إلى أين تتجه الأوضاع في السودان؟

أدت استقالة رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك إلى تفاقهم الأزمة السياسية فى السودان، لدرجة أنه أصبح من الصعوبة توقع سيناريو واحد للمرحلة المقبلة. حيث يرجح المقربين من الشأن السوداني استمرار التوتر السياسي لفترة ليست بالقصيرة، وهو ما يزيد الأوضاع في السودان تعقيداً، وبالتالي قد تستمر البلاد في مفترق طرق، مع غياب التفاؤل بوفاق قريب يخرج البلاد من أزمتها.، وبناء على ما سبق يسعى هذا التحليل لتوضيح الوضع الراهن فى السودان والمسارات المحتملة لأزمة الحكم فى السودان.
استقالة حمدوك الحتمية:
رغم الجهود التى بذلتها أطراف دولية ومحلية لإثناء حمدوك عن قرار استقالته إلا أنها باءت بالفشل نتيجة لإصرار الشارع السوداني على الاستقالة والتي أصبح معها وجوده في منصبة أمرًا مستحيلًا، خاصة بعد اتفاق الشراكة الذي وقعه مع قائد الجيش السودانى الفريق عبد الفتاح البرهان فى 20 نوفمبر 2021، والذى أعيد بعدها حمدوك إلى منصبة، وكان هذا الاتفاق قد لقى رفضًا واسعًا من قبل قوى إعلان الحرية والتغيير وكذلك من تجمع المدنيين السودانيين، والتى وصفته بأنه خيانة لدماء الشهداء واعتبروه بمثابة انتحار سياسي لرئيس الوزراء حمدوك.
وقد شارك آلاف المتظاهرين فى مسيرة نحو القصر الرئاسي رفضًا لما حدث وقرار حمدوك بالعودة إلى منصبة، وقد لقى أكثر من 50 شخصًا من المتظاهرين مصرعهم فى الاحتجاجات الأخيرة.
موقف القوى الداخلية من استقالة حمدوك:
كعادة الأوضاع فى السودان شهدت ردود الأفعال الداخلية حالة من الجدل والسجال بين مؤيد ورافض للاستقالة حيث يرى العديد من المراقبين أن استقالة حمدوك فى هذا الوقت العصيب التى تمر به البلاد وفى ظل تفاقم الأزمة الاقتصادية فى السودان وارتفاع معدلات التضخم إلى أكثر من 300 %، وكذلك استمرار حالة الصراع على السلطة هى استقال خاطئة وخطيرة على مكاسب الثورة مثل رفع اسم السودان من قوائم الإرهاب والإعفاء من الديون، ويرى هذا الفريق أنه كان يلعب دورًا محوريًا باعتباره رجل التوافقات المستحيلة، ومجرد وجودة حتى ولو لم ينجح فى تشكيل وزارة جديدة سيحمى المتظاهرين، وأنه بتلك الاستقالة قد تنجرف السودان إلى الحرب الأهلية فى ظل الصراع والعنف المحتدم بين المتظاهرين وقوات الجيش.
فى حين يرى فريق أخر أن استقالة حمدوك كانت حتمية وضرورة خاصة أن توقيعة على الاتفاق مع قادة الجيش أدى إلى استقوائهم على الثورة خاصة بعد تراجع الموقف الدولى والاتحاد الإفريقي تجاه الأحداث الأخيرة، وأن قادة الجيش قد أصبحوا يسيطرون على الحكم بالقوة كذلك تحررهم من أي اتفاقات قد تمت من قبل.
الموقف الإقليمى والدولى من استقالة حمدوك:
فى بيان صادر من الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة والنرويج والاتحاد الأوروبي بشأن دعمهم المستمر لتطلعات الشعب السودانى للديمقراطية والتى حذرت فيها قادة الجيش السودانى من الانفراد بقرار تعيين رئيس وزراء جديد للبلاد دون التشاور مع القوى المدنية من أجل الاتفاق على شخص رئيس الوزراء الجديد وفقًا للإعلان الدستوري لعام 2019 واختيار قيادة مدنية جديدة، وانتخاب برلمان انتقالي يتمتعان بمصداقية لدى الشعب السودانى، ويمكنها من قيادة البلاد لإنهاء المرحلة الانتقالية بإجراء انتخابات فى يوليو 2023، وذلك من أجل ضمان استمرار تقديم المساعدات الاقتصادية للسودان، كما طالبت دول الترويكا بضرورة إجراء تحقيق مستقل عن تلك الحوادث وتقديم مرتكبيها إلى المحاكمة، كذلك الإفراج الفوري عن كل المعتقلين ورفع حالة الطوارئ.
وقد أجرت مساعدة وزيرة الخارجية الأمريكية للشئون الأفريقية “مولى فيي” اتصالاً هاتفيًا مع نائب مجلس السيادة السودانى محمد حمدان دقلو تناولا خلاله استكمال ترتيبات الانتقال الديمقراطي فى البلاد وصولًا إلى انتخابات بنهاية الفترة الانتقالية.
فى حين استمر تجميد البنك الدولى لصرف قرابة المليارى دولار من المدفوعات المحتملة بعد أحداث أكتوبر 2021 وكذلك تعرض السودان لخطر عدم تخفيف الديون الدولية البالغة قرابة 60 مليار دولار، والأمر الذى يعكس سلباً على الأوضاع الاقتصادية المنهارة فى السودان، كما جمدت الولايات المتحدة الأمريكية قرابة 700 مليون دولار من المساعدات إلى السودان.
وفى ذات السياق فقد أعلنت الأمم المتحدة لإطلاق عملية سياسية لأجل تسوية الأزمة الحالية فى السودان كما طالب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الفريق عبد الفتاح البرهان بضرورة إجراء تحقيق مستقل وعاجل فى عمليات مواجهة المحتجين التي أدت إلى مقتل قرابة الـ60 شخصًا منذ انطلاق الاحتجاجات السلمية الأخيرة.
وعقب الاجتماع الذى أجراه ممثل الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس البعثة الأممية المتكاملة لدعم الانتقال فى السودان (يونيتامس) فولكر بيرتس، أكد رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني عبد الفتاح البرهان على ضرورة استكمال هياكل الفترة الانتقالية والإسراع فى تعيين رئيس وزراء جديد خلفًا لحمدوك.
أما على الصعيد المصرى فقد أصدرت وزارة الخارجية المصرية بيانًا تدعم فيه التحرك الذى تقوم به الأمم المتحدة الهادف إلى تحقيق الاستقرار فى السودان وذلك من خلال تفعيل الحوار بين الأطراف من أجل تجاز الأزمة الراهنة والحيلولة دون انزلاق السودان فى دائرة الفوضى والصراع على الحكم، وناشدات جميع الأطراف ضرورة العمل على اختيار رئيس وزراء انتقالي توافقي جديد وتشكيل حكومة فى أقرب وقت ممكن.
المسارات المحتملة للأزمة:
تتعدد المسارات التي يمكن أن تأخذها الأزمة فى السودان نتيجة للتغيرات السريعة والمتلاحقة فى الشارع السودانى، ففى حين تسعى قوى الحرية والتغيير وبعض الأحزاب المدنية إلى محاولة إبقاء الثورة فى الشارع السودانى واستمرار الاحتجاجات من أجل عودة قوات الجيش السودانى إلى دورها الرئيسى فى الدفاع عن الأراضى السودانية وترك الحكم للقوى المدنية، ومطالبتها إجراء تحقيق دولى من قبل مجلس الأمن الدولي وذلك من أجل الضغط على قادة الجيش للتفاوض بشأن الخروج من المأزق الذي وقعت فيه البلاد، وكذلك محاولة استغلال الضغوط الخارجية وإيقاف القروض المقدمة من البنك الدولى والدول المانحة لانتشال السودان من أزمتها الاقتصادية.
بينما يسعى قادة الجيش إلى محاولة رأب الصدع ومحاولة السيطرة على الشارع السودانى عبر إجراء حوار من أجل تعيين رئيس وزراء جديد وتشكيل حكومة جديدة وتجاوز الأزمة الحالية ومعالجة تجميد الإعلان الدستوري الموقع فى 2019 والبقاء الأمن فى الحكم.
إلا أن أغلب الجهود الإقليمية والدولية تسعى جاهدة لضمان التوافق بشأن العودة للعمل من أجل إنهاء المرحلة الانتقالية السودانية فى يوليو 2023 عبر إجراء انتخابات ديمقراطية وانتخاب برلمان ورئيس جديد للسودان واستقرار دولة من أبرز دول المنطقة، دون سيطرة أحد الأطراف على الأخرى، وإلا ستواجه السودان خطر العودة مجددًا إلى كونها دولة منبوذة، وبالتالى تفاقم الأزمات الاقتصادية مع توقيع عقوبات من قبل الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي.