إعادة ترتيب الأجندة: لماذا ذهب ” مصطفى الكاظمي” إلى العاصمة بروكسيل؟
قام رئيس الوزراء العراقي “مصطفى الكاظمي” بزيارة رسمية إلى مقر الاتحاد الأوروبي في العاصمة البلجيكية بروكسل في الـ 30 من يونيو الماضي، حيث التقي على هامش تلك الزيارة برئيسة المفوضية الأوروبية، “أورسولا فون دير لاين”، ورئيس البرلمان الأوروبي “ديفيد ساسولي”، ومسئولين أوروبيين، كما جرت جملة من المحادثات والمباحثات مع حلف شمال الأطلسي “ناتو”، لتفعيل الاتفاقيات الاقتصادية والأمنية والسياسية، من بينها اتفاقيات تخص الطاقة الكهربائية التي تشكل أزمة كبرى في البلاد، خاصةً بعد الأنباء المتواترة عن إيقاف إيران إمداداتها الحيوية من الطاقة إلى العراق، بما يسهم في تجاوز العراق الأزمة الاقتصادية وتوسيع نطاق الاستثمارات.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن العراق يشهد أزمة اقتصادية، وتردي شديد في خدمة الكهرباء، ذلك بالتزامن مع استهداف أبراج الطاقة بصواريخ كاتيوشا وعبوات ناسفة في مناطق متفرقة من البلاد، مما نتج عنه انقطاع تام للتيار في عدة محافظات في ظل ارتفاع درجات الحرارة التي تسجل ذروتها ما بين 50-51 درجة مئوية.
وتأسيسًا على ما سبق، يتطرق التحليل إلى قراءة أبعاد زيارة رئيس وزراء العراق ” مصطفى الكاظمي” إلى بروكسيل، مع الكشف عن الدلالات الهامة التي أسفرت عنها تلك الزيارة.
أبعاد الزيارة:
تقوم هذه الزيارة على إجراء المباحثات مع القادة الأوروبيين لعقد اتفاقات من بينها اتفاقيات تخص الطاقة الكهربائية، خاصةً في ظل معاناة العراق من أزمة كهرومائية شديدة، حيث صرح الكاظمي بأن العراق يواجه نقصا موسميا في تجهيز الطاقة الكهربائية بالرغم من قيام الحكومة بافتتاح أربع محطات طاقة كهربائية كبرى خلال العام الجاري، وتطلعها إلى افتتاح المزيد من المحطات خلال الشهور المقبلة، وفي سياق متصل أضاف أيضاً بأن أزمة الكهرباء ما هي إلا نتاج لسوء التخطيط في هذا المجال، نتيجة الهدر في الأموال والطاقات لسنوات طويلة ماضية من دون وضع منهجية واضحة على الأمد البعيد.
كما أشار أيضاً إلى أن هذه الحكومة قد ورثت إرثاً من سوء التخطيط في مجال الطاقة، فضلاً عن عملها خلال العام الماضي على التوسع في الاستثمارات في الطاقة الكهربائية، بالإضافة إلى تفعيل استثمار الغاز العراقي، وهو العامل الحاسم في تشغيل المحطات الكهربائية ومعظمها يعمل على الغاز، مما عكس سوء التخطيط السابق وعدم وجود خطط استراتيجية في هذا المجال.
دلالات الزيارة:
قراءة تفاصيل الزيارة والبحث في توقيتها يكشف عن عدة دلالات يمكن استنباطها، وهي كالتالي:
(*) حسم ملفات عالقة: يحاول العراق حسم الملفات العالقة مع الجانب الأوروبي، يتمثل أهمها على الإطلاق رفع اسمه من قائمة الدول عالية الخطورة في مجال غسل الأموال، وكان وزير الخارجية العراقية، فؤاد حسين طلب من الأوروبيين في وقت سابق خلال زيارة له إلى بروكسل في 21 يونيو الماضي برفع “اسم العراق من لائحة المفوضية للدول ذات الخطورة العالية في مجال غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وفي هذا السياق دعا كاظمي خلال الاجتماع الذي جمعه برئيسة المفوضية الأوربية “اورسولا فون دير لاين” في 30 يونيو، إلى تشكيل لجنة للتنسيق بين الطرفين بهذا الأمر، تدعم جهود الحكومة في محاربة الفساد واستعادة الأموال المهربة وملاحقتها في الدول الأوربية.
وفي سياق متصل يرتبط العراق بدول الاتحاد الأوروبي بعدد من الاتفاقيات تسعى للشراكة والتعاون مع دول التكتّل، حيث يندرج ضمن ذلك، اتفاقية الشراكة والتعاون بين الجانبين، بما يشمل لجنة حقوق الإنسان والديمقراطية ولجنة التجارة والاستثمار ولجنة الطاقة والنقل، وقد تم عقد اجتماعات اللجنة المشترَكة لحقوق الإنسان والديمقراطيّة بين الاتحاد الأوروبي والعراق في سبتمبر 2020.
(*) دعم الاستقرار السياسي في العراق: طالب الاتحاد الأوروبي بمساهمته الجادة لدعم الاستقرار السياسي في العراق وإجراء “انتخابات حرة نزيهة”، والتي من المتوقع إجراؤها في أكتوبر المقبل، حيث من المتوقع أن يقوم الاتحاد الأوروبي بإرسال بعثة أوروبية لمراقبة تلك الانتخابات، ومن ناحية أخرى، قدم الاتحاد الأوروبي أنواع الدعم للتحالف الدولي لمحاربة داعش، وتحقيق الاستقرار وإعادة الإعمار في أنحاء العراق كافة.
وبالتالي أكد الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي، “جوزيب بوريل” في 28 يونيو، بأن الاتحاد الأوروبي “يعمل كشريك غير عسكري في سوريا والعراق للتحالف الدولي المناهض لتنظيم داعش”، كما أضاف بأن الاتحاد يبذل قصارى جهده في العمل الجماعي الجاد لمنع عودة تنظيم داعش مرة أخرى.
وفي هذا السياق، أعلن الأمين العام لحلف شمال الأطلسي “ينس ستولتينبرغ” خلال لقائه بكاظمي في 30 يونيو، عن استعداده لتوسعة التعاون والشراكة بين العراق والحلف، موضحاً في الوقت نفسه بأن بعثة حلف الناتو في العراق عبارة عن بعثة غير قتالية وذات طابع تدريبي واستشاري بحت، وأن أي توسع لإطار عملها سيكون وفق طلب وموافقة وأولويات الحكومة العراقية، كما أشار إلى أنها ستقوم بالاعتماد على القوات الأمنية العراقية، ذلك لتوفير أمنها وحمايتها.
(*) إقرار السلام والأمن ومحاربة الإرهاب في المنطقة: تم التأكيد خلال اجتماع كاظمي مع الممثلين الدائمين للدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي الناتو، في مقر الحلف بالعاصمة البلجيكية بروكسل، بحضور ستولتينبرغ على ضرورة التصدي للإرهاب، بذل الجهود إلى إقرار السلام والأمن في المنطقة، حيث أشاد الكاظمي بدور الحلف في رفع المستوى القتالي للقوات المسلحة العراقية، كما دعا إلى استمرار المساعدة في مجال التدريب والتسليح والدعم الاستخباري، وكذلك عزم العراق على استكمال بناء مؤسساته الأمنية والعسكرية، بالإضافة الى التطلع إلى دعم الاتحاد في مجال إعمار المدن التي تحررت من داعش، وكذلك الإيفاء بتعهدات مؤتمر الكويت للمانحين عام 2018، في مجال إحياء البنى التحتية، على الجانب الآخر عبر الممثلون الدائمون للدول الأعضاء في الحلف عن التزام دولهم بدعم العراق، وإسناد جهود الحكومة لدعم قدرات الأجهزة الأمنية، كما أكدوا تقديرهم وإشادتهم بالتقدم الذي حققه العراق في مختلف المجالات سياسيا وامنيا واقتصاديا.
(*) التأكيد على الدور الإقليمي للعراق في المنطقة: في سياق متصل أشاد الممثلون الدائمون للدول الأعضاء في الحلف أيضاً بالانفتاح الكبير في علاقات العراق الدولية، وخاصةً نجاح لقاء القمة الثلاثية العراقية الأردنية المصرية، الذي استضافته بغداد مؤخراً في 27 من يونيو الماضي، التي أكدت على أهمية الدور الإقليمي الفاعل الذي يقدمه العراق في العمل على استقرار المنطقة وتطوير اقتصادها، بالإضافة إلى التعاون المشترك الإقليمي، بما يعزز أمن شعوب المنطقة وتقدمها.
(*) أهمية العلاقات الثنائية بين بلجيكا والعراق: أكدت زيارة كاظمي إلى بروكسل على العلاقة الوثيقة بين الجانبين البلجيكي والعراقي، حيث أعرب خلال اجتماعه برئيس وزراء بلجيكا عن تقديره لموقف بلجيكا الداعم للعراق في محاربة تنظيم داعش الإرهابي عبر التحالف الدولي، فضلاً عن دورها الهام في تدريب ومساعدة القوات العراقية، وخاصةً في مجال التعاون الاستخباري العالي بين البلدين ضمن جهود التصدي للإرهاب، وفي نفس السياق أشاد أيضاً بدعم بلجيكا لصندوق استقرار العراق التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي لغرض إعادة إعمار المدن المحررة، إلى جانب دعم البرامج المتعلقة بإزالة الألغام وبرامج المساعدات الإنسانية التي تنفذها المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، كما أوضح أهمية إعادة افتتاح السفارة البلجيكية في بغداد، نظراً للعلاقات التي تربط البلدين ودعم بلجيكا للعراق في مجالات عديدة، مشدداً على مسؤولية الحكومة العراقية في حماية أمن البعثات الدبلوماسية في العراق، بالإضافة إلى العمل الجاد لمنع تكرار الهجمات على البعثات الدبلوماسية والقواعد العسكرية العراقية التي تستضيف مستشارين ومدربين اجانب.
خلاصة القول، تأتي زيارة رئيس وزراء العراق “مصطفى الكاظمي” إلى بروكسيل في خطوة هامة نحو تطلّع العراق إلى بناء علاقات متميزة مع جميع دول الاتحاد الأوروبي، مما يساعد على تجاوز العراق لأزماته السياسية والاقتصادية والأمنية، ويدعم الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، فضلاً عن دعم دور العراق المحوري في نزع فتيل الأزمات في المنطقة، بالإضافة إلى تطوير علاقات البرلمان الأوروبي مع مجلس النواب العراقي، في مجال تبادل الخبرات التشريعية وتعزيز ثقافة حقوق الإنسان والدفاع عن الأقليات وترسيخ الديمقراطية.