هل فازت هاريس بانتخابات الرئاسة الأمريكية؟
في كتابهما عن دونالد ترامب في أيامه الأخيرة في البيت الأبيض، ذكر بوب وود ورد وروبرت كوستا، أنه إذا كان هناك كائن بشري لدية القدرة علي إخراج النّار من أذُنْيه فهو السيد ترامب، وأضاف كبير مستشاريّه السابق ستيف باتون، أنه يمكنه إخراج تلك النّار حتى من قدميه، وفي مناظرة العاشر من سبتمبر الأخيرة كان واضحاً أن السيد ترامب لا يريد أن يسحق عظام مُنافِسته السيدة كاملا هاريس فقط، بل أن يطأ بقدميه قبْرَها، مما جعل الكثيرين من رجال السياسة في الولايات المتحدة الأمريكية، وهو يرفع شعار إعادة العظمة الأمريكية، يرون أنه يَقْتُل الديمقراطية الأمريكية، بل وينتقل إلي توليتاريات العصور الوسطي ليزيح مصطلح جمهورية الموز ليحل محله إمبراطورية الموز.
فالرجل يتعامل مع كل مَنْ يواجهه بازدراء، فمنذ حادت رصاصة بنسلفانيا عن رأسه، والرجل يعتقد أنه العاصفة الإلهية التي تطرق أبواب البيت الأبيض، وكان لافتاً استدعاءه الشهير لعربة الموتى أثناء مناظرة يونيو مع الرئيس جو بايدن، قبل انسحابه من السباق وتَرشُح السيدة هاريس،لأنه سوف يبعث به إلي المقبرة علي حد تعبيره.
كان يعتقد الرئيس السابق “ترامب” أنه بإمكانه أن يوجه لـ “هاريس” ضربة تليفزيونية قاضية، ليصفها تارة بالمجنونة وتارةً بالشيوعية وأخيراً بالماركسية مما دعا السناتور اليزابيث وارن، بالرد عليه بأنه قد نسيّ أن الشيطان(أي الماركسية) قد مات، إلا إذا كان يود الحلول محله، وليري فيه الباحث السياسي ديفيد ماكفرلين الجثة الملقاة في حاوية القمامة.
ويري السيناتور بيرني ساندرز، أن لدونالد ترامب مخالب مكارثية، وهو يوجه تهمة الماركسية إلي هاريس، فيّ عودةٍ إلي خمسينيات القرن الماضي حين شنّ السيناتور جوزيف ماكارثي، تهمة الشيوعية والعمل لحساب الإتحاد السوفيتي إلي كل من يقرب طَرف النزعة الليبرالية، والذي كان من ضحاياه جورج مارشال وزير الخارجية الأسبق وصاحب مشروع مارشال في أوروبا، وروبرت أوبنهايمر مخترع القنبلة الذرية، وشارلي شابلن الذي كرسّ أفلامه لكل من تحاول الرأسمالية تحويلهم إلي قردة. ولم يقف هذا الانطباع عند ذلك بل أمتد لشخصيات من الحزب الجمهوري الذي يمثْله ترامب، فهى تري أنه يريد أن يختزل الحزب الذي خرج إلي النور عام 1854في شخصه.
وفي ظل استمرار تداعيات المناظرة الأولي بين نائبة الرئيس ومرشحة الديمقراطيين السيدة كمالا هاريس ومرشح الجمهوريين الرئيس الساق دونالد ترامب، التي نظمتها نظمت شبكة ABC الأمريكية في يوم الثلاثاء العاشر من سبتمبر بمدينة فلاديليفيا أكبر مدن ولاية بنسلفانيا أحد أكبر الولايات المتأرجحة بين الديمقراطيين والجمهوريين،- نطرح عدد من الأسئلة: ما هي أهم مشاهد تلك المناظرة؟ وما تأثيرها علي استطلاعات الرأي والولايات المتحدة؟ وهل فازت هاريس في انتخابات الرئاسة الأمريكية؟
المشاهد الـ 5:
5 مشاهد في المناظرة من المحتمل أن تؤثر على المشهد الانتخابي الأمريكي خلال الفترة المقبلة، هي:
(*) المشهد الأول: كانت المناظرة، هي المرة الأولي التي تلتقي فيها هاريس مع الرئيس السابق ترامب، فقد تزامن انتخاب ترامب للبيت الأبيض عام 2016 مع انتخابها لمجلس الشيوخ الأمريكي، واكتسبت سمعة في استجواب مسئولي إدارة ترامب. وفي عام 2020 ساعدت علي هزيمة ترامب كمرشحة لمنصب نائب الرئيس مع جو بايدن، وكان ممن الممكن أن يتقابلا في يناير 2021 في حفل تنصيب الرئيس بايدن، إلا أن ترامب لم يحضر مراسم التنصيب.
(*) المشهد الثاني: كانت تلك المناظرة، هي السابعة للرئيس السابق منذ ترشحه عام 2016، والأولي لكمالا هاريس، وتمثل أهمية كبري في مسيرتها السياسية، خاصة أنها دخلت السباق الرئاسي متأخرة ولا يعرفها الكثيرون، مقارنةً بالرئيس ترامب الذي حكم البلاد 4 سنوات، فالمرشحة الأمريكية كانت في حاجة إلي استغلال المناظرة في إقناع شريحة كبيرة من الأمريكيين، خاصة الشباب الذين يرفضون موقفه من الحرب علي قطاع غزة، وتُمثل المناظرة فرصة للابتعاد عن سجل بايدن الرئاسي في ضوء استياء الناخبين في الولايات المتأرجحة من الوضع الاقتصادي ورغبتهم في التغير.
(*) المشهد الثالث: منذ اللحظات الأولي توجهت هاريس إلي منصة ترامب وأجبرته علي مصافحتِها، فارضةً شروطها في إدارة الحوار ليس في المناظرة فقط، ولكن فيما تبقي حتى الثلاثاء الكبير في الخامس من نوفمبر. هذا بالإضافة إلى أن هاريس، حاولت أن تبدو نشيطة ومفعمة برؤية مستقبلية إيجابية، ونجحت عملياً في تحييد ترامب بل وتجريده من أسلحته الهجومية، ومنعته من إهانتها بأسلوبه المعروف. كما أنها أكدت ما أعلنته في مؤتمر الحزب الديمقراطي، أنه لاستعادة التوازن السياسي والاقتصادي والاجتماعي، الذي أخْتَل في أمريكا، يجب إعادة بناء الطبقة الوسطي التي تراجعت لصالح فاحشي الثراء والفقر.
(*) المشهد الرابع: لعبت هاريس دور المدَعّي العام منذ بداية المناظرة، خاصةً عندما دعت إلي طي صفحة ترامب واصفةً إياه بأنه تهديد لمستقبل البلاد إذا عاد للبيت الأبيض. كما أنها صورته علي أنه مهووس بنفسه وليس بالأشخاص الذين يسعي لخدمتهم، هذا بالإضافة إلى تفاصيل عن إداناته الجنائية ولوائح الاتهام الموجهة إليه. كما سخرت هاريس من أحجام الحشود في مهرجاناته الانتخابية وصولا إلي الانتقادات التي سمعتها من القادة الأجانب، حيث قالت أنهم وصفوه بأنه عارُ، وبدا أداؤها مهيناً ومباشراً وثابتاً بمستوي لم يعهده ترامب خلال السبع مناظرات التي خاضها من قبل، بل وفي حياته السياسية كلها. على ما سبق يمكن القول مثلت هذه المناظرة أهمية كبري لترامب لمحاولة التغلب علي الصيف الصعب الذي عاشته حملته بعد نجاح هاريس في تقليص الفجوة التي كانت بينه وبين الرئيس جو بايدن قبل الانسحاب من السباق.
(*) المشهد الخامس: أضاف انعقاد المناظرة في مدينة فلادليفيا أكبر مدن ولاية بنسلفانيا التي أصبحت قلب السياسة الأمريكية في ظل احتدام المنافسة بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري، والتي تعد أكثر الولايات المتأرجحة، فقد فاز بها الرئيس ترامب وكسب السباق الرئاسي عام 2016 وخسرها أمام الرئيس بايدن عام2020 وخسر السباق الرئاسي، مما يعني أنها ملتقي الصراع الحزبي خلال السباق الرئاسي، وأي تصرف غير لائق من قبل المرشحين من الممكن أن يأتي بنتائج عكسية في الولاية شديدة الأورجوانية.
حدود تأثر استطلاعات الرأي:
يرى خبراء المناظرات الرئاسية الأمريكية، أن الانتصار في المناظرة ليس بالضرورة فوزاً في الانتخابات، وأن المرشحين المتألقين في المناظرات لا يفوزون دائماً، فقد خسر دونالد ترامب أمام هلاري كلينتون عام2016، وجورج بوش الابن أمام جون كيري عام 2004، ولكنهما فازا بالبيت الأبيض.
وعلي الرغم أنه من المبكر معرفة تأثير تلك المناظرة بين هاريس وترامب علي الناخبين المترددين، إلا أن هناك من الإشارات الأولية، تقول إن هاريس ربما تكون نجحت في تقديم رسالة أعمق بكثير من مجرد منافسة جدّية لترامب، وتسعي إلي تقديم أوراق اعتمادها للناخبين بسرعة قياسية، مع عجز الرئيس السابق عن وقف ذلك التحدي. لقد أعادت هاريس الخطاب الذي ألقته في مؤتمر الحزب الديمقراطي الشهر الماضي، وأشارت فيه أنها تمثل جيل جديد في السياسة الأمريكية أتى إلي واشنطن من أصول سياسية واجتماعية وثقافية وعرقية وعُمرية، يعكس التغيير الديموجرافيي الكبير الذي شهدته الولايات المتحدة، والذي بدأ في الظهور مع انتخاب الرئيس باراك أوباما أول رئيس من غير البيض للولايات المتحدة الأمريكة.
لقد جاء إعلان المغنية الأمريكية الشهيرة تايلور سويفت التي يتابعها 283 مليون شخص، وتأييدها لهاريس عقب المناظرة مباشرة علي منصة إنستجرام، ليعكس موقف هذا الجيل الذي تراهن عليه هاريس، حيث كتبت تايلور أنها ستصوت لهاريس لأنها تناضل من أجل حقوق وقضايا أعتقد أنها في حاجة لمحارب يدافع عنها، وأضافت أعتقد أنها شخصية واثقة من نفسها وزعيمة موهوبة، وسيكون بإمكاننا أن نحقق كثيراً في هذه البلاد إذا كان الزعيم الذي يقودنا هادئاً وليس فوضوياً. كما وقعت السيدة سويفت علي المنشور، وظهرت وهي تحمل قطتها باسم “سيدة القطط بلا أطفال” ساخرةً من تصريحات جي ديفانس المرشح لمنصب نائب الرئيس مع ترامب، الذي صرح بأن من يديَر الديمقراطيين هو زمرة من سيدات القطط اللاتي لم يُنجِبن أطفال ويشَعُرن بالتعاسة تجاه حياتهن والخيارات التي اتخذنها ويرغبَن بإتعاس باقي البلد كذلك، وتابع دي فانس أن من ليس لديهم أطفال يجب أن لا تكون لهم يد في مستقبل أمريكا وذكر هاريس بالاسم.
لقد دعت السيدة سويفت إلي التصويت لهاريس في خطوة تتوقع شبكة CNN أن يكون لها تأثير علي الناخبين الأصغر سناً، وأصبح منشور سويفت أحد أكثر منشوراتها الرئيسية تفاعلاً في عام 2024 اعتبارا من مساء الأربعاء التالي للمناظرة، وسُجل أكثر من 338 ألف زيارة في 15ساعة لموقع Vote.gov لتسجيل الناخبين حسب موقع أكسيوس، ونال المنشور 9.7 مليون إعجاب علي إنستجرام، وكشف فحص اتجاهات جوجل ارتفاع في عمليات البحث عن سجل الناخبين حسب “واشنطن بوست”. أما CNN فرأت أن تأثير سويفت يأتي في الوقت الذي يحاول فيه الجمهوريون إغلاق الفجوة مع الديمقراطيين المسجلين في العديد من الولايات الرئيسية، وتحديداً في أريزونا ونيفادا وكارولينا الشمالية وبنسلفانيا فقد زادت نائبة الرئيس هاريس من تقدمها علي الرئيس السابق ترامب عقب مناظرة الثلاثاء الماضي. وأظهر استطلاع Morning Consult أجرته يوم الأربعاء عقب المناظرة مباشرة بين ما لا يقل عن 3317 ناخباً محتملا ً، أن هاريس تتقدم بخمس نقاط، وهو ما يمثل ارتفاعاً عن تقدمها بثلاثة أو أربع نقاط عن أخر استطلاع للرأي قبل مناظرة فلادليفيا، وأجاب 50% من المشاركين إنهم سيصوتون لهاريس لو أُجريت الانتخابات اليوم بارتفاع من 49% قبل المناظرة، وأجاب 45% من المشاركين أنهم سيصوتون للرئيس السابق لو أجريت الانتخابات اليوم بعد أن كانت النسبة 46% قبل المناظرة، وحظيت هاريس علي 46% من الناخبين المستقلين مقابل 40% لترامب.
لقد كتب محللو Morning Consult أنه من السابق لأوانه القول إن أداء هاريس في المناظر، هو السبب الرئيسي لتلك الأرقام، حيث تشير الاتجاهات قصيرة الأجل إلى أنها- أي هاريس، كانت بالفعل تبني زخماً قبل المناظرة، ومع ذلك اعتبر المحللون أن أداء هاريس كان ناجحا علي نطاق واسع، وسوف يساعدها علي الحفاظ علي هذا الزخم والتفوق، بعد أن جعلت ترامب يصرخ مراراً وتكراراً وينشر نظريات المؤامرة، وظهر عليه الغضب ورفض إجراء اتصال بالعين مع هاريس. ووفقاً لمحللي الشبكة، فإن المناظرة كانت بمثابة لحظة حاسمة بالنسبة لهاريس التي كانت تحتاج إلي تقديم أفكارها السياسية للناخبين، وإظهار التباين الصارخ بينها وبين ترامب. لقد أظهر استطلاع سريع أجرته شبكة CNN أن 63% من مشاهدي المناظرة قالوا إن هاريس، فازت بمناظرة الثلاثاء، مقارنة بـ 37% من المشاهدين قالوا إن ترامب فاز. كما أظهرت استطلاعات رأي متعددة صدرت الخميس التالي للمناظرة، أن هاريس توسَع الفارق مع ترامب علي المستوي الوطني. وعلي موقع Truth Social رفض الرئيس السابق إجراء أية مناظرات أخري مع كاملا هاريس قبل إجراء الانتخابات في الخامس من نوفمبر القادم، مؤكداً أنه فاز في مناظرة يوم الثلاثاء علي الرغم من استطلاعات الرأي التي أكدت عكس ذلك، وأعتبر الرئيس السابق أن قضايا الهجرة والتضخم تمت مناقشتها في مناظرة يونيو أمام الرئيس بايدن،وعلقت هاريس علي منشور ترامب في تجمع في ولاية كارولينا الشمال، وعبرت عن رغبتها في مناظرة الرئيس السابق مرة أخري، معتقدة أنه حق للناخبين وأنها والرئيس السابق مدينان للناخبين بذلك. كما أنه في حالة إصرار الرئيس السابق علي ذلك لن يكون هناك فرصة أخري سوي مناظرة المرشحين لمنصب نائب الرئيس جي دي فانس المرشح نائباً لترامب، وتيم والز المرشح نائباً لهاريس.
في النهاية، يمكن القول إن مناظرة العاشر من سبتمبر، عبْرت الشاشة المنقسمة عن الانقسام التاريخي الذي تشهده الولايات المتحدة الأمريكية. فالجمهوريون الذين يمثلهم دونالد ترامب، يَرونّ الولايات المتحدة جحيم من الجريمة المتزايدة والهجرة غير المنضبطة والبؤس الاقتصادي. والديمقراطيون الذين تمثْلهم السيدة هاريس، يرون أن الأمة الأمريكية تعاني الانقسام الذي زرعه ترامب منذ ولايته الأولي.