هل تُقدم أنقرة على عملية عسكرية جديدة في الشمال السوري؟
قال وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو إن “تركيا قادرة على اتخاذ كافة الخطوات اللازمة لإزالة أي تهديدات تأتي من سوريا”، محملا الولايات المتحدة وموسكو مسئولية عدم الوفاء بالتزاماتهما بشأن كبح جماح التنظيمات التي تصفها أنقرة بالإرهابية في سوريا، واتهم “تشاووش” واشنطن على – وجه الخصوص – بازدواجية المعايير، حيث تصدر بيانات إدانة شكلية للهجمات التى تتعرض لها تركيا في نفس الوقت الذي تنفذ فيه تلك الهجمات بسلاح أمريكي.
هذا الموقف التركي يأتي على خلفية التوتر الجاري على الحدود السورية التركية، حيث أعلنت وزارة الداخلية التركية مقتل ضابط شرطة من العمليات الخاصة، وإصابة ٣ عناصر في هجوم صاروخي شنته وحدات الحماية الكردية في منطقة مارع في أعزاز شمالي سوريا في ١٠ أكتوبر الجاري، كما سبق وأعلنت وزارة الدفاع التركية عن مقتل أحد جنودها جراء هجوم صاروخي نفذه من وصفتهم ب ” الإرهابيين ” في منطقة درع الفرات في ريف حلب شمال سوريا، نتيجة لقصف صاروخي متبادل بين القوات التركية والفصائل المسلحة الموالية لها من جانب، والوحدات الكردية من جانب آخر.
وتأسيسا على ذلك؛ يتطرق هذا التحليل إلى توضيح الموقف التركي من الهجمات التي تعرضت لها، ومدى إمكانية تنفيذ عملية عسكرية جديدة في سوريا، كما يتناول كلا الموقفين الروسي والأمريكي من الهجمات التي تعرضت لها تركيا مؤخرا، وموقف كلا منهما من أنقرة في حال تنفيذها لعملية عسكرية جديدة في الشمال السوري.
الموقف التركي:
أطلق أردوغان عدة تصريحات مفادها أنه لم يعد بإمكان أنقرة التساهل مع بعض الأماكن في سوريا، والتي تشكل مصدرا لهجمات إرهابية ضد تركيا، قائلاً ” نحن مصممون على القضاء على التهديدات الناشئة من هناك، إما مع القوات العاملة هناك، أو بوسائلنا الخاصة، .. واستكملا، قائلاً “الآن قد فاض الكيل بعد الهجوم الأخير على شرطتنا، والمضايقات التي تستهدف تراب أرضنا ” و ” سنتخذ الخطوات اللازمة لحل هذه المشكلات خلال أقرب وقت ممكن “.
كما أشار وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو خلال مؤتمر صحفي مشترك عقده مع نظيره وزير خارجية نيكاراجوا دينيس مونكادا كوليندرس إلى أن ” وحدات حماية الشعب الكردية ” التي تصفها أنقرة تنظيما إرهابيا مرتبطا بـ ” حزب العمال الكردستاني ” كثفت هجماتها ضد أنقرة، وقامت بإطلاق قذائف يبلغ مداها حوالي ٣٠ كم تقريبا تجاه الأراضي التركية.
وشدد أوغلو على أن واشنطن وموسكو ” لم يفيا بوعودهما ولم يطهروا المناطق المتفق عليها من الإرهابيين، ولذا تتحمل هاتان الدولتان أيضا المسئولية عن هجمات مسلحي واي بي جي / بي كا كا، وفي هذه الظروف ينبغي على تركيا حل المسألة بنفسها، وضمان أمن هذه المناطق “.
كما أتهم واشنطن بأنها تقوم بدعم التنظيمات الإرهابية في سوريا بالسلاح، وقال إن ” الولايات المتحدة تدين هجمات نفذت ضد تركيا بسلاح أمريكي ” وأضاف إن ” واشنطن وموسكو لم تلتزما بتعهداتهما بشأن إبعاد الفصائل الكردية من عمق ٣٠ كم “. وأخيرا، أعلن وزير الدفاع التركي خلوصي آكار أن العملية العسكرية المحتملة ستكون بنفس الطريقة التي تمت بها سابقاتها حتى الآن.
الموقف الأمريكي والروسي:
فقد أدانت الولايات المتحدة على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية نيد برايس، الهجوم عبر الحدود ضد تركيا، كما قدم التعازي لأسر الضحايا الذين قتلو في سوريا، وأكد برايس على ضرورة التزام أنقرة الهدوء، والتزام كافة الأطراف بوقف إطلاق النار في المناطق المحددة بسوريا، كما أشار إلى سعي واشنطن للتشاور الوثيق مع أنقرة بشأن السياسة السورية، وهو ما اعتبره البعض يؤشر لبوادر عدم موافقة واشنطن على شن عملية عسكرية في شمال سوريا. وكان الرئيس الأمريكي جو بايدن قبل أيام قد أعلن تمديد حالة الطوارئ في شمال سوريا، مؤكدا على أن الوجود التركي في تلك المناطق يهدد أمنها القومي، ويقوض عملية محاربة الإرهاب في سوريا.
أما عن روسيا؛ فالعمليات العسكرية في الشمال السوري كانت مستمرة لفترة، ولم تتوقف سوى ليوم واحد، وهو اليوم الذي انعقدت فيه قمة سوتشي الأخيرة في سبتمبر الماضي بين أردوغان وبوتين، لكن لم يصدر عن القمة أي بيان رسمي من قبل أي من الرئيسين، رغم أن الملف السوري كان الأهم على الطاولة، وقد أشار أردوغان في هذا الصدد أنه لا توجد حلول وسط في هذا الأمر، قائلاً ” ننتظر الموقف المماثل من محاورينا ” في إشارة للروس، و هو ما قد يعكس عدم وجود أي تقدم في هذا الملف. واستمر المشهد على حاله في الشمال السوري، حتي وقع الهجوم الأخير على الشرطة التركية، ورغم قصف قوات سوريا الديمقراطية بصاروخ روسي عربة عسكرية تركية قرب منطقة مارع، فضلا عن سقوط قذائف صاروخية قرب منطقة غازي عنتاب، إلا أن تصريحات المسئولين الروس اقتصرت على تحميل ” قسد ” مسئولية تلك التجاوزات.
فالمشكلة تكمن في أن أنقرة تعتبر بعض التنظيمات إرهابية، في حين لا تعتبرها موسكو كذلك، فضلا عن استعداد موسكو للتوسط بين الطرفين، لكن أردوغان توعد بحملة عسكرية جديدة، الأمر الذي ترفضه موسكو حتى في محادثات سوتشي الأخيرة في سبتمبر الماضي. لذا فمن المتوقع رفض موسكو لعملية عسكرية تركية جديدة على الاراضي السورية، ومحاولة التوصل إلى تفاهمات لاحتواء الغضب التركي في الوقت الحالي، سواء من جانبها أو من جانب واشنطن.
إرهاصات عملية عسكرية جديدة:
تكرار وزير الخارحية التركي للتصريحات الجدية التي سبق وأن وردت على لسان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بعد أقل من ٤٨ ساعة، يمكن أن يوحي بوجود قرار لدى السلطات التركية بتحرك ما ضد البؤر الإرهابية التي تهدد تركيا من الحدود السورية، وقد يدعم هذا الطرح توارد أنباء عن إدخال تركيا لتعزيزات ضخمة في الشمال السوري، بالإضافة إلى الاتصالات الدبلوماسية الواسعة التي تجريها أنقرة حاليا مع موسكو وواشنطن، كما تعتبر جميع تلك التحركات هي نفسها التي صدرت من قبل الجانب التركي خلال العمليات العسكرية الثلاثة التي نفذتها تركيا سابقا في شمال سوريا.
وبالتالي، يمكن القول إن هناك تحضيرات جدية من الجيش التركي لضرب تلك التنظيمات، وبالتالي فنحن الآن أمام ساعات حاسمة، إذا لم يتم التوصل إلى أي تطور دبلوماسي مع موسكو أو واشنطن، أو الحصول على ضوء أخضر من واشنطن أو روسيا بالأخص لتنفيذ عملية عسكرية جديدة، كما أنه من غير الواضح هل سيتزامن مع العلمليات العسكرية – إن تمت – تواصل دبلوماسي مع موسكو وواشنطن، خاصة إذا أرادت تركيا استخدام طائرات حربية فهي مضطرة للتنسيق مع روسيا من أجل استخدام الأجواء في عملياتها، لأن الأجواء في تلك المنطقة خاضعة لسيطرة موسكو وواشنطن، وبالأخص موسكو، وهو ما يقودنا إلى صعوبة تنفيذ عملية عسكرية بدون الحصول على موافقة – ولو ضمنية – من قبل هاتين الدولتين، لأنه إذا غامرت أنقرة بالقيام بعملية عسكرية في الشمال السوري بدون تنسيق مع موسكو أو واشنطن فإنها ستكون قد أقحمت نفسها في مواجهة مفتوحة غير معروفة أو محمودة عقباها.
وفي النهاية يمكن القول؛ إن المشهد حاليا شبه مستنسخ من الموقف التركي قبيل تنفيذ العمليات العسكرية الثلاثة السابقة في سوريا، الذي تجسد في مجموعة من التصريحات والاتهامات الموجهة إما للتنظيمات الإرهابية في سوريا، أو الاتهامات بالتقصير لواشنطن وموسكو، وهو ما يوحي بجدية النوايا التركية للقيام بعملية عسكرية جديدة في شمال سوريا، خاصة إذا وجدت الموافقة من الجانب الأمريكي والروسي، أما في حالة حدوث العكس، فعليهم تقديم ضمانات فعلية ومقنعة لأنقرة بأن هذه التنظيمات لن تعتدي على الحدود التركية، وحينها يمكن الحديث عن حلول دبلوماسية تركية مع واشنطن وموسكو، وليس مع التنظيمات الإرهابية وفقا لمحللين أتراك.