تحالف استراتيجي… أبعاد زيارة الرئيس الصومالي لمصر
تشكل زيارة الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود لمصر في أعقاب فشل الجولة الثانية من المفاوضات في تركيا حدثًا ذا دلالات استراتيجية هامة، تعكس التوترات والتحولات الجيوسياسية في منطقة القرن الإفريقي، حيث تأتي هذه الزيارة في سياق معقد تتنافس فيه قوى إقليمية ودولية على النفوذ في المنطقة، وتعد مصر وتركيا من أبرز الفاعلين في هذا الصراع ، فبينما تسعى تركيا لتعزيز نفوذها في الصومال عبر استراتيجيات طويلة الأمد، تبدو مصر حريصة على تعزيز علاقاتها مع الدول المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن، لحماية مصالحها الاستراتيجية وخاصة في ملف سد النهضة، وكذلك محاولة محاصرة النفوذ الإثيوبي المتنامي في المنطقة بمساعدة العديد من القوى الاقليمية والدولية.
دلالات الزيارة
وتشير هذه الزيارة إلى احتمالات إعادة تشكيل التوازنات الإقليمية في القرن الإفريقي، وربما تعبر عن محاولة صومالية لتحقيق توازن جديد في علاقاتها مع القوى الكبرى، بما يخدم مصالحها الوطنية ويعزز من استقرارها الداخلي.
(*) مواجهة الأطماع الإثيوبية: يأتي توتر العلاقات الحالي بين كل من أديس أبابا ومقديشو عقب توقيع إثيوبيا مذكرة تفاهم مع حكومة إقليم أرض الصومال الانفصالية تمنح بموجبها الأخيرة لإثيوبيا استخدام واجهة بحرية بطول 20 كم على أراضي الصومال لمدة 50 عامًا، كما يسمح الاتفاق ببناء قاعدة بحرية وتطوير ميناء تجاري بحري، وفي المقابل يحصل إقليم أرض الصومال على حصة 20% من الخطوط الجوية الإثيوبية، بالإضافة إلى تعاون عسكرى عبر اتفاقية إيجار لجزء من الأراضي الصومالية دون موافقة الحكومة المركزية، وذلك فى إطار سعى أديس أبابا لفرض نفوذها وهيمنتها على منطقة القرن الإفريقى وفرض هيمتنها على الإقليم[1].
وقد قوبلت مذكرة التفاهم بعاصفة من الرفض على كافة المستويات من دول الجوار التي بدت أنها منزعجة من تنامي الطموح الإثيوبى للسيطرة على المنطقة وكذلك على مستوى الاتحاد الإفريقي الذي أعرب عن قلقه من أن تكون ذلك الاتفاق سابقة لحركات انفصالية أخرى في إفريقيا لتدعيم موقفها وهو ما يهدد السلم والأمن الإفريقي وكذلك خشيته من نشوب نزاع مسلح في منطقة القرن الإفريقي[2].
ومن ناحية أخرى فقد أبدت مصر رفضها للاتفاق الاثيوبى مع أرض الصومال فور توقيعة معتبرة أياه تهديد ومساس بأمن الصومال وسلامة وحدة أراضية، معلنه موقف مصر الواضح برفض التدخل بعدم المساس بالسيادة الصومالية .[3]
(*) فشل المفاوضات في تركيا: نتيجة لتوتر العلاقات بين إثيوبيا والصومال، أطلقت تركيا مبادرة للوساطة بين الصومال وإثيوبيا، عقدت الجولة الأولى منها فى الثاني من يوليو الماضي والتي جمعت بين وزير الخارجية التركي ونظيريه الإثيوبي والصومالي، بينما عُقدت الجولة الثانية في الثاني عشر من أغسطس الجاري في أنقرة بحضور وزراء الخارجية الثلاث، والتي باءت بالفشل، فمن ناحية تشترط الحكومة الصومالية إلغاء الاتفاق السابق والتباحث مع الحكومة المركزية الصومالية، بينما يرفض الجانب الإثيوبي هذا الاقتراح ويسعى لإرغام الصومال على الموافقة على ما تم توقيعه مع إقليم أرض الصومال[4].
ويشير فشل الجولة الثانية من المفاوضات مع تركيا إلى وجود خلافات عميقة بين الصومال وتركيا. وفي هذا السياق، يمكن أن نعتبر زيارة الرئيس الصومالي إلى مصر بمثابة إشارة إلى رغبة الصومال في تعزيز علاقاتها مع مصر كنوع من التوازن أو رد الفعل على هذه الخلافات. وتقتنص مصر هذه الفرصة لتعزيز نفوذها في الصومال، خاصة في ظل تنافسها مع تركيا على النفوذ في المنطقة.
يعد القرن الإفريقي ساحة تنافس إقليمي ودولي حاد، حيث تسعى قوى إقليمية مثل مصر وتركيا وإثيوبيا لتعزيز نفوذها هناك، فالقاهرة ترى في القرن الأفريقي مجالًا استراتيجيًا، خاصة فيما يتعلق بقضية مياه النيل وسد النهضة الإثيوبي. ومن ناحية أخرى، تسعى تركيا لتعزيز نفوذها عبر تحالفات مع الدول الصومالية بما يتماشى مع استراتيجيتها للتوسع في العالم الإسلامي، وكذلك لسعيها للتواجد في المناطق الحيوية مثل منطقة القرن الإفريقي، فيما تسعى إثيوبيا إلى لعب دور إقليمي أوسع ومحاولة إعادة تشكيل منطقة القرن الإفريقي ولعب دور حيوى يكون لها فيها الكلمة العليا وهو ما أثار حفيظة العديد من دول المنطقة مثل جيبوتي وكينيا وإريتريا خشية التوسع الإثيوبي على حساب السيادة الوطنية لتلك الدول[5].
وفي ظل التنافس الإثيوبي المصري في المنطقة، يمكن أن تكون هذه الزيارة بمثابة إشارة إلى إعادة تشكيل التوازنات الإقليمية، وقد تسعى مصر إلى تعزيز دورها كقوة إقليمية في مواجهة التوسع الإثيوبي، وذلك من خلال بناء تحالفات جديدة مع دول مثل الصومال.
ومن جهة أخرى، قد يستفيد الصومال من هذه التوازنات لتعزيز موقفه التفاوضي مع إثيوبيا أو الحصول على مزيد من الدعم الإقليمي والدولي.
وفى ذات السياق تعد القضايا الأمنية محورًا هامًا في العلاقات المصرية الصومالية، حيث تسعى الصومال للحصول على دعم أمني، سواء عبر تدريب قواتها الأمنية أو تقديم مساعدات عسكرية، ويمكن أن يكون هذا التعاون جزءًا من استراتيجية أوسع لمواجهة الإرهاب والتطرف في المنطقة، وكذلك لضمان استقرار الصومال بما يحقق مصالح مصر الاستراتيجية.
وعلى صعيد آخر، تسعى مصر إلى تعزيز وجودها في القرن الإفريقي، سواء عبر التعاون الاقتصادي أو العسكري، ولذلك تعد زيارة الرئيس الصومالي جزءًا من استراتيجية مصرية لتعزيز علاقاتها مع الدول المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن، بما يمكنها من مواجهة التهديدات المحتملة لأمنها القومي، خصوصًا فيما يتعلق بقضية سد النهضة.
(*) تعميق التعاون الأمني والعسكري: جاء التوقيع على بروتوكول الدفاع المشترك بين مصر والصومال في 14 أغسطس 2024، والتي تعد خطوة استراتيجية هامة تهدف إلى تعزيز التعاون العسكري والأمني بين البلدين في مواجهة التحديات الإقليمية المتزايدة، في سياق يتسم بتنامي النفوذ الإثيوبي في القرن الإفريقي، ويُعتبر هذا الاتفاق محاولة من مصر لمحاصرة التوسع الإثيوبي، الذي يشكل تهديدًا لمصالحها الاستراتيجية، خاصة فيما يتعلق بقضية مياه النيل وسد النهضة[6].
