عوامل مؤثرة: من يفوز في انتخابات “تايوان”؟

يطرح اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في تايوان 2024، ووجود عوامل جديدة مؤثرة على اتجاهات تصويت الناخبين، عدة تساؤلات، هي: لماذا تحول الوضع من “مثلث الفوز” إلى مواجهة بين المعسكر الأزرق والأخضر”؟، وما هي المخاطر التي سيجلبها انتخاب لايتشينغ تي إلى تايوان؟، وهل “بطاقتي المعسكر الأخضر والأزرق” مهمة في انتخابات تايوان؟، وما هي العوامل الرئيسية التي تؤثر على اختيارات الناخبين في تايوان؟

قراءة للمشهد:

هناك تحول في الوضع الداخلي من “مثلث الفوز” إلى “المواجهة بين المعسكر الأزرق والأخضر.”، فالملاحظ وفقا للمراقبين أن التحول في الوضع الداخلي يتمثل في تغير اتجاهات المتنافسين من “مثلث الفوز” في لايتشينغ تي من الحزب الديمقراطي التقدمي، أو هو يويي من حزب الكومينتانغ الصيني، أو كي وين من حزب الشعب إلى “مواجهة بين المعسكر الأزرق والأخضر”؟ وهما حزب الكومينتانغ والحزب الديمقراطي التقدمي. حيث أن علم حزب الكومينتانغ اللون الأزرق، في حين أن علم الحزب الديمقراطي التقدمي باللون الأخضر. ويشير تحالف الأزرق إلى الدوائر السياسية التايوانية التي تعارض “استقلال تايوان”، ويشير تحالف الأخضر إلى الدوائر السياسية التايوانية التي تعارض “استقلال تايوان “ودعم “استقلال تايوان”.

ووفقاً لآخر استطلاعات الرأي في تايوان، فإن “هو كانغبي” من حزب الكومينتانغ يقترب أو حتى يطارد مرشح الحزب الديمقراطي التقدمي”لايشياوبي”. وفي اللحظة الحرجة الأخيرة، تظهر مجموعة العوامل الرئيسية التي ستؤثر على اختيارات الناخبين في تايوان.

تعزيز الشعور بـ “الحرب”:

بالرغم من أعلن موقع “ETtoday Poll Cloud” في 14 ديسمبر عن آراء الشعب التايواني بشأن الانتخابات العامة لعام 2024، والتي تركزت على الاختيار بين “عدم الفساد والفساد”، و”الديمقراطية والاستبداد”، “الحرب والسلام”، وكانت النتيجة بأنه وقع الاختيار بشكل كبير على الأخير (الفساد، السلام والاستبداد)، في أشار إلى مرشح حزب الكومينتانغ.

ولعل “الاختيار بين الحرب والسلام” هو الصراع الداخلي الحقيقي الذي لا يستطيع الناخبين التايوانيين التعبير عنه بشكل مباشر أو بشكل عام. فعلي الرغم من أن القضية التايوانية ليست وليدة الساعة أو لم يكن هناك من قبل مواجهات بين البر الرئيسي (الصين) وتايوان، ولكن مع قدوم شي جين بينغ إلي السلطة منذ عام 2013، والتحولات في السياسة الخارجية والداخلية الصينية بل والقوة الشاملة للصين، أصبحت قضية توحيد الأمة الصينية على قائمة أولويات السلطة المركزية في الصين والشعور بالحرب واقع يطارد عقول التايوانيين.

لذلك، وعلى الرغم من أن وسائل الإعلام الغربية أعلنت أن تايوان هي “أخطر مكان على وجه الأرض”، إلا أن ما يقرب من عشرة آلاف شخص تجمعوا مؤخرًا في جزيرة أوكيناوا المجاورة لتايوان ورفعوا شعار “لا نريد حرب في تايوان”، ولكن الواقع الداخلي لتايوان يطارده كيفية التعامل مع إصرار البر الرئيسي علي “توحيد الامة الصينية”. وهذا ما تعكسه الخطابات الرسمية للصين والتوسعات العسكرية للصين في بحر الصين الجنوبي، والنفقات العسكرية للصين في السنوات الأخيرة، وأيضا تعزيز القوة الناعمة والصلبة في شرق وجنوب شرق آسيا. وهذا أيضا كان واضحا في رسالة الرئيس شي جين بينغ للعام الجديد 2024 عبر إذاعة وتلفزيون الصين المركزي والإنترنت، والتي عكست بعد تناوله إنجازات الصين على كافة المستويات خلال عام 2023، بأن إعادة توحيد الوطن الأم ضرورة تاريخية. كما أكد على أن المواطنين على جانبي مضيق تايوان أن يتكاتفوا ويتقاسموا المجد العظيم المتمثل في النهضة الوطنية.

