لماذا تغير الخطاب الإعلامي الإيراني بعد سقوط الأسد؟
تعتبر الجمهورية الإسلامية الإيرانية والجمهورية العربية السورية حليفين استراتيجيين مقربين، وكانت إيران داعمًا رئيسيًا للحكومة في دمشق، وهو الدعم الذي تزايد منذ بدء الأزمة السورية في 2011، فقدمت إيران دعماً كبيراً للحكومة السورية في الحرب الأهلية السورية، بما في ذلك الدعم اللوجستي والفني والمالي، فضلاً عن التدريب وبعض القوات القتالية، على مدى عقود.
فرغم هذا الدعم المتزايد من الدولة الإيرانية للنظام السوري، انعكس مؤخراً الموقف الإيراني المتقلب والمضطرب تجاه الأحداث المتسارعة في سوريا على وسائل الإعلام المرئية والمسموعة وكذلك الصحف اليومية الصادرة بعد سقوط بشار الأسد، حيث باتت هذه الصحف أيضًا متضاربة في لغتها والعناوين التي تستخدمها في وصف “المعارضة السورية”، فقد ظهر التحول المذهل ليس في تخلي إيران فقط عن الأسد، بل أيضاً عن كل ما بنته وقاتلت للحفاظ عليه لأربعة عقود في سوريا، وتغير الدعم الإيراني المقدم للنظام السوري، وظهر ذلك بشكل واضح بعد سحب الحكومة الإيرانية قواتها وقياداتها الميدانية من سوريا منذ مساء يوم الجمعة 6 ديسمبر الجاري، حيث أن المذكرات الداخلية التي صدرت عن الحرس الثوري الإيراني والتي أوضحت “قبول إيران بالأمر الواقع وتوقفها عن المقاومة نتيجة للوضع الغريب وغير المعقول”، بعد أن كانت إيران أطلقت وعودًا رسمية بدعم نظام بشار الأسد، وخصوصًا عبر وزير خارجيتها عباس عرقجي، إلا أن نبرتها تغيرت مع صريح عرقجي بأن “مصير الأسد أصبح بيد الله الآن”.
تناول الصحف الإيرانية لسقوط بشار:
ليس السياسات فقط التي تغيرت، فقد أثار أيضاً تغيير لهجة الإعلام الرسمي الإيراني في تناول المعارضين للأسد جدلاً واسعاً، فقد استخدمت وسائل الإعلام الحكومية الإيرانية خلال الأيام الماضية مصطلحات مثل “المجموعات المسلحة المعارضة” للأسد، وبعد تأكيد سقوط الحكومة، بدأوا في استخدام مصطلح “الميليشيات” بدلاً من “الإرهابيين” أو “التكفيريين” كما كانوا يصفونهم سابقاً، وانتقلت وسائل الإعلام الرسمية في إيران في الخطاب الإعلامي من وصف التنظيمات السورية المعارضة بــ” الإرهابيين إلى المجاميع المسلحة” في إشارة إلى تغيير موقف طهران من الأوضاع وتوجهها إلى مرحلة ما بعد الأسد”.
وبدأت هذه النقلة التي عكستها صحيفة “تجارت” يوم السبت من التلفزيون الإيراني الذي نشر عناوين بهذه الصياغة للمرة الأولى، ما أثار انتباه المراقبين وتحليلاتهم التي ذهبت إلى أن طهران بدأت تدرك أن التغيير في سوريا قادم وقد تجد نفسها مضطرة للتعامل مع المعارضة المسلحة في الفترة المقبلة.ورأت صحيفة “جهان صنعت” أن النظام السوري أصبح على وشك “الانهيار. وذكرت صحيفة “اعتماد” عن خبراء ومراقبين سياسيين أن إيران باتت تملك أوراقًا قليلة جداً لتغيير المعادلات في سوريا.
وأشارت صحيفة “آكاه” أيضًا إلى المقابلة الصحافية مع قائد هيئة تحرير الشام، أحمد الشرع، والمعروف بأبو محمد الجولاني والتي أجرتها قناة “سي إن إن” الأميركية واعتبرت ذلك دليلاً على دعم الولايات المتحدة الأميركية لهذه الجماعة المسلحة، بل تطور الأمر بأن وصفت الصحيفة النظام السوري بـ “الخائن” بسبب “عدم مواجهة” قوات المعارضة، وقالت إن النظام في سوريا لم يقدر التضحيات التي بذلها “محور المقاومة” في سبيل الإبقاء عليه عندما تفجرت الأحداث عام 2011.
كما أشارت صحيفة “جهان صنعت ” إلى:”سقوط بشار الأسد يعني أن إيران ستخسر جميع مكاسبها في سوريا”، وقال الكاتب والمحلل السياسي علي بيكدلي في مقابلة مع صحيفة “جهان صنعت” الإصلاحية إن الزيارات الطارئة التي قام بها وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى سوريا ثم تركيا وبعدهما العراق لن تكون مجدية في منع التحولات القادمة في سوريا والمنطقة.
أوضحت صحيفة “ستاره صبح”: على النظام في إيران تغليب مصلحة شعبه وعدم الانخراط في سوريا للدفاع عن بشار الأسد. على عكس ما رأت صحيفة “آرمان ملي” أشارت إلى أن طهران ستخسر حليفًا كبيرًا في حال سقط النظام السوري، معتقدًا أن إيران بلا سوريا سيعني لها ذلك خسارة لبنان أيضًا.
وتناولت صحيفة “جمله” أيضاً التطورات في سوريا وقالت إن كافة المعطيات تشير إلى أن التغيير في دمشق قادم لا محالة وأن طهران لم يعد باستطاعتها أن تحول دون هذه التطورات السياسية والعسكرية، وأشارت الصحيفة إلى الموقف من المعارضة المسلحة وظهور قائد هيئة تحرير الشام بشكل مختلف عن السنوات الماضية والاعتقاد المتزايد بأن تغييرًا طرأ على نهج هذه الجماعات ما يجعلها أكثر قبولًا لدى النظام الدولي، كما لفتت إلى موقف مقتدى الصدر الذي دعا العراق و”الميليشيات” إلى عدم التدخل في الشأن السوري واحترام “خيارات الشعب السوري”، وكتبت الصحيفة تعليقًا على ذلك: “مجموع هذه التطورات يؤكد أن التغيير في المشهد السياسي بسوريا قد حان أوانه وأن أدوات بشار الأسد في منع هذا التغيير باتت ضئيلة ويجب على طهران محاولة امتلاك حصة من هذه التغييرات لأنها لم يعد بمقدورها أن تحارب أو تمنع هذا التغيير”. وقالت صحيفة “فرهيختكان”، التابعة لجامعة آزاد بطهران، في مقالها عن تطورات سوريا: “أصبحت مشكلة إيران أكثر جدية، وقد حدثت مفاجأة كبيرة؛ حيث تفوق سرعة التحولات عملية اتخاذ القرارات لدينا، وأضافت الصحيفة: “بدأ المسؤولون الإيرانيون يشككون في أجهزة الاستشعار والتحليلات الاستخباراتية الخاصة بهم”.
خلاصة القول، فإن الإعلام الإيراني تراجع عن وصف المعارضة السورية المسلحة بـ “الإرهاب”، في تحول ملحوظ في الخطاب الإعلامي الإيراني، وتراجع العديد من وسائل الإعلام الحكومية والإخبارية عن استخدام مصطلح “الإرهاب” عند الإشارة إلى المعارضة السورية المسلحة.
أسباب التغيير في الإعلام الإيراني:
ثمة أسباب يمكن على أساسها تفسير التغيير في تناول الإعلام الإيراني للأزمة السورية ومرحلة سقوط بشار، هي كالتالي:
- التطورات السياسية الأخيرة: بعد سقوط نظام بشار الأسد ربما يكون التراجع عن هذا الوصف نتيجة لتغير السياسة الإيرانية تجاه بعض فصائل المعارضة السورية،أو التي تمثل مصالح استراتيجية لإيران مستقبلاً كبديلاً بعد انهيار النظام السوري.
- الضغوط الدبلوماسية: مع التحولات التي شهدتها العلاقات الدولية، قد تكون إيران في موقف يتطلب منها تبني لغة أكثر مرونة مع أطراف كانت في وقت سابق تعتبرها “إرهابية” في الخطاب الرسمي، خاصة في سياق محاولات إحياء المفاوضات السياسية حول مستقبل سوريا.
- التعاون مع بعض الفصائل: قد تكون إيران بصدد فتح قنوات تعاون مع بعض الفصائل المسلحة السورية المعارضة التي قد تلعب دورًا في المفاوضات المستقبلية، مما يتطلب تعديل الخطاب الإعلامي لكي يتناسب مع هذه السياسة.
- الضغوط الداخلية: داخل إيران، قد يكون هناك تحولات في مواقف بعض القوى السياسية التي ترى في التفاوض مع المعارضة السورية فرصة لتقليل التكلفة الإنسانية والسياسية للصراع المستمر في سوريا.
وبناء على ما سبق، يواجه الإعلام الإيراني معضلة حقيقية، فمن جهة يعتبر سوريا خط دفاعها الأول عن طهران، ومن جهة أخرى، تجد بعض الصحف ترى أن إيران نفسها مقيدة بالضغوط الإسرائيلية المتزايدة وصعوبة إيصال الدعم العسكري في ظل المراقبة المشددة لطرق الإمداد خاصة بعد سقوط النظام السوري، لذلك فإن التناول الإيراني في الإعلام وسقوط النظام في دمشق لم يكن محايداً أو متوازناً، بل كان يميل ليكون شديد السلبية تجاه موقف إيران من الأزمة في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد، فهناك بعض الصحف الإيرانية التي توقعت سقوط بشار الأسد، رغم صدور هذه الصحف قبل الإعلان الرسمي عن سقوط النظام. وذهبت في تحليلاتها إلى أن مرحلة جديدة فرضت على سوريا حكاماً ومحكومين، بل ذهب البعض منها اتهام إيران بأنها رضيت بالصفقة في الأزمة السورية مع تركيا وروسيا اللذين سمحا بأن تبقى إدلب وبعض المناطق الأخرى تحت سلطة المسلحين عندما كان النظام السوري وإيران قادرين على إنهاء وجودهم، حسب تعبير صحيفة “جمهوري إسلامي”.
وعلى الجانب الأخر جاء تغير الخطاب الإعلامي كما تم ذكره سالفاً ليأتي هذا التغير في الإعلام الإيراني في وقت حساس يشهد فيه الوضع في سوريا تغيرات ميدانية وسياسية، حيث تسعى الآن إيران إلى تحسين علاقاتها مع بعض الفصائل المسلحة السورية المعارضة وفتح قنوات حوار مع أطراف جديدة، وقد يكون نتائج هذا التغيير أو هذا التحول في الخطاب قد يكون مؤشرًا على تغيرات أكبر في السياسة الإيرانية تجاه الأزمة السورية، حيث من الممكن أن تنفتح طهران على خيارات دبلوماسية جديدة وتحاول التخفيف من التوترات القائمة في المنطقة.