كيف تؤثر الحرب السودانية على الاقتصاد المصري؟

منذ 15 أبريل الجاري، اندلع الصراع فى السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع، وأدى هذا الصراع إلى تضرر كبير فى الأوضاع الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية بالسودان، أعقبها تحركات دولية سريعة لإجلاء الرعايا الأجانب من البلاد. وقد كان لهذا الصراع انعكاسات سلبية عديدة ليس فقط على الاقتصاد السودانى الذى تقدر خسائره اليومية بنحو نصف مليار دولار، بل مختلف اقتصادات المنطقة ودول الجوار ومنها مصر، والتى هى بالفعل تسعى جاهدة للتغلب على الآثار الاقتصادية التى خلفتها الحرب الروسية الأوكرانية، وتزداد المخاوف مع كون السودان بوابة مصر للتجارة مع أفريقيا، وتربطهما علاقات قوية وراسخة فى مختلف المجالات، ومع تأزم الأوضاع السياسية والأمنية كذلك الاقتصادية فى السودان، قد ينتج عن ذلك تأثر ملحوظ فى العلاقات الاقتصادية المصرية السودانية.

انخفاض محتمل فى التصنيف الائتماني:

هناك مخاوف عديدة تتعلق باحتمالية خفض تصنيف مصر الائتماني بسبب كونها دولة جوار للسودان؛ وبالتالى فان المخاطر قد تصب بشكل أو بأخر فى القطاع المالى المصرى، ويأتى ذلك خاصة بعد أن أعلنت وكالة “موديز” للتصنيف الائتماني على أن التصنيفات الائتمانية للمقرضين متعددي الأطراف مثل المؤسسات الإقليمية الإفريقية سوف تلحق بها أضرار جسيمة. وتزايدت تلك المخاوف عقب إعلان وكالة التصنيف الائتماني “ستاندرد آند بورز” تخفيض التصنيف الائتماني لمصر من “مستقر” إلى “سلبي”، بينما أبقت الوكالة في تقريرها، التصنيف الائتماني للأصول السيادية عند درجة B/B، وترى الوكالة أن التوقعات السلبية تعكس مخاطر بأن إجراءات السياسة الاقتصادية التي تنفذها مصر قد لا تكون كافية لاستقرار سعر الصرف وجذب تدفقات العملة الأجنبية اللازمة، وهى المشكلة التى لا تواجه مصر بمفردها بل معظم  الاقتصادات الناشئة بسبب تداعيت الحرب الروسية الأوكرانية.

أزمة تمويل مرتقبة :

مع تأزم الأوضاع نتيجة الحرب، ستتأثر أعمال البنوك ومؤسسات التمويل متعددة الأطراف ومدى قدرتها على تمويل المشاريع في المنطقة ككل ومنها ( مصر )، وتتزايد المخاوف الحالية بشأن اتجاه المؤسسات الدولية نحو رفع متزايد لأسعار الفائدة على القروض للدول الأفريقية ومنها مصر والسودان. كما أعلنت وكالة ” موديز ” أن الحرب في السودان خطراً على جودة أصول البنوك التنموية الأفريقية مثل: مثل بنك التجارة والتنمية (TDP)، وبنك التصدير والاستيراد الأفريقي (Afrexim Bank)، والمؤسسة الإسلامية لتنمية القطاع الخاص التابعة لمجموعة البنك الإسلامي للتنمية، مما قد ينعكس بشكل أو بأخر على دول الجوار ومنها مصر وإثيوبيا. خاصة أن هناك مؤسسات مالية إقليمية مثل “أفريكسيم بنك” لديه نحو 930 مليون دولار قروض في السودان، والبنك الإفريقي للاستيراد والتصدير “أفريكسم بنك” وجه 31 % من تمويلاته لدول متاخمة للسودان، بينما بلغت قيمة قروض بنك التنمية والتجارة في السودان 931 مليون دولار بنهاية 2022. نحو 34 % منها توجهت للسودان والدول المجاورة فقط.