ويأتي التمدد الإثيوبي في المنطقة بالتزامن مع نشاط متزايد لقوى خارجية مثل تركيا، التي تسعى لتعزيز نفوذها في الصومال عبر استثمارات عسكرية واقتصادية، لذا تسعى مصر من خلال ذلك الاتفاق مع الصومال إلى مواجهة والحد من تأثير هذه التدخلات، من خلال تعزيز قدرات الصومال الدفاعية، وضمان استقرارها بما يتماشى مع المصالح المصرية في حماية أمن البحر الأحمر ومنع أي تهديدات محتملة.
وبناءًا على ماسبق، تعكس هذه الخطوة إدراك مصر لأهمية الصومال كحليف استراتيجي في المنطقة، وتأتي كجزء من استراتيجية أوسع لمصر لتعزيز نفوذها الإقليمي، وتشكيل تحالفات قوية لمواجهة التحديات المشتركة، في ظل تزايد التنافس الدولي على منطقة القرن الإفريقي[7].
الانعكاسات المستقبلية على العلاقات الصومالية الإثيوبية
قد تؤدي الزيارة إلى زيادة التعاون بين مصر والصومال وخاصة في المجالات الأمنية والعسكرية، وهو ما تنظر إليه إثيوبيا باعتباره محاولة لتحجيم دورها في المنطقة ومواجهة نفوذها الإقليمى خاصة في ظل التوترات القائمة حول ملف سد النهضة، كما تسعى الصومال من خلال تلك الزيارة والتحالف العسكري إلى تعزيز موقفها التفاوضي في المسائل الخلافية مع إثيوبيا وهو ما سيؤدي إلى إعادة تشكيل للتوازنات العسكرية في المنطقة وهو ما يثير قلق إثيوبيا، خاصة أن هذه الاتفاقية من شأنها أن تحتوي الابتزاز الإثيوبي على كافة الأصعدة.
وختامًا، تعكس زيارة الرئيس الصومالي إلى مصر بعد فشل الجولة الثانية من المفاوضات مع إثيوبيا في تركيا تعقيدات السياسة الإقليمية والدولية في القرن الإفريقي، وتحمل هذه الزيارة دلالات متعددة تتعلق بالتوازنات الإقليمية، والعلاقات الثنائية، والأبعاد الاقتصادية والأمنية والثقافية، ومن المتوقع أن تكون لهذه الزيارة تداعيات مهمة على العلاقات الصومالية الإثيوبية وعلى التوازنات الإقليمية في المنطقة.
[1] جيبوتى تستبعد نجاح تركيا فى حل أزمة المنفذ الاثيوبى بالبحر الأحمر ، جريدة الشرق الأوسط، 13 أغسطس 2024 على الرابط :
[2] اتفاق اثيوبيا وارض الصومال … توازنات جيددة أم شرارة حرب اقليمية ؟ على الرابط :
[3] كبف ترى مصر الوساطة التركية فى أزمة المنفذ الاثيوبى بالبحر الأحمر؟
[4] انتهاء ثانى جوله محادثات صومالية إثيوبية فى تركيا بدون اتفاق
[5] الاتفاقية الدفاعية المصرية الصومالة لاحتواء الطموح الاثيوبى وموازنة النفوذ التركى على الرابط:
[6] مصر والصومال .. بروتوكول تعاون عسكرى يعزز العلاقات
https://al-ain.com/article/egypt-somalia-military-cooperation-protocol
[7] ثابت العمور، دلالات اتفاقية الدفاع المشترك بين الصومال ومصر على الرابط :