمع. وتجدر الإشارة إلى أن الميزان التجاري لمصر مع كل الدول المنضمة للتكتل يسجل عجزا لمصر في العلاقات التجارية بين الجانبين، وبالتالي تنمية الصادرات والتجارة يجب أن يكون الهدف الأهم للانضمام لهذا التكتل.
(2)- زيادة الاستثمارات الواردة إلى مصر، إذ يتطلع الاقتصاد المصرى إلى جذب عدد كبير من المشروعات المستقبلية، خاصة مشروعات الرقمنة والتنمية الزراعية والاستثمارات البيئية الخضراء والبنية التحتية، كذلك مشروعات الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر. ويسمح التواجد الرسمى فى البريكس فى دفع مزيد من الاستثمارات فى تلك المجالات التنموية الهامة.هذا فضلا عن تبادل الخبرات والكفاءات بشكل مباشر من الدول الأعضاء فى الجماعة خاصة تلك الخبرات المتعلقة بالصناعة والتكنولوجيا.
(3)- دعم قيمة الجنيه المصرى وتخفيف الضغط على الاحتياطي الأجنبي: فى ظل اتجاه البريكس نحو دعم العملات المحلية للدول الأعضاء، كمحاولة مبدئية لإنشاء وحدة حساب أو عملة موحدة خاصة بدول التكتل ، فقد تستفيد مصر من دخولها البريكس عن طريق دعم الجنيه المصرى فى العلاقات التجارية، وهذا سوف يخفف من زيادة الطلب على الدولار، وبالتالي لا نلجأ إلى مزيد من خفض قيمة الجنيه أو زيادة سعر الدولار للاستيراد. وان كان هذا لن يحل أزمة سعر الصرف، نظرا لارتباط الأزمة بمصر بالاقتصاد الحقيقي، لكنه سيساهم في حل أزمة الاقتصاد الحقيقي من خلال فتح فرص للتصدير مع دول المجموعة والتشجيع على زيادة حجم الصادرات وتقليل عجز الميزان التجاري. كما أن تخفيف الضغط على الدولار سيأتي بعد وقت ومزيد من الصفقات وتبادل سلعي بدلا من النقدي، ونتيجة الثقة في المعاملة وتوليد طلب مرن من خلال التصدير والاستيراد . كما تطمح دول البريكس إلى إنشاء عملة بديلة للتجارة العالمية، من المحتمل أن تكون مدعومة بالذهب، لتقليل الاعتماد على الدولار الأمريكي لتسعير السلع الأساسية في الأسواق العالمية، يمكن أن يفيد دولاً مثل مصر، التي واجهت نقصاً حاداً في الدولار الأمريكي ، ومن خلال اعتماد عملة بديلة، يمكن لمصر أن تعالج الفجوة التمويلية التي تقدر بنحو 17 مليار دولار والمتوقعة حتى عام 2026.
(4)- تأمين احتياجات البلاد من السلع الاستراتيجية: مثل الحبوب كالقمح والأرز، خاصة وأن هذا التجمع يستحوذ على حصة كبيرة من الاقتصاد العالمى فى تجارة الحبوب التى تظهر وبوضح فى دولتى الهند وروسيا. وناقشت مصر وروسيا والهند في السابق تداول القمح والأرز، إلى جانب سلع استراتيجية أخرى، بالجنيه المصري والروبل والروبية. ومن خلال الانضمام إلى مجموعة البريكس، يمكن أن تؤتي هذه المحادثات ثمارها. ومن المتوقع أن تستورد مصر 12 مليون طن من القمح خلال السنة المالية الحالية 2023/24 التي بدأت في الأول من يوليو من عام 2023، وفقا لتقرير لمنظمة الأغذية والزراعة.
(5)- توفير فرصة تمويلية كبيرة لمصر، من خلال الحصول على المنح والقروض الميسرة بفوائد مخفضة من بنك التنمية التابع للتكتل الذى تأسس في عام 2015 وانضمت إليه مصر فى عام 2021، بما يساعد على الحد من اللجوء إلى المؤسسات الدولية كالبنك والصندوق الدوليين. وتجدر الإشارة إلى أن بنك التنمية متعدد الأطراف يهدف إلى تعبئة الموارد لمشاريع البنية التحتية والتنمية المستدامة داخل البريكس وفي الأسواق الناشئة والبلدان النامية الأخرى. وتخطط دول البريكس لتطوير بنك التنمية الجديد كبديل للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، ودعم الدول الأعضاء من خلال ترتيب احتياطي الطوارئ، وهو إطار لتوفير سيولة إضافية ومزايا أخرى لدول البريكس خلال الأزمات الاقتصادية والتي خصصت له بشكل مبدئي مبلغ 100 مليار دولار.
تحديات قائمة:
يواجه انضمام مصر لمجموعة بريكس العديد من الصعوبات والتحديات، ومنها ما يلى:
- يواجه الاقتصاد المصرى مؤخرا تحديات اقتصادية ناجمة عن تداعيات وباء كورونا ومن بعده الحرب الروسية الأوكرانية، الأمر الذى أثر سلبا على معدل النمو الاقتصادى فى مصر، واحتياطى النقد الأجنبى، ودفع معدلات التضخم نحو الارتفاع بشكل كبير، وكل تلك التداعيات أضعفت نسبيا من الأداء الاقتصادى لمصر، وحتى يمكن مواجهة تلك المشكلات لضمان تواجد أفضل فى الربيكس، يتطلب الأمر خطوات محسوبة وجهود مستمرة لدفع السياسات المرتبطة بالتصنيع والإنتاج وتوفير العملات الأجنبية.
- أن معظم الاحتياطي النقدى الأجنبي فى مصر بالدولار، والقليل منه بالعملات الدولية الأخرى؛ وبالتالى يحتاج الأمر إلى خطة نقدية تهدف إلى تنويع الاحتياطي الأجنبي بسلة عملات دولية مختلفة تشمل على سبيل المثال الروبل الروسى واليوان الصينى.
- إن الانضمام إلى البريكس يعني ضرورة أن يكون الاقتصاد المصرى قادرا على المنافسة والإنتاج والتصدير حتى لا يتعرض للمنافسة الحادة أو الإغراق من باقى الدول الأعضاء فى التكتل وخاصة الصين التى تغزو منتجاتها الأسواق النامية ومنها مصر.
- إن وجود مصر فى تكتل البركس وبنك التنمية التابع لها، يثير المخاوف بشأن مزيد من القروض والديون الخارجية التى قد تضيف ثقل على الاقتصاد المصرى، خاصة وأن عبء الديون الخارجية قد تزايد فى الآونة الأخيرة ليصل إلى 165 مليار دولار. وبالتالى لابد من الحكمة البالغة فى التعامل مع أى قروض جديدة.
تأسيسا على ما سبق، تجدر الإشارة إلى التأكيد على أن سعي مصر للانضمام للبريكس لا يعني تخليها عن التعاون الاقتصادي مع الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية، ولكن يجعلها تواكب التطورات الاقتصادية العالمية الحالية التي تتجه نحو التعددية، ووضع نهاية لاحتكار دولة أو كتلة أو عملة واحدة كالدولار. ومما لا شك أن قبول عضويتها يفتح لها آفاق اقتصادية جديدة، كما يعزز من الثقل الإقليمي لمصر، ولكن توجد بعض التحديات التى تحتاج إلى خطط مدروسة لمواجهتها، خاصة فى ظل الأوضاع الاقتصادية العالمية الحالية، وفى ظل أننا نتعامل مع مجموعة اقتصادية غير متجانسة من حيث قوتها الاقتصادية فضلا عن غياب الرابط السياسي والثقافي؛ حيث لا يربط دول البريكس رابط جغرافي أو إقليمي، بل تنتمي إلى أربع قارات مختلفة، وبالتالي تصبح المهمة الرئيسية لمصر، هي: كيف تجعل هذا الاختلاف دافعًا للتوسع والنمو، وهو ما ستكشفه الفترة القادمة. ولا ينبغي لنا أن ننظر إلى الانضمام إلى مجموعة البريكس باعتباره جرعة سحرية تهدف إلى علاج العلل الاقتصادية التي تعاني منها أي دولة، بل باعتباره مكافأة إضافية. عندما تتقدم دولة ما بطلب لتصبح عضوًا في مجموعة البريكس، فإن هذه الدولة ستكسب الكثير، لأنها ستتعامل مع بعض أكبر الأسواق في العالم. ومع ذلك، تقع على عاتق هذا البلد مسؤولية مواكبة هذه الأسواق من خلال تحسين سوقه واقتصاده الخاص حتى يتمكن من التنافس معهم وتحقيق أقصى استفادة من عضويته.