وبالتالي، فكرة ” الحرب” تطارد التايوانيين في أحلامهم، ولكن لا يتم الحديث عنها غالبًا بشكل عام، والتي يمكن ان تسمي ” عقلية الهروب”. فعندما أصرت رئيسة مجلس النواب الأمريكي السابقة نانسي بيلوسي على زيارة تايوان، أدى إلى قيام جيش التحرير الشعبي بتدريبات عسكرية واسعة النطاق “لتطويق تايوان”. وحتى الآن، أصبحت التدريبات التي تجريها الطائرات والسفن العسكرية الصينية حول مضيق تايوان بمثابة “الوضع الطبيعي الجديد”. ورغم أن ما يقرب من 80% من التايوانيين قالوا إنهم “ليسوا خائفين” من التدريبات العسكرية التي تجري في البر الرئيسي، إلا أنهم أدركوا، بعد أشهر أن “الأمور تتغير”.

وبالإضافة إلى ذلك، تتعرض إدارة تساي لضغوط من الولايات المتحدة، وتم تمديد فترة الخدمة العسكرية للذكور من أربعة أشهر إلى عام واحد. وقد تكررت الزيارة الرسمية من الساسة الأميركيين إلى تايوان، والذين يؤيدون تركيب “صواريخ ستينجر” في مراكز الشرطة وتعليم الجميع كيفية استخدام بنادق AK47. بالرغم من أن الكثير من التايوانيين يعلمون بأن هذه الحرب غير متكافئة، وبأن الولايات المتحدة تريد فقط “تطويق الصين” عن طريق تايوان. وعليه، فإن الحزب الديمقراطي التقدمي دائماً ما يقول إن هناك قوى خارجية “تتدخل في الانتخابات”، ويقصد بها الصين، ناهيك عن أن الحرب الروسية الأوكرانية التي أثارها توسع حلف شمال الأطلسي شرقا، والصراع الفلسطيني الإسرائيلي الناجم عن الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة، عكس الأيديولوجيات الليبرالية وتناقضات السياسة الأمريكية وحلفائها وفشل المنظمات الدولية، ومدي قسوة ووحشية الحرب وتوقعات بأن الحرب على تايوان ستكون أشد قسوة.

من أجل قمع انتشار “مشاعر الحرب” بشكل فعال، أخذت الباحثة في مركز الأبحاث بواشنطن بوني جلاسر وآخرون زمام المبادرة في نشر مقال يطلب من لايتشينغدي التعهد بإلغاء “برنامج حزب استقلال تايوان”؛ وتابعت الرئيسة الحالية تسايذلك، ففي مقابلة حصرية مع وسائل الإعلام الأمريكية “نيويورك تايمز”، أكدت عمدا أنه “من غير المرجح حاليا أن يغزو البر الرئيسي تايوان”. والهدف من هذه التصريحات في الأصل تهدئة قلق الناخبين التايوانيين، حيث أكدت في الواقع مخاوف التايوانيين بشأن التوجه إلى ساحة المعركة.

انعكاسات شخصية “لايتشينغدي”:

لقد تبنت إدارة تساي النهج المؤيد لأمريكا “الأحادي الجانب”، والذي يهدف إلى إضعاف سياسة “الصين الواحدة”،وتجويفه على المستوى الدولي، والتي تعتبر الحجر الرئيسي لعلاقاتها الدبلوماسية مع دول العالم، وعقيدة سياستها الخارجية. وبالتالي، سيتعين على لايتشينغدي بلا شك أن يتحمل كل “الإرث الخطير” لنهج تساي. لذا، من المتوقع أن تفوق قدرته التدميرية للعلاقات عبر المضيق بكثير قدرة تساي، ولا يمكن لأحد أن يوقفه.

ناهيك عن الجدل الأخير حول “قضية البناء السكني غير القانوني” في مسقط رأس لايتشينغدي، والذي أدى إلى ضجة وكان له تأثير حقيقي على استطلاعات الرأي الخاصة به. ومع ذلك، ظل لايتشينغدي غير متأثر ومصمم على عدم هدمه. بالإضافة إلي أنه عندما كان أيضًا عمدة تاينان، بقي لايتشينغدي خارج البرلمان لمدة 232 يومًا بسبب قضية الرشوة التي تورط فيها رئيس البرلمان آنذاك لي كوانغياو. هذا فضلاً عن تصريحات لايتشينغ بشأن “استقلال تايوان” بدرجات متفاوتة، خلال شغله مناصب مختلفة، من “ممثل الجمعية الوطنية” إلى عمدة تاينان إلى “الرئيس التنفيذي”، والتي تعكس شخصيته “المصابة بجنون العظمة” على نحو متزايد أمام الناخبين.