التبادل التجارى بين البلدين: 

تحتل السودان المرتبة الثانية بقائمة أكبر خمس أسواق مستقبلة للصادرات المصرية بقيمة 226 مليون دولار سنويا، وذلك وفقا لبيانات الهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات. ويستحوذ السودان على نحو 13.2% من إجمالي قيمة التبادل التجاري بين مصر والقارة الإفريقية. وبحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري، فقد سجّلت قيمة التجارة بين مصر والسودان ارتفاعًا بنسبة 18.2 % خلال عام 2022، لتبلغ 1.434 مليار دولار في مقابل 1.212 مليار دولار خلال عام 2021 ، حيث بلغت صادرات مصر للسودان نحو 929 مليون دولار خلال عام 2022 ، بينما وصلت صادرات السودان لمصر ، لنحو 504.5 مليون دولار.

شكل رقم (1) تطور حجم التبادل التجارى بين مصر والسودان خلال الفترة (2014-2022)

المصدر: الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء.

 وتعتمد مصر على السودان في استيراد عدد كبير من السلع والمنتجات، على رأسها الحيوانات الحية، والسمسم، والفول السوداني، والقطن، والبذور الزيتية وفي المقابل تشمل الصادرات المصرية للسودان العديد من المنتجات تامة الصنع أهمها: الكيماويات، والمواد الغذائية، السكر، والآلات والمعدات. ويثير الوضع فى السودان تساؤلات عديدة بشأن تضرر  حركة التجارة البينية مع السودان خاصة مع تضرر المعابر والمنافذ والموانىء السودانية، وما قد ينتج عنه من أثار سلبية تتعلق بنقص اللحوم والحبوب وارتفاع أسعارها، والذي يعاني بالفعل جراء الحرب الروسية على أوكرانيا .وازدادت تلك المخاوف مع كون السودان موردا رئيسيا للمواشي واللحوم الحية وهي إحدى السلع الاستراتيجية لمصر، حيث تمد السودان مصر من 10الى 13% من احتياجاتها من هذه السلع، وتعتبر اللحوم السودانية بديل مفضل للعديد من فئات المجتمع المصرى نظرا لاعتدال أسعارها مقارنة باللحوم المحلية. وتوقف هذا الأمر بسبب القتال الدائر في السودان سيعمق من أزمة ارتفاع أسعار اللحوم في مصر، خاصة مع اقتراب عيد الأضحى، وارتفاع حجم الطلب على اللحوم، ولهذا كشفت مصادر بوزارة التموين والتجارة الداخلية، قيام الوزارة بالبحث مع شركة اتجاهات السودانية لتأمين وصول شحنات اللحوم المتعاقد عليها .كما أكدت وزارة التموين أن الدولة بجميع أجهزتها تعمل على تأمين احتياجات المواطنين من اللحوم الحية والمجمدة سواء مع السودان أو أي منشأ أخر معتمد.

كما تجدر الإشارة إلى أن قطاع الصادرات المصري من المحتمل أن يتأثر إذا استمر النزاع؛ بسبب تراجع وتذبذب حجم صادرات مصر إلى السودان، وهو ما سوف يؤثر على الاقتصاد المصرى بصورة ما، حيث أن الدولة المصرية فى الوقت الحالي تسعى جاهدة إلى تعزيز حجم صادراتها، وجلب النقد الأجنبي. كذلك صادرات مصر إلى دول حوض النيل، حيث يعد السودان بوابة لنفاذ الصادرات المصرية إلى أسواق دول حوض النيل وشرق إفريقيا، ومع استمرار الحرب وانعدام الأمن، قد يتأثر حجم التبادل التجاري بينهم.

الاستثمارات المشتركة :

تمتلك مصر الكثير من الاستثمارات الكبرى فى السودان، حيث وصلت قيمة الاستثمارات إلى نحو 2.7 مليار دولار، بعدد مشروعات يقدر بنحو 273 مشروعاً، ً فى مجال: الأسمنت والبلاستيك والرخام والأدوية ومستحضرات التجميل والأثاث والحديد والصناعات الغذائية، ونحو 90 مشروعا خدمياً بقطاعات المقاولات والبنوك والمخازن المبردة والرى والحفريات وخدمات الكهرباء ومختبرات التحليل والمراكز الطبية وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، و17 مشروعاً زراعياً بقطاعات المحاصيل الزراعية والإنتاج الحيوانى والدواجن ونشاط صيد الأسماك، كما أن نحو ٧٠٪ من الاستثمارات المصرية تتركز بالعاصمة السودانية الخرطوم.

