دلالات انضمام مصر لقوات حفظ السلام الإفريقية في الصومال
يحمل انضمام مصر لقوات حفظ السلام المشاركة فى الصومال، العديد من الدلالات على الصعيدين الإقليمي والدولي، خاصة بعد توقيع الاتفاق العسكري الذي وقعته القاهرة ومقديشو في الـ 15 من أغسطس الجاري. وفقًا للمراقبين يعكس الاتفاق العسكري بين البلدين عمقًا في العلاقات بينهما، ودعما للاستقرار في هذه المنطقة الملتهبة، باعتبار مصر دولة مسئولة فيها.
تأسيسًا على ما سبق، يحاول هذا التحليل إلقاء الضوء على دور الدبلوماسية المصرية في تلك المنطقة الملتهبة من القارة الإفريقية، وقراءة دلالات الاتفاق العسكري بين مصر والصومال وانعكاسات انضمام مصر لقوات حفظ السلام الإفريقية في الصومال.
تعزيز الدور:
تعد مصر من الدول الإفريقية الرائدة التي ساهمت في تأسيس منظمة الوحدة الإفريقية (الاتحاد الإفريقي حالياً)، التى لعبت دورًا محوريًا فى استقرار القارة الأفريقية، بدءًا من مساندة حركات التحرر الوطنى ضد الاستعمار الأوروبي، وصولًا إلى قيامها حاليًا بدور محوري فى تعزيز التنمية السياسية والاقتصادية لدول القارة الإفريقية، ويعكس انضمام مصر لقوات حفظ السلام في الصومال، أحد أدوات دورها كقوة إقليمية تسعى لتعزيز الأمن والاستقرار في إفريقيا، الذى يمكن أن يُترجم من خلال؛ التحركات الدبلوماسية المكثفة، حيث نجحت مصر خلال السنوات الأخيرة في تعزيز علاقاتها مع دول القارة الإفريقية، سواء عبر زيارات رئاسية متكررة أو استضافة قمم إقليمية تهدف لتعزيز التعاون الإفريقي، وكذلك من خلال التفاعل مع الأزمات الإقليمية.
تأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن مشاركة مصر في قوات حفظ السلام في واحدة من أهم مناطق النزاع الإفريقية في منطقة القرن الأفريقي -وخاصة بدولة الصومال- يؤكد على دور مصر كضامن للأمن الإقليمي، وهو ما يُبرز مصر كلاعب رئيسي يسعى لحل النزاعات، وتعزيز السلام في مناطق الصراع، وكذلك محاولة تحجيم دور بعض القوى الإقليمية الفاعلة مثل تركيا وإثيوبيا من ناحية أخرى.
ومن ناحية أخرى، يأتي اختيار مصر لرئاسة مجلس السلم والأمن الأفريقي خلال شهر أكتوبر المقبل ليبرز تعزيز مشاركة مصر في المؤسسات الإفريقية، فرئاسة مصر للمجلس، وهو الجهاز الرئيسي المكلف بحفظ السلم والأمن في القارة،- يتيح لها فرصة فريدة لتشكيل السياسات الأمنية على مستوى القارة، والتأثير على أولويات مجلس السلم والأمن، خاصة فيما يتعلق بملفات مكافحة الإرهاب وحفظ الاستقرار في المناطق المضطربة بالتزامن مع مشاركتها في قوات حفظ السلام.
كذلك تسعى مصر إلى تعزيز التعاون العسكري والأمني من خلال وجودها في قوات حفظ السلام، وبالتالي يمكنها أن تكون حلقة وصل بين الجيوش الإفريقية، مما يعزز من قدرات هذه الجيوش على التعاون المشترك في مواجهة التحديات الأمنية.
ارتباطات أمنية:
تعتبر الصومال منطقة استراتيجية هامة بالنسبة لمصر من الناحية الجيوسياسية، فهي تقع في منطقة القرن الإفريقي، التى تموج بالأحداث المتصاعدة، التى تؤثر بشكل قوى على الأمن القومى المصرى، حيث تشكل المنطقة طريقاً رئيسياً لحركة التجارة العالمية عبر البحر الأحمر وقناة السويس، وبالتالي فإن استقرارها ضروري لضمان تدفق التجارة الدولية بشكل آمن من أجل الحفاظ على أحد أهم مصادر الدخل القومي المصري.
وفى ذات السياق، تسعى العديد من القوى الإقليمية والدولية لإعادة تقسيم المنطقة بشكل يجعل الهيمنة فيها والدور الفاعل لإثيوبيا، وذلك في إطار استكمال ما يتم تفعيلة مما يعرف بسياسة خلخلة الأطراف لتشتيت الجهود المصرية والتأثير على أمنها القوى والاستراتيجي، ويتضح ذلك من خلال العديد من الأحداث السابقة مثل محاولات إثيوبيا للحصول على منفذ بحري حتى ولو كان على حساب سيادة واستقرار دول الجوار عبر توقيع اتفاق أولى مع حكومة أرض الصومال الانفصالية، التى تسعى أديس أبابا من خلاله للحصول على ميناء تجارى وقاعدة عسكرية فى منطقة بربرة لمدة 50 عامًا مقابل اعتراف إثيوبيا بإقليم أرض الصومال كدولة مستقلة.
كذلك يعد نجاح إثيوبيا بمساعدة تلك القوى الإقليمية والدولية بممارسة ضغوط كبيرة على دولة جنوب السودان عبر اتفاقات اقتصادية متعددة تمولها تلك الدول من أجل التصديق على اتفاقية عنتيبى، بمثابة محاولة للضغط على مصر فى أهم مصالحها الحيوية، وهى مياه النيل والتبرم من الالتزام بالاتفاقيات الدولية القائمة فى حوض النيل إعادة تقسيم مياه النيل بدون الحفاظ على الحقوق التاريخية المكتسبة.
لذا يعكس مشاركة مصر فى قوات حفظ السلام فى الصومال مطلع العام المقبل بدلًا من إثيوبيا التى تنتهي مهمة قواتها فى الصومال بطلب من الحكومة الصومالية عقب توقيع إثيوبيا للاتفاق مع إقليم أرض الصومال،- إصرار مصري في الحفاظ على استقرار وتأمين منطقة القرن الإفريقي، بما في ذلك الصومال.
ومن ناحية أخرى يشكل تواجد الجماعات الإرهابية في الصومال، مثل “حركة الشباب” تهديداً لأمن واستقرار القارة الإفريقية بأكملها، لذا فتعمل مصر من خلال مشاركتها في قوات حفظ السلام إلى تقويض عمل هذه الجماعات والحد من نفوذها، مما يساهم في تحقيق الاستقرار فى المنطقة، ويعزز الجهود المصرية فى مكافحة الإرهاب، التى يمكن ترجمتها من خلال العمليات الميدانية عبر تواجد القوات المصرية في مناطق النزاع، مما يقوى من قدراتها على تقديم الدعم اللوجستي والتدريبي للجيش الصومالى ويسهم في تحسين قدرته على مواجهة التهديدات الإرهابية، وكذلك يتيح لها بناء شراكات استخباراتية، مما يسهم في تبادل المعلومات حول تحركات الجماعات الإرهابية وتنسيق الجهود للقضاء عليها.
انعكاسات متنوعة:
تسعى مصر خلال فترات رئاستها للمؤسسات الإقليمية الإفريقية إلى توحيد سياسات دول القارة، نحو أهداف مشتركة ويتضح ذلك الدور خلال رئاسة مصر الدورية للاتحاد الإفريقي عام 2019، وسعيها الدءوب إلى إعلان منطقة التجارة الحرة الإفريقية. ورغم حساسية الوقت الذي تمر به القارة الإفريقية والتحديات الأمنية التي تواجهها، إلا أن الرؤية المصرية لم تتغير، كذلك تسعى مصر من خلال دورها في قوات حفظ السلام لتقوية العمل الجماعي فى أفريقيا من خلال تعزيز التعاون بين الدول الأعضاء في الاتحاد الإفريقي وتوجيههم نحو تبني استراتيجيات موحدة لمواجهة الأزمات الأمنية.
بالتالي، يمكن القول إن مصر يمكنها في حال نجاحها في عودة الاستقرار والأمن إلى الصومال بعد فشل مهمة بعثة الاتحاد الإفريقي الأخيرة فى القيام بالدور المنوط به، تعزيز تعاونها في هذه المنطقة سواء على المستوى الثنائي مع دول القارة الإفريقية أو الجماعي من خلال المنظمات الدولية العاملة فى مجال حفظ السلام، وكذا يمكن لمصر من خلال دورها الفاعل في قوات حفظ السلام أن تكون شريكاً موثوقاً به في المفاوضات المتعلقة بحل النزاعات الإقليمية، مما يعزز من مكانتها كقوة إقليمية مؤثرة تلتزم بتحقيق السلام والاستقرار في المناطق المضطربة، وهو ما يقوى من مكانتها كشريك موثوق به في المنظمات الدولية.
وفى ذات السياق، يمكن لمصر من خلال مشاركتها تحصين الحدود الاستراتيجية والتى تمتد لمنطقة القرن الإفريقي ومنابع النيل، التى تعد امتداداً طبيعياً للجبهة الجنوبية لمصر، حيث أن تعزيز الاستقرار في هذه المنطقة يسهم في تقليل المخاطر الأمنية المرتبطة بالإرهاب والجريمة المنظمة والهجرة غير الشرعية، والتي يمكن أن تؤثر بشكل مباشر على الأمن القومي المصري، وذلك عبر منع تدفق الجماعات الإرهابية وانتقالهم عبر الحدود.
وأخيرًا، حماية المصالح الاقتصادية نظرًا لكون منطقة القرن الإفريقي طريقاً هاماً للتجارة البحرية، واستقرارها يسهم في حماية المصالح الاقتصادية المصرية، خصوصاً في ظل الاعتماد الكبير على قناة السويس كممر مائي حيوي، وكذلك حماية استثمارات الشركات المصرية تعمل في مختلف دول القرن الإفريقي، وضمان استقرار هذه الدول يسهم في حماية استثماراتها ويعزز من فرص النمو الاقتصادي وبالتالي تتزايد فرص الاستثمار في مجالات البنية التحتية والزراعة والتعدين، وتعزيز حجم التحارة البينية مما يسهم في تحقيق مكاسب اقتصادية كبيرة.
ختامًا، تُعد مشاركة مصر في قوات حفظ السلام بالصومال، دلالة واضحة على التزامها بمسؤولياتها الإقليمية والدولية، وسعيها للحفاظ على استقرار وأمن المنطقة، وتعكس هذه المشاركة دور مصر الريادي في دعم السلام والتنمية بأفريقيا، وهو جزء من سياسة مصر الخارجية التي تهدف إلى تعزيز التعاون مع الدول الأفريقية وتقديم الدعم اللازم لها، كما أن وجود مصر ضمن قوات حفظ السلام يعزز من مكانتها الدولية، ويظهر قدرتها على المساهمة الفعالة في حل الأزمات وتعزيز الأمن والسلم الدوليين، أما على الصعيد الإقليمي، فإن هذه المشاركة تمثل خطوة مهمة نحو تعزيز العلاقات المصرية الصومالية وتقوية أواصر التعاون بين مصر ودول القرن الأفريقي، مما يساهم في تحقيق الاستقرار والتنمية المستدامة في المنطقة.