هل دعمت تركيا “آبي أحمد” في صراعه مع التيجراي؟

وقع آبي أحمد في أغسطس الماضي خلال زيارته لأنقرة اتفاقية عسكرية مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ورجح محللون وقتها أن الغرض منها شراء المسيرات التركية ” بيرقدار “، والتي لعبت بدورها دورا ملحوظا في التقدم الذي حققه آبي أحمد على حساب قوات التيجراي، يأتي ذلك في الوقت الذي تسعى فيه إثيوبيا جاهدة لتدعيم قواتها العسكرية في مواجهة قوات التيجراي من ناحية، والحفاظ على التوازن العسكري مع السودان التي تجمعها بها خلافات حدودية بشأن إقليم الفشقة من ناحية أخرى، فضلا عن تحسين قدراتها الدفاعية تحسبا لأي تهديد.

وفي هذا الإطار؛ يناقش هذا التحليل الدعم المقدم من الحكومة التركية لآبي أحمد، وحدود هذا الدعم، وتأثيراته بالأخص في حربه ضد التيجراي، وما إذا كانت هناك احتمالية أن يؤدى هذا الدعم إلى خلاف جديد مع واشنطن وأوروبا.

حدود الدعم:

في وقت سابق، كان قد صرح أردوغان بتعهد بلاده بتقديم ” كافة أشكال الدعم ” لإثيوبيا، وعليها تنوعت مجالات الدعم المقدم من الحكومة التركية لأديس أبابا، بين الدعم العسكري؛ ففي الحقيقة التعاملات التركية العسكرية مع إثيوبيا لم تكن وراء الستار تماما، بل كانت واضحة نسبيا، حيث وقع آبي أحمد عدة اتفاقيات عسكرية مع أردوغان أثناء زيارته لأنقرة في أغسطس الماضي، وبلغت صادرات الأسلحة وفقا لتلك الاتفاقيات حوالي ٥١.٧ مليون دولار. والتعاون التجاري، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين٦٥٠ مليون دولار خلال العامين الأخيرين، كما أن حوالي ٢٠٠ شركة تركية تقدم فرص عمل لحوالي ٣٠ ألف مواطن إثيوبي، وفقا للسفارة التركية في إثيوبيا، كما تعتبر تركيا الشريك التجاري الثاني لإثيوبيا بعد الصين، وقد تصل الاستثمارات التركية هناك إلى ما يقارب ٢.٥ مليار دولار. كذلك التعاون السياسي؛ حيث تقدم أردوغان بعرض للوساطة في النزاع الحدودي بين إثيوبيا والسودان ولاقي المقترح ترحيب إثيوبي، كما كان من اللافت مستوى التمثيل الإثيوبي في قمة الشراكة التركية الأفريقية الأخيرة في إسطنبول، حيث ترأس آبي أحمد وفد مكون من مجموعة من الوزراء والمسئولين الكبار الإثيوبيين، وهو ما يؤشر إلى مدى اهتمام أديس أبابا بعلاقاتها مع أنقرة، وأيضا اللقاءات التي عقدت على هامش القمة بين آبي أحمد وأردوغان، وبين وزيري الدفاع في كلا البلدين، واللقاءين كانا بعيدا عن رقابة وسائل الإعلام، ولم يصدر أي بيان عن فحواهما، كما تم تسليم المدارس التابعة لتنظيم غولن في إثيوبيا إلى وقف المعارف التركي.

تأثير الدعم:

الدعم التركي الذي تلقاه آبي أحمد في حربه ضد قوات التيجراي كان عاملاً حاسما في قلب موازين الحرب لصالحه في الأيام الماضية، فعلى مدار الأربعة أشهر الماضية، زدوت أنقرة آبي أحمد بشكل غير معلن بمجموعة من أحدث الطائرات المسيرة ” بيرقدار “، والتي استخدمها آبي أحمد فيما بعد في قصف متمردي التيجراي وقوافل الإمدادات الخاصة بهم أثناء تحركهم تجاه العاصمة أديس أبابا، كما أدى إلى تراجعهم الملفت بعد شهور من التقدم والمكاسب الذي ذهبت بذلك هباءا، وذلك وفقا لتقرير لنيويورك تايمز.

ووفقا لمصادر إثيوبية فقد جاءت صفقة الأسلحة التركية في الوقت المناسب، حيث كانت قوات التيجراي تتقدم رويدا رويدا تجاه العاصمة الإثيوبية، وتتباين الدوافع التركية في هذا الشأن، ما بين جني الأموال، وكسب ميزة استراتيجية ونفوذ في المنطقة، فضلا عن إضفاء سمعة دولية بدعم الطرف الذي انتهي به المطاف للانتصار في الحرب، مما يقوى من شوكة أنقرة في هذا الشأن.

وقد حقق الجيش الإثيوبي تقدما كبيرا خلال الأسابيع الماضية على خلفية الحرب الأهلية الدائرة منذ عام تقريبا مع قوات التيجراي، حيث استعاد السيطرة على البلدان والمدن الرئيسية في منطقتي أمهرة وعفر المجاورتين التين سيطرت عليهما الجبهة الشعبية لتحرير التيجراي في وقت سابق، وقد أجبر هذا التقدم قوات التيجراي على التراجع لمناطقهم الأصلية، وفي وقت سابق، كان قد أعلن زعيم قوات الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي إن المقاتلين ” تلقوا أوامر بالانسحاب إلى إقليم تيجراي “، كما طالبوا الأمم المتحدة في خطاب بفرض منطقة حظر طيران لمنع تحليق الطائرات المسيرة وغيرها فوق الإقليم.

يذكر أن الحرب الأهلية في إثيوبيا اندلعت في نوفمبر ٢٠٢٠ على إثر إرسال رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد القوات الفيدرالية إلى إقليم تيجراي للسيطرة على السلطات المحلية المنبثقة من الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي، بعد توجيه اتهامات لها بمهاجمة ثكنات الجيش الإثيوبي الفيدرالي.

ولكن حتى الآن لم تصدر أية تأكيدات رسمية عن المسئولين الأتراك بتزويد إثيوبيا بمسيرات بيرقدار لدعمهم في الحرب الأهلية، بل تردد الحديث عنها بعد تقرير نشر في عدد من الوكالات الدولية والإقليمية منذ أشهر، وعلى رأسها رويترز ووكالة الأنباء الإيطالية ” نوفا ” وموقع ” إريتريا هوب “، كما لم ترد أنقرة حتى الآن أيضا على طلب الإدلاء بتفاصيل أو إيضاحات، وقد سلطت التقارير الضوء على دور الطائرات التركية والتي كانت إحدى عوامل تغير موازين الصراع الداخلي وترجيح كفة الحكومة الإثيوبية، كما ذكر أنه تم تصنيعها في مركز تدريب واستخبارات تابع لوكالة أمن شبكة المعلومات ” إنسا” التابعة للاستخبارات الإثيوبية. ولكن جاء النفي على لسان السفيرة التركية في إثيوبيا بيرق ألب، والتي وصفته ” بالغير صحيح والكاذب”.

وقد تكون أنقرة مولت أديس أبابا بالمسيرات بالفعل، وذلك بالنظر إلى إعادة نشر تلك التقارير  والتغني بها في وسائل الإعلام المحسوبة على الدولة التركية، كذلك توجيه آبي أحمد الشكر للحكومة التركية على مساندتها له في هذا ” الموقف الحرج ” مما اعتبر إشارة لاستلامه بالفعل المسيرات، والشهر الماضي، نشرت صحيفة الغارديان تقريراً جاء فيه أن مقاتلين من “حركة تحرير تيجراي” عرضوا بقايا صاروخ موجه بالليزر، وعلى الرغم من عدم وجود أدلة قطعية، فإنه يعتقد أن الصاروخ تركي الصنع وتستخدمه مسيرات بيرقدار التركية. كما أظهرت الإحصائيات الرسمية للتجارة الخارجية التركية مؤخراً نمواً لافتاً في أرقام الصادرات إلى إثيوبيا، فقد بلغت قيمة صادرات وسائل الدفاع والطيران التركية إلى إثيوبيا 94,6 مليون دولار بين شهري يناير ونوفمبر، مقارنة بنحو 235 ألف دولار خلال نفس الفترة من العام السابق، وهو ما يرى فيه خبراء بمثابة دليل على توقيع صفقة بيرقدار بين البلدين، وربما استلامها بالفعل من قبل أديس أبابا. ويمكن أن يكون السبب في إنكار الجانب التركي لمنع مزيد من الخلافات مع شركائها الغربيين.

خلافات جديدة:

بعد دعم أنقرة للجيش الإثيوبي بالطائرات المسيرة، والتي ساهمت في تقوية موقف الحكومة الإثيوبية على الأرض، أضيفت حلقة جديدة في سلسلة الخلافات بسبب الإدارة الأمريكية وتركيا، حيث أبدت معارضتها لصفقة الأسلحة التي استخدمتها الحكومة الإثيوبية ضد المعارضة، ووفقا لمسئولين غربيين، فإن واشنطن لديها  “إنسانية “بالغة جراء مبيعات الأسلحة للحكومة الإثيوبية، والتي تتعارض بدورها مع القيود الأمريكية التي صادرات الأسلحة إلى أديس أبابا، وبسبب الاتهامات الموجهة لحكومة آبي أحمد بارتكاب مجازر وتجاوزات حقوق الإنسان في النزاع حول إقليم تيجراي. كما أن إثيوبيا حصلت على الصفقة وتجاهلت الجهود الأمريكية والأفريقية لوقف إطلاق النار.

وكانت وزارة الخارجية الأمريكية قد قيدت صادرات العتاد الدفاعي للقوات المسلحة الإثيوبية في مايو الماضي، كما صدق البيت الأبيض على عقوبات على الضالعين وإن كان بشكل غير مباشر _ وقد يطال هذا الأمر أنقرة _ في السياسات التي تهدد الاستقرار داخل إثيوبيا وتفاقم الأزمة.

كما يتوقع أن تثير الصفقة الاتحاد الأوروبي ضد أنقرة، حيث أعلن الممثل الأعلى للشئون الخارجية للاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل، أن مجلس حقوق الإنسان بصدد تشكيل لجنة من خبراء حقوق الإنسان لمتابعة التطورات في إثيوبيا، لضمان مساءلة الجناة وتحقيق العدالة لضحايا تيجراي.

وفي النهاية؛ يمكن القول أن الدعم التركي لآبي أحمد مستمر، وقد يتطور مستوى التعاون في الفترة القادمة إلى مستوى التعاون الاستراتيجي، فهناك احتمال أن يتحول التنسيق التركي الإثيوبي إلى تنسيق استراتيجي، تساعد أديس أبابا خلاله أنقرة في فتح أبواب القارة السمراء العطشة إلى مزيد من الاستثمارات والانتشار التركي، مقابل مساعدة أنقرة لها في تنويع استراتيجيتها في أفريقيا ما بين السياسية والاقتصادية والأمنية، في ظل التفاهمات الواضحة بين الجانبين.

وردة عبد الرازق

باحثة في الشئون الأوروبية و الأمريكية، حاصلة على بكالوريوس علوم سياسية، جامعة بنى سويف، الباحثة مهتمة بدارسة الشأن التركي ومتابعة لتفاعلاته الداخلية والخارجية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى