هل يؤثر اتفاق لبنان على غزة؟

آية عصام- باحثة مشاركة

في 27 نوفمبر من عام 2024 دخل حيز التنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار بين جيش الاحتلال الإسرائيلي وحزب الله في لبنان وتم هذا الاتفاق بعد شهور من عمليات عسكرية متبادلة بين الطرفين؛ بسبب إسناد حزب الله لجبهة غزة بعد عملية طوفان الأقصى.
وجاء مقترح الاتفاق بوساطة الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا ونص على إنهاء الأعمال القتالية التي استمرت لأكثر من عام، في عملية أسماها مؤخرًا حزب الله بمعركة “أولي البأس” وأسمتها إسرائيل عملية سهام الشمال.
وقد نص اتفاق وقف إطلاق النار على انسحاب القوات الإسرائيلية إلى جنوب الخط الأزرق “على مراحل” خلال 60 يومًا. وستنتشر قوات الجيش اللبناني “بالتوازي” مع قوات قوات اليونيفيل، كما سيفكك الجيش اللبناني كل البنية التحتية والمواقع العسكرية، ويصادر كل الأسلحة غير المصرح بها في منطقة جنوب نهر الليطاني، فضلًا عن وقف دخول الأسلحة غير المصرح بها إلى لبنان وتفكيك أي مرافق غير مرخصة لإنتاج الأسلحة، وحصر الوجود المسلح في المنطقة بالقوات العسكرية والأمنية الرسمية اللبنانية، والاستثناء الوحيد هو بعثة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في جنوب لبنان، بالإضافة إلى أنه لن تكون هناك مناطق عازلة وسيكون متاح لسكان الجنوب العودة إلى منازلهم، وسترأس الولايات المتحدة اللجنة المشرفة على تنفيذ الاتفاق والتي تضم فرنسا، وستتوسط كل من الولايات المتحدة والأمم المتحدة بين إسرائيل ولبنان في مسألة مراقبة الحدود، ويعين كلا الجانبين اللبناني والإسرائيلي ضابطًا نيابة عنه، للانضمام إلى آلية المراقبة الخماسية.

ومنذ السابع والعشرون من نوفمبر تترقب الأوساط الإعلامية إمكانية حدوث اتفاق مماثل في غزة وأن تكون مسألة المحتجزين الإسرائيليين ورقة رابحة للضغط على الحكومة الإسرائيلية لإبرام اتفاق، بينما يرى بعض المحللين أن التداعيات في غزة عقب الاتفاق ستكون سلبية وأن الضغط سيزداد على غزة وأن إيقاف النار في لبنان لا يعني بالضرورة إيقاف معاناة الشعب الفلسطيني التي دامت لأكثر من عام.

وتأسيسًا على ما سبق؛ يتناول التحليل التالي رؤية الداخل الإسرائيلي لاتفاق وقف إطلاق النار في لبنان وانعكاساته المحتملة على الوضع في غزة.

انعكاسات الاتفاق على الداخل

يمكن القول إن اتفاق وقف إطلاق النار كانت له نتائج محدودة على الداخل الإسرائيل على النحو التالي:

(*) الجمهور الإسرائيلي: أظهر استطلاع للرأي نشره معهد ديمقراطية إسرائيل أن الإسرائيليين اليهود ما زالوا منقسمين بشأن ما إذا كان ينبغي لإسرائيل أن تسعى إلى إنهاء القتال مع حزب الله في لبنان دبلوماسيًا، فضلًا عن النهج الذي ينبغي أن تتخذه تل أبيب في المفاوضات لتحرير المحتجزين في غزة.
وبحسب الاستطلاع، يعتقد 46.6% من المشاركين أن إسرائيل يجب أن تسعى إلى التوصل لاتفاق دبلوماسي لإنهاء الحرب في الشمال، بينما يعتقد 45.8% أن القتال ضد حزب الله يجب أن يستمر؛ ومن بين الإسرائيليين اليهود فقط، يعتقد 54% أن العملية يجب أن تستمر، ويؤيد 38% التوصل إلى اتفاق. ومن بين عرب الداخل، قال 88% إنهم يؤيدون التوصل إلى اتفاق دبلوماسي لإنهاء الحرب.

وحسب الانتماءات السياسية كشفت نتائج استطلاعات الرأي عن انقسامات عميقة بين الإسرائيليين، إذ لا يؤيد وقف إطلاق النار على جبهة لبنان سوى 20% من الناخبين في الائتلاف، في حين يعارضه نحو 45% من الإسرائيليين المؤيدين لائتلاف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. أما الـ 35% الآخرون فلم يقرروا بعد.

في المقابل، أيد نحو نصف ناخبي المعارضة وقف إطلاق النار مع حزب الله، بينما عارضه 22% ولم يحسم 28% أمرهم.

ويرى المستوطنون الإسرائيليون غير الراضين عن هذا الاتفاق بأن إسرائيل كان بإمكانها القضاء على حزب الله إذا استمرت في هذه الحرب، وأنه كان يتوجب على الحكومة الإسرائيلية إعادة المحتجزين في غزة أو محاولة التوصل لحلول في الحرب مع غزة لأنهم يرون أن هذا من شأنه توفير الأمن والاستقرار لهم أكثر من اتفاق وقف النار في لبنان.

(*) الأوزان الانتخابية: أما تأثير الاتفاق على الكتل السياسية فحسب استطلاع رأي، تم سؤال المشاركين عمن سيصوتون له إذا أجريت الانتخابات وأشارت الردود على السؤال إلى أن الاستياء لدى اليمين من وقف إطلاق النار لم يؤثر بشكل كبير على تفضيلات التصويت، حيث ظل توازن القوى بين الكتل المؤيدة لنتنياهو والمعارضة له دون تغيير منذ الاستطلاع السابق، وستحصل كتلة الأحزاب الموالية لنتنياهو على 51 مقعدًا في الكنيست المؤلف من 120 مقعدًا، في حين ستحصل كتلة المعارضة على 64 مقعدًا، بينما سيحصل التحالف ذو الأغلبية العربية حداش-العربية للتغيير على الخمس مقاعد الأخرى وأظهر الاستطلاع أن حزب الليكود بزعامة نتنياهو سيفوز بـ 25 مقعدًا إذا أجريت الانتخابات اليوم، لكنه على الأرجح لن يتمكن من تشكيل حكومة، لأن الأحزاب الأربعة الأكبر ستكون موجودة في المعارضة .

التداعيات المحتملة على غزة
بعد وقف الحرب في لبنان، أثيرت تساؤلات عن تداعيات هذا القرار على الوضع في غزة، فحسب مسؤلين إسرائيليين وفلسطينيين فإن حزب الله كان يصر منذ فترة طويلة على أنه لن يوافق على وقف إطلاق النار حتى تنتهي الحرب في غزة، لكنه تخلى مؤخرًا عن هذا الشرط ويعتقدون أن فقدان دعم حزب الله قد يدفع حماس في غزة إلى تخفيف مطالبها، وهو ما يكسر الجمود الذي طال أمده في المفاوضات.
وتبدو حماس غير راغبة في التنازل لإسرائيل بشأن مطلبها الأساسي المتمثل في ضمان أن أي اتفاق يجب أن يتضمن إنهاء الحرب بشكل لا رجعة فيه ويؤدي إلى الانسحاب الكامل لجميع قوات الاحتلال من القطاع.
وتزعم إسرائيل أن أي اتفاق لابد وأن يتضمن إطلاق سراح جميع المحتجزين، وأن يتضمن آليات إشرافية موثوقة تمنع تهريب الأسلحة عبر الحدود بين غزة ومصر ومن جنوب غزة إلى الجزء الشمالي منها. كما كانت إسرائيل مترددة في تحديد من تتصور أنه سيحكم غزة بعد الحرب، وأصرت على أن حماس والسلطة الفلسطينية لا يمكنهما أن يضطلعا بأي دور في الحكم.
وعقب اتفاق لبنان تبدو حماس مهيئة لإبرام اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى والمحتجزين، بسبب زيادة الضغط عليها من قبل الفلسطينيين الذين عانوا من قسوة الحرب لأكثر من عام، كما أن حزب الله ترك حماس وحيدة في ساحة القتال وهو الذي من شأنه أن يزيد الضغوط على الحركة، بالإضافة إلى أن لفوز دونالد ترامب تأثير في المستقبل القادم، خاصة إذا أسفرت المحادثات الفلسطينية الفلسطينية عن تحقيق تقدم في ملف المصالحة والاتفاق على ترتيبات إدارة القطاع وتهيئة الظروف للانتخابات.
كما أصبحت الظروف مناسبة للضغط على شخص نتنياهو للقبول بتنفيذ الصفقة، ووجود توافقات بشأن حالة الرأي العام في إسرائيل التي قد تطالب باتفاق مشابه لما تم مع لبنان، وأشارت استطلاعات الرأي إلى استمرار الانقسام ما بين مؤيد ومعارض لاستمرار الحرب في غزة مع وجود توجه للحكومة الإسرائيلية للعمل مع إدارة الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب الذي يرغب في وقف حروب المنطقة.
وإجمالًا؛ قد يفرز  اتفاق لبنان في حالة نجاحه تداعيات إيجابية على غزة بسبب زيادة ضغط الجمهور الإسرائيلي واستيائهم الشديد من حكومتهم في مسألة المحتجزين والتي يرتبط حلها بوقف النار بشكل دائم، وازدياد استياء أهالي المحتجزين من عدم الإفراج عن ذويهم عقب اتفاق لبنان، وهذا ما قد يفتح الباب أمام اتفاق يوقف الحرب على قطاع غزة حال تفكيك المعوقات والعراقيل التي لا تزال تعترض مسار المفاوضات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى