تحديات الدور الإيراني المُرتقب في السودان
يطرح التقارب السوداني الإيراني في الفترة الأخيرة عدد من الأسئلة، سيما في خضم الحرب المندلعة في السودان منذ أبريل 2023، والتي من غير المتوقع نهايتها في القريب العاجل،-هي: ما تحديات التقارب السوداني الإيراني في الفترة الراهنة، وما تحديات الدور الإيراني المُرتقب في السودان؟.
يذكر أن العلاقات السودانية الإيرانية بدأت تعود بعد قطيعة دامت ثماني سنوات، كما أن إيران الآن برئاسة الرئيس الإصلاحي مسعود بزشكيان تسعي لتحقيق استراتيجية دول الجوار الإقليميوالإسلامي والجنوب العالمي، بما يخدم مصالحها الاستراتيجية، سيما أن حالة عدم التقارب مع الغرب ما زالت قائمة، ومجيء الرئيس الأمريكي الجمهوري دونالد ترامب إلي سُدة الحكم ربما يزيد الأمور تعقيداً.
ملامح عامة:
كانت الخرطوم في السابق مستفيدة من تعاونها مع الجانب الإيراني بشكل كبير سيما التعاون العكسري، والذي قد أسهم في تعزيز قدراتها في إنتاج العديد من الأسلحة والذخائر، وهذا من الممكن أن يكون ضمن فوائد استئناف العلاقات بين البلدين في هذه الفترة، خاصة في وقت حرج تمر به البلاد في مواجهة قوات الدعم السريع، فضلاً عن احتمالية استفادة الخرطوم مستقبلاً من التكنولوجيا النووية الإيرانية من أجل إنشاء مفاعل في السودان لتوليد الطاقة الكهربائية.
وعلي الجانب الآخر من المُرجح أن تسعي إيران جاهدة لكي يظل السودان ضمن قائمة أولويات سياساتها الخارجية، واستراتيجيتها التي تميل للحصول علي موطئ قدم في سواحل البحر الأحمر وكذلك التواجد في العمق الإفريقي في ظل تنافس العديد من القوي الدولية في هذه المنطقة الجيواستراتيجية الهامة. كما يشير العديد من الباحثين إلي إمكانية أن طهران قد تسعي للحصول علي اليورانيوم من السودان مستقبلاً ، خاصة وأن هناك العديد من التقارير تتحدث عن تواجده في دارفور إلي جانب حالة الفتور مع الغرب ووقوعها تحت وطأة العقوبات الاقتصادية، ما قد يجعلها تلجأ لتعظيم التجارة مع السودان وكذلك استخدام موارده مقابل مشروعات الاستثمار أو إعادة الإعمار، حيث ستُمثل حاجة الخرطوم لهذه المشروعات بعد الحرب مدخلاً هاماً وفرصة لن تتكرر أمام طهران، ولا يغفل عن أحد اهتمام الأخيرة الكبير بتعزيز علاقاتها مع القارة السمراء، تحديداً في المجال الاقتصادي، حيث يمكن فتح بوابة للتجارة الإيرانية مع عدد من الدول الإفريقية المغلقة المجاورة للسودان، وكذلك التجمع الاقتصادي لدول شرق وجنوب إفريقيا “كوميسا”، وذلك عبر استثمار موقع السودان وموانئه علي البحر الأحمر.
تحديات محتملة
مما لا شك فيه أن الدور الإيراني المُرتقب في السودان سيُقابل بالعديد من التحديات، أبرزها ما يلي:
(*) التحدي الأول.. الصدام مع الشركاء الإقليميين: يُشير العديد من الخبراء والباحثين إلي أن التقارب الإيراني – السوداني يسعي إلي تحقيق علاقة استراتيجية مُربحة للطرفين ومن المُحتمل في حال الدعم العسكري المتزايد من طهران للجيش السوداني من أجل التغلب علي قوات الدعم السريع، أن يكافئها الجيش بالوصول إلى “بورتسودان” لإقامة قاعدة عسكرية هناك، إضافة إلى منافع استراتيجية أخرى. وهذا بطبيعة الحال سيؤدي إلي توتر الأوضاع مع المملكة العربية السعودية علي وجه التحديد لأن وجود هذه القاعدة البحرية يضع القوات الإيرانية على بُعد 320 كيلومتراً من المملكة. وكذلك دول الخليج بشكل عام ستكون تحدياً كبيراً أمام هذا التواجد، لأن الوجود الإيراني في البحر الأحمر يُهدد الحدود الغربية لها.
