دلالات اختيار السنوار رئيسًا لحماس
أعلنت حركة “حماس” في 6 أغسطس 2024 اختيار رئيس فرع الحركة في غزة يحيى السنوار رئيسًا لمكتبها السياسي خلفًا لإسماعيل هنية الذي اغتاله الاحتلال الإسرائيلي فجر الأربعاء 31 يوليو 2024 في طهران على هامش مشاركته في حفل تنصيب الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان. وجاء اختيار السنوار بالإجماع ردًا على خطوات حكومة إسرائيل اليمينية المتطرفة في أعقاب إعلان نتنياهو اغتيال عدد من قادة الفصائل في المنطقة، ليعكس رؤية الحركة لطبيعة المرحلة المقبلة من الصراع وتعزيز اصطفاف الحركة وذراعها العسكري خلف قيادة ميدانية نجحت في تحريك الغضب القاعدي الفلسطيني وتعزيز خيار المقاومة المسلحة في غزة والضفة والشتات والداخل لإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة، وإعادة طرح القضية الفلسطينية أمام المجتمع الدولي.
وتأسيسًا على ما سبق؛ يتناول التحليل التالي سياق اختيار السنوار رئيسًا للمكتب السياسي لحماس وانعكاسات ذلك على مسار الحرب ومستقبل العملية التفاوضية.
سياق الاختيار
فيما يمثل اختيار أحد نواب رئيس المكتب السياسي للحركة ورئيس فرعها في غزة أمرًا منطقيًا في الظروف الطبيعية، إلا أن اختيار يحيى لسنوار يحمل العديد من الدلالات في سياق قيادته لعملية “طوفان الأقصى” إلى جانب محمد المصري والمعروف بـ”محمد الضيف” القائد العام لكتائب عزالدين القسام الذراع العسكري للحركة الذي استهدفه طيران الاحتلال مرات عدة كان آخرها في 13 يوليو 2024، قبل أن يعلن الجيش من جانبه رسميًا في 1 أغسطس الجاري نجاح محاولة الاغتيال والتي طالت كذلك رافع سلامة قائد لواء خان يونس بالقسام.
(*) وحدة قيادة الحركة: يبعث اختيار يحيى السنوار رئيسًا لحركة حماس برسالة للعديد من الأطراف والفاعلين الدوليين مفادها أن قيادة الحركة في الخارج وفي غزة موحدة داخليًا وخارجيًا، وكذلك سياسيًا وعسكريًا خلف هدف واحد وهو الوقف الدائم للحرب مقابل صفقة تبادل أسرى أو استمرار الحرب في حالة فشل تحقيق ذلك الهدف، وأن توجهات الحركة في هذا الملف لن تختلف باختلاف شخصية قائد الحركة، بل على العكس قد تدفع لمزيد من مجاراة التصعيد الإسرائيلي في ميادين أخرى وأقربها الضفة الغربية التي تشهد منذ عام 2021 تصاعدًا في حدة ونوعية أنشطة المقاومة الفلسطينية في شمال الضفة خاصة جنين ومخيمها ومخيمي طولكرم ونور شمس.
حالة كتائب القسام في قطاع غزة- سي إن إن
(*) تحدي سياسة الاغتيالات والضغط العسكري: مع الإقرار بتكبدها خسائر كبيرة منذ التوغل البري الإسرائيلي، إلا أن بيانات الحركة وذراعها العسكري والتحليلات الغربية تشي بعكس ذلك أو على وجه الدقة تظهر فشل خيار الحسم العسكري الذي أكد رئيس الوزاء الإسرائيلي قرب تحقيقه خلال خطابه أمام الكونجرس الأمريكي في 24 يوليو الماضي. فقد أشار أبو عبيدة المتحدث الإعلامي باسم كتائب القسام في 7 يوليو 2024 إلى أن الذراع العسكري نجح في استقطاب آلاف الجنود الجدد في صفوف الحركة خلال الحرب، وهو ما ذهب إليه تحليل حديث صادر في 5 أغسطس الجاري عن شبكة سي إن إن الإخبارية الأمريكية وكل من معهد دراسات الحرب ومشروع التهديدات الحرجة بمعهد أمريكان إنتربرايز، إذ باتت 3 كتائب فقط من أصل 24 كتيبة تابعة للحركة غير فعالةبينهما كتيبتين في لواء الشمال وواحدة في شرق رفح، ولا تزال 8 كتائب فعالة ومتماسكة في بنيتها التنظيمية والقتالية (3 منها في محافظة غزة واثنتين في الوسطى وواحدة في خان يونس واثنتين في رفح)، فيما نجحت الحركة في تقليص خسائر وإعادة تأهيل نحو 13 كتيبة (7 في غزة والشمال واثنتين في المحافظة الوسطى و3 في خان يونس وواحدة في رفح)، بحلول مطلع يوليو 2024.
وبالتالي يمثل اختيار السنوار رسالة لمقاتلي القسام بأن قيادة الكتائب لا تزال تسيطر على مجريات المعركة وتمثل رسالة ودعاية مضادة لرواية حكومة نتنياهو موجهة للرأي العام الإسرائيلي بأن حماس لم تنته كحركة سياسية أو كيان عسكري وأن قائد هجوم طوفان الأقصى لا يزال يملك النصيب الأكبر من أوراق اللعبة في الجانب الفلسطيني مقابل نتنياهو.
(*) استعادة زمام العملية التفاوضية: في ظل ما يشوب الحرب على غزة من تضارب وتضليل معلوماتي واسع النطاق وتوظيف “المصادر” الإسرائيلية والمجهلة في الإعلام العبري تحديدًا خدمة للمجهود الحربيولأهداف نتنياهو السياسية في كثير من الأحيان، يعكس الاختيار أن قرار الحرب والتفاوض في يد قيادة الحركة في غزة، ويحمل رسالة بأن ما قدمته الحركة من تنازلات للوصول إلى اتفاق يفضي لانسحاب جيش الاحتلال من غزة ربما كان نابعًا من تباين مواقف قادة الحركة في الداخل والخارج ويعطي في سياق الحرب النفسية انطباعًا لدى الرأي العام الفلسطيني والإسرائيلي بأن مقاربة تعزيز الضغط العسكري تقود لمزيد من التراجع في موقف الحركة وأن ما تداولته وسائل إعلام عبرية وغربية بأن التنازلات جاءت بدفع من الذراع العسكري تحت وطأة الخسائر البشرية وهو ما يتبناه قادة الجيش والحكومة. وبالتالي فإن فوجود قائد حماس تحت طائلة الآلة العسكرية الإسرائيلية خلال 10 أشهر يظهر أن ما بدأ من غزة سينتهي فيها وليس في الدوحة أو أي عاصمة أخرى تستضيف قادة الحركة ومكتبها السياسي.
مجمل القول؛ يعكس اختيار السنوار مخرجًا من الضغوط الإقليمية والدولية على قيادة الحركة بالخارج التي ترى أنها استنفدت كل الخيارات من أجل التوصل لاتفاق في الظروف الراهنة، وأن توجيه مزيد من الضغوط على الجانب الإسرائيلي هو الطريق الأمثل لإنهاء الحرب، لكنه في الوقت ذاته يزيد من أعباء الحرب على المدنيين الفلسطينيين في غزة وكذلك على بنية المقاومة في القطاع، إذ سيكون استهداف قيادة الحركة الأولوية الأولى للمرحلة المقبلة ما لم تندلع مواجهة أوسع نطاقًا على جبهات أخرى. كما يمثل عودة للمرحلة الأولى من العملية التفاوضية على أسس وترتيبات إنهاء الحرب باعتبارها إنجاز يتضمن صفقة الأسرى التي وعد بها السنوار في 2021 والتي تشمل 1111 أسيرًا في سجون الاحتلال مقابل المحتجزين والأسرى الإسرائيليين في القطاع، دون الحديث عن ترتيبات سياسية وعسكرية لغزة ما بعد الحرب. وعلى ما يحمله الاختيار من رمزية ذات دلالات في سياق صراع السرديات بشأن حول هوية المنتصر في “طوفان الأقصى”، فإن نتائجه قد تتجلى في ساحات الصراع الرئيسية من غزة إلى الضفة الغربية وصولًا للشارع الإسرائيلي وفلسطينيي الداخل.