بطبيعة الحال، سوف يفكر الناخبون التايوانيون في هذه الأمور جميعا. إذا أصبح مثل هذا الشخص العنيد والمصاب بجنون العظمة هو القائد، وإذا وقع حادث أو صراع بين تايوان والبر الرئيسي أو الولايات المتحدة، ألن تختار شخصيته خوض “معركة مميتة”؟ “مع الصين؟ في النهاية، هل سيؤدي هذا وضع تايوان في وضع أكثر خطورة؟. كما ذكر البر الرئيسي مرارًا أن “استقلال تايوان يعني الحرب”، ومع ذلك، قام لايتشينغدي بتعيين شياو مي تشين، الذي أطلقت عليه بكين من العناصر المتطرفة “لاستقلال تايوان” مرتين نائبًا له، مما سمح للعالم الخارجي أيضًا برؤية الجانب العنيد من شخصية. وعلى الرغم من أن لايتشينغدي يتصدر استطلاعات الرأي على طول الطريق، فقد تم الكشف عن عيوبه، مما يجعل الانتخابات العامة لعام 2024 صعبة على الناخبين التايوانيين.

تأثيرات العلاقات عبر المضيق:

بعبارة أخرى، عندما تتشكل شخصية لايتشينغدي على هيئة “زعيم حرب” بسبب عوامل ذاتية وموضوعية، فمن المحتم أن يفكر أغلب الناخبين التايوانيين مرتين. ولهذا بعد إعلان تفكك “تحالف أزرق أبيض”(يشير “الأبيض” إلى حزب الشعب التايواني) رسميًا ،تزايد دعم حزب الكومينتانغلهو يويي بسرعة، في حين انخفض دعم حزب الكومينتانغلكه وين تشى. ويعزي السبب الرئيسي وراء تراجع دعم كيه وين تشيمرشح حزب الشعب هو أن العديد من الناخبين رأوا أنه من المستحيل أن يتمكن كيه من منع لايتشينغدي من انتخابه، لذا فقد علقوا آمالهم على هو يويي. وبدلاً من القول إن هؤلاء الناخبين “يقدرون” هو يويي، فمن الأفضل أن نقول إنهم “أقل استعداداً لرؤية” لايتشينغ يفوز بالانتخابات ويضع تايوان في أزمة.ويمكن ملاحظة ذلك من حقيقة أن العديد من أنصار المعسكر الأزرق الذين كانوا يكرهون هو يويي، رفعوا شعار دعمه.

بطبيعة الحال، واستناداً إلى التجارب السابقة، عندما تصل الانتخابات العامة إلى مرحلتها النهائية، فسوف تبرز كافة أنواع القضايا، كبيرها وصغيرها، مما يزيد من توتر الحملة الانتخابية إلى أقصى الحدود. وعليه، يمكن القول إن العلاقات عبر المضيق ما زالت تشكل النقطة الحاسمة في الانتخابات العامة. فالخوف من الحرب، والرغبة في السلام، والأمل في الاستقرار سوف يتنافس مع المجموعة التي يمثلها الحزب الديمقراطي التقدمي.وهذا أيضاً نموذج مصغر لمصير تايوان.

باختصار، المناخ الجيوسياسي الذي تنقذ فيه الولايات المتحدة سياسة “تطويق الصين”، والاصطدام والمنافسة مع صعود الصين وعملية التوحيد، ودرجة التشابك الداخلي بين الناخبين التايوانيين، كلها في الواقع تتوقف على كيفية انعكاس “التغيرات التي دامت قرناً من الزمن” في تايوان.

د. هند المحلى سلطان

كبير باحثي المركز، رئيس برنامج الدراسات الآسيوية، باحثة زائرة بمركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة فودان وجامعة شنغهاي للدراسات الدولية. حاصلة على درجتي الماجستير والدكتوراه في العلاقات الدولية تخصص شؤون صينية من جامعة شنغهاي للدراسات الدولية وجامعة شاندونغ. ترجمت العديد من الكتب والتقارير الرسمية للحكومة الصينية من اللغة الصينية إلى اللغة العربية في مجال السياسة والاقتصاد، ونشرت بعض الأبحاث الأكاديمية المتعلقة بالسياسة الخارجية للصين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى