ماذا تمثل سوريا في أدبيات التنظيمات المتطرفة؟

أعلن أبو محمد الجولاني في المسجد الأموي بدمشق، أن ما يتم تحققه ليس نصرًا لسوريا فحسب، بل للأمة الإسلامية بأسرها، مسقطا في ذلك وفقًا للمراقبين الحدود الجغرافية بين الدول. واعتبر “الجولاني” في ذات الخطبة أن سقوط نظام الأسد كان بسبب من وصفهم بالمجاهدين، وهي عبارة وفقا للجاهديين تعلي عقيدة التنظيم على فكرة الوطن.

ونظرا لما تمثله سوريا من دلالة رمزية للتنظيمات الإرهابية وعلى رأسهم جماعة الإخوان، يحاول هذا التحليل طرح سؤال، هو: ماذا تمثل سوريا للتنظيمات الإرهابية في أدبيات السلفية الجهادية؟

دلالات تاريخية:

رغم انفصال حركة “هيئة تحرير الشام”، عن التنظيمين الجهاديين “داعش” و”القاعدة”، إلا أنه المتتبع لسياسات التنظيم في التحرك أثناء الصراع مع الأطراف المختلفة سواء الجهادية أو النظام؛ يلاحظ التالي:

(*) اتبعت الحركة أدبيات “القاعدة” فيما يخص قاعدة “دفع الصائل” ثم إقامة الدولة، فقد بدأت الحركة بتصفية الخصوم، وإنهاك مؤسسات الدولة، ثم التخطيط لدمج التنظيمات تحت رايتها، في الوقت المناسب. وباستغلال الهيئة للصراعات الإقليمية، تمكنت برعاية أمريكية من إسقاط النظام السوري.

(*) اتبعت الحركة أدبيات “داعش” في أولوية استهداف العدو القريب (الحكام العرب) وتأجيل استهداف العدو البعيد (إسرائيل وأمريكا). فقد ركز “الجولاني” بعد انفصاله عن التنظيمين على استهداف قوات الجيش السوري وقوات النظام. كما صرح في مواقف مختلفة عدم نيته استهداف الغرب يعني (أمريكا وإسرائيل)، وهي نفس الاستراتيجية التي تتبعها حركة “طالبان” منذ ٢٠١٩ حتى تاريخه. وعليه، استبقت إدارة نتنياهو الأحداث وأعلنت عن إيقاف العمل باتفاقية ١٩٧٣، والسيطرة على الحدود السورية، وبالتالي وفقا للمراقبين أن فعلته إسرائيل وعدم رد هيئة تحرير الشام حتى لو ببيان يدين ما يفعله جيش الاحتلال يعني أن سلوك “هيئة تحرير الشام” قد يصب في المرحلة المقبلة لصالح الكيان الصهيوني.

تأصيل للمشهد:

قادت جماعة الإخوان المسلمين عام ١٩٨٠ محاولة انقلاب في سوريا، وتصر الإخوان السورية منذ ٢٠١١ حتى حينه، بوصف ما يحدث من اضطرابات في سوريا ضد النظام بالثورة الإسلامية، وهذا يرجع إلى ما تمثله سوريا في أدبيات الجماعات الإرهابية من رمزية دينية. بالتالي، يمكن القول إن موقع سوريا ورمزيتها في أدبيات المتطرفين من المحتمل أن ينعكس على تمسك الجماعات المتطرفة بتديين الحكم الجديد، وهو ما يخلق صراع متنوع الأطراف سواء بين الجهاديين أنفسهم الذين يتصارعون على الجغرافيا أو بين الإسلاميين والتيارات المدنية على شكل نظام الحكم في سوريا الجديدة. كل ما سبق، يرجع إلى أن الفكر الجهادي، يتمسك برواية تنسب للنبي (ص) مصنفة وفق علم الحديث بأنه حديث (ضعيف – غريب) وهي أقصى درجات الضعف، عن ميمون بن أستاذ قال: “حدثني البراء: “أمر النبي بحفر الخندق، عرضت لنا صخرة، فأخذ المعول، فقال: “بسم الله”، فكسر ثلثها، فقال: “الله أكبر، أعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأنظر إلى قصورها الحمر”. فقد تم دخول جيوش المسلمين أول مرة عام ٦٣٣م بقيادة خالد بن الوليد، وأبو عبيدة بن الجراح، وضمت إلى الخلافة الإسلامية وقتها.

لقد اتبعت التنظيمات الإرهابية في سوريا منذ ما قبل الـ 27 من نوفمبر 2024، سياسة الإنهاك المنصوص عليها في أدبياتها، حيث قامت باستغلال عدم رضا الشعب السوري عن أداء نظام بشار الأسد، للسيطرة السريعة على البلاد.

الطريقة التي استخدمتها هيئة تحرير الشام والفصائل المتعاونة معها في السيطرة على محافظات سوريا بدءًا من حلب حتى دمشق، تشير إلى استدعاء التنظيمات الإرهابية لأدبيات فتح البلاد، كما جاءت في كتاب “إدارة التوحش “لأبي بكر الناجي”. وعليه، يمكن القول إن احتفاء المدنيين السوريين بالعناصر المسلحة التي قادتها هيئة أبو محمد الجولاني، يفسره كتاب “إدارة التوحش”، الذي يقول “نقصد بالاستقطاب هنا هو جر الشعوب إلى المعركة، فيذهب فريق إلى جانب أهل الحق، وفريق إلى جانب أهل الباطل، ويتبقى فريق ثالث ينتظر نتيجة المعركة لينضم للمنتصر… ويضيف علينا جذب تعاطف هذا الفريق، وجعله يتمنى انتصار أهل الإيمان، خاصةً أن لهذا الفريق دور حاسم في المراحل الأخيرة من المعركة”. وعليه ووفقا لما تضمنه كتاب إدارة التوحش، يمكن تفسير حالة الرضا الشعبي والحكومي عن ما قامت به هيئة تحرير الشام، بأنها خوف مؤقت لتجنب الصدام المبكر، وهو ما ساهم في سهولة تسليم المحافظات واحدة تلو الأخرى لهذه التنظيمات، والذي أرجعه البعض إلى خوف السوريين من الصدام الصلب معهم الوقت الراهن.

