مؤشرات لافتة: كيف يؤثر معرض “أيدكس” في اتجاهات صناعة الدفاع حول العالم؟

قد يكون من نافلة القول الإشادة بالنجاح الكبير لمعرض ايدكس الدفاعي ومعرض نافدكس البحري الذي نظمته دولة الإمارات العربية المتحدة خلال الفترة من 21 -25 فبراير 2021، فهذا الانجاز ليس بجديد على عاصمة المؤتمرات الدولية، وما حازته من خبرة متراكمة في هذا المجال، خاصة وأن المؤتمر عُقد في ظروف استثنائية نتيجة استمرار جائحة كورونا التي وجهت ضربة قاصمة لصناعة المؤتمرات والمعارض حول العالم. وبعيداً عن هذه الإشادة المستحقة لدولة الإمارات الشقيقة، فإن المهتمون بصناعة الدفاع حول العالم لا شك منهمكون في قراءة ما بين السطور في هذا المعرض المهم، فمثل هذه المعارض توفر فرصة ذهبية للإطلاع على أحدث التقنيات والمعدات في سوق السلاح الدولي، والاستفادة من الخبرات المختلفة مـن المتخصـصيـن فـي المجـالات العسكرية المتعـددة، والخروج بإستنتـاجـات يمكن أن تُصـاغ على هيئـة تقـاريـر ، للاستفـادة منهـا عنـد التـعاقـدأو إختيـار المُعـدة الأنسـب مستقبلاً ، وفق لحاجات كل دولة وبيئة التهديد فيها.

وفق هذا الإطار، فإن مركز رع للدراسات الاستراتيجية، ومن منطلق حرصة على تزويد مُتابعينه بنوعية خاصة من التقارير، التي توفر المعلومة والتحليل والتوقع للمستقبل، قد تابع فاعليات هذا المؤتمر، بكافة تفاصيلها، للوقوف على بعض المؤشرات الجديدة التي كشفت عنها مشاركات الدول المختلفة، وما تعنيه بالنسبة لمستقبل صناعة الدفاع حول العالم، وما تعكسه من توجهات في مجال التخطيط العسكري للعمليات الدائرة في ساحات الصراع في منطقة الشرق الأوسط، وما يمكن استنباطه من مؤشرات على تحولات معينة في العقائد العسكرية لبعض الجيوشعلى مستوى التكتيكات والإستراتيجيات، وذلك من خلال تحليل الخط العام لبعض المعروضات العسكرية.

ايديكس 2021 : نسخة بطابع خاص :

تشير القراءة الأولية لُمجمل ما دار في هذا المعرض، أن نسخة هذا العام تختلف عن سابقتها من النسخ السابقة، لعدة أسباب نجملها فيما يلي:

_حجم المشاركة الإماراتية ، حيث كان جناح الإمارات هو الأكبر، رغم وجود مشاركات من قوى عظمى مثل الولايات المتحدة وفرنسا والصين، وهو مؤشر مهم على مستوى وحجم قطاع الصناعات الدفاعية الإماراتية، ومدى اهتمام القيادة الإماراتية بتطوير هذا القطاع مستقبلاً.

_التوقعات المنخفضة للإنفاق الدفاعي حول العالم، على خلاف النسخ السابقة، بسبب جائحة كورونا، التي تركت آثار كبيرة على موازنات معظم دول العالم، وعلى اتجاه بعض الدول للحد من انفاقها على التسلح، لإستيعاب انخفاض دخولها من الناتج القومي.

_مشاركة أكثر من 77 وزير دفاع و79 شخصية عسكرية مهمة من رئيس أركان وقادة القوات البحرية إضافة إلى وفود عسكرية من 82 دولة على كافة المستويات القيادية.

_اعتذار إسرائيل عن المشاركة في المعرض، رغم توقيعها اتفاقاً بهذا الخصوص منتصف العام الماضي، بسبب قيود السفر التي فرضتها جائحة كورونا.

مؤشرات لافتة:

نستطيع قراءة بعض المؤشرات من واقع تحليل الخط العام لمجمل المعروضات لبعض الدول خلال هذا المعرض وأهمها ما يلي:

_تزايد الاهتمام بمجال الطائرات المسيرة، وتنافس الدول في عرض بعض الطائرات التكتيكية خفيفة الوزن، رخيصة الثمن، ذات الإقلاع العمودي، والتي تستطيع تنفيذ مهام مواكبة الوحدات الراجِلة والمُدرَّعة أثناء تحرّكها، وتوفير معلومات آنيّة عن حال أرض المعركة والمناطق التي تتّجه إليها القوات المتحرّكة، ما يوفّر لها القدرة على رصد وتقييم كافة التهديدات المُحتَملة او المؤكَّدة، وتحديد ما إذا كانت مواجهة هذه التهديدات تحتاج إلى دعم مدفعي أو جوي.

_التركيز على الوحدات المدرّعة خفيفة الحركة وثقيلة التسليح كبديل للأرتال المُدرّعة التي كانت هي تستخدم خلال السنوات الماضية، ويساعد هذا التطور على تقليل الاعتماد على مجموعات المشاة الميكانيكية، بشكل يسمح بنشر عددٍ قليلٍ من المُدرّعات، مع توفير قدرات نارية دفاعية وهجومية متفوّقة.

_الاتجاه للإعتماد على الروبوتات القتالية في ساحات المعارك، بما توفره من من مرونة للتعامل مع كافة التضاريس والأحوال الجوية، علاوة على إمكانية استخدامه لتنفيذ عدة مهام مثل تحويله لمنصّة لإطلاق الطائرات التكتيكية من دون طيّار ذات الإقلاع العمودي، أو استخدامه في إزالة الألغام ، أوأحياناً يستخدم في عمليات التشويش الإلكتروني.

_لوحظ الاهتمام الكبير الذي توليه الشركات المتخصصة حول العالم بتطوير الأنظمة غير المأهولة، والتي تتيح التحكم بالمنتجات العسكرية عن بُعد؛ وذلك بهدف المحافظة على سلامة الجيوش، وتقليل الخسائر البشرية، وتعزيز القدرة على أداء المهام العملياتية بكفاءة ودقة عالية، والأمر لا يتوقف على الطائرات المسيرة، بل هناك اهتمام بتطوير فكرة استخدام الأنظمة غير الأهولة في عمليات القتال البحري.

_تزايد الاهتمام بأنظمة الطيف الترددي، كأحد الحلول لمشكلات التدخلات الضارة بين الشبكات داخل الدولة، أو في ساحات الصراع العسكرية، من خلال نظام تخصيص الترددات الذي يُعد أحدث الأنظمة في العالم.

_التركيز على أنظمة التدريب الافتراضي على الرماية بطريقة حديثة بمكان مغلق، وذلك لتأهيل العسكريين والعاملين في القطاعات الأمنية على تعلم الرماية، والتعامل مع الطلقات لمسافات بعيدة.

_استعراض وسائط وحلول للتصدي لتهديدات الأسلحة الصاروخية للمدى المختلف والطائرات الضاربة غير المأهولة، والتي تستخدمها أحياناً بعض المجموعات الإرهابية، ضد الأهداف المهمة والحكومية.

_استخدام الطائرات غير المسيرة في تنفيذ الضربات بعيدة المدى

، من خلال إطلاقها من منصات برية وبحرية وجوية.

_التركيز على الأجيال الجديدة من ناقلات الجنود المدرعة المستخدمة في مجموعة من العمليات العسكرية، بما في ذلك الحروب، ودوريات الحدود، ونقل الأفراد، والبحث والإنقاذ، ومكافحة الإرهاب، ومهام حفظ السلام.

_استعراض معدات تستهدف حماية الجنود في أرض المعارك، ومنها دروع واقية للرصاص، إضافة إلى أنواع متطورة من معدات الحماية الشخصية خلال القتال من مثل الخوذ العسكرية.

_الكشف عن مركبات قتال المشاة من الجيل الخامس، باعتبارها نموذج أولي للمركبة الأرضية غير المأهولة ” تدار عن بعد” متعددة الأغراض ، والتي تستهدف دعم قوات المشاة في المواقف القتالية المختلفة، وتستطيع تنفيذ مهام مختلفة، مثل المراقبة والنقل اللوجستي وإجلاء الضحايا والاشتباك القتالي، كما تتميز أيضاً بمحطة أسلحة متطورة يتم التحكم فيها عن بُعد، ويمكنها تحديد الأهداف تلقائياً باستخدام أجهزة استشعار صوتية لتحديد مصدر إطلاق النار أثناء الاشتباكات.

_تقديم حلول جديدة في مجال مكافحة الجرائم، خاصة بالنسبة لأجهزة الشرطة وقوات انفاذ القانون، وهي عبارة عن دروع صوتية ، تعمل على اكتشاف الترددات الصوتية ذات الأثر على الإنسان، حيث يستشعر الجهاز في حال وجود شخص يرتكب جريمة، عبر إرسال ترددات صوتية تتسبب في تشوش انتباه المجرم، وعدم تمكينه من إكمال جريمته، بما يسهل القبض عليه. وأوضحت أن الجهاز لا يترك أعراضاً جانبية في حال استخدامه لمرة واحدة أو لعدد من المرات، ويُعد آمناً على المستوى بعيد المدى.

_يتضح من المعروضات العسكرية لبعض الدول المنخرطة في الصراعات في المنطقة العربية، مثل روسيا والولايات المتحدة وفرنسا وغيرها أن الفترة القادمة ستشهد تطوراً في نطاق استخدام الطائرات المُسيرة الدفاعية والهجومية ، وهناك من يتوقع أن المرحلة القادمة ستكون حرب الطائرات المسيرة بين الخصوم، وهي حرب رخيصة التكلفة، عالية الخطورة .

_أظهر معرض ايدكس وجود تحولات مرتقبة في خارطة الانفاق العسكري حول العالم ، ففي الوقت الذي تتجه فيه الدول الغربية، والأوروبية بالخصوص، إلى ترشيد إنفاقها، حتى في ما يتعلق بالتسلح، تنطلق الدول الخليجية والقوى الصاعدة الآسيوية في الاتجاه المعاكس، ربما بسبب استمرار البيئة الأمنية المحيطة بهذه البلدان في مستويات مرتفعة من الخطورة.

في النهاية، يمكن القول إنه من الواضح أن دولة الإمارات العربية المتحدة تخطو بخطى ثابتة نحو التحول لقاعدة إقليمية في مجال الصناعات العسكرية، وهو ما ظهر بشكل واضح في حجم المشاركة الإماراتية في هذا المعرض، وحجم الصفقات التي تم توقيعها مع دول مختلفة، والنوعية المتطورة من الأسلحة الإماراتية المعروضة، سواء في مجال الطائرات غير المأهولة أو في مجال المركبات المدرعة والسفن الحربية وغيرها ، وكان لافتا من خلال التعاقدات التي وقعتها الحكومة الإماراتية، هو حرصها على قيام المتعاقدين بدعم الاقتصاد المحليمن خلال مشاريع مشتركة مع شركات محلية، واستثمارات، وتوظيف اليد العاملة المحلية، بما يدعم التنمية الاقتصاديةفي المدى الطويل، خاصة في ميدان التعليم والبحوث. ولهذا السبب يحتلّ تعزيز شركات الدفاع المحلية حيّزاً بارزاً في الرؤية الاقتصادية 2030 لإمارة أبو ظبي. ونعتقد أنها تجربة جديرة بالاحترام، فالتصنيع المحلي للسلاح بات من ضرورات الأمن القومي للدول، في ظل المتغيرات العالمية المختلفة، وتظل الحاجة دوماً في هذا المجال للتعاون مع الشركاء سواء من الدول المتقدمة التي تملك المعرفة الجديدة وخبرات التطوير، ومع الدول العربية صاحبة الخبرة في هذا المجال وعلى رأسها مصر التي تملك أكبر جيش في المنطقة، ولديها بنية تحتية متقدمة للصناعات العسكرية، خاصة في ظل العلاقات الاستراتيجية المتجذرة بين الإمارات ومصر، والمواقف المشرفة للقيادة الإماراتية في دعم الدور القيادي المصري، في التصدي لكافة المهددات للأمن القومي العربي.

د.أكرم حسام

خبير في الشؤون الخليجية، دكتوراه علوم سياسية من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة ٢٠١٣، عمل في عدة مراكز بحثية داخل مصر أخرها المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط، وعمل خبير في الأمن الإقليمي بالعديد من مراكز الدراسات بدول الخليج. شارك بأوراق بحثية في بعض المؤتمرات الدولية، بدعوة من مركز نيسا بالولايات المتحدة الأمريكية بواشنطن (2017-2018)، ومعهد العلاقات الدولية التابع لوزارة الخارجية الإيطالية بروما (2019-2020).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى