“نورد ستريم 2”.. هل ينتهي الخلاف بين “واشنطن” و”برلين”؟
في الـ 21 من يوليو الجاري توصلت كل من الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا إلى اتفاق بشأن خط الأنابيب “نورد ستريم 2” المثير للجدل، الذي تعارضه واشنطن بشدة، ذلك لمنع روسيا من استخدام الطاقة كسلاح سياسي، حيث يتضمن هذا الاتفاق فرض عقوبات على روسيا، بالإضافة إلى السعي لتمديد عمليات عبور الغاز عبر أوكرانيا.
وفي سياق متصل لقي المشروع، الذي أوشك بناؤه على الانتهاء، والذي سينقل الغاز الروسي إلى ألمانيا عبر بحر البلطيق وليس عبر أوكرانيا- معارضة شديدة من أوكرانيا التي تقوم بمحاربة الانفصاليين الموالين لموسكو منذ 2014. وهو ما يعنى أن المشروع سيقوم بتهديد وحرمان جزء من الرسوم التي تجنيها-أوكرانيا- من جراء عبور الغاز الروسي عبر أراضيها وبحرمانها أيضاً من وسيلة ضغط أساسية على موسكو، بيد أنه رغم المعارضة الأميركية لهذا المشروع، فقد خلص الرئيس الأمريكي “جو بايدن” إلى التخلي عن فكرة فرض مزيد من العقوبات لضرب هذا المشروع، معتبراً أن الوقت قد مضى لوقفه وأنه من الأفضل الاتجاه إلى التعاون مع برلين كحليف استراتيجي لواشنطن.
تأسيساً على ما سبق، يتطرق هذا التحليل إلى إلقاء الضوء على نص الاتفاق المبرم بين الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا فيما يتعلق بمشروع خط الأنابيب “نورد ستريم 2” الذي تعارضه بشده واشنطن، فضلاً عن المعارضة الأوروبية الأمريكية الذي يتلقاها هذا المشروع، بالإضافة إلى الموقف الروسي من هذا الاتفاق.
نص الاتفاق:
التزم الجانبان الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا بموجب الاتفاق المبرم بينهما بشأن خط الأنابيب “نورد ستريم 2″، بمواجهة أي محاولة من روسيا لاستخدام خط الأنابيب سلاحاً سياسياً سواء بتهديد أو محاربة أو بالتدخل في شئون جيرانها خصوصاً أوكرانيا، وقاما بالاتفاق أيضاً على دعم أوكرانيا وبولندا، وهما البلدان اللذان يتجاوزهما المشروع ويعبران عن مخاوفهما من نوايا روسيا، من خلال تمويل مشاريع للطاقة البديلة والتنمية فيهما، خاصةً بعد الإعلان الروسي بضم أوكرانيا إلى أراضيها منذ 2014. وفي هذا السياق أفاد بيان مشترك بين الجانبين واشنطن وبرلين، بأنهما متحدتان في تصميمهما على محاسبة روسيا على عدوانها ونشاطاتها الخبيثة، من خلال فرض تكاليف عليها، عبر العقوبات وغيرها من الأدوات، في إشارة منهما إلى الدعم الروسي للانفصاليين في أوكرانيا، وقد أضاف البيان أيضاً، أنه إذا حاولت موسكو استخدام الطاقة سلاحاً أو ارتكاب المزيد من الأعمال العدوانية ضد أوكرانيا، ستقوم برلين باتخاذ مجموعة من الإجراءات على المستوى الوطني، بالإضافة إلى الضغط من أجل اتخاذ تدابير فعالة على المستوى الأوروبي، بما في ذلك العقوبات، للحد من قدرات التصدير الروسية إلى أوروبا في قطاع الطاقة.
ومن ناحية أخرى، اتفق “بايدن” و”ميركل” على توجيه الدعم الكامل لكل من أوكرانيا وبولندا، كونهما معرضتين لأضرار مستقبلية نتيجة مشروع “نورد ستريم 2″، ذلك من خلال دعم صندوق بقيمة مليار دولار لأوكرانيا حتى تتمكن من تنويع مصادر الطاقة فيها، كما ستقوم ألمانيا بتقديم منحة أولية من هذا الصندوق بقيمة 175 مليون دولار، فضلاً عن تعهدها بسداد رسوم نقل الغاز التي ستخسرها أوكرانيا حال تجاوزها “نورد ستريم2” حتى عام 2024، مع إمكانية تمديدها لمدة عشر سنوات. وفيما يتعلق ببولونيا، فقد وافقت ألمانيا أيضاً على التوقيع على “مبادرة البحار الثلاثة”، التي يقوم بالترويج لها من قبل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية بهدف تعزيز الاستثمار وتطوير البنية التحتية وأمن الطاقة بين البلدان المطلة على بحر البلطيق والبحر الأسود والبحر الإدرياتيكي، ذلك من خلال بيان قد صدر عن الحكومة الألمانية يقر بمساهمتها بما يصل إلى 1.7 مليار دولار من تمويل الاتحاد الأوروبي للمبادرة حتى عام 2027.
واستكمالاً لما سبق، تجدر الإشارة هنا إلى الزيارة المرتقبة للرئيس الأوكراني “فولوديمير زيلينسكي” إلى واشنطن في 30 أغسطس المقبل، التي أعلن عنها بيان قد صدر عن البيت الأبيض يؤكد على دعم واشنطن الثابت لسيادة أوكرانيا وسلامة أراضيها في مواجهة العدوان الروسي المستمر في دونباس وشبه جزيرة القرم، فضلاً عن التعاون الوثيق في مجال أمن الطاقة، بالإضافة إلى الدعم الأمريكي لجهود الرئيس زيلينسكي لمكافحة الفساد وتنفيذ أجندة الإصلاح على أساس القيم الديمقراطية المشتركة.
معارضة أوروبية-أمريكية:
أدى الاتفاق الذي توصلت له الولايات المتحدة وألمانيا إلى جدال واسع النطاق بين المشرعين الأميركيين، وكذلك بين واشنطن وحلفائها، كون أن واشنطن لديها إصرار كبير على إعادة بناء العلاقات مع برلين، التي تدهورت خلال إدارة الرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترامب”، حيث قام هذا المشروع بطرح معضلة كبيرة في السياسة الخارجية لإدارة بايدن، ذلك بوصف الاتفاق المبرم بين الجانبين الأمريكي والألماني “بالسيئ” من قبل المسئولين الأمريكيين من الحزبين الديمقراطي والجمهوري خشية إعطاء روسيا الكثير من السلطة على إمدادات الغاز الأوروبية.
وفي هذا السياق، قد صرح النائب الجمهوري “مايكل ماكول”، من تكساس، بأن روسيا ستقوم باستخدام خط أنابيب “نورد ستريم2” كسلاح إكراه ضد أوكرانيا وأمن الطاقة عبر المحيط الأطلسي مما لا يدعو للشك، بمجرد تشغيله، كما أضاف بأن الوعود بالاستثمار في مشاريع الطاقة الأوكرانية المستقبلية والتهديدات الغامضة النتائج لن تغير من النوايا السيئة لموسكو، وأن هذا المشروع يخدم بالأساس المصلحة الروسية ويساعدها في تحقيق أهدافها في أوكرانيا.
ومن جانبه، قام السيناتور الجمهوري “تيد كروز” بوصف الاتفاق بأنه “ضعيف”، كما تم نقد هذا المشروع من قبل العديد من المشرّعين الديمقراطيين، ومن بينهم رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ “بوب مينينديز”، بالإضافة إلى “وجين شاهين”، سياسية أمريكية من الحزب الديمقراطي، التي قامت بالتشكيك بنهج إدارة بايدن في تعاملها مع هذا المشروع، حيث صرحت في بيان، قائلاً “لست مقتنعة بعد بأن هذا الاتفاق، أو أي اتفاق ثنائي، يمكن أن يوفر ضمانات كافية للحلفاء الأوروبيين ويقوم بالتقليل من التأثير الاقتصادي الكبير والتداعيات الأمنية لاستكمال هذا المشروع”، كما نفت من جانبها وكيلة وزارة الخارجية للشؤون السياسية “فيكتوريا نولاند” بشكل قاطع التقارير عن توجيه تحذير لأوكرانيا من الشكوى العلنية، وقد قامت بالإشارة إلى أن مستشار وزارة الخارجية “ديريك شوليت” يزور كييف ووارسو.
ومن جانب آخر، عبرت كل من بولندا وأوكرانيا عن استيائهما الشديد من قرار السماح باستكمال مشروع خط الأنابيب “نورد ستريم 2″، من خلال بيان مشترك بين الجانبين، حيث أعلنتا بأن هذا الاتفاق قد قام سبب تهديداً سياسياً وعسكرياً لأوكرانيا وأوروبا الوسطى، فضلاً عن زيادة قدرة روسيا على زعزعة استقرار الوضع الأمني في أوروبا؛ مما أدى إلى استمرار الانقسامات بين الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي “الناتو” والاتحاد الأوروبي.
الموقف الروسي:
رفضت موسكو الاتهامات الموجهة لها من قبل واشنطن باستخدامها الطاقة كسلاح سياسي، ذلك في بيان صدر عن الكرملين في 21 يوليو الجاري، وقد أعلن الكرملين أيضاً بأن بوتين وميركل أعربا عن رضاهما عن قرب اكتمال مشروع خط أنابيب نورد ستريم2، وفي سياق متصل تم الانتهاء من المشروع بنسبة 98% تقريباً بتكلفة بلغت أكثر من 9 مليارات يورو.
في النهاية، يمكن القول إن الاتفاق الذي توصل له الجانبان الأمريكي والألماني قد أنهى الخلاف الناشب بين الجانبين منذ عهد الرئيس السابق “ترامب”، وأكد على أحياء التحالف بين واشنطن وبرلين. كما أنه على الرغم من الانتقادات الموجه من أعداء الرئيس “بايدن” من الجمهوريين، إلا أن الإدارة الأمريكية تحاول ضمان نتيجة إيجابية من مشروع خط الأنابيب “نورد ستريم2” الذي أصبح شبه مكتمل.