زيارة مؤثرة: مستقبل العلاقات الاقتصادية بين مصر وعمان
توجه سلطان عمان هيثم بن طارق يوم الأحد 21 مايو 2023 إلى زيارة مصر للمرة الأولى منذ توليه السلطة فى عام 2020، لبحث ملف العلاقات الاقتصادية بين البلدين. والتنسيق المشترك فى بعض القضايا الإقليمية والدولية. وتعتبر العلاقات المصرية العمانية من نماذج العلاقات الدولية التاريخية المتأصلة التى لا يشوبها شائبة، فهي علاقات سلسة يسودها الود والاحترام لشعب وقيادة الدولتين . فسلطنة عمان التى زارتها الملكة المصرية حتشبسوت منذ قديم الزمن، والذي أطلق السلطان قابوس مرسوما تاريخيا فى عام 1973 للتبرع بربع رواتب الموظفين العمانيين لصالح مصر لدعمها وقت الحرب، والتى أيدت وناصرت القيادة المصرية فى بعد زوال حكم الإخوان، كل ذلك يجعل من سلطنة عمان من الدول التى تنعم بمكانة مميزة لدى مصر.
شهدت العلاقات المصرية العمانية نموا ملحوظا فى ظل قيادة الرئيس السيسى وزياراته المتكررة لسلطنة عمان، حيث كان أخرها زيارة فى يوليو2022، والتى كانت توثق العديد من التعاون والتنسيق بين البلدين بعد مرور ما يقرب من خمسين سنة على بروز تلك العلاقات، وتم من خلالها توقيع نحو ست مذكرات تفاهم للتعاون فى مجالات مختلفة .وجاءت زيارة سلطنة عمان لمصر لتؤكد على ما تشهده العلاقات المصرية العُمانية من قوت واتزان خاصة في ظل إيمان القيادة السياسية في البلدين بأهمية تنمية وتوسيع حجم العلاقات المشتركة بين البلدين خلال المرحلة المقبلة. وتستهدف تعزيز معدلات النمو الاقتصادي لكل منهما.
العلاقات التجارية بين مصر وعمان:
يصل حجم التبادل التجاري بين مصر وسلطنة عُمان إلى حوالي 600 مليون دولار لعام 2021مقارنةً بـ 254 مليون دولار أمريكي عام 2015. وارتفعت إلى 1. 1 مليار دولار عام 2022 أي بنسبة ارتفاع تتعدى الـ 64% .وتصدر عمان إلى مصر عدد كبير من السلع أهمها : مشتقات النفط ومعدات كيماوية، ومنتجات غذائية، كذك القطاع السمكى وبعض الزيوت النباتية. وهي مواد خام أساسية يمكن أن تعتمد عليها مصر بشكل رئيس في التصنيع وتحقيق قيمة مضافة تسهم فى تحسين العوائد الاقتصادية. بينما تستورد عمان من مصر: الخضروات والفاكهة، وبعض المواد الغذائية وخاصة الأجبان ، والمواد الطبية، الأثاث، الخيوط، والبويات. (بلغ حجم صادرات مصر في الأشهر الأولى من عام 2022 وتحديدًا شهري يناير وفبراير 34.2 مليون دولار). وهى السلع التى تتميز فيها مصر بميزة نسبية تنافسية في إنتاجها. ويمكن خلال الفترة القادمة أن يتضاعف حجم التبادل التجاري بين البلدين، حيث تتسم سلطنة عمان تتمتع بموقع جغرافي متميز، الأمر الذي جعل القطاع اللوجستي في سلطنة عمان من القطاعات المنافسة عالميًا، ولعل أبرز الخدمات اللوجستية وجود موانئ متعددة ومهيأة لاستقبال أكبر السفن التجارية، وهو ما نتطلع إليه في تنمية العلاقات الاقتصادية مع جمهورية مصر العربية، خاصة أن السوق المصري يعد من الأسواق الواعدة، وأن عُمان تنظر إلى مصر بأنها إحدى المحطّات الهامة التي يمكن من خلالها إعادة التصدير للبلدان الأفريقية المجاورة كذلك الحال أحدثت مصر طفرة فى مجال التجارة والموانئ واللوجيستيات أهلها بأن تدفع صادراتها وبقوة إلى الأسواق العربية المختلفة ومنها سلطنة عمان خاصة وأن الدولتين أعضاء فى منطقة التجارة الحرة العربية منذ عام 1998.
العلاقات الاستثمارية:
تعتبر كل من مصر وعمان أحد أفضل الدول العربية من حيث قدرتها على جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، إذ احتلت مصر وسلطنة عمان في التقارير العربية المرتبتين الثالثة والرابعة على التوالي لعام 2021.
وتبلغ الاستثمارات المصرية في السوق العمانية حوالي 680 مليون دولار لعام 2022، بعدد شركات مصرية مستثمرة في سلطنة عُمان نحو 744 شركة بإجمالي رأسمال مستثمر بلغ أكثر من مليار و856 مليون دولار أمريكي. فى مجالات البنية التحتية ومشروعات الطرق والاستثمار العقارى ويسعى القطاع الخاص في البلدين إلى إقامة المزيد من الشراكات والتعاون خاصة في القطاعات غير النفطية والمعوّل عليها في توجهات التنويع الاقتصادي وفقًا لرؤيتي الدولتين .وتبلغ الاستثمارات العمانية بالسوق المصرية 77.5 مليون دولار موزعة على عدد 92 شركة في العديد من مجالات: الصناعة والسياحة والزراعة والإنشاء. كذلك صناعات مثل أسماك السردين، والتونة، والبسكويت، وشركات العصائر ومعجون الطماطم، بالإضافة إلى عدد من الشركات الأخرى. ومازالت مصر تسعى لاستقطاب استثمارات فى مجالات صناعة الحديد والأسمنت والكيماويات والأغذية ، وتفتح أبوابها للمستثمرين العرب والعمانيين للاستثمار فى تلك القطاعات خاصة أن مصر أصبحت جاذبو لتلك الاستثمارات بشكل كبير بعد الإصلاحات التنموية العديدة التى شهدتها فى عهد الرئيس السيسى.
كذلك هناك فرص جيدة بشكل كبير للاستثمارات المصرية بسلطنة عمان، فى قطاعات متعددة أهمها البنية التحتية، ومشروعات الطرق ، والسياحة .كما يعتبر الاقتصاد العماني من الاقتصادات العربية المستقرة التى تتسم بأنها ضمن الاقتصادات ذات الدخل المتوسط، تتنوع بها فرص الاستثمار خاصة في ظل توجه الدولة إلى سياسة التنوع الاقتصادي دون الاعتماد المفرط على صادرات النفط والغاز .فضلًا عن أنه في ضوء عزم الدولة المصرية زيادة نصيب القطاع الخاص في الاقتصاد إلى 65%، توجد فرصة جيدة أمام القطاع الخاص لكلا البلدين للاستفادة من ذلك التوجه، خاصة وأن القطاع الخاص في الدولتين يمتلك العديد من الخبرات في العديد من القطاعات الزراعية والصناعية التي يمكن البناء عليها لزيادة الاستثمارات بين الدولتين.كما توجد فرص كبيرة للمستثمرين المصريين لإقامة مصانع في المناطق الحرة بسلطنة عمان، واستغلال خاصية إعادة التصدير للدول التي وقعت معها سلطنة عمان الإعفاء التجاري المتبادل كالولايات المتحدة الأمريكية وغيرها، بالإضافة إلى أهمية استغلال الموقع الجغرافي المتميز لسلطنة عمان على بحر العرب والخليج العربي وإيران.
تأسيسا على ما سبق، يمكن القول بأن الزيارة العمانية لمصر جاءت فى توقيت هام لتؤكد على العلاقات العميقة بين البلدين ، بما يُعزز القدرات الثنائية على مواجهة الارتدادات الاقتصادية لجائحة كورونا، والحرب الروسية الأوكرانية. وحظي الملف الاقتصادى باهتمام كبير خلال هذه الزيارة، تم من خلالها التوقيع على عدد من الاتفاقيات الاقتصادية ومذكرات التفاهم، أهمها : اتفاقية فى مجال الازدواج الضريبى بينهما، وأخرى للتعاون بين وزارتى المالية بالبلدين. وتم الاتفاق على دراسة اتفاقية جمركية. وكل ذلك يمثل إطارا لتشجيع التعاون الاسثمارى والاقتصادي بين البلدين، نأمل أن يدفع العلاقات الاقتصادية نحو مزيد من القوة بما يليق بحجم وعمق العلاقات السياسية بين البلدين.