كما أن الصورة الإعلامية التي أظهرها الإعلام لهيئة تحرير الشام والفضائل المتعاونة معها، ومحالة الربط بين مشهد إطلاق المساجين ومحاولة إنقاذهم من قبل أتباع “الجولاني” ورفعه الظلم عنهم، يشير إلى أن هناك استعداد إعلامي لعمليات إسقاط نظام الأسد وتسليم الدولة للتنظيمات المسلحة، وهو ما يفسره “ناجي” في كتابه إدارة التوحش، الذي يقول فيه إنه “في المرحلة التي ينشط فيها الإعلام المضاد، فلا سبيل لتبرير العمليات إلا بإصدار بيانات مطبوعة، وبيانات من خلال الإعلام المسموع والمرئي، تمهد لكل العمليات قبل القيام بها.. تبريرًا شرعيًا وعقليً قويًا”. بالتالي أسلوب الصدمة الذي اتبعته وسائل الإعلام في تصدير حالة المساجين السوريين للجماهير لخلق حالة من السخط، وعقد مقارنات بين ما مضي وبين ما هو قادم يشير إلى عمل مخطط من قبل هيئة تحرير الشام تم الإعداد له منذ أربع سنوات، وذلك بتأسيسها هيئة إعلامية وإعلانية من مدنين ونشطاء، يحملون مظالم وسخط، بفعل أفول الوضع السياسي داخل سوريا، هذه الهيئة ساهمت بشكل رئيسي في تدوير الرواية الإرهابية عن المشهد في سوريا.

في ذات السياق؛ يمكن إرجاع مشاهد الود والتعاون التي أظهرتها عناصر هيئة تحرير الشام في تعاملها مع الأهالي أثناء دخول المدن والقرى، ومحاولتها إرسال رسالة مضمونها أن الهيئة هي الكيان المنقذ لسوريا من نظام الأسد وتداعيات حكمه السلبية،- إلى تطبيقهم ما تضمنه وأسسه كتاب “إدارة التوحش”، الذي يقول إن “أول وسيلة من وسائل الاستقطاب في مرحلة “إدارة التوحش”، هي حسن إدارة المناطق التي تحت سيطرتنا من خلال 1- رفع الحالة الإيمانية، باعتبارها أقصر طريق لاستقطاب الناس، الذين يعيشون في المنطقة التي نديرها، فهناك فرق بين أن يقبل الناس إدارتنا لنحقق لهم الأمن، وأن ينخرطوا معنا في التدريب والقتال والعمل لأهدافنا. ٢- بالنسبة لاستقطاب مناطق مجاورة تديرها تنظيمات أخرى، علينا أن نوجه رسولًا للإدارة المسئولة عنها، لدعوتها للدخول في ولاء أهل التوحيد. ٣- العفو، إذا وقع في أيدينا مجموعة أفراد من أهل الكفر الأصلي، أو أهل الردة، ووجدنا أنه لا خطورة كبيرة من العفو عنهم، وترجح لنا أن يؤدي العفو عنهم لتأليف قلوبهم، وانضمامهم لأهل الإيمان – مع ملاحظة أنه لا عفو عن المرتد إلا إذا أسلم – ولم يكن هناك مصالح من قتلهم تفوق مصالح العفو، فإن العفو عنهم يكون من وسائل الاستقطاب”، وهو ما يفسر عبارات المدنيين التي تحمل طابع متطرف، فضلًا عن دعوة العناصر المسلحة للمدنيين والعسكرية من فلول النظام بالقول؛ “من دخل بيته فهو أمن” للحفاظ على الحاضنة الشعبية المستسلمة.

في النهاية، وبناءًا على الأدبيات السابق الإشارة إليها؛ تسير التنظيمات الإرهابية على المنهج الجهادي المسطر في كتب أدبيات المتطرفين، ففي حال التمكن ستظهر حتمًا ممارسات الجماعات المتطرفة، التي تبدأ بالاقتتال الجهادي الجهادي للصراع على الحكم والسيطرة، إلى فرض رؤية الجماعات المتطرفة على ممارسات الأفراد الحياتية اليومية والحريات العامة، وهذا ما تفعل حركة “طالبان” في أفغانستان حاليًا، وما تأكده المقولة الشهيرة: “هؤلاء الذين لا يتذكرون الماضي، محكوم عليهم بإعادته””جورج سنتيانا”. فليستعد الشعب السوري إذن لتحمل إجرام فكر وممارسات الجماعات المتطرفة، يقول د. علي الوردي: “التاريخ الذي درسناه في المدارس جعلنا نحفظ الملوك وفتوحاتهم، دون أن نسأل عن مشاعر الشعوب المكبوتة بعد الفتح”.

أسماء دياب

-رئيس برنامج دراسات الإرهاب والتطرف. -باحث دكتوراه في القانون الدولي- بكلية الحقوق جامعة عين شمس. - حاصلة على ماجستير القانون الدولي جامعة القاهرة. -حاصلة على دبلوم القانون الدولى جامعة القاهرة. -حاصلة على دبلوم القانون العام جامعة القاهرة. - خبيرة في شئون الحركات الإسلامية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى