هل يحسم “تواديرا” السباق الرئاسي في جمهورية أفريقيا الوسطى؟

د. محمود صلاح- الباحث ببرنامج دراسات البحر الأحمر وإفريقيا 

تنطلق الاستحقاقات الرئاسية المقبلة في جمهورية أفريقيا الوسطى يوم الأحد الموافق 28 ديسمبر 2025، وفق ما أعلنته الهيئة الوطنية للانتخابات، التي حددت الفترة من 2 إلى 11 أكتوبر 2025 لتلقي طلبات الترشح. وتأتي هذه الانتخابات في مناخ سياسي متوتر، في ظل تعديلات دستورية جوهرية أُقرت مؤخرًا، شملت تمديد مدة الولاية الرئاسية من خمس إلى سبع سنوات، وإلغاء الحد الأقصى لعدد الفترات الرئاسية، بما أتاح للرئيس الحالي فوستين آرشانج تواديرا الترشح لولاية جديدة.

كما شملت هذه التعديلات إخضاع المحكمة الدستورية لسيطرة الحكومة، ومنح رئيس الجمهورية صلاحيات إضافية في تعيين قضاة بالمحكمة العليا، فضلًا عن سحب صلاحية الجمعية الوطنية في الإشراف على عقود التعدين، وهو ما أثار انتقادات واسعة تتعلق بتوازن السلطات ومستقبل المسار الديمقراطي في البلاد.

المتنافسون على منصب الرئاسة 2025:

أصدر المجلس الدستوري في جمهورية أفريقيا الوسطى، يوم الجمعة 14 نوفمبر، القائمة النهائية للمرشحين لخوض الانتخابات الرئاسية المقررة في 28 ديسمبر 2025، والتي ضمت سبعة مرشحين، في مقدمتهم الرئيس الحالي فوستين آرشانج تواديرا، البالغ من العمر 68 عامًا، والذي يتولى الحكم منذ عام 2016. وقد تقدم تواديرا رسميًا بملف ترشحه إلى مقر الهيئة الوطنية للانتخابات في العاصمة بانغي، وسط حضور لافت لأنصاره من حزب «القلوب المتحدة» الحاكم، مؤكدًا عقب إيداع ملفه أن الشعب أراد الاطمئنان إلى قانونية ترشحه، في إشارة إلى ما يعتبره دعمًا شعبيًا واسعًا.

ويبرز في المقابل أنيسيه جورج دولوجيليه، رئيس الوزراء الأسبق، والبالغ من العمر 68 عامًا، كأحد أبرز مرشحي المعارضة، ممثلًا عن حزب الاتحاد من أجل النهضة والتجديد. وقد أنهى دولوجيليه الجدل الدائر حول أهليته للترشح بعد تخليه في سبتمبر الماضي عن جنسيته الفرنسية، التزامًا بالدستور الجديد الذي يحظر ازدواج الجنسية على المرشحين لمنصب الرئاسة.

كما تضم قائمة المرشحين سيرج غيسلان دجوري، البالغ من العمر 47 عامًا، وزير الاتصالات والإعلام السابق، وأحد الوجوه البارزة في الحكومة الحالية، مرشحًا عن حزب التجمع من أجل التغيير من أجل جمهورية أفريقيا الوسطى الجديدة. ويخوض السباق كذلك أريستيد بريان ريبوآس، الكاتب والسياسي ومدير الاستخبارات في عهد الرئيس الأسبق فرانسوا بوزيزي، ووزير الشباب والرياضة السابق.

وتشمل القائمة أيضًا إيدي سيمفوريان كباركوتي، البالغ من العمر 56 عامًا، وهو مهندس مدني ورائد أعمال، مرشح حزب الوحدة وإعادة الإعمار، إلى جانب مارسيلين ياليميندي، مرشح مستقل يبلغ 49 عامًا، ويشغل رتبة قس إنجيلي ونائب رئيس كنيسة «لوميير دي ناسيونال»، فضلًا عن كونه رجل أعمال ومفوض جمارك معتمد من الاتحاد الاقتصادي والنقدي لوسط أفريقيا. ويكتمل المشهد بترشح هنري ماري دوندرا، وزير المالية الأسبق ورئيس الوزراء السابق، ومؤسس حزب الوحدة الجمهورية.

وفي المقابل، رفض المجلس الدستوري ثلاثة ملفات ترشح لعدم استيفائها الشروط القانونية المطلوبة.

تحديات قائمة:

شهدت جمهورية أفريقيا الوسطى خلال عام 2023 تحولًا دستوريًا بارزًا عقب استفتاء شعبي أفضى إلى موافقة تجاوزت 95% من الأصوات، وأسفر عن إدخال تعديلات عميقة على النظام الدستوري، أبرزها إلغاء القيود الزمنية على فترات الحكم وتمديد الولاية الرئاسية. ولا يمكن قراءة هذه التعديلات بمعزل عن إعادة تشكيل موازين السلطة، بما يسمح للرئيس تواديرا بالاستمرار في الحكم دون سقف زمني واضح، الأمر الذي يثير مخاوف من تكريس حكم طويل الأمد.

ويبرز إقصاء المعارضة كأحد أبرز التحديات، حيث استُخدمت مسألة الجنسية كأداة قانونية لإبعاد بعض المرشحين، إلى جانب فرض قيود تنظيمية وإعلامية تحد من قدرة الأحزاب المعارضة على العمل. وقد انعكس ذلك في طعن بعض الشخصيات، مثل دولوجيليه، أمام آليات حقوق الإنسان الدولية، ما يعكس أزمة ثقة متزايدة في نزاهة الإطار الانتخابي، ويُفرغ التعددية من مضمونها الفعلي.

أما الوضع الاقتصادي، فلا يقل تعقيدًا، إذ تُعد جمهورية أفريقيا الوسطى من أفقر دول العالم، ويعتمد أكثر من 70% من سكانها، خاصة في المناطق الريفية، على الزراعة الكفافية، التي تمثل نحو 43.2% من الناتج المحلي الإجمالي. ويكشف هذا الاعتماد عن هشاشة بنيوية في الاقتصاد الوطني، وافتقاره إلى التنويع والإنتاجية، فضلًا عن تعرضه الحاد للتقلبات المناخية وعدم الاستقرار السياسي.

وفيما يتعلق بـ الوضع الأمني، تُجرى الانتخابات في بيئة شديدة الهشاشة، لا سيما في المناطق الشمالية والغربية، حيث تنشط جماعات مسلحة تتنافس على السيطرة على الموارد الطبيعية، وتفرض إتاوات على الطرق الرئيسية لتمويل أنشطتها. وقد أدى هذا الواقع إلى تصاعد العنف ضد المدنيين، مع ارتفاع نسبتهم إلى نحو 83% من إجمالي الضحايا خلال العام الماضي، ما يضع العملية الانتخابية أمام مخاطر حقيقية.

وقد أسفر إعلان الرئيس تواديرا ترشحه لولاية جديدة عن اندلاع احتجاجات في العاصمة بانغي، رفعت خلالها المعارضة شعار «لا لإلغاء الدستور»، معتبرة أن المناخ السياسي الراهن لا يضمن انتخابات نزيهة، في ظل تضييق سياسي وإعلامي متزايد.

السياق الإقليمي والدولي:

لا يمكن فصل المشهد الانتخابي في جمهورية أفريقيا الوسطى عن التفاعلات الإقليمية والدولية. إذ تتبنى بعض الدول الأوروبية، وعلى رأسها فرنسا والنمسا، بدعم من الاتحاد الأوروبي، سياسة تقوم على تقديم دعم فني ومؤسسي محدود، مع تجنب الانخراط المباشر أو الانحياز السياسي، إدراكًا لحساسية التدخل الخارجي في الشؤون السيادية.

في المقابل، تحتل روسيا ورواندا موقع الصدارة في دعم الرئيس تواديرا، من خلال تقديم دعم أمني وعسكري مباشر، تجسد في نشر قوات من الفيلق الإفريقي الروسي، إلى جانب وحدات التدريب الرواندية، وهو ما عزز قدرة الجيش الحكومي على الانتشار في مناطق التوتر.

وعلى المستوى الإقليمي، يلتزم كل من الاتحاد الإفريقي ومنظمة دول وسط إفريقيا (سيماك) بموقف حذر، يقتصر على متابعة المسار السياسي والتأكيد على ضرورة توفير حد أدنى من التنافسية، بهدف الحد من احتمالات الاضطراب والطعن في نتائج الانتخابات.

سيناريوهات محتملة:

(*) السيناريو الأول: يتمثل في فوز فوستين آرشانج تواديرا بولاية ثالثة، وهو السيناريو الأكثر ترجيحًا، في ظل سيطرة حزبه على مؤسسات الدولة، والدعم الأمني والعسكري الذي يحظى به. غير أن هذا المسار يحمل معه مخاطر تآكل الشرعية داخليًا، وتصاعد الانتقادات الدولية، واحتمالات اندلاع احتجاجات تهدد الاستقرار.

(*) السيناريو الثاني: فيفترض توحيد قوى المعارضة، بما قد يسمح بفرض جولة ثانية أو تقليص هامش هيمنة الرئيس. إلا أن الانقسامات الداخلية وضعف الموارد التنظيمية والمالية تظل عوامل تحد من قدرة المعارضة على إحداث تحول حقيقي.

(*) السيناريو الثالث: يطرح احتمال وقوع اضطرابات أمنية واسعة النطاق تؤدي إلى تعطيل أو تأجيل الانتخابات، وما قد يترتب على ذلك من أزمة شرعية تستدعي تدخلًا إقليميًا أو دوليًا لفرض تسوية سياسية.

ختامًا، تمثل الانتخابات الرئاسية في جمهورية أفريقيا الوسطى عام 2025 محطة مفصلية تتجاوز كونها استحقاقًا انتخابيًا، لتصبح اختبارًا حاسمًا لمستقبل النظام السياسي، بين ترسيخ نهج الهيمنة والاستمرارية، أو فتح نافذة – وإن كانت محدودة – أمام مسار تداول سلمي للسلطة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى