شراكة مهددة: أي تأثير لـ “منظمة شنغهاي” على مستقبل النظام الدولي؟
تتبني السياسة الخارجية لدولتي للصين وروسيا في الوقت الحالي خطابات تعكس الفوضى التي تهدد الأمن العالمي والتنمية الاقتصادية العالمية، وتقوض فرص التعاون وتكسر آليات التعاون متعدد الأطراف. كما تحاول تصدير مفاهيم توضح أن كلا الجانبان يرغبان في إخراج العالم من الفوضى الناتجة عن الهيمنة الأمريكية والتي تتطلب بناء نظام عالمي جديد يقوم على التعددية.
خلال قمة منظمة شنغهاي للتعاون، جذب الاجتماع بين الرئيس شي والرئيس بوتين الكثير من الاهتمام في سياق الصراع المستمر بين روسيا وأوكرانيا والعقوبات الشديدة غير المسبوقة التي فرضها الغرب على روسيا والصين. وفي سياق الواقع الحالي للنظام الدولي، يبدو أن نظام الحوكمة العالمي المتمركز حول الأمم المتحدة يتجه نحو الانحدار، حيث عجز أمام التحديات الكبيرة، مثل تنسيق الاستجابة العالمية للوباء، وتشكيل حل وسط ومتسق للحرب الروسية الأوكرانية في أقرب وقت ممكن، وكيفية تنسيق استجابة لأزمة الطاقة الدولية بعد الحرب الروسية الأوكرانية.
كما أدى تفكك الاتحاد السوفيتي ونهاية الحرب الباردة إلى دخول هيكل إعادة توزيع القوة في العالم إلى عصر أحادي القطب تحت قيادة الولايات المتحدة، بهيمنة الدولار الأمريكي والهيمنة العسكرية العالمية، وتصدير الأيديولوجية الليبرالية الغربية، وتعزيز التدخل الدبلوماسي والسياسي والعسكري في جميع أنحاء العالم. ولعل السبب الحقيقي وراء الحرب الروسية الأوكرانية، هو أنه في ظل الهيمنة أحادية القطب للولايات المتحدة، كان من الصعب على أوروبا العودة إلى “تنسيق القوى العظمى”، وأصبحت عالقة بلا هوادة في المواجهة الجيوستراتيجية بين القوى العظمى. فكان “العمل العسكري” الذي قامت به روسيا ضد أوكرانيا، نتيجة لتدخل الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي على “خط الأمن الأساسي” لروسيا.
فرص محتملة:
تعتقد بكين في أن الحرب الروسية الأوكرانية، تمثل فرصة نحو بداية إنهاء النظام أحادي القطب وتعزيز مصالحها الحيوية المتعلقة بتايوان والقضايا الداخلية الأخرى، والمصالح السياسية المتعلقة بالتنمية المستدامة وأمن النظام. وهذا ما دفع بكين لإطلاق “مبادرة الأمن العالمي” التي اقترحها الرئيس شي جين بينغ في منتدى بواو لآسيا في 22 أبريل، والتي تعتبر عرض قوي للعالم يعكس تبني القيادة في الصين مفاهيم جديدة تعزز إخراج العالم من الوضع المضطرب غير المسبوق منذ نهاية الحرب الباردة، وتؤكد مساعي الصين لإعادة توزيع القوة وإنهاء “الاستقطاب الأحادي” وإحراز تقدم جوهري لعملية التعددية.
وبالتالي، يبدو أن الشراكة الجديدة بين روسيا والصين بالرغم من عدم الثقة السياسية، إلا أن هناك مصالح مشتركة في سياق كسر الهيمنة الأمريكية وتعزيز إقامة نظام دولي جديد والشواغل المرتبطة بالمصالح الحيوية التي تتعلق بالأمن القومي للطرفين. على سبيل المثال، تم فتح جسر طريق هايهي–بلاغوفيشتشينسك؛ أول جسر سريع للمركبات بين روسيا والصين أمام حركة الشحن، في الفترة من يناير إلى يوليو من هذا العام، كما بلغ حجم التجارة الثنائية بين الصين وروسيا 97.7 مليار دولار أمريكي، بزيادة تقارب 29٪، ويواصل الجانبان تعزيز التعاون علي المستوي المتعدد الأطراف مثل التواصل في إطار منظمة شنغهاي للتعاون، وقمة بريكس، والحوار رفيع المستوى حول التنمية العالمية، ومنتدى سانت بطرسبرغ الاقتصادي الدولي. كما أن قمة سمرقند تعكس مساعي بكين وموسكو لكسر العزلة الدولية التي فرصت علي روسيا، وقيادة الدول النامية والناشئة لإعادة بناء الحوكمة العالمية نحو نظام متعدد الأقطاب.
توسيع نفوذ:
خلال قمة سمرقند، رحبت المنظمة بالعضو التاسع، إيران، حيت يتم التوقيع على مذكرة حول التزامات جمهورية إيران الإسلامية بالانضمام إلى المنظمة، هذا يعني أن إيران ستتعامل مع جميع أعضاء منظمة شنغهاي للتعاون تحت عنوان نظام مالي جديد تنظمه روسيا والصين والهند.
كما شددت دول الأعضاء على أهمية قرار بدء عملية قبول بيلاروسيا الحليف الوثيق لروسيا في حرب أوكرانيا، كعضو في منظمة شنغهاي للتعاون. كما وافقت القمة علي على قرارات تمنح صفة شريك الحوار لمملكة البحرين وجمهورية المالديف ودولة الكويت والإمارات العربية المتحدة وجمهورية اتحاد ميانمار. وكذلك التوقيع على مذكرة منح صفة الشريك في حوار منظمة شنغهاي للتعاون لجمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية ودولة قطر. والجديد بالذكر هنا أن الدول الأعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون تمثل ما يقرب من ربع مساحة العالم، ويبلغ إجمالي عدد سكانها حوالي 44 ٪ من إجمالي سكان العالم، ويبلغ إجمالي الناتج المحلي لها ربع الاقتصاد العالمي. وهذا يمثل قدرة سوقية ضخمة وإمكانات تطويرية هائلة.
إن مشاركة إيران ستفيد بلا شك منظمة شنغهاي للتعاون بعدة طرق، هي أولاً، يمثل امتداد لمنظمة شنغهاي للتعاون إلى الشرق الأوسط وغرب آسيا، مما سيساعد منظمة شنغهاي للتعاون على توسيع نفوذها الدولي. ثانياً، تعزيز دور منظمة شنغهاي للتعاون في الحوكمة العالمية، وزيادة تعزيز صوت المنظمة في إصلاح الحوكمة العالمية. ثالثًا، يمكن أن يؤدي تعزيز التعاون الاقتصادي الإقليمي إلى إنشاء نمط جديد من الترابط وتعزيز التعاون الإقليمي في مجال الطاقة، وتوفير فرص جديدة للتعاون الاقتصادي والتجاري متعدد الأطراف بين الدول الأعضاء. كما يمثل وضع مصر كقوة إقليمية في الشرق الأوسط وأيضا قطر والمملكة العربية السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة الدول التي تمثل نفوذا عالمية في سوق الطاقة العالمي وأيضا في منطقة الشرق الأوسط كشركاء حوار في المنظمة، إضافة قوية لتعزيز نفوذ الدول النامية في النظام الدولي نحو نظام عالمي متعدد الأطراف.
تأثير النزاع الحدود بين الهند والصين:
أما الهند، التي تعد عضو في منظمة شنغهاي للتعاون، لكنها أيضًا عضو في الإطار الاقتصادي الهندي والمحيط الهادئ الذي تقوده الولايات المتحدة (IPEF) والحوار الأمني الرباعي (QUAD) الذي يستهدف الصين. فقد انضمت رسميًا الهند إلى منظمة شنغهاي للتعاون في عام 2017، مما يجعل العوامل الدينية والثقافية والعوامل الأخرى في منظمة شنغهاي للتعاون أكثر تنوعًا، كما يجلب التعقيد لعمليات المنظمة نفسها.
فعلى الرغم من عدم لقاء مودي وشي على هامش القمة، إلا أن الهند تشارك بكين وموسكو القلق من هيمنة الدولار بشكل متزايد كسلاح سياسي. على سبيل المثال، هذا العام سمح البنك المركزي الهندي، بنك الاحتياطي الهندي، للبلاد بالتداول بالروبية. وقد تساعد هذه الخطوة الهند في التجارة مع الدول الخاضعة للعقوبات الأمريكية – بما في ذلك إيران وروسيا. فالهند لا تهدف هذه التحركات إلى مواجهة الهيمنة الغربية فحسب، بل تهدف أيضًا إلى دعم نظام متعدد الأقطاب ورفض تدخل الولايات المتحدة تحت ستار حقوق الإنسان والليبرالية على المسرح العالمي. ووصف مودي منظمة شنغهاي للتعاون بأنها منتدى للتعاون الاقتصادي، وتري الهند بأنها منصة لقضايا مشتركة مع الصين وروسيا بشأن قضايا الحوكمة العالمية. ومن المحتمل أن يجعل هذا التقارب الاستراتيجي القضايا الحدودية مع الصين أكثر قابلية للإدارة على المدى الطويل. هذا بالإضافة إلي انسحاب الهند مؤقتًا من المفاوضات في مجال التجارة، وهي إحدى “الركائز الأربع” لـ “الإطار الاقتصادي بين الهند والمحيط الهادئ”، وموقفها من الصراع بين روسيا وأوكرانيا، الذي يدعو إلي حل سلمي للمشكلة ومعارضة فرض الولايات المتحدة للعقوبات.
ورغم ما سبق، فمن المرجح أن تظل مخاوف النزاع الحدودي بين الصين والهند قائمة، بل تقوض عملية التعاون داخل المنظمة، بالإضافة إلي مدي استمرار الهند على الموقف الحيادي في الصراع الروسي الأوكراني، وخاصة بعد موقفها من صوتت الجمعية العامة المكونة من 193 عضوا يوم الجمعة، حيث كانت من بين 101 دولة صوتت لصالح مشروع قرار يسمح لـ “زيلينسكي” بإلقاء كلمة أمام زعماء العالم في المناقشة العامة رفيعة المستوى من خلال بيان بالفيديو.حيذكر أن القرار اتخذ بأغلبية 101 صوتا، مقابل سبعة، بما في ذلك بيلاروسيا وكوبا وإريتريا روسيا وسوريا وامتناع 19 دولة عن التصويت.
باختصار، يعد الاجتماع الثاني والعشرون لمجلس رؤساء دول منظمة شنغهاي للتعاون حدثًا سياسيًا دوليًا رئيسيًا له أهمية في الوضع الحالي للنظام الدولي، وسيغير النمط الاستراتيجي لقارة أوراسيا مع استمرار الولايات المتحدة والغرب في زيادة جهودهما لاحتواء الصين وروسيا. ويبقي السؤال، مع استمرار تعزيز التعاون الاقتصادي الإقليمي نحو إنشاء نمط جديد من الترابط، وتعزيز التعاون الإقليمي في مجال الطاقة، وتوفير فرص جديدة للتعاون الاقتصادي والتجاري متعدد الأطراف بين الدول الأعضاء، زيادة تعزيز صوت المنظمة في إصلاح الحوكمة العالمية، وتعزيز تطوير النظام الدولي الحالي في اتجاه أكثر عدلاً ومعقولة… فهل يمكن أن تصبح منظمة شنغهاي للتعاون نسخ مصغرة من الناتو؟.