هل يكون الخامس من نوفمبر موعداً للحرب الأهلية الأمريكية الثانية؟
ربما يثير عنوان المقال الكثير من الدهشة، كما أثارت تنبؤات علماء المستقبليات وكُتَاب الخيال العلمي الدهشة والاستغراب في بداية القرن العشرين على فكرة صعود الإنسان للقمر، واكتشاف الأقمار الصناعية والسليكون والإنترنت واختراع القنبلة الذرية، وأيضاً كما أثار ألفين توفلر الدهشة والاستغراب في كتابه “الموجة الثالثة” في الثمانينيات من القرن الماضي متنبأً بانهيار وتفكك الاتحاد السوفيتي، وهو ما حدث بعد ثلاث سنوات من صدور الكتاب، فالتاريخ عقل كبير يمد البشرية بالأفكار والتجارب، وليس هناك عائق أمام تفكير العقل البشري في المستقبل، وللزمن دورات تاريخية متوالية الحدوث، ولا تدوم امبراطورية إلى الأبد فهي تُولد لتموت، فالقرن الخامس عشر كان برتغالياً والقرن السادس عشر كان إسبانياً والسابع عشر ألمانياً أما الثامن عشر فكان فرنسياً وكان التاسع عشر بريطانياً بامتياز ووصلت الإمبراطورية البريطانية أقصي حدودها في العام 1935، ثم ظهرت الولايات المتحدة الأمريكية كقوة اقتصادية وسياسية وعسكرية وثقافية وعلمية، أطاحت بالإمبراطورية البريطانية واحتلت مكانها، فما المانع أن تنهار هي الأخرى ضمن حركة التاريخ الحتمية ومنطق المتواليات الهندسية السياسية والنظريات الدائرية لانهيار الأمم، فلا توجد ثقافة واحدة وإنما ثقافات متعددة، لأنها لم تنشأ كثقافة واحدة، بل مجموعات منفصلة لها مُثل عليا وأهداف مختلفة حسب الصحفي الأمريكي كولن وودارد، وأحفاد المؤسسين لهذه المجموعات لا يستوعبون ثقافة واحدة أو محددة بقدر ما يستوعبون ثقافة وروح تلك المجموعات، ومن المفارقات أن المفكر الأمريكي ألفين توفلر أحد علماء دراسة المستقبل الذي تنبأ بانهيار الاتحاد السوفيتي قد تنبأ أيضاً بانهيار الولايات المتحدة الأمريكية بعد تفكك ولاياتها إلى ولايات مستقلة، وأن تشهد أعمال شغب وقتل وانهيارًا أمنيًا، وحسب توصيف توفلر فقد رأينا نصف الكوب الأمريكي وبانتظار نصفه الأخر في لاحق الأيام، وتأتي أحداث وتطورات السنوات الأخير التي شهدتها الولايات المتحدة خاصة في أعقاب مقتل المواطن الأمريكي الأسود فلويد، كذلك تمرد العديد من حكام الولايات على الإدارة الفيدرالية، ورفض تنفيذ أوامرها وقراراتها، وكذلك استنكار التدخل في شؤونهم الخاصة بولاياتهم، وطالبوا بتفكيك مؤسسات الدولة المركزية، ومطالبة ولاية كاليفورنيا باستقلالها تحت حملة كاليفورنيا وطناً، كذلك ولاية تكساس التي طالب الحزب الجمهوري بها بإجراء استفتاء حول انفصالها عن الولايات المتحدة، مما يؤكد ما ذهب إليه توفلر في تنبؤه، كذلك عالم الاجتماع النرويجي يوهان كالتونج الذي تنبأ بانحسار دور الولايات المتحدة كقوة عالمية خلال فترة تولي الرئيس دونالد ترامب للرئاسة، بل وأكد أن توليه الرئاسة سيسرع من عملية الانهيار الأمريكي، وأضاف أن الهيمنة الامريكية ربما تنهار في العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين أو تتآكل بفعل الشك في الذات.
