ما هي خيارات أنقرة في التعامل مع التصعيد الأمريكي؟

مرة أخرى تجدد الخلاف والجدل بين الولايات المتحدة وتركيا بشأن اقتناء الأخيرة منظومة الصورايخ  إس ٤٠٠ الروسية، خاصة بعد إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عزمه على شراء دفعة جديدة منها، ومن بعدها رفض الرئيس الأمريكي جو بايدن بيع  مقاتلات إف ٣٥ لأنقرة، وهو ما سيدفع أنقرة للبحث عن بدائل. وبعد زيارة أردوغان إلى نيويورك لحضور قمة الأمم المتحدة – والتي رفض فيها بايدن لقاء أردوغان على هامش القمة – وصف العلاقات التركية الأمريكية بأنها ” تسير ببداية غير جيدة ” مع إدارة الرئيس جو بايدن، وفي خطوة تصعيدية أخرى؛ اتهم أردوغان بعد ذلك في تصريحات إعلامية واشنطن بأنها تسعي لإسقاط الحكومة من خلال دعم المعارضة، ودعم المنظمات الإرهابية التي تعمل ضد أنقرة، مخيرا واشنطن بين علاقاتها بتركيا أو بتلك المنظمات. وعلى صعيد آخر، رجح خبراء أن سبب استياء واشنطن هو السياسة الخارجية الخاصة بأنقرة في سوريا والعراق وليبيا وشرق المتوسط.

وبناءا على ذلك؛ يحاول هذا التحليل رصد الخطوات التصعيدية التي اتخذتها واشنطن وأنقرة، وأثرها على العلاقات بين البلدين في الفترة المقبلة، وإلقاء الضوء على بداية وحيثيات أزمة صفقة الصواريخ الروسية، والخيارا ت المتاحة لأنقرة في الوقت الراهن لتعويض حليف مهم كواشنطن.

أزمة صواريخ إس ٤٠٠ وتبعاتها:

في عام ٢٠٠٧ وقعت تركيا والولايات المتحدة وبريطانيا وإيطاليا وهولندا والنرويج وأستراليا والدنمارك وكندا مذكرة تفاهم، للتعاون في تصنيع وتمويل المقاتلة إف ٣٥ الشبحية، وبناءا على ذلك قامت الشركات التركية بالإشراف على تصنيع ٩٠٠ جزءا من المقاتلة، كما دفعت أنقرة حوالي ١.٤ مليار دولار مقدما لشراء المقاتلات، وبينما كانت الأمور تسير كما هو مخطط لها، علقت الولايات المتحدة في منتصف ٢٠١٩ مشاركة تركيا في البرنامج، ثم تطور الأمر إلى حد استبعادها رسميا في أبريل العام الماضي، وكان ذلك ردا على شراء أنقرة لمنظومة الدفاع الجوي الروسية إس ٤٠٠ ،وكانت الصفقة التي أبرمتها أنقرة مع موسكو ردا على رفض بيع واشنطن منظومة باتريوت الأمريكية لأنقرة، وردا على القرار الأمريكي، وبعدما باءت جميع المحاولات التركية لإقناع واشنطن، قامت أنقرة بالتعاون مع شركة محاماة أمريكية لمتابعة حقوقها بعد استبعادها من البرنامج، ورفض تسليمها ٤ مقاتلات بعد أن دفعت ثمنها، وفي أواخر ٢٠٢٠  فرضت واشنطن على أنقرة عقوبات وفقا لقانونCAATSA ضد الدول التي تتعاون مع خصومها. وتطور الأمر حاليا بإعلان أنقرة نيتها لعقد صفقة صواريخ روسية أخرى من الجيل الخامس، وبعدها رفض الولايات المتحدة لبيع أي مقاتلات من إف ٣٥ لتركيا.

خلاف محتدم:

يبدو أن ملف صفقة الأسلحة الروسية-  بالإضافة لما سبق – مازال يحمل في طياته الكثير، فخلال زيارة تركيا الأخيرة إلى نيويورك للمشاركة في اجتماع الأمم المتحدة، أشار أردوغان إلى أن رفض تسليم تركيا مقاتلات إف ٣٥  سيقودنا إلى ” طرق أبواب أخرى إذا لزم الأمر ” وأكد أن تركيا لم تعد كالسابق، وأن قضية منظومة صواريخ إس ٤٠٠ قد ” انتهت بالنسبة إلينا ” وستشتري تركيا كل ما يلزم للدفاع عن نفسها.

كما أكد الرئيس التركي في تصريحات له أن العلاقات التركية الأمريكية لسيت على ما يرام في الوقت الحالي، وقال إن ” مسار الأمور اليوم لا يبشر بالخير ،” كما أن أنقرة ستبحث عن حقوقها وفقا للقانون الدولي بعد إخراجها من برنامج المقاتلات، وصرح بأنه على واشنطن لابد أن ” تدفع ثمن ما ارتكبته من إخطاء في أفغانستان”كما يرى إن بايدن سيواصل إرسال السلاح للتنظيمات الإرهابية شرق الفرات “،وفي نفس الوقت أعلن عن لقائه بوتين قائلا ” اللقاء بالقيادة الروسية لن يتم على مستوى الهيئات، بل بشكل منفرد ومباشر بين الرئيسين “.

تلك التصريحات السابقة وجهها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في عدة مناسبات للتعبير عن استيائه من العلاقات الأمريكية التركية، وتعتبر هذه التصريحات نتيجة لصدمة الجانب التركي الذي كان يعول كثيرا على لقاء مع جو بايدن على هامش قمة الأمم المتحدة، خاصة بعد ظهور بوادر على تحسن في العلاقات التركية الأمريكية، خاصة بعد ما جرى من تنسيق في ملف أفعانستان، بالتالي فإن فشل اللقاء كشف عن وجود هوة كبيرة بين البلدين، اتضحت أكثر من خلال تصريحات مسئولين لدى كلا الجانبين.

وقد قابل تلك التصريحات تصريحات لمسئول العلاقات الخارجية بالكونجرس الأمريكي، الذي أكد أنه ” في حالة شراء تركيا دفعة صواريخ جديدة ستوقع عليها عقوبات ضخمة ” ،وفقا لقانون كاتسا، كما وجهت دعوات من قبل حوالي ٥٤ سيناتور في الكونجرس الأمريكي تطالب بايدن بتوقيع عقوبات على انقرة.

لكن ذلك لا يعنى أيضا أن واشنطن ستتخلى عن أنقرة نهائيا،  وإلا سيعتبر تفكيكا لحلف الناتو، خاصة بعد أزمة الغواصات الفرنسية، كما أن تركيا تعد  ثاني أكبر جيش في حلف الناتو، وخط الدفاع الأمامي لأوروبا ضد التوغل الروسي، فضلا عن أهميتها في ملف اللاجئين والشرق الأوسط، وما يؤكد هذا الطرح أنه تمت مكالمة هاتفية بين وزير الدفاع الأمريكي ونظيره التركي بعد تلويح واشنطن بتوقيع عقوبات جديدة على أنقرة.

خيارات تركية:

يتوقع أنه بعد استبعاد أنقرة من برنامج المقاتلات، ورفض بيعها لها ستعمل على تقييم واستغلال جموعة من البدائل المتاحة لديها حاليا، سواء الوطنية وأيضا الخارجية التي أهمها:

(*) الصين:  المؤكد أن اردوغان سيحاول البحث عن بدائلولو مؤقتة تعوض الغياب الأمريكي، مثل: الصين والتي تملك أيضا مقاتلات من الجيل الخامس جيه ٣١ الشبحية، لذا فمن الممكن ان تكون الصين من ضمن خطط اردوغان للتعاون معها مستقبلا، لكنها في الوقت الحالي لا تعتبر قطبا معادلا لواشنطن في كافة المجالات، وبالأخص التي تحتاجها تركيا، بالتالي لن تتسرع أو تنجرف أنقرة في اتجاه بكين إلى أن تصبح قوة تضاهي واشنطن، لكن في نفس الوقت  فإنها في أشد الحاجة حاليا إلى دعم اقتصادها المتذبذب، هذا فضلا عن العقوبات التي ستفرضها واشنطن لاحقا، لذا فإن الصين لن تكون حلا عمليا أو سريعا بالنسبة لتركيا في الوقت الراهن.

(*) روسيا: في التاسع والعشرين من الماضي عقدت قمة في سوتشي بين أردوغان وبوتين، صرح أردوغان عقب انتهائها أنه توصل لاتفاق لاتفاق لحل نهائي في سوريا، ويتعين على الأمريكان تركها عاجلا أم آجلا، وهو ما يوحي بوجود اتفاق رسمي بين موسكو وأنقرة. فضلا عن أن روسيا وتركيا متفقتان في عدة ملفات مثل الطاقة والأسلحة وأخيرا على ما يبدو سوريا، كما أن روسيا تتولى عملية بناء مفاعل نووي لتركيا على البحر المتوسط، وألمح البعض أنه خلال قمة سوتشي تم الاتفاق على بناء مفاعلين آخرين لتركيا على البحر المتوسط، ووفقا لوكالة ” تاس الروسية ” سيتم الاستعانة بخبراء روس للمشاركة في عمليات استكشافية في الاراضي التركية، رغم وجود خبراء غربيين.

لكن على الجانب الآخر، فأنقرة وموسكو على خلاف في ملفات أخرى مثل ليبيا، ومنطقة آسيا الوسطى، والقرم التي أعلنت انقرة مؤخرا عدم اعترافها بانتخابات مجلس الدوما التي أجريت بها كونها تعتبرها ليست جزءا من روسيا. وبناءا على ذلك من الممكن أن تعتمد انقرة على موسكو في المجال العسكري لسد احتياجاتها في الوقت الراهن، خاصة بعد ان كشفت الأخيرة عن استعدادها لبيع مقاتلاتها من الجيل الخامس لتركيا، ومع ذلك ، وأردوغان يعى ذلك، أنه لا يمكن الاعتماد على موسكو كليا، لأسباب اهمها النقاط الخلافية بينهما والتي ستؤسس لعدم الثقة بين البلدين، وأيضا العامل الاقتصادي؛ فلاقتصاد الروسي لا يرقى إلى حد مساعدة تركيا على الخروج من أزمتها الاقتصادية، باختصار؛ العلاقات الروسية التركية معقدة للغاية، ويتخللها العديد من الشد والحزم لذلك لا يمكن الاعتماد عليها تماما.

(*) دول الخليج: مشكلة أردوغان حاليا في سخونة الازمة الاقتصادية في تركيا، والتي ستتضاعف بعد العقوبات الأمريكية، لأنها ستحتاج إلى استثمارات او دعم اقتصادي سريع، خاصة في ظل تأثر شعبية أردوغان نتيجة لهذا الوضع قبل السباق الانتخابي القادم، لهذا من الممكن أن يوجه أنظاره إلى دول الخليج العربي، والعمل على جذب الاستثمارات الإماراتية والسعودية، هذا بالطبع دون إغفال الدعم القطري له، فضلا عن ضرورة تحسين العلاقات مع مصر، خاصة وأن الولايات المتحدة قلصت المعونة العسكرية المقدمة لمصر أيضا.

وفي الختام؛ مازال هناك الكثير من التناقضات والغموض الذي يكتنف العلاقات التركية بالولايات المتحدة وروسيا، لكن لا نستبعد ظهور مجموعة من التطورات أو الإشكاليلت التي ستوضح بدورها إلى أين ستتجه أنقرة في الفترة المقبلة شرقا أم غربا، والأهم في الوقت الراهن، هو أن موسكو وأنقرة – رغم الضغوط الدولية والخلافات العميقة بينهما في عدد من الملفات – تسيران بخطى ثابتة للأمام، لكن في نفس الوقت لايمكن قول نفس الشئ على علاقات أنقرة بواشنطن المتذبذبة حاليا في ولاية جو بايدن، لكن ذلك لا يعنى أيضا كما ذكرنا أن واشنطن ستتخلى عن أنقرة نهائيا،  والفترة القادمة ستتضح السياسة التي ستتبعها واشنطن لمراضاة وتعويض أنقرة، خاصة بعد إعلانها عن استعدادها عقد اجتماع مع تركيا من المقرر له بعد ثلاثة أسابيع.

وردة عبد الرازق

باحثة في الشئون الأوروبية و الأمريكية، حاصلة على بكالوريوس علوم سياسية، جامعة بنى سويف، الباحثة مهتمة بدارسة الشأن التركي ومتابعة لتفاعلاته الداخلية والخارجية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى