أثر التغيرات المناخية على استقرار دول الساحل

سما جمال- باحث مشارك

لطالما كان العامل الجغرافي والمناخ سلاحًا ذا حدَّين في لعب دور حيويّ في إقامة الحضارات وانحلالها وتهديد أمنها، ولكن مع بدء تطوُّر التَّغيُّرات المناخيَّة برزت تهديدات الأمن الإنسانيِّ، حيث لم يعد التَّهديد مقتصرًا على نوبات الجفاف والطَّقس السَّيِّئ والتَّصحُّر وأزمات شحِّ المياه، بل ذهبت التَّهديدات إلى أكثر من ذلك حيث باتت تهدِّد قدرة الدَّولة على السَّيطرة وتحقيق الاستقرار السِّياسيِّ والاقتصاديِّ ولا سيما وحدتها وتماسكها الاجتماعيِّ في مواجهة الإرهاب والجماعات المهدَّدة لاستمرار تواجد الدَّولة، ممَّا يؤدِّي إلى مواجهة الدَّولة لمجموعةً من الصُّعوبات الَّتي تؤثِّر على تماسكها.
وعند الحديث عن التأثيرات السلبية للمناخ تأتي في المقدمة القارة الإفريقية وعلى وجه الخصوص دول الساحل حيث تعد الدول الإفريقية من أكثر الدول تضررًا من التغيرات المناخية على الرغم من ضآلة مساهمتها لانبعاثات الغازات الدفيئة والتي تعد سببًا في ارتفاع درجة الاحتباس الحراري حيث تقتصر مشاركة الدول الإفريقية على ما يقارب 2-3%من إجمالي الانبعاثات العالمية[1]، وتعاني تلك الدول بحكم موقعها الجغرافي من التعرض لجملة من الظواهر المناخية كالتصحر وأزمات اضطراب هطول المطر مما يضغط على الاستقرار السياسي والاجتماعي لتلك المناطق نتيجة لتهديدات الأمن الغذائي لسكان المنطقة، فتؤدي بالنتيجة إلى ارتفاع معدلات الفقر واندلاع النزاعات وتأجج الصراعات بين الطوائف والعرقيات وهو ما يؤثر على تماسك الدولة وأمنها الداخلي بالضرورة في حالة فشل الدولة في مواجهة التحديات المَناخية، حيثٌ أشارت بعض الدراسات أن الجماعات المتطرفة تعمل على عسكرة الموارد المائية فتزيد من احتقان الشعب تجاه أنظمة الحكم المحلية فتعمل على تفاقم التوترات الداخلية وتزايد استقطاب الجماعات المسلحة غير الحكومية لـ”المستضعفين” وظهور عمليات العنف والإرهاب[2].

تضعف المشكلات البيئية من استقرار الدولة وتؤدي إلى تزايد حدة الصراعات الخطرة، ولكن يجب الإشارة إلى أن لا تؤثر التغيرات المناخية على تماسك الدولة بصورة مباشرة، ولكنها تشتمل على مجموعة من العوامل المٌنذرة التي يمكن من خلالها تهديد تماسك وأمن الدولة وخلق حالة من زعزعة الثقة في قدرة الحكومة القائمة على تقويض مصادر التهديدات وقد عدد -هومر ديكسون- (خبير دولي لدى المركز الدولي للابتكار) مجموعة من المشكلات التي تؤثر على استقرار الدولة وتماسكها تمثلت في الشكل التالي[3]:

شكل رقم (1)
المشكلات المناخية التي تؤثر على استقرار الدولة

الشكل من تصميم الباحثة وفقًا للبيانات المُدرجة أعلاه.

شكل (2)
بعض العوامل المهددة لاستقرار الدولة نتيجة للتغيرات المناخية

الشكل من تصميم الباحثة وفقًا للبيانات المُدرجة أعلاه.

ويوضح الشكلان (1)،(2) العلاقة بين الاضطرابات المناخية ومجموعة من العوامل التي تساعد على تآكل الدولة من الداخل فتظهر مجموعة من الظواهر لتهديد استقرار الدولة وأمنها كالصراعات الحادة بين المواطنين، حيثٌ تتنافس العرقيات المختلفة على الموارد وتتعدد محاولات السيطرة عليها كما يحدث بين الرعاة والمزارعين داخل أراضي الساحل نتيجة لتقلص المساحات الزراعية بسبب العوامل المناخية المتغيرة، علاوة على الهجرة غير المنظمة والصراعات العابرة للحدود مع بروز الجماعات المسلحة غير الحكومية والتنظيمات الإرهابية ومنافسة تلك المجموعات للسلطة الشرعية داخل الدولة مما يعيق مؤسساتها عن مباشرة اعمالها الرئيسية كالاستخراج والتوزيع العادل للموارد وتلبية الاحتياجات الإنسانية في أوقات الصدمات المناخية وانخفاض الإنتاج مما يزيد من فقد الثقة في مشروعية الدولة، وتظهر مشكلات التغيرات المناخية بوضوح في بعض الظواهر التي تهدد من استقرار الدولة حيث تتمثل في الآتي:
أولًا: الأمن الغذائي
يؤثر المناخ بصورة مباشرة على البيئة وقدرة الأراضي الزراعية حيث تهدد الاضطرابات المناخية أنظمة الغذاء العالمية نتيجة لموجات الجفاف وارتفاع درجات الحرارة والفيضانات في غير أوانها، وتظهر بعض الدراسات أن انعدام الأمن الغذائي يتزايد بنسبة تتراوح بين 5 :20 نقطة مئوية مع كل فيضان أو جفاف يضرب الدولة[4].

يوضح الشكل التالي هشاشة الأمن الغذائي لدى دول الساحل نتيجة لمخاطر التغيرات المناخية حيث تتخطى تلك الدول 50% من المخاطر[2].

شكل (3) المخاطر المرتبطة بالتغيرات المناخية لعام 2023

أُصيبت النيجر بأزمات متعددة للغذاء حيث ضربت المنطقة بموجات جفاف شديدة ومٌتكررة في 2005 ،2008، 2010، 2012 لاعتمادها بشكل أساسي على الأمطار في أمنها المائي بجانب بحيرة تشاد، حيثُ يُعاني 20 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي نتيجة للتقلبات المناخية وتدهور حالة الأراضي الزراعية وتنافس حوالي 30 مليون فرد على المياه المتضائلة للبحيرة في مقابل نمو السكان بمعدل سنوي 3% مما يزيد من سوء الوضع في المنطقة، ولاتزال تتعافي المنطقة حتى الآن من آثار التغيرات المناخية، حيث خلفت الأزمات المناخية ارتفاع معدلات الفقر المدقع وانعدام الاستقرار السياسي والهجرة القسرية[6].

كما تساهم الصدمات المناخية بشكل كبير في تهديدات الأمن الغذائي داخل مالي حيث يُقدر صندوق النقد الدولي بأن النشاط الاقتصادي ينخفض بمقدار نقطة مئوية إذا كان متوسط ارتفاع درجات الحرارة أعلى من 0,5 درجة مئوية، لذلك تعد مالي من الدول المتأثرة بصورة متزايدة من التقلبات المناخية و انخفاض الإنتاجية الزراعية بأكثر من 40% لارتكاز اقتصادها على القطاع الزراعي حيث يشكل الغذاء والقطن ما يقارب ثلث الإنتاج المحلي ويعتمد حوالي 80% من القوى العاملة على الأنشطة الزراعية والرعوية[7]، قدرت بعض الإحصائيات على معاناة حوالي ربع السكان من تهديدات انعدام الأمن الغذائي لعام 2023 وفقًا لصندوق النقد الدولي[8].

لا يختلف الحال كثيرًا في بوركينا فاسو حيث تتشابه مع باقي دول الساحل في الاعتماد على الزراعة سواء في العمالة أو الإنتاج ويُمثل الإنتاج الزراعي حوالي 30% من الاقتصاد ويعتمد حوالي 86% على الزراعة للحصول على سٌبل العيش، ونتيجة للتقلبات المناخية التي شهدتها الدولة في الفترة من 2006 إلى 2016 أصبح شمال ووسط بوركينا فاسو مهدد بنوبات الفيضانات[9].

تعاني دول الساحل من الصدمات المناخية من حين لآخر ويتعرض السكان لموجات من انعدام الأمن الغذائي والاستهلاك غير الكافي من الغذاء في بعض المناطق، حيث أوضحت البيانات أن حوالي 15% من السكان يواجه مصاعب للحصول على الغذاء داخل مالي، يوضح الرسم البياني التالي الدول التي تعاني من استهلاك الغذاء غير الكافي 2023، وتتصدر دول الساحل أعلى نسب المؤشر حيث تقع النيجر في الصدارة ثم مالي وبوركينا فاسو على التوالي[10].

شكل (4) مستويات الاستهلاك غير الكافي للغذاء في الساحل من ديسمبر 2022 إلى مارس 2023

كنسبة من إجمالي السكان-صندوق النقد الدولي

ثانيًا: النزوح
بالرغم من أن منطقة الساحل تشكل حوالي 0,9%من نسبة سكان العالم، إلا أنها تحتاج إلى ما يقارب 5%من المساعدات الإنسانية العالمية، حيث يعاني ما يقارب ثلاثة أرباع السكان من الغذاء غير الكافي[11]، ويرجع ذلك لمجموعة من المُسببات تتمثل أبرزها في النزوح الداخلي نتيجة التغيرات المناخية حيث ارتفع عدد النازحين داخليًا 2400% عام 2014، وارتفعت نسبة انعدام الامن الغذائي في منطقة الساحل 532%، مما يؤثر على الوضع الأمني والإنساني داخل المنطقة وارتفاع نسبة الصراعات على الغذاء و معدلات النزوح في تزايد مستمر للبحث عن تلبية الاحتياجات الإنسانية، مما يخلق حالة اضطراب داخل الدولة وضغط سكاني واستهلاكي للأماكن الحضرية فتتأثر قدرة الدولة على السيطرة على إعادة التوزيع والعدالة نتيجة لانخفاض الإنتاجية وارتفاع النزوح وما يجلبه من مخاطر تجنيد لدى التنظيمات المسلحة، مما يقيد قدرة الدولة على ممارسة أدوارها بفاعلية[12].

مع تزايد تدهور الإنتاج الزراعي نتيجة للتغيرات المناخية تتزايد أعداد هجرة السكان من الريف حيث المناطق الزراعية إلى الحضر، ومُنذ تسعينات القرن الماضي هاجر ما يُقارب 30% من الأسر المناطق التي تعتمد على الزراعة داخل بوركينا فاسو نتيجة للزراعة غير المٌنتجة، وتتأثر بوركينا فاسو بشكل كبير بالتقلبات المٌناخية سواء من ناحية هطول الأمطار أو معدلات ارتفاع الجفاف ودرجات الحرارة و من المتوقع أن تشهد زيادة كبيرة في درجات الحرارة تتجاوز 4,3 درجة مئوية بحلول نهاية القرن ومن المتوقع أن تزيد كمية الأمطار بنسبة 30% ويقابله زيادة تبخر بنسبة 20% فتتزايد خطورة تعرض البلاد بشكل كبير لموجات الفيضانات والأمطار الغزيرة[13]، مما ينشئ تخوفات من تقلص إنتاجية الأراضي الزراعية و ازدياد عمليات النزوح من المناطق الريفية حيث يعمل في الزراعة ما يُقارب 80% من القوى العاملة بالإضافة إلى معاناة الدولة من اضطرابات الاستقرار الاقتصادي لارتكاز اقتصادها بشكل أساسي على الزراعة، فيخلق بيئة خصبة لتهديد سٌبل العيش ونقص موارد الغذاء، علاوة على الضغط الناتج عن هجرة سكان الريف إلى الحضر وتهديد إمكانية استقرار المناطق المُهاجر إليها، حيث تواجه بوركينا فاسو عمليات نزوح داخلي تعمل على ارتفاع حالات الفقر المركب وعدم المساواة حيث بلغت عمليات النزوح من 47.000 إلى 1.6 مليون نسمة وفقًا لإحصائيات 2018-2021[14].

