تداعيات إنهاء التعاون الدفاعي الفرنسي التشادي
في يوم 28 نوفمبر الماضي، قامت الحكومة التشادية بإلغاء اتفاقيات التعاون الدفاعي المُوقعة مع فرنسا منذ عام 1976 والمُعدلة في 5 ديسمبر 2019، وجاء هذا القرار عقب استقبال الرئيس التشادي “محمد إدريس ديبي” لوزير الخارجية الفرنسي “جان نويل بارو”، وبالتزامن مع تصريحات الرئيس السنغالي “باسيرو ديوماي فايي” التي تتضمن رغبة بلاده في التخلص من القواعد العسكرية الفرنسية، ويرجع الهدف المعلن من قرار نجامينا إلى تأكيد السيادة الوطنية الكاملة للبلاد بعد أكثر من ستة عقود من الاستقلال، مع إعادة تحديد شراكاتها الاستراتيجية وفقًا للألوية الوطنية، وحسب بيان الحكومة التشادية، الأمر الذي يعد انتكاسة كُبري لفرنسا بعد سلسة من الانقلابات منذ عام 2020، حيث سحبت باريس قواتها من دول الساحل الأفريقي مثل بوركينا فاسو والنيجر ومالي. وعليه، تعد شاد التي تضم قرابة 1000 جندي فرنسي وعدد من الطائرات الحربية الفرنسية، هي أخر دولة تستضيف قوات فرنسية في الساحل، لذلك فإن إنهاء الاتفاقيات قد يزيد الوضع تعقيدًا أمام باريس، وقد يحمل القرار تداعيات سلبية علي المستوي الأمني والسياسي والاقتصادي لتشاد، كما قد تستغل دول غربية أخري الفراغ الأمني لباريس وخاصة روسيا لتعزيز نفوذها بالتقارب مع الدول الإفريقية.
تأسيسًا على ما سبق، يتطرق هذا التحليل إلي تفسير أسباب ودوافع قرار تشاد بإنهاء التعاون الدفاعي مع فرنسا، وانعكاسات القرار علي أمن واستقرار الداخل التشادي.
دوافع مُتعددة:
قد يكون قرار تشاد بإنهاء التعاون العسكري مع فرنسا ناتجًا عن عدة أهداف ودوافع مُحتملة، يتم توضيح أهمها فالآتي:
(*) التأكيد على السيادة الوطنية: تحاول تشاد أن تعزز من سيادتها الوطنية بإنهاء التعاون الدفاعي مع فرنسا، فضلاً عن تقليل الاعتماد على القوي الغربية، خاصة في الشؤون العسكرية للحفاظ على سيادة ووحدة البلاد، لأن علاقاتها مع فرنسا شملت العديد من التدخلات في الشؤون الداخلية لتشاد، الأمر الذي انتقص من قدراتها على اتخاذ قرارات سيادية.
(*) تنويع الشراكات الأمنية: قد يكون الهدف من قرار تشاد، هو البحث عن شركاء جدد في مجال التعاون العسكري مع دول أخري تسعي لتعزيز نفوذها في القارة السمراء، وتتوافق مع مصالح تشاد الوطنية، وخاصة مع روسيا التي تعزيز نفوذها في القارة الإفريقية من خلال مجموعة “فاجنر”، فضلاً عن سعي الرئيس التشادي “محمد إدريس ديبي” إلي إقامة علاقات وثيقة من موسكو في الفترة الأخيرة، ومع ذلك لم تتمكن ناجمينا حتى الآن من تعزيز التعاون العسكري والاقتصادي مع روسيا. كما قد تسعي تشاد من خلال تنويع شركائها العسكريين إليتحسين أمنها القومي ومصالحها الاقتصادية.
(*) تراجع النفوذ الفرنسي: تمثل سلسلة الانقلابات وحركات المقاومة التي حدثت في دول الساحل الأفريقي لا سيما بوركينا فاسو والنيجر ومالي شعور متزايد داخل الدولة التشادية من أن الوجود الفرنسي، قد يتسبب في حدوث تأثيرات سلبية على النظام الحاكم للبلاد، خاصة في ظل تراجع النفوذ الفرنسي في المنطقة مقابل الدور الروسي في إفريقيا.
(*) الاعتماد على قدراتها العسكرية الخاصة: قد تلجأ تشاد إلى إعادة تقييم استراتيجياتها الأمنية والعسكرية، فضلاً عن التركيز على بناء قدراتها العسكرية الخاصة، بدلاً من الاعتماد على الدعم الفرنسي.
تداعيات مُحتملة:
قد يترتب على قرار تشاد إنهاء التعاون العسكري مع فرنسا العديد من التداعيات على أمن واستقرار الداخل التشادى بشكل خاص وعلى المنطقة بشكل عام، ويمكن توضيح أبرزها فيما يلي:
(&) فقدان الدعم العسكري: قد يتسبب قرار تشاد بإنهاء التعاون العسكري مع فرنسا في فقدان الدعم العسكري الفرنسي الذي تعتمد عليه الحكومة التشادية في مجالات التدريب والتجهيز والمعلومات الاستخباراتية، وبالتالي فإن فقدان هذا الدعم قد يضعف من قدراتها على مكافحة الجماعات المتطرفة مثل جماعة بوكو حرام والجماعات المسلحة الأخرى في منطقة الساحل الأفريقي، الأمر الذي قد يترتب عليه حدوث فراغ أمني يؤدي إلي زيادة نشاط هذه الجماعات، مما يشكل تهديدًا للأمن الداخلي لتشاد. كما قد يؤثر تقليص التعاون العسكري علي استقرار الوضع الاقتصادي.
(&) زعزعة الاستقرار السياسي: قد يترتب على قرار الحكومة التشادية زعزعة الاستقرار السياسي، خاصة وأن التعاون العسكري مع فرنسا يمثل دعمًا للنظام الحاكم، لذلك فإن إنهاء التعاون قد يؤدي إلى تدهور الاستقرار السياسي للبلاد، وقد تحاول أحزاب أو جماعات سياسية معارضة إثارة الاضطرابات أو العمل على تقويض الحكومة.
(&) حدوث تغييرات جيوسياسية في المنطقة: قد تحدث تغييرات جيوسياسية في المنطقة، خاصة مع تزايد نفوذ دول أخري مثل روسيا والصين، لذلك قد يكون قرار تشاد جزءًا من حدوث تغييرات ديناميكية سياسية في دول الجوار، كما قد يؤثر القرار على السودان الدولة المجاورة ذات الأهمية الاستراتيجية والتي تحاول باريس التوسط للمساعدة في إنهاء الحرب السودانية من خلال تواجدها في تشاد حسب المراقبين الفرنسيين، خاصة وأن التعاون العسكري يمكن أن يلعب دورًا حيويًا في الأمن الإقليمي. كما أن العلاقات بين البلدين تتسم بالتذبذب وتتأثر بالصراعات الحدودية والقبلية. وعليه، فإن عدم الاستقرار في المنطقة قد يؤدي إلي تدفق اللاجئين أو زيادة النشاطات الإرهابية عبر الحدود، مما ينعكس سلبًا على السودان الذي يعاني بالفعل من تحديات داخلية وخارجية.
تأسيسًا على ما سبق، قد يتطلب قرار الحكومة التشادية اتخاذ بعض الترتيبات الأمنية لضمان الأمن والاستقرار الداخلي لتشاد والمتمثلة في تعزيز قدراتها العسكرية المحلية للبلاد من خلال تكثيف وتدريب وتجهيز القوات المسلحة لتعزيز قدرتها على التعامل مع التحديات الأمنية واعتماد استراتيجيات دفاعية جديدة، فضلاً عن توطيد التعاون مع الدول المجاورة والمنظمات الإقليمية مثل الاتحاد الإفريقي لتنسيق الجهود الأمنية المشتركة والتعاون مع جهات دولية أخري للحصول علي دعم للحفاظ علي الاستقرار في المنطقة، بالإضافة إلي تعزيز الأمن الداخلي باتخاذ خطوات مهمة لتحديث بنية الاستخبارات ومراقبة الحدود لمنع تسلل الجماعات الإرهابية، الأمر الذي يمكن تشاد من مواجهة التداعيات المُحتملة لقرار إنهاء التعاون العسكري مع فرنسا.