وإلي جانب ذلك من المُرجح أن يكون هناك تعاوناً تجارياً بين إيران والسودان، وقد تتحايل طهران علي العقوبات الخانقة المفروضة عليها وتلجأ لاستخدام موارد السودان والاستثمار به والمشاركة في إعادة إعماره، كما ذكرنا سلفاً،خاصة وأن البنية التحتية الصناعية والتجارية قد دُمرت في هذه الحرب الغوغائية، ما يعني تمدد الوجود الإيراني داخل الأراضي السودانية بأكثر من شكل، ومن المُحتمل كذلك السماح بوجود قوات من “الحرس الثوري الإيراني” داخل السودان، لإدارة مصالحه وشركاته، في ظل السعي للحصول علي إطلالة على العمق الإفريقي، وهذا ربما يدفع إلي التفكير بأن محور المقاومة التابع لطهران قد يجد ساحة أخري له، ما يعني زيادة حدة التوتر مع الشركاء الإقليميين وعلي وجه التحديد دول الخليج ومصر.
وهنا يجدر بنا الإشارة إلي الاتفاق السعودي – الإيراني في العاصمة الصينية بكين في مارس 2023، والذي بموجبه تم استئناف العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين، مع تعهد طهران بعدم التدخل في الشئون الداخلية لدول الجوار الخليجي وعدم إثارة التوترات الإقليمية، لكن تفعيل ذلك الاتفاق والالتزام به لا يزالان تحت الاختبار حتي هذه الأثناء، خاصة في هذا السياق المتعلق بوكلاء إيران، وما يدعم هذا التوجه هو تصريح وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، منذ فترة بأن “قضية المقاومة هي إحدى أسس السياسة الخارجية الإيرانية المرتبطة بـمحور المقاومة”، وأن “العلاقة بين الميدان والدبلوماسية راسخة”. وهذه تعد إشارات واضحة علي عزم طهران علي تنشيط وتوسيع مجال أذرعها في المنطقة.
(*) التحدي الثاني.. الصدام مع الكيان الصهيوني وداعميه: من المُرجح أن استئناف العلاقات بين إيران والسودان بشكل كبير وتوسع أوجه التعاون فيما بينهما الآن، قد يزيد الأوضاع في السودان تعقيداً، وكذلك تضيق الخناق علي إيران أيضاً، لارتباطه بالأساليب الأكثر حذرا التي قد يتخذها الكيان الصهيوني والولايات المتحدة علي وجه التحديد، للتصدي لتبعات هذه العلاقة، خاصة بعد هجوم حركة حماس في السابع من أكتوبر 2023 علي الاحتلال الإسرائيلي، ودعم إيران للحركة عسكرياً عبر تحركاتها في المنطقة والتي كانت من ضمنها الأراضي السودانية. لذا قد نشهد تكثيفاً عسكرياً غربياً في البحر الأحمر لمواجهة أي وجود إيراني علي سواحله، وكذلك عرقلة الدعم العسكري الإيراني لوكلائه عبر السودان.
بالإضافة إلي ذلك ستلعب السياسة الأمريكية علي شيطنة الوجود الإيراني في الأراضي السودانية خاصة مع وجود الرئيس المنتخب الحالي دونالد ترامب، والمعروف بسياساته الفجة تجاه طهران، وهذا ليس بجديد علي السياسة الأمريكية بشكل عام، ففي عهد عمر البشير جعلت واشنطن من المد الإيراني في المنطقة أيقونة في تهديد السلم والأمن في الإقليم، ومن المحتمل أن يزداد الوضع الآن سوءاً، بالتزامن مع عمليات تنظيم الحوثي المدعوم إيرانياً في البحر الأحمر، وغيره من عناصر محور المقاومة التابع لطهران. لذا قد يتم استخدام أساليب عدة من قبل هذه القوي لمجابهة الدور الإيراني في السودان.
وختاماً، تظل التحديات سابقة الذكر المحدد الرئيسي في شكل ومستوى العلاقات بين السودان وإيران، خاصة وأن التحديات الإقليمية للدور الإيراني في السودان ارتبطت بها تحديات دولية بعد فوز ترامب بالانتخابات الرئاسية، من المحتمل أن تكون الأكثر عثرة أمام التقارب بين الدولتين.