ومن أهم المشروعات الاستثمارية المشتركة بين البلدين، بناء الطريق الساحلي بين مصر والسودان بطول 280 كيلو مترًا، ومشروع طريق “قسطل” و”وادي حلفا” بطول 34 كم داخل الأراضي المصرية و27 كم داخل الأراضي السودانية، وطريق أسوان- وادي حلفا- دنقلة، وتطوير وإعادة هيكلة خطوط السكك الحديدية، لتسهيل حركة نقل البضائع والأفراد، ومشروع الربط الكهربائي بين مصر والسودان، حيث تقوم مصر بإمداد السودان بنحو 300 ميجاوات في مرحلته الأولى، بالإضافة إلى 600 ميجاوات في مرحلة لاحقة، لتصل بعد ذلك إلى 3 آلاف ميجاوات. كما تشكل المشروعات الاستراتيجية لاستصلاح الأراضي من بينها 100 ألف فدان في ولاية النيل الأزرق، ومشروع مصري لإنتاج اللحوم بالسودان على مساحة 40 ألف فدان في ولاية النيل الأبيض، ومشروع شركة للملاحة المصرية السودانية بين ميناءي أسوان وحلفا، وذلك لنقل البضائع والأفراد والسياحة.

ومما لا شك فيه، أنه مع استمرار النزاع فى السودان سوف تتأثر الاستثمارات المصرية، وسيتعرض بعضها للجمود والتعطيل المؤقت لحين عودة الاستقرار خاصة مع احتمالية إغلاق منافذ البضائع والمطارات؛ وبالتالي ستتوقف عمليات نقل البضائع من والى السودا ، كذلك تضرر القطاع البنكى والمصرفى بالسودان بشكل كبير، وتزداد المخاوف إذا كانت تلك المشروعات يقودها القطاع الخاص الذى يسعى دائما إلى الربح، وليست استثمارات حكومية للدولة المصرية، لهذا تؤكد الحكومة السودانية على ما يعرف بضمانات الاستثمار فى السودان، والسعي لتقديم حوافز أكبر للمستثمرين خلال هذه الفترة، لضمان ثبات حجم الاستثمارات الأجنبية وعدم تراجعها.

تأسيساً على ما سبق، يمكن القول بأن الصراع الحالى فى السودان تسبب ليس فقط فى أزمات سياسية وأمنية، بل ستظهر معها تداعيات اقتصادية كثيرة سيعانى منها الاقتصاد السودانى، وبعض تلك الانعكاسات قد تطول دول الجوار التى تربطها علاقات قوية بالسودان ومنها مصر، فقبل النزاع الراهن، كان من المحتمل أن تتضاعف العلاقات الاقتصادية بين البلدين بشكل كبير فى ظل حالة الاستقرار السياسىى فى السودان، وإصرار مصر على دعم العلاقات مع السودان الشقيقة، مما سينعكس بشكل إيجابي على تحقيق التنمية الاقتصادية فى البلدين خاصة فى ظل امتلاكهما مقومات اقتصادية تسمح بدعم حجم التجارة البينية والاستثمارات المشتركة، فضلا عن أن العلاقة الاقتصادية بين البلدين تكاملية وليست تنافسية، ويجمعهما تكتل مشترك وهو (الكوميسا). ولكن أصاب النزاع الدائر فى السودان القلق بشأن تأثر محتمل فى بعض الجوانب الاقتصادية يعتمد تحققها من عدمه على مدى استمرار الوضع غير المستقر فى السودان، أى أن تلك التداعيات مازالت حتى الوقت الراهن فى مرحلة ( الاحتمالات ) ولم تظهر فعليا بشك واضح. ومن هنا تعمل القيادة السياسية المصرية ببذل قصارى جهدها للتعامل بايجابية وحكمة مع كل جهود التهدئة في السودان الشقيق، لما يمثله من امتداد للأمن القومي المصري.

د.جيهان عبد السلام

مساعد مدير المركز في الملفات الاقتصادية والدراسات الإفريقية. -أستاذ مساعد الاقتصاد بجامعة القاهرة. -حاصلة على دكتوراه الاقتصاد بكلية الدراسات الأفريقية العليا. -عضو هيئة تحكيم البحوث الاقتصادية لدى المركز الجامعي لترامنست. -عضو هيئة تحكيم لدى كلية الاقتصاد والإدارة وعلوم التيسير. -عضو هيئة تحكيم لدى جامعة الشهيد لخضر. -خبير اقتصادي وكاتبة في العديد من المجلات العلمية ومراكز الدراسات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى