ماذا قالت الأطراف الدولية عن إجراءات “قيس سعيد”؟
تتابعت ردود الفعل الدولية على الأحداث التي تشهدها تونس في ظل القرارات الرئاسية الاستثنائية التي قام بإعلانها الرئيس التونسي “قيس سعيد” في 25 يوليو الجاري، التي تتمثل في إقالة حكومة “هشام المشيشي” وتجميد أعمال البرلمان التونسي، بم يؤكد على رضى المجتمع الدولي على تلك القرارات، حيث حملت أغلب ردود الفعل مؤشرات إيجابية داعمة للرئيس التونسي، نظرا لإقبال أوروبا في الآونة الأخيرة على اتجاه جديد مناهض بشدة لكافة التيارات المتشددة الموجودة في المنطقة، خاصة جماعة الإخوان المسلمين، بعد الانتباه مؤخرا لمدى خطورة الدور الذي تلعبه تلك الجماعات في نشر التطرف والإرهاب، فضلاً عن عدم السماح بتكوين نموذج متطرف في تونس مثل سوريا وليبيا.
تأسيسا على ما سبق، يحاول هذا التحليل إلقاء الضوء ورصد ومتابعة ردود الفعل الدولية إزاء القرارات الاستثنائية التي اتخذها الرئيس التونسي “قيس سعيد” في 25 يوليو الجاري.
رصد ردود الفعل الدولية:
أثارت قرارات الرئيس التونسي قيس سعيّد الشارع الأوروبي في ظل رغبته إنقاذ تونس من انهيار اقتصادي وصحي تسببت فيه حركة النهضة التي تتمكن من الأكثرية في مجلس نواب الشعب(برلمان تونس)، حيث جاءت جميعها-المواقف الأوروبية- ايجابية ومؤيدة للشارع التونسي، خاصةً بعد التقييم السلبي لحركة النهضة في إدارة كافة الأزمات الصحية والاجتماعية والاقتصادية، فضلاً عن استشعار تلك الدول بتهديد مصالحها في المنطقة، وهو يشير إلى احتمال دعم الدول الأوروبية لمؤسسات الدولة التونسية في مواجهة حركة النهضة في حال تمسكها بعودة البرلمان وتأزمها للوضع الداخلي التونسي، وفي هذا السياق، سيتم عرض أبرز ردود الفعل الدولية على النحو التالي:
الاتحاد الأوروبي:
قام الاتحاد الأوروبي بدعوة كافة الأطراف التونسية للحفاظ على الهدوء، وتجنب العنف والمحافظة على استقرار البلاد، حيث أكدت المتحدثة باسم الممثل الأعلى للأمن والسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي “جوزيب بوريل”، على أن بروكسل تتابع عن كثب التطورات الأخيرة في المشهد التونسي، وصرحت “نبيلة مصرالي” المتحدثة باسم الاتحاد الأوروبي، لوكالة (آكي) الإيطالية للأنباء اليوم بأن الاتحاد يقوم بدعوة كافة الأطراف المعنية في تونس إلى احترام الدستور، المؤسسات وسيادة القانون.
وفي هذا السياق، قام “ديفيد ساسولي”، رئيس البرلمان الأوروبي، بدعوة جميع الإطراف إلى الحوار في تونس، حيث شدد على ضرورة الكفاح ضد وباء فيروس كورونا، هذا من أجل مصلحة الشعب التونسي، الذي يمثل محور كل العمل السياسي.
الموقف الفرنسي:
جاء الموقف الفرنسي مؤكداً على الالتزام بالدستور والقانون، وضرورة دعم التجربة السياسية الديمقراطية التونسية، والعودة إلى المسار الطبيعي لمؤسسات الدولة التونسية، بالتالي فإن هذا الموقف يتفق مع ما قام بطرحه الرئيس التونسي، ذلك بتأكيده الدائم على التمسك بالدستور والقانون والتحرك ضمن مصوغاته، فقد أشارت الدبلوماسية الفرنسية من جانبها في 26 يوليو الجاري إلى أن باريس تأمل بضرورة عودة المؤسسات إلى عملها الطبيعي في تونس في أقرب وقت، خاصةً بعد قيام “سعيد” بتعليق عمل البرلمان وإقالة رئيس الوزراء، كما شددت المتحدثة باسم الخارجية الفرنسية على أن فرنسا قامت بدعوة كافة القوى السياسية في البلاد إلى تجنب أي شكل من أشكال العنف والحفاظ على المكتسبات الديمقراطية للبلاد.
وفي سياق متصل، صرحت الخارجية الفرنسية، في بيان، إنها تقف بجانب التونسيين في مواجهة التحديات الراهنة لاسيما وأن باريس لديها مصالح واضحة من جراء سقوط جماعة الإخوان لمساعيها في تعزيز الدور التركي بتونس.
موقف ألمانيا:
من جانبها، صرحت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الألمانية “ماريا أديبهر” عن أمل برلين لعودة تونس في أقرب وقت ممكن إلى النظام الدستوري، معبرة عن ترسيخ جذور الديمقراطية في تونس منذ 2011، ذلك في إشارة منها إلى الاحتجاجات الشعبية التي أطاحت بالرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، كما أوضحت أن برلين “قلقة للغاية” مما جرى، لكن “لا يمكن الحديث عن انقلاب”، قد أضافت أيضاً بضرورة مناقشة الوضع مع السفير التونسي في برلين، كما أنّ السفير الالماني في تونس على أهبة الاستعداد للانخراط في مباحثات لاستقرار الاوضاع.
روسيا والأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي:
ومن جانبه قد أشار أيضاً “ديمتري بيسكوف” المتحدث باسم الرئاسة الروسية في تصريح مقتضب إلى أن موسكو تقوم بمراقبة التطورات في تونس، معبراً عن أمل روسيا بعدم تهديد أمن واستقرار الشعب التونس.
ومن جانبها حثت الأمم المتحدة جميع الأطراف على ضرورة ضبط النفس، بالإضافة الى الامتناع عن العنف وضمان بقاء الوضع هادئا، بالتالي قد صرح المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو جوتيريش” بأنه لا بد من حل جميع النزاعات والخلافات عن طريق الحوار، ومن جانبه امتنع “جوتيريش” عن التعليق بشأن ما إذا كانت الأمم المتحدة تنظر إلى ما حدث في تونس على أنه انقلاب أم لا.
ومن جانب آخر، قد أعلن المتحدث باسم صندوق النقد الدولي باستعداد الصندوق مواصلة مساعدة تونس في التغلب على تداعيات أزمة فيروس كورونا، تأكيداً منه على مراقبة تطورات الوضع في تونس خاصة مع مواجهة ضغوط اجتماعية واقتصادية على رأسها تداعيات أزمة كورونا التي تسببت في إصابة أكثر من 550 ألف تونسي ووفاة نحو 18 ألف شخص.
وفي النهاية، يمكن القول أنه رغم من الدعم الدولي الايجابي والمعلن لقرارات الرئيس التونسي، الا أن يظل هذا الدعم مشروطا في ظل إطلاق حوار شامل، مع تمسك المجتمع الدولي بضرورة إعادة البرلمان، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية الحادة التي تعاني منها تونس، والتي تحتاج إلى ما يزيد عن 18 مليا دينار لتعبئة موارد الميزانية، كما أنه لا يوجد مؤسسة دولية أو بنك أو دولة تقوم بمنح قرضا دون مصادقة البرلمان عليه، وبالتالي غياب البرلمان يعني غياب القروض والمساعدات الدولية، وغياب الاعتمادات الخارجية خلال الأشهر القادمة، مما سيزيد من الأزمة المالية ومن الاحتقان المجتمعي، وما ينذر من عودة البلاد إلى مربع الصفر، ومن ناحية أخرى فإن الدعم الدولي يمثل مؤشر هام لارتباك حركة النهضة، التي تسعى إلى قلب الصورة أمام الرأي الدولي حتى يقوم بوصف ما حدث بأنه غير قانوني، ذلك لتفسد التحركات الدولية الداعمة محاولات النهضة في تزييف الحقائق.