وتؤدي التقلبات المناخية في مالي أيضًا إلى نزوح أعداد هائلة من الفئات المستضعفة إلى المناطق الحضرية بحثًا عن الموارد الإنسانية الأساسية، حيث تظهر بعض الإحصائيات تزايد أعداد السكان داخل المناطق الأكثر تحضرًا مما يشكل ضغطًا على تلك المناطق كما قدرت نسبة استئجار الأماكن السكنية في الحضر في أوقات نقص الغذاء والعمالة نظرًا لتغيرات المناخية ما بين 38:17%، كنتيجة لارتفاع حصيلة السكان الذين يعانون من سوء التغذية والغذاء غير الكافي حيث ارتفعت من 10 إلى 30% مما يزيد من احتمالية ظهور تهديدات لتلك المناطق ونشوب نزاعات جديدة[15].

ولم يكن الحال أفضل داخل النيجر حيث أجري استطلاع الرأي داخل النيجر وأظهر أن حوالي 87% من المهاجرين ترجع أسباب هجرتهم إلى تهديد التغيرات المناخية لسُبل العيش، حيث تنخفض معدلات الأجور كنتيجة لانخفاض الإنتاجية الزراعية من المحاصيل، حيث تعتمد المناطق الزراعية على مواسم الامطار للإنتاج وعند قدوم مواسم الجفاف تبدأ عمليات النزوح إلى المدن والمناطق الحضرية من أجل البحث عن سبل معيشة أفضل لسد الاحتياجات البشرية من الأمن الغذائي حيث الأنشطة الإدارية والصناعية في الأماكن الحضرية، ومن ثم العودة إلى القرية في مواسم الأمطار مرة أخرى. وأثبتت مجموعة من الإحصائيات بأن تراجع الهجرة بنسبة 42% لأسباب معيشية بحته[16]، كما تشير تقارير البنك الدولي 2021 أن بحلول عام 2050 من المتوقع أن تكون النيجر أعلى نسبة مهاجرين في الداخل بسبب التغيرات المناخية[17].

ثالثًا: الصراعات المحلية والتهديدات المسلحة
تٌعاني منطقة الساحل من مجموعة من الصراعات الداخلية بين المزارعين والرعاة والصراعات المسلحة من قبل الجماعات الإرهابية التي تُنافس الحكومات من أجل السيطرة على العامل البشري والموارد الطبيعية، حيث ترجع هذه الصراعات إلى الاستعمار وطرق تقسيم لتلك الأراضي إلى مناطق هامة يتم التركيز على تنميتها وتطويرها ومناطق مهملة غير هامة، وتوارثت الحكومات التي خلفت التقسيم الاستعماري طريقة إدارة تلك المناطق لتكن المناطق غير الهامة مهمشة من النواحي السياسية والاقتصادية وغيرها من الخدمات، ومع اختلاف التغيرات المناخية وتأثيرها على الأمن الغذائي والقوى العاملة نجد علاقة وثيقة بين اضطرابات المناخ وتفاقم تلك الصراعات في المنطقة نتيجة لانعدام الأمن الغذائي وتزايد عمليات النزوح وفقدان الثقة في قدرة الدولة على تقليص مصادر التهديدات والاضطرابات الداخلية حيث شهدت منطقة الساحل ما يقارب 18 انقلابًا ناجحًا منذ 1960[18].

ترجع الصراعات داخل النيجر لنقص الموارد انعكاسًا لتأثيرات المناخ وبروز الصراعات على الموارد وتأجيج الصراعات الإثنية داخل الدولة مما يُفتت التماسك الاجتماعي ويهدد استقرار الدولة، حيث يصعب في تلك البيئة فرض القانون والنظام وسيطرة الدولة على مناطق النزاعات وتنميتها بتحقيق العدالة والاستقرار، لطالما عانت النيجر من تفشي عمليات العنف والجريمة والخطف والسرقة ومن ثم اكتسبت تلك الجرائم طابع إثني لانتماء أفراد العصابة في الأغلب إلى عرقية، مما أضعف أي دور لقوات الأمن في السيطرة ومكافحة تلك العصابات، فبعد معاناة بحيرة تشاد من الجفاف في ستينات القرن الماضي أصبحت منطقة الحوض تشهد مجموعة من الانقسامات الداخلية العنيفة بعضها إثني والبعض الأخر اقتصادي نتيجة لقلة الموارد والصراعات التي تنشأ بين المزارعين والرعاة.

وكان لهذا عظيم الأثر على النيجر التي تعتمد على البحيرة ومصادر الأمطار بشكل رئيسي، حيث تفقد النيجر ما يقارب 100.000 إلى 120.000 من الأراضي الزراعية كل عام نتيجة لتقلبات المناخ، وتزيد معدلات انخفاض الدخل لاعتماد ما يقارب 78% على الزراعة فتبدأ عمليات النزوح للبحث عن الأمن الغذائي ومصادر للدخل والمنافسة على المصادر الطبيعية المحدودة والتي تتقلص نتيجة العوامل المناخية علاوة على تزايد التوترات الداخلية نتيجة لعمليات الإرهاب[19]، حيث تحتل النيجر المرتبة العاشرة عالميًا في مؤشر الإرهاب العالمي لعام 2024 مما يؤثر على سيطرة الدول على المناطق التي تستهدفها العمليات الإرهابية[20].

ولم يكن الوضع في مالي أفضل أيضًا حيث تظهر في مالي ما يقارب 41 جماعة مسلحة غير حكومية لها علاقات بالتنظيمات الإرهابية كالقاعدة وغيرها وتعمل على التنافس مع الحكومة في السيطرة على مصدر الموارد والعامل البشري، مما يقيد الحكومة من الوصول لبعض المناطق لفرض سيطرتها والتصرف في مواردها، بالإضافة إلى الهجمات الحكومية على تلك المناطق كمحاولة لفرض سيطرتها يخل من أمن المنطقة فتظهر عمليات النزوح داخل مالي وعمليات النزوح تجعل الفرد عرضة لاستقطاب تلك الجماعات الإرهابية في مقابل توفير احتياجاته التي لم تستطع الدولة تأمينها، كما أن انتشار تلك الجماعات وتزايد أعدادها تعمل على تثبيط عزيمة الحكومة والمنظمات الدولية على الاستثمار في تلك المناطق والجهات المانحة غير الزراعية في تحسين تلك المناطق الهشة والتي تتأثر بالصراع وتزداد بؤرها في موجات الجفاف والتقلبات المناخية ما بين الحين والآخر[21].

تؤدي العلاقة بين التغيرات المناخية وسوء توزيع الموارد إلى نشوب صراعات بين المزارعين والرعاة حيث تتزايد حدة التنافس على الموارد البشرية وتزيد من حالات عدم الاستقرار داخل البلاد[22]، كما يؤثر العجز الحكومي المؤسسي عن توفير احتياجات الأمن الغذائي إلى تبني العنف والرغبة في امتلاك السلاح للدفاع عن مورد الغذاء، فتولد العواقب المناخية فرصة لتلك الجماعات المسلحة غير الحكومية في استغلال دور الحكومة المتناقص لملء هذا الفراغ فتعمل على تجنيد الشباب مقابل سد الاحتجاجات[23]، ومن أبرز الأدلة عمليات تجنيد جماعات الفولاني للشباب داخل مالي، حيث يؤثر المناخ على الغذاء ومن ثم يهدد الأمن المعيشي من عدة جهات انخفاض دخول المهمشين اجتماعًيًا وتزايد أعداد النزوح، مما يخلق حالات عدم الاستقرار نتيجة للتنافس بين المزارعين والرعاة على مناطق الموارد الطبيعية، وتغذيها أسباب سوء الإدارة والاضطرابات المناخية فتعمل على ظهور بيئة ترغب في العنف والتسلح من أجل حماية أمنها، وتشهد الدولة عمليات الانتقام بين المجتمع مما يؤثر بالسلب في أسس تماسك الدولة وخلل الاستقرار بأنواعه المختلفة السياسية والاقتصادية والاجتماعية حيث أسفرت تلك الصراعات عن مقتل ما يقارب 2070 فرد في مالي ونزوح حوالي 300 ألف شخص قسرًا منهم 56% تندرج معدلات دخولهم تحت معدلات الفقر وندرة الحصول على مصادر للمعيشة[24].

شكل (5) الصراعات الداخلية الناتجة عن الاضطرابات المناخية

الشكل من تصميم الباحثة وفقًا للبيانات المُدرجة أعلاه.

كما شهدت بوركينا فاسو عددًا من الصراعات بين المزارعين والبدو، حيث يواجه البدو الرّحل في الشمال عواقب التغيرات المناخية في صورة نقص الأعلاف التي يتم استخدامها، فيعمل البدو على الهجرة في أحيان كثيرة إلى الجنوب فتحدث المواجهة بين المزارعين والرعاة ويزيد الأمر سوءًا دعم الدولة للمزارعين، حيث تفضل الحكومة مناطق الزراعة المستقرة في مقابل تهميش الرعاة داخل الدولة فيعمل الرعاة على التعدي على المناطق الزراعية داخل بوركينا فاسو فتؤدي إلى توهج الصراع وتصعيد التوترات في أحيان كثيرة مما يؤدي إلى تقويض التماسك الاجتماعي وزعزعة الاستقرار والأمن في بعض مناطق النزاع[25].
كما ذكرنا مسبقًا تعاني دول الساحل من مجموعة من العمليات الإرهابية حيث تحتل الصدارة في مؤشر الإرهاب العالمي يوضح الجدول التالي صدارة كل من بوركينا فاسو ومالي والنيجر في معدل الهجمات الإرهابية على المستوى العالمي[26].

جدول (1) الدول العشر الأولى في مؤشر الإرهاب العالمي 2024

يتألف مؤشر الإرهاب من مقياس مركب نتيجة لمجموعة من العوامل المتمثلة في الحوادث والوفيات والإصابات وأخيرًا الرهائن، يعتمد مؤشر الإرهاب في تقيمه على دراسة شاملة لتأثير الإرهاب على 163 دولة، حيث يغطي 93.7% من سكان العالم ومن ثم يعطي مؤشر الإرهاب درجة لكل دولة على مقياس يتراوح بين 10:0، حيث يمثل0 عدم وجود تأثير للإرهاب ويمثل الرقم 10 أعلى تأثير، وكما يوضح الجدول السابق تتصدر دولة بوركينا فاسو قائمة الإرهاب حيث تأتي في المرتبة الأولى ومن ثم مالي تلحق بها في المرتبة الثالثة والنيجر العاشرة.
ختامًا؛ لعبت العوامل المناخية في العقد الأخير على تفاقم مجموعة من المشكلات القائمة والتي عملت بدورها على تهديد الاستقرار والأمن داخل دول الساحل علاوة على ذلك برزت تهديدات جديدة كالاستهلاك غير الكافي من الغذاء وظهور الجماعات المسلحة غير الحكومية وارتفاع معدلات النزوح الداخلي والضغط على المناطق الحضرية، كما تؤثر التقلبات المناخية التي تضرب دول الساحل بين الحين والآخر بصورة مباشرة على القطاع الزراعي والغذاء وغير مباشرة على تماسك الدولة وتقييد مرونتها في مباشرة أعمالها التنموية وأهداف عدالة توزيع الموارد بين المواطنين، حيث تشهد منطقة الساحل جملة من الأخطار التي تهدد استقرارها وأمنها والناتجة عن التنافس على الموارد الإنسانية ومحدوديتها، ويزيد الأمر سوءًا ارتفاع معدلات النزوح والتهجير بحثًا عن الأمن نتيجة مشكلات الفقر المدقع وانخفاض الدخول وقلة الإنتاجية الزراعية بسبب الاضطرابات المناخية مما أدى إلى فقدان الثقة في مشروعية الحكومات القائمة ومن ثم التوجه لخيارات أكثر تهديدًا لأمن الدولة كالانتماء للجماعات المسلحة غير حكومية أو تأجيج الصراعات المحلية الإثنية وغيرها، مما يجعل منطقة الساحل أرضًا خصبة لتزايد معدلات الإرهاب.