وفي الخامس من نوفمبر تأتي الانتخابات الأمريكية رقم 60 لاختيار الرئيس رقم 47 بين مرشحة الحزب الديمقراطي نائبة الرئيس الحالي جو بايدن السيدة كامالا هاريس أمام مرشح الحزب الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترامب، والذي تنبأ عالم الاجتماع النرويجي يوهان كالتونج بأنه سوف يُسَرع من عملية الانهيار الأمريكي. فهل يكون الخامس من نوفمبر بداية الحرب الأهلية الأمريكية الثانية؟
سياق الانتخابات الأمريكية: تأتي الانتخابات الأمريكية في ظل انهيار بنية المجتمع الأمريكي، مع وجود خلل في الهوية داخل ذلك المجتمع، وكذلك انقسامات خطيرة، وشرخ في الجدار المجتمعي الأمريكي، ودعوات الانفصال تدق أبواب عدد من الولايات الكبرى كاليفورنيا وتكساس، وعنصرية تتعمق في الثقافة المجتمعية وتتحول إلى جزء من حياة الفرد الأمريكي، وكان ظهور فيرس كورونا المستجد وفشل إدارة الرئيس ترامب في مواجهتها البداية الحقيقية لانقسام الولايات المتحدة بالفعل إلى مجموعات من أجل البقاء، وزادت الفوضى والصراعات السياسية، وتحولت العاصمة واشنطن إلى ما يشبه الثكنة العسكرية، حيث انتشر ما يقرب من 20 ألف جندي من الحرس الوطني وقوات الشرطة والمباحث الفيدرالية خوفاً من أعمال عنف متوقعة من قِبل أنصار الرئيس السابق دونالد ترامب الرافضين لخسارة الانتخابات، والمعتقدين بتزويرها لصالح الرئيس جو بايدن، وكان من المثير حقاً ظهور ميليشيات مسلحة عرقية منقسمة بين الدفاع عن السود وأخرى عن البيض تعمل طبقاً لمعتقدات سياسية معينة وبشكل منفصل عن قوات الأمن الرسمية في بروفة لا تخطئها عين للحرب الأهلية، وكانت الميليشيا السوداء وهي مجموعة مسلحة من الأمريكيين الأفارقة يتزعمها ضابط سابق بالجيش الأمريكي تعمل لمواجهة العنف الشرطي ضد المواطنين من أصحاب البشرة السواء، وقابلت تلك الميليشيا مجموعات أخرى أسسها أمريكيون من أصحاب البشرة البيضاء ينتهجون سياسات عرقية ويمينية متطرفة مثل حركة بوجالو وحركة حَفِظة القسم وحركة الثلاثة في المائة، وتنشط تلك المجموعات وتتغذى على الفوضى السياسية والمجتمعية والممارسة العنصرية من قبل الشرطة التي تضرب بأطنابها أعماق المجتمع الأمريكي، مما ينذر بحروب أهلية في المستقبل القريب في ظل نظام البيع المباشر للأسلحة وانتشارها في أيدي أفراد المجتمع الأمريكي، ويُرجِع الاقتصادي الأمريكي جوزيف ستيجليتر الحائز على جائزة نوبل في كتابه “الناس والسلطة والأرباح” حالة الانقسام بمسمياتها المختلفة إلى حالة عدم المساواة التي ميزت عصور الرؤساء بيل كلينتون وجورج دبليو بوش وباراك أوباما، ويرى أن المجتمع الأمريكي يبحث عن هوية مفقودة بسبب العنصرية، وأزمة نظام قبلي سياسي منقسم بين حزبين ودولتين أمريكيتين واحدة بيضاء والأخرى سوداء، فالرئيس بوش لم يعجبه بروتوكول كيوتو فأخرج أمريكا منه، الرئيس أوباما يؤمن بتغير المناخ فدعم اتفاق باريس، وأخرج الرئيس ترامب أمريكا منه، في ظل أمزجة رئاسية فردية تخرج قراراتها على مزاجها الخاص، هناك أحداث حدثت كأنها جرت في جمهوريات الموز فالفشل في مواجهة فيروس كورونا وارتفاع أعداد الوفيات يعود إلى فشل النظام الصحي المصمم في الأصل لرعاية النخبة الثرية، كذلك عدم وجود شبكة أمان اجتماعي للفقراء وكبار السن، وعدم وجود مساواة حقيقية بين المواطنين في الحصول على خدمات الرعاية الصحية عند الاحتياج إليها، فقد شاهد العالم كيف كانت أطقم الرعاية الصحية الأمريكية تنتظر وصول الإمدادات من المستلزمات الطبية والأدوية والأجهزة الصينية الصنع لإنقاذ أرواح المرضي الأمريكيين، كما أظهر الوباء ممارسات الشرطة غير العادلة ونظام العدالة المعطل وقمع الناخبين على نطاق واسع، أما الأخطر فكان تدمير الطبقة الوسطي التي يعود إليها الفضل في صناعة التفوق الأمريكي في النصف الثاني من القرن العشرين وبداية القرن الحالي، لصالح فئات معينة من الأفراد والعائلات الأثرياء والمؤسسات مثل البنوك والأسواق المالية الوهمية، وجاءت المغامرات العسكرية في الخارج مثل العراق وأفغانستان لتخلف أزمات متتالية أخطرها أزمة الديون الأمريكية التي تخطت ال 30تريليون دولار.
· كيف يصف المشهد السياسي أزمة الأحزاب في أمريكا:
لا توجد انتخابات رئاسية في التاريخ الأمريكي حَفلت بكل هذه الأحداث الدراماتيكية والمفاجئات السياسية والقضائية، فعودة رئيس سابق للمشهد السياسي بمحاكمات قضائية وإدانات في قضايا جنائية، ومحاولة اغتياله، والأسئلة حول القدرات الذهنية للرئيس الذي كان مرشح رئاسيا، وتنحي متأخر للرئيس من السباق كي تخلفه نائبته في الترشح وقد تصبح أول سيدة تسكن البيت الأبيض ليس كسيدة أولي ولكن كرئيسة للولايات المتحدة، ويشير كل ذلك إلى الأزمة التي تعاني منها الأحزاب السياسية خاصة الحزبين المهيمنين على الرئاسة خلال عمر الجمهورية الأمريكية.
(*) أزمة الحزب الجمهوري: منذ ترشيح الحزب الجمهوري للرئيس السابق دونالد ترامب في انتخابات 2016، والإطاحة بالأسماء الكبرى في الحزب مثل جيب بوش الحاكم السابق لولاية فلوريدا وابن الرئيس السابق جورج بوش وشقيق الرئيس السابق جورج دبليو بوش لصالح رجل الأعمال والترفيه والآتي من خارج المؤسسة الحاكمة، وبعد الفوز بالرئاسة توالت تصرفات الرئيس التي خرج أغلبها عن الأعراف والتقاليد الرئاسية الأمريكية، وتعرضت مؤسسات الحكم الأمريكية لاختبار التوفيق بين رؤى ترامب وتحقيق مصالح الولايات المتحدة الأمريكية، كما مثلت تصرفات الرئيس تحديا لنواب الحزب في الكونجرس حتى لا يثيروا غضبه فيخسروا مقاعدهم في التجديد النصفي بعد أن تأكدوا أنه اختطف قاعدة الحزب الانتخابية، وبعد خسارة ترامب للرئاسة عام 2020 أمام الرئيس بايدن ورفض اعترافه بالنتيجة في سابقة لم تشهدها الحياة السياسية الأمريكية من قبل، وتصاعدت تلك الأزمة إلى حد الدعوة إلى إلغاء نتائجها، بعد ما دعا أنصاره إلى إقامة مسيرة نحو مبني الكابيتول مقر الكونجرس للقتال بكل ضراوة لاستعادة البلاد مما أدي إلى اقتحام الكونجرس في السادس من يناير 2021، في أكثر لحظات العنف السياسي خطورة منذ الحرب الأهلية الأمريكية، وعلى الرغم من أن ترامب هو الرئيس الأمريكي الوحيد الذي حاول الكونجرس عزله مرتين، لم يجد الحزب بديلاً له كي يكون مرشحه في الانتخابات الرئاسية الحالية، وأصبح دونالد ترامب عضو الحزب الديمقراطي لثماني سنوات من 2001 حتى 2009 الملك المتوج على Grand Old Party الذي قدم لأمريكا الرؤساء العظام إبراهام لينكولن وثيودور روزفلت ودوايت إيزنهاور، بل وينتهي إلى كونه مجرد وسيلة يستخدمها ليصل إلى الحكم في المرة الأولى، ويحاول في الثانية على الرغم من إدانته في جرائم جنائية و دوره في عملية تسليم السلطة والتحريض على اقتحام الكونجرس، غير الجرائم الأخلاقية المتمثلة في العلاقة مع ممثلة الأفلام الإباحية ستورمي دانيلز، وإدانة هيئة محلفين نيويورك له في 34 تهمة جنائية، وأصبح الحزب ملكاً لترامب بعد أن اختصره في شخصه ومصلحته السياسية، وقد دفعت أزمة الحزب الجمهوري أحد كبار الجمهوريين ونائب الرئيس السابق ديك تشيني للإعلان عن التصويت لكامالا هاريس مرشحة الحزب الديمقراطي ومنافسة ترامب، ولم يكتف بذلك بل لخص أزمة الحزب الجمهوري بالقول إنه “في تاريخ أمتنا الممتد لمئتين وخمسين عاماً لم يكن هناك فرد يشكل تهديداً أكبر لجمهوريتنا من دونالد ترامب” وأضاف أنه “حاول سرقة الانتخابات الأخيرة باستخدام الأكاذيب والعنف لإبقاء نفسه في السلطة بعد أن رفضه الناخبون، وأن ترامب لا يمكن الوثوق به في السلطة مرة أخرى، كمواطنين يقع على عاتق كلا منا واجب وضع البلاد فوق الانتماء الحزبي للدفاع عن دستورنا، ولهذا سوف أُدلي بصوتي لنائبة الرئيس كامالا هاريس”.
(*) أزمة الحزب الديمقراطي: تمثلت أزمة الحزب الديمقراطي في حالة التخبط التي مُني بها عقب خسارة هيلاري كلينتون أمام دونالد ترامب في انتخابات 2016، ثم اختيار نائب الرئيس حينها جو بايدن مرشحاً للحزب في انتخابات 2020 لإيقاف مسيرة الرئيس ترامب نحو ولاية ثانية وهو ما نجح فيه، واعتبر الرئيس بايدن في تجمع انتخابي في ديترويت في مارس 2020 نفسه جسراً لمن أسماهم بجيل كامل من القادة ومستقبل البلاد، لكنه قرر أن يخوض انتخابات 2024 أمام ترامب، ونتيجة تقدمه بالعمر وافتقاده الحيوية الذهنية ولأدائه الكارثي بمناظرة السابع والعشرين من يونيو الماضي، حيث بدأ مرهقاً أمام ترامب والذي حاول أن يستغل نقاط ضعفه، وجاءت نجاة الرئيس السابق ترامب من محاولة اغتيال مما جعل منه بطلاً وتجعل مسألة خسارة بايدن للانتخابات مسألة وقت فقط، وتزايدت الضغوط على الرئيس بايدن للانسحاب من السباق لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، بعد أن أصبح عبئاً انتخابياً.
وانسحب بايدن من الانتخابات ليفسح الطريق لنائبته كامالا هاريس، وظل التباين في المواقف بين أجنحة الحزب الديمقراطي تجاه قضايا مثل الحرب على غزة بين جناح تقليدي يرى ضرورة الانحياز لاسرائيل ويمثله الرئيس بايدن، وجناح تقدمي يرى ضرورة ربط تلك المساندة بوقف الحرب، وعلى الرغم من هذا التباين يبدو الحزب الديمقراطي موحداً على هدف هزيمة ترامب في الانتخابات.
سيناريوهات الخامس من نوفمبر
– السيناريو الأول؛ فوز هاريس: تتمتع كامالا هاريس بتقدم طفيف في 4من الولايات الأورجوانية أو المتأرجحة وهي ميشيجان ونيفادا وويسكونسن وبنسلفانيا مما يضعها على طريق الحصول على 276 صوتاً في المجمع الانتخابي والمطلوب للفوز 270 صوتاً مع حصولها على ولايات الجدار الأزرق أي الولايات التي تصوت دائما للحزب الديمقراطي.
– السيناريو الثاني؛ فوز ترامب عبر الشرق: تراهن حملة ترامب على ولايات الشرق وهي جورجيا وكارولينا الشمالية وبنسلفانيا، حيث تمتلك الولايات خاصة جورجيا وكارولينا الشمالية أكبر عدد من السود في الولايات الأرجوانية، في الوقت الذي يبلغ نسبة السكان السود في بنسلفانيا 10%من سكان الولاية، حيث شكك ترامب في هوية هاريس السواء .
– السيناريو الثالث؛ ولايات حزام الشمس: يبدو المسار الأكثر منطقية لترامب والذي يمر عبر ولايات الجنوب الأمريكي مع ضرورة إضافة ولاية شمالية، حيث أشارت استطلاعات الرأي إلى تقدمه في ولايات حزام الشمس وخاصة أريزونا وجورجيا وكارولينا الشمالية، وسلبية هذا المسار تبدو في ضرورة فوز ترامب بإحدى الولايات الشمالية حتى في حالة فوزه بولايات حزام الشمس جميعها، وكانت ويسكونسن هي أقرب ولايات الشمال حيث خسرها في 2020 بنسبة 0.6 نقطة ولكن استطلاعات الرأي المتقاربة جداً تشير إلى بنسلفانيا.
– السيناريو الرابع؛ انتصار كبير لهاريس: ويتمثل ذلك في فوز كامالا هاريس بالولايات السبع المتأرجحة وذلك لتقدمها في استطلاعات الرأي الوطنية بنقطتين مما يسمح لها بالانتصار في تلك الولايات، ويعتمد ذلك على دقة استطلاعات الرأي.
– السيناريو الخامس؛ انتصار كبير لترامب: في حال كانت استطلاعات الرأي خاطئة مثل ما كانت عليه2016 فان ترامب سيفوز بجمع الولايات الأرجوانية باستثناء نيفادا، وإذا كانت خاطئة مثل 2020يفوز ترامب بجميع الولايات دون استثناء.
– السيناريو السادس؛ التعادل: هو سيناريو غير مرجح لكن من الناحية النظرية من الممكن أن يكون لدينا 269 صوتاً لكل مرشح في المجمع الانتخابي، ومن الممكن أن يحدث ذلك في حالة فوز هاريس في ميشيجان وبنسلفانيا وويسكونسن مع خسارتها باقي الولايات والدائرة الثانية في نبراسكا، وفي حالة فوز هاريس في نبراسكا كما هو متوقع فيكون السيناريو الأكثر ترجيحًا لحدوث التعادل هو فوز ترامب في بنسلفانيا وميشيجان كارولينا الشمالية أو جورجيا دون الفوز في أية ولاية أورجوانية أخري. وفي هذه الحالة يتم اللجوء إلى الانتخابات الطارئة حيث ينتخب مجلس النواب الرئيس من خلال الإدلاء بصوت واحد لكل ولاية وفي هذه الحالة احتمالات فوز الجمهوريين أكبر.
هل يقبل الرئيس السابق ترامب الخسارة؟ يخشى الكثيرون في الداخل الأمريكي بل وخارجه من وصول الرئيس السابق ترامب إلى البيت الأبيض مرة ثانية، ولكن هناك من يخشى خسارته أكثر من خشيته الفوز قياساً على شخصية الرئيس السابق وما قام به أنصاره بعد انتخابات 2020، فعند خسارة ترامب سيدعي وجود تزوير وسيقوم بكل ما يستطيع القيام به لقلب النتائج، وبالتأكيد لن يحضر مراسم تنصيب هاريس، حسب دونالد نيمان المحلل السياسي في جامعة بينجهامتون، الذي أضاف أنه شخص لا يتقبل الخسارة ولا يقر اطلاقاً بالهزيمة، وقد مهد ترامب لذلك في مجمع انتخابي في ميشيجان عندما صرح بأنه إذا خسر الانتخابات فسيكون ذلك بسبب التزوير، وكرر مراراً وتكراراً مزاعمه حول شرعية تعداد الأصوات وتصويت الأجانب والتصويت عبر البريد وتصويت الموتى، وحسب المحلل السياسي أدرين أوثي مؤسس شركة كرونوس إن للاستشارات القانونية من الممكن أن تستمر المعركة القانونية لأسابيع، وبناءاً على حدتها يمكن أن تؤدي إلى احتجاجات أو حتي أعمال عنف متفرقة في أماكن محددة، ويتوقع ثلثي الأمريكيين حدوث أعمال عنف عقب الانتخابات حسب استطلاع سكريبس نيوز إبسوس الذي صدر الخميس الماضي، ويؤيد معظم من اسُتطلع رأيهم الاستعانة بالجيش لمنع أي اضطرابات، ورأي أكثر من ربع المستطلعة آرائهم أن حرباً أهلية سوف تندلع حسب استطلاع يوجوف، وقد عبرت الجهات الأمنية والاستخباراتية عن مخاوفها من احتمال وقوع ضحايا في تقرير بشأن التهديدات المرتبطة بالانتخابات من قبل أطراف خارجية، ورفع مدير المخابرات الوطنية السرية عنه ونُشر الأسبوع الماضي، وفي العاصمة واشنطن تم تعزيز الإجراءات الأمنية بشكل لم يسبق له مثيل، تحسباً لأعمال العنف ولمنع تكرار ما حدث من أنصار ترامب عام2021، وأضاف دونالد نيمان أنه يخشي أعمال عنف من أنصار ترامب في ماديسون ولانسينج في ميشيجان أو هاريسبرج في بنسلفانيا لمنع الناخبين من الإدلاء بأصواتهم، وعلى الرغم من الإجراءات التي اتخذتها السلطات الأمنية في واشنطن والتي جعلت تكرار اقتحام الكابيتول مرة أخري كما حدث في يناير2021 صعباً للغاية، إلا أن هناك تخوف وقلق بشأن المباني الحكومية الأخرى وشهدت بنسلفانيا تدريبات تكتيكية على خفض التوتر، كما تم تحديث الهواتف المحمولة ببرنامج زر الذعر، وتم تركيب زجاج مضاد للرصاص في مكاتب الانتخابات، ومما أثار قلق الأمريكيين في الأيام الأخيرة قيام الرئيس السابق ترامب ببناء قضية مفادها أنه تم تزوير الانتخابات خاصة في بنسلفانيا التي زعم أن هناك تلاعب بالأصوات بشكل كبير، وقد حذر مستشار الرئيس ترامب السابق للأمن القومي جون بولتون في حديث مع الCNN من عدم قبول ترامب لنتائج الانتخابات إذا خسر داعيا إلى الاستعداد لهذا الرفض، لأن ترامب سيعتبر منصب الرئاسة قد سُرق منه وربما يعلن الفوز بالانتخابات مبكرًا على حد زعم جون بولتون.
ختامًا: حذر الرئيس الأول للولايات المتحدة الأمريكية جورج واشنطن من مخاطر الحزبية وكان ذلك في خطاب الوداع ورأى أنها تثير الغيرة في المجتمع وتثير الشغب والعصيان أحيانًا، وفي أقل من مائة عام تحولت تلك المخاوف إلى حقيقة عندما أدت قضية العبودية إلى اندلاع حرب أهلية فقدت فيها أمريكا ما يقرب من 750 ألف شخص أو ما يقرب من 2% من عدد سكانها في تلك الأيام، ومن الكساد الكبير في عشرينات القرن الماضي إلى حرب فيتنام في الستينات وأوائل السبعينات من نفس القرن تميزت تلك الفترة بالانقسام بسبب عدم المساواة الاقتصادية والأيديولوجية السياسية واستخدام القوة العسكرية، فما يحدث اليوم في أمريكا هو التاريخ المتراكم المتصل بحلقات مترابطة، والثقافات المتناحرة والمتعددة أحدثت تشققات في قشرة المجتمع الأمريكي ونظامه السياسي فالجمهور يحتقر الطبقة السياسية، الديّن العام يتراكم بوتيرة مذهلة، والعنف يزداد بمتوالية هندسية بسبب الانقسام السياسي وثقافة الكراهية، الذي قد يؤدي إلى نشوب حرب أهلية، وتبدو الولايات المتحدة عند فوز الرئيس السابق ترامب على موعد مع سابقة تاريخية لم تحدث منذ 1893عندما دخل الرئيس جروفر كليفلاند البيت الأبيض للمرة الثانية بعد تركه له قبلها بأربعة اعوام ليصبح الرئيس الثاني والعشرين والرابع والعشرين في تاريخ الجمهورية الأمريكية، أو سوف تكون على موعد مع سابقة تاريخية بوصول أول سيدة للرئاسة في حالة نجاح السيدة كاملا هاريس، ولكن الأهم من السوابق التاريخية أن الولايات المتحدة الأمريكية تعاني من أشد وأخطر حالات الانقسام منذ الحرب الأهلية الأولى، فهل يكون الخامس من نوفمبر 2024 موعداً للحرب الأهلية الأمريكية الثانية؟