إلى أين يصل التوتر بين الاتحاد الأوروبي وكوبا؟
تصاعد في الآونة الأخيرة التوتر بين الاتحاد الأوروبي وكوبا، ذلك على خلفية التعسف والقمع الداخلي التي قامت بها السلطات الكوبية إزاء الاحتجاجات الصارخة التي تجوب البلاد منذ 11 يوليو الماضي، حيث دفعت الأزمة الاقتصادية التي فاقمت النقص الحاد في المواد الغذائية والأدوية، والتي أدت بدفع الحكومة إلى تقنين التغذية بالتيار الكهربائي لعدة ساعات يومياً- آلاف الكوبيين إلى الخروج والتظاهر بشكل عفوي في شوارع عشرات المدن والقرى وإطلاق هتافات على غرار “نحن جائعون” و”حرية” و”تسقط الدكتاتورية” حتى وصل الأمر إلى العاصمة هافانا، وذلك في ظاهرة غير مسبوقة هناك، كون أن التجمعات الوحيدة المسموح بها هي تلك التي يقيمها الحزب الشيوعي الحاكم.
ومن ثم قام الاتحاد الأوروبي بتوجيه الدعوة إلى المسئولين الكوبيين بالإفراج عن المعتقلين “تعسفياً”، بالإضافة إلى “احترام حقوق الإنسان”، لكن جاء الرد سريعاً من قبل وزير الخارجية الكوبي “برونو رودريغيز”، الذي قام بتوجيه الاتهام لرئيس الدبلوماسية الأوروبية بـ”عدم الجرأة”، في إشارة منه لتجنبه ذكر “الحصار الأميركي على كوبا”، الذي وصفه بـ”حصار الإبادة الجماعية”.
تأسيساً على ما سبق، يتطرق هذا التحليل إلى إلقاء الضوء على الوضع الإقليمي المحيط بكوبا، فضلاً عن التلكؤ الأوروبي في توزيع اللقاحات للدول الفقيرة، بالإضافة إلى الموقف الأوروبي من الوضع الداخلي في كوبا.
الوضع الإقليمي المحيط بكوبا:
لم تأت الاحتجاجات الداخلية في كوبا والتي تم وصفها بأكبر احتجاجات منذ عام1194، والتي قام الغضب بتأجيجها جراء نقص السلع الأساسية، والمطالبة بانتخابات حرة وحل القضايا الاجتماعية من فراغ، حيث أن هناك مجموعة من الهواجس المشروعة حول ملابسات هذا التطور الشعبي المفاجئ وغير المسبوق، الذي يتماشى مع وضع إقليمي ودولي مائل إلى الاضطراب تحت ضغط وباء فيروس كورونا، وانهيار الأوضاع الاجتماعية في عدة دول محيطة، ولا سيما الوضع الإقليمي في أمريكا اللاتينية؛ حيث يوجد غضب شعبي وانتقادات في البرازيل مع بطء وتعثر حملة التلقيح الخاصة بوباء كورونا، وعدم إبرامها حتى هذه اللحظة اتفاقا بشراء اللقاح، وتوتر شديد في فنزويلا، واغتيال الرئيس “جوفينيل مويز” في هايتي في 7 يوليو الماضي وسط ظروف مريبة.
التلكؤ الأوروبي في توزيع اللقاحات لكوبا:
لعل التلكؤ الأوروبي في توزيع اللقاحات للدول الفقيرة من الأسباب الرئيسية لسوء الأوضاع الداخلية في كوبا، بالرغم من قيام المفوضية الأوروبية بالإعلان في 29 يوليو الماضي، عن أن 200 مليون أوروبي أصبحوا ملقحين بالكامل ضد “كوفيد-19″، حيث كشفت وثيقة من الاتحاد الأوروبي أن دول الاتحاد لم تقم بالتبرع حتى هذه اللحظة سوى بنسبة بسيطة من فائض لقاحات وباء كورونا للدول الفقيرة، تمثل تلك النسبة أقل من 3% بم يوازي أربعة ملايين جرعة من 160 مليون جرعة تنوي التبرع بها للمساعدة في احتواء الجائحة العالمية.
ومن ناحية أخرى، لم تنضم كوبا إلى برنامج “كوفاكس” لتوزيع اللقاحات على الدول الفقيرة الذي تقوم بدعمه منظمة الصحة العالمية ويتم إدارته في أميركا اللاتينية من قبل منظمة الصحة للبلدان الأميركية، بيد أن قيام كوبا بتطوير اللقاح الخاص بجائحة كورونا، حيث أطلقت في مايو الماضي برنامجاً وطنياً للتحصين باستخدام اثنين من هذه اللقاحات، تم تطعيم 3.3 مليون شخص في كوبا أي 30% من السكان حتى 11 يوليو الماضي.
الموقف الأوروبي من الوضع الكوبي الداخلي:
أدت التظاهرات المفاجئة والغير مسبوقة في كوبا إلى استقطاب أوروبي سريع، حيث أكد الاتحاد الأوروبي من جانبه على استعداده لدعم جميع الجهود الموجهة لتحسين الظروف المعيشية للكوبيين، ذلك في سياق الشراكة المُنشَأة بموجب اتفاقية الحوار والتعاون السياسي بين الجانبين، وفي سياق متصل قد أعرب مجلس أوروبا، التابع للاتحاد الأوروبي في29 يوليو الماضي، عن بالغ قلقه إزاء تطورات الأحداث الحالية في كوبا، وكذلك اعتقال المتظاهرين والصحفيين، حيث صرح الممثل السامي باسم الاتحاد الأوروبي، “جوزيب بوريل”، بوقوف الاتحاد الأوروبي بجانب متطلبات الشعب الكوبي بالمطالبة بالحقوق المدنية والسياسية والديمقراطية، حقهم في التعبير عن آرائهم بشكل سلمي، والمطالبة بالتغيير، حيث تعكس المظاهرات العامة المظالم المشروعة للسكان من نقص الغذاء والأدوية والمياه والطاقة، فضلاً عن حرية التعبير وحرية الصحافة، بالإضافة إلى تفشي جائحة “كوفيد-19”.
وفي هذا السياق، أضاف “بوريل” إلى ضرورة الدخول في حوار شامل حول مظالم الشعب الكوبي”، من خلال احترام السلطات الكوبية حقوق الإنسان والحريات المنصوص عليها في الاتفاقيات العالمية لحقوق الإنسان، بالإضافة إلى إطلاق سراح جميع المتظاهرين المحتجزين بشكل تعسفي، والاستماع إلى أصوات المواطنين، كما يجب على الحكومة اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة برفع القيود عن المسافرين، مما يتيح لهم إحضار كميات غير محدودة من الطعام والأدوية، كخطوة أولى في الاتجاه الصحيح.
ومن ناحية أخرى، قام بالإشارة إلى مجموعة من الإجراءات الواجب إتباعها حتى يتم معالجة الأوضاع الداخلية لكوبا تتمثل في: إصلاحات اقتصادية داخلية، فضلاً عن الدور الحاسم الذي الذى تلعبه التجارة الخارجية والاستثمار الأجنبي بوضع البلاد على طريق التحديث والإصلاحات السياسية والاقتصادية والنمو المستدام، بالإضافة الى تخفيف القيود الخارجية التي من شأنها تساعد في التغلب على المصاعب الاقتصادية التي تفاقمت بسبب جائحة “كوفيد-19″، بما في ذلك القيود المفروضة على التحويلات والسفر.
وفي النهاية، يمكن القول بأن، لن يقوم الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات على كوبا، فقد عبر عن تضامنه مع شعب كوبا، مع ضرورة الحوار دون استخدام القوة والمواجهة والعنف للخروج من هذه الأزمة، في سياق متصل قد أشار إلى إمكانية توجيه المساعدة في الأدوية واللقاحات والإمدادات والمواد الغذائية، لأن الصحة والغذاء من حقوق الإنسان الأساسية، كما قام الاتحاد في وقت سابق بإدانة الحظر الاقتصادي الأمريكي على كوبا، اذ لا يمكن لأي بلد في العالم أن يتم تسييجها وسدها فهذا أسوأ من انتهاك حقوق الإنسان، وفي المقابل، في 23 يونيو الماضي، قامت الولايات المتحدة الأمريكية بالتصويت ضد قرار للجمعية العامة للأمم المتحدة يدين الحظر المفروض على كوبا، والذي قامت بتبنيه الأغلبية الساحقة من 184 دولة أخرى، حيث تعود القيود التي تقوم بفرضها واشنطن على التجارة مع كوبا إلى الثورة الشيوعية في الدولة الجزيرة في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي وتتضمن ما لا يقل عن ستة قوانين أمريكية مختلفة.