قائمة المصادر

[1] Africa is particularly vulnerable to the expected impacts of global warming, published paper in un, accessed in oct 15,on: https://2u.pw/qO8urm7T.

[2] فاروق حسين أبو ضيف، التغير المناخي والإرهاب: بحيرة تشاد نموذجًا، مجلة، مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، العدد 6،اغسطس 2022، ص105.

[3] أحمد أمل، المسببات البيئية للصراعات الأهلية في حوض بحيرة تشاد، مجلة الدراسات الإفريقية، العدد1، المجلد 44، ص101.

[4] Diogo Miguel and others, Climate change and chronic food insecurity in sub -Saharan Africa, published paper in international monetary fund (IMF), p.2. on: https://2u.pw/SDmM0nqE.

[5] Luce Tucker, climate vulnerabilities and food insecurity in Mali, published Paper in IMF, ,Jul 2023.p.4.

 

[6] Niger-vulnerability, climate change knowledge portal, published paper in World Bank Group, accessedin Oct15 ,On: https://2u.pw/lVPNZ66p.

[7] Luc tucker,op.cit. p.5.

[8] op.cit. p2

([9])Burkina Faso, climate fact sheet, published paper in red crescent climate center2024. p.6.

[10] Luc tucker, op.cit. p5.

[11] Luc tucker, op.citp.2.

[12] Climate change: an important driver of migration in NigerReveals IOM study, published paper international organization for migration(IOM),accessed on oct 27, on: https://2u.pw/kE5o1zYS.

[13] Windmamagda Sawadogo and others, Potential impacts of climate change on the Sudan -Sahel region  in west Africa -insights from Burkina Faso, published paper in science direct ,v15.accessed on oct 26,on: https://2u.pw/7rax1Pe8.

[14] OP. Cit, p.7.

[15] Mali crisis respond plan 2023-2024, global crisis respond platform ,published paper in   IOM, accessed on oct 14,on: https://2u.pw/uVqY4vEc.

[16] National study on the nexus between Migration Environment and climate change in Niger,published paper in international organization for migration (IOM).P19.

[17] op.cit.

[18] The central Sahel :How conflict and climate change drive crisis 2023,published paper  inThe international rescue committee,The Central Sahel: https://2u.pw/vADKlHvT

[19] op.cit.

[20] Niger-vulnerability, climate change knowledge portal , published paper in World Bank Group, accessed on oct 23, on: https://2u.pw/iVtOLoX3

[21] Op.cit.

[22] Watchlist insight climate and humanitarian crisis in central Sahel ,published paper ininternational rescue committee,accessed on oct 25, on: https://2u.pw/4Y4sHPFK

[23] Climate change and armed groups a score analysis in the Tillaberi region in Niger ,published paper in ministry of foreign affairs of Denmark, accessed on oct 9 ,on: https://2u.pw/wKJsg1nB

[24] Climate change and violent conflict in Mali, informing humanitarian world wide,published paper in relief,accessed onoct 20 2024, on: https://2u.pw/97bPlwdm

[25] TOR A.Benjamenamisen, Does climate change cause conflicts in the Sahel ?,published paper in IIED, accessed in oct 16: https://2u.pw/VRjpXIft

[26] overall terrorism index score, published index in vision of humanity, accessed on oct 11 on: https://2u.pw/Ds3iYOH3

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى