كيف تتعامل أوروبا مع “طالبان” إذا سيطرت على السلطة؟
بحلول سبتمبر المقبل، سيتم انتهاء الوجود العسكري الأجنبي في أفغانستان بعد إعلان كافة القوى الدولية الانسحاب من الأراضي الأفغانية، وبالرغم من أنه كان من الممكن أن تمثل تلك الخطوة نقطة تحول إيجابية كبيرة في تاريخ أفغانستان، لكن على العكس من ذلك، هناك العديد من المخاوف من تبعات هذا الانسحاب، بالنظر إلى ما قد يرتبه ذلك من سيناريوهات مقلقة سواء على مستوى الوضع الداخلي، أو فيما يتعلق بالصراعات الخارجية الدولية والإقليمية على أفغانستان، خاصة ما يعزز انقسام النخبة الأفغانية وضعف مؤسسات الدولة الأفغانية، سواء القوات الأمنية أو مؤسسات إنفاذ القانون وانحسارها عن مساحة كبيرة من الأراضي الأفغانية. بالتالي، يمكن القول إن سيطرة طالبان مرة أخرى على زمام الحكم والسلطة، بالرغم من التوافقات الدولية والإقليمية على أهمية الاستقرار السياسي هناك، بيد أن هناك بعض من القوى الأوروبية وعلى رأسها بريطانيا قد استعدت بالفعل للتعامل مع سيناريو عودة طالبان للحكم مرة أخرى، مما يجعله سيناريو أقرب إلى الواقع، خاصةً في ظل صعوبة المراهنة على الحكومة الأفغانية.
تأسيساً على ما سبق، يتطرق هذا التحليل إلى إلقاء الضوء على السيطرة التوسعية لحركة طالبان على زمام أمور السلطة والحكم في أفغانستان، بالإضافة إلى كيفية التعامل الأوروبي مع حركة طالبان في حال نجاح سيطرتها على زمام السلطة في تلك البلاد.
السيطرة التوسعية لحركة طالبان:
كانت إحدى أهم النتائج الأساسية المباشرة لانسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان، يتمثل في السيطرة التوسعية لحركة طالبان مرة أخرى على المزيد من الأراضي الأفغانية، حيث تبنت تلك الحركة هذه الاستراتيجية مع البدء التدريجي لعمليات الانسحاب، مما قد ترتب على ذلك تدهور الوضع الداخلي، ووجود فجوة سياسية تمثلت في حدوث فراغ في القوة، ما أدى إلى حدوث خلل في موازين القوى مع الحكومة الأفغانية خلال فترة زمنية قصيرة، نظراً لتعزيز القدرات القتالية لحركة طالبان في مواجهة قوات الأمن الأفغانية، بالإضافة إلى الدور الذي ستلعبه هذه السيطرة في تسريع تحول ولاءات النسبة الكبرى من المجتمعات والقيادات المحلية الأفغانية إلى تلك الحركة، خاصة مع قدرتها على توفير الوظائف التقليدية للدولة، وعلى رأسها وظيفة الأمن التي من المحتمل ازدياد أهميتها النسبية بشكل كبير خلال مرحلة ما بعد الانسحاب، وخاصة في حالة حدوث حرب أهلية، بالإضافة إلى تزايد نشاط كلاً من “داعش” و”القاعدة”.
وبالنظر إلى مساحة الأراضي التي أصبحت تسيطر عليها طالبان بالفعل داخل أفغانستان، نجد أن هذه المساحة تزداد مع سيطرة الحركة على المزيد من المناطق بالتزامن مع عمليات الانسحاب بدون مقاومة من جانب القوات الأفغانية، الأمر الذي ينذر إلى ضعف هذه القوات أو عدم استعدادها للدخول في مواجهات عسكرية مع طالبان، وفي هذا السياق قد تم تقدير تلك المساحة المملوكة لطالبان من قبل البعض بنحو 70%، ومن ثم فيُعد هروب أكثر من ألف جندي أفغاني إلى داخل الحدود الطاجيكية خلال يوليو الماضي أثناء دخول طالبان ولاية بادخشان مثالاً مُعبراً على ذلك.
ورغم أن إجمالي عدد قوات الأمن الأفغانية بلغ 307 آلاف عنصر في يناير 2021، مقابل 200 ألف عنصر مقاتل يعملون تحت راية طالبان، لكن البيئة الجغرافية في أفغانستان لا تجعل موازين القوى ترتبط مباشرة بالأعداد. كما لا يزال الجيش يعاني من مشكلات ضخمة، بدءاً من الانقسامات العرقية والمذهبية وعدم التمثيل العادل للمكونات العرقية داخل هيكل القيادة، وانتهاءً بطبيعة التسليح. ورغم أن الولايات المتحدة سوف تحتفظ بحوالي 700 جندي عقب الانسحاب، لكن هؤلاء لن يكونوا جزءاً من ميزان القوة مع الحركة، إذ ستنحصر مسؤوليتهم في حماية المجمع الدبلوماسي ومطار كابول وتقديم الاستشارات لقوات الدفاع والأمن الأفغانية.
تهديد أوروبي بالعزلة وعدم الاعتراف الدولي:
في الوقت التي تشير فيه مجموعة من التكهنات والدلالات إلى قدرة حركة طالبان على السيطرة على السلطة بعد انسحاب القوات الأجنبية، فقد قام الاتحاد الأوروبي في 12 أغسطس الجاري بتوجيه الدعوة إلى حركة طالبان لوقف فوري للنار والعنف المستمر، ذلك في إدانة موجهه لها نظراً للانتهاكات المتزايدة للقانون الإنساني الدولي وحقوق الإنسان، لا سيما في المناطق التي سيطرت عليها بالفعل.
كما قام الاتحاد أيضاً بإنذارها بالعزلة وعدم الاعتراف الدولي ونقص الدعم الدولي واحتمال استمرار النزاع وعدم الاستقرار الذي طال أمده في أفغانستان، حال استيلائها على السلطة من خلال العنف، وذلك في الوقت الذي يوسع المتمردون سيطرتهم التوسعية.
وفي هذا السياق، صرح منسق الاتحاد الأوروبي “جوزيب بوريل”، بأن الهجوم العسكري المستمر لطالبان يتناقض مع التزامهم المعلن بالتفاوض واتفاق الدوحة، كما قام بتوجيه الدعوة للحركة باستئناف المحادثات الموضوعية والمنتظمة والمنظمة على الفور، وفي سياق متصل عبر وزير الدفاع البريطاني “بن والاس” في 13أغسطس الجاري، عن قلقه من أن تكون أفغانستان في طريقها لأن تصبح “دولة فاشلة”، “أرضاً خصبة” لجماعات مثل تنظيم “القاعدة”، في إشارة تحذيرية منه من عودة التنظيم، ومن ثم دخول أفغانستان في نفق مظلم وتحولها إلى دولة منهارة ودخولها في حرب أهلية.
التمييز بين الدولة القوية نسبيًا، والدولة في أزمة، والدولة المنهارة | ||
الدولة القوية | الدولة في ازمة | الدولة المنهارة |
– قادرة على إدارة الصراع وفرض
الأمن. – قادرة على تقديم الخدمات الاجتماعية وتوفر البنى التحتية الأساسي – تستطيع السيطرة على جزء كبير من إقليمها ولفترة زمنية دائمة. |
– غير قادرة على إدارة الصراع
وفرض الأمن. – غير قادرة على تقديم الخدمات الاجتماعية وتوفر البنى التحتية الأساسية. – غير مسيطرة على أجزاء متعددة من أقاليمها ولفترة قصيرة من الزمن. |
– غير قادرة على إدارة الصراع وفرض الأمن.
– غير قادرة على تقديم الخدمات الاجتماعية وتوفر البنى التحتية الأساسية. – عاجزة عن السيطرة على جزء كبير من إقليمها ولفترة زمنية طويلة. |
المصدر: http://www.compasss.org/wpseries/Clement2005.pdf
يتبين أن المفاهيم الثلاثة تختزل في عمومها بعدم قدرة الدولة في الوفاء بالتزاماتها في توفير المهام الأساسية لغالبية شعبها، لكن الفرق بينهما في الترتيب الزمني، إذ الدولة الضعيفة في حال تنامي التدهور والضعف يمكن أن يحولها بمرور الزمن إلى دولة فاشلة، ويمكن أن تتجه الدولة الفاشلة إلى الانهيار، ولكن يبقى الفرق بين الدولة الفاشلة والدولة المنهارة، هو أن الأولى تعني وجود سلطة سياسية لكنها تعاني من أزمات سياسية وأمنية واجتماعية واقتصادية، أما الثانية فتعني انهيار السلطة السياسية.
وفي النهاية، يمكن القول إن الاتحاد الأوروبي والدول الأوروبية وعلى رأسها بريطانيا على أهبة الاستعداد للتعامل مع طالبان إذا شاركت في الحكومة واحترمت حقوق الإنسان، بالإضافة إلى “ممارسة الضغط” عبر القنوات الدبلوماسية والسياسية، مع استبعاد حتى هذه اللحظة فرضية “الحل العسكري”، من أجل إعادة الاستقرار إلى البلاد بعد عقود من النزاع ، خاصة وأن الحركة تطمح في “اعتراف دولي” للحصول على التمويل والدعم اللازمين لإعادة إعمار البلاد، بالرغم من أن آفاق التعاون مع طالبان يمكن أن تثير جدلا واسعاً، لاسيما بعد مقتل 457 عسكريا بريطانيا في أفغانستان، بيد أن “كل عمليات السلام تتطلب التوافق مع العدو”.