النزوح السوداني.. المسارات والتداعيات الإنسانية
العدد الرابع من مجلة "مساحات فكرية"
مع دخول الحرب في السودان عامها الثاني نستعرض مسارات النزوح السوداني وتداعياته الإنسانية بالإصدار الرابع من مجلة “مساحات فكرية”.
منذ بدء الصراع في السودان بين قوات الجيش السوداني وميليشيا “الدعم السريع”، لا تزال الاشتباكات المسلحة والانتهاكات العنيفة مستمرة في العاصمة الخرطوم وإقليمي دارفور وكردفان، فضلاً عن الاشتباكات وعمليات القتال والنهب والسرقة والاغتصاب في ولاية الجزيرة من قبل عناصر “الدعم”، حيث تعد تلك المناطق الأكثر تضررًا في البلاد، وقد أدت تلك الاشتباكات إلى نزوح أكثر من 7.1 مليون شخص داخل السودان وخارجه منذ بدء الصراع في 15 أبريل وحتى نهاية عام 2023، ويمثل الأطفال حوالي نصف عدد الأشخاص النازحين، نظرًا لضراوة وتداعياتها الواسعة على الشعب السوداني، في ظل الحاجة إلى المساعدات الإنسانية، حيث يحتاج أكثر من 25 مليون شخص في جميع أنحاء السودان إلى المساعدات الإنسانية في عام 2024، إضافة إلى تدمير البني التحتية، والمرافق الصحية والخدمات المصرفية والمالية، والانقطاع المتكرر لإمدادات الكهرباء، وخدمات الاتصالات السلكية واللاسلكية في الولايات المتضررة من النزاع، وهو ما يتسبب في تزايد أعداد النزوح بحثًا عن الغذاء والمأوي فضلاً عن ملجأ آمن للعيش بسلام.
وجدير بالذكر، أن السودان يعاني من الصراعات والنزوح منذ اندلاع أزمة دارفور في عام 2003، وبحلول نهاية 2022 شهدت البلاد نزوح أكثر 3.7 مليون شخص داخليًا، وكان يعيش 800 ألف سوداني أخرين في الدول المجاورة مثل تشاد وجنوب السودان ومصر وإثيوبيا قبل بدء الصراع الأخير.
تأسيسًا على ما سبق؛ تحاول هذه الورقة تحديد مسارات النزوح الداخلي واللجوء للدول المجاورة، والإجابة على التساؤلات التالية: ماهي المهددات الداخلية التي تسببت في زيادة أعداد النازحين؟، وإلى أي مدى يميل النازحون أو اللاجئون لفكرة العودة لوطنهم؟.
أولاً: مسارات النزوح الداخلي:
يشهد الداخل السوداني حركة نزوح كبيرة من الولايات المتضررة جراء الحرب إلى الولايات الأكثر أمنًا، إذ وصل عدد النازحين إلى أكثر من 5.5 مليون شخص نازح داخل البلاد منذ أبريل 2023، حيث تنقل النازحين بين 6.089 موقعًا عبر الولايات الثماني عشر، وتقدر أعلى نسبة نزوح في ولاية جنوب دارفور بأكثر من 692.000 أي بنسبة 13% من مجموع النازحين، تليها ولاية شرق دارفور بحوالي 658.210 أي 12%، ونهر النيل بحوالي 619.659 بنسبة 11%، والجزيرة بحوالي 524.919 وهو ما يمثل 9%، وشمال دارفور بحوالي 451.578 أي بنحو 8%، بينما تشهد ولاية الخرطوم أقل عدد من النازحين إليها بحوالي39.000 شخص، حيث تفيد البيانات الأممية أن أكبر عدد من النازحين كان من نصيب سكان ولاية الخرطوم بحوالي3.5 مليونشخص أي بنسبة 64 % من المجموع، وفقًا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشوؤن الإنسانية (أوتشا).
وقد ارتفعت أعداد النازحين وفقًا للأمم المتحدة بأكثر من 7.1 مليون شخص من بينهم 1.5 مليون قد لجأ إلى البلدان المجاورة، وذلك بعد دخول ميليشيا “الدعم السريع” ولاية الجزيرة وبسط سيطرتها على حاضرتها “ود مدني” والمناطق المحيطة بها، بعد أن كانت من أكثر المدن الآمنة لملايين النازحيين السودانيين، والتي أدت إلى نزوح حوالي 250 إلى 300 ألف شخص من ود مدني إلى ولايات القضارف وسنار وكسلا والنيل الأبيض، حيث لجأ أكثر من 15 ألف شخص إلى ولاية القضارف، ويرجع نزوح هؤلاء الأشخاص، نظرًا لتوافر الاحتياجات الأساسية، حيث قدمت المظلة الأممية، 1500 مجموعة من المواد غير الغذائية لحوالي 7.500 نازح في ولايتي سنار والقضارف ولديهم 200 خيمة في المخزون تسع ما لا يقل عن 1000 نازح، إضافة إلى نشر عيادات متنقلة في ثلاث مدن (سنجة وسنار وأبو حجر)، مع بدأ الوكالات الإنسانية في ولاية القضارف بتقديم مساعدات الإغاثة الفورية لـ 330 نازحًا من ولاية الجزيرة.
وفي مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور نزح 750 شخص أخرين، نتيجة الاشتباكات المستمرة بين أطراف الصراع، وفي جنوب دارفور فر حوالي 850 شخص من منازلهم في نيالا، عاصمة ولاية جنوب دارفور يوم 14 ديسمبر 2023، بعد تجدد الاشتباكات المسلحة بين الجيش وميليشيا “الدعم”، وقد نزح حوالي 4 آلاف شخص من “ود مدني” إلى بورتسودان حتى 26 ديسمبر، وقد يزداد عدد النازحين في الفترة المقبلة، وفقًا لمفوضية العون الإنساني.
ومما سبق، يمكن القول إنه قد يلجأ النازحون لولايات أخرى، نظرًا لكثرة المهددات القائمة في مناطقهم، مع امتداد المعارك وتدمير منازلهم ونهب وسرقة ممتلكاتهم، وتدمير المرافق الصحية وانقطاع الكهرباء، وانعدام الأمن، الأمر الذي قد يتسبب في تعليق المساعدات الأساسية للنازحين، ويمكن توضيح أبرز تلك المهددات فيما يلي:
(*) عدم توافر الخدمات الأساسية: يعاني الشعب السوداني من تدمير المرافق الصحية والتي تقدر بنسبة 70% في الولايات المتضررة، كما أغلقت معظم المستشفيات والصيدليات والمراكز الصحية قسرًا، رغم حاجة أصحاب الأمراض المزمنة للرعاية الصحية والأدوية، فضلاً عن الأشخاص المصابين جراء القتال، كما تعرضت أكثر من 70% من المدارس والجامعات والمعاهد والكليات العليا المتخصصة الحكومية والأهلية في الخرطوم لتخريب كلي أو جزئي، إضافة إلى تدمير الخدمات المصرفية والمالية، وخدمات الاتصالات والانقطاع المتكرر لإمدادات الكهرباء، وانقطاع المياه، فهناك 15 مليون شخص لا يجدون مصادر مياه صالحة للشرب في الولايات المتضررة من النزاع.
(&) انتشار الأمراض: نتيجة لتلوث المياه، فإن عدد الحالات المشتبه بإصابتها بالكوليرا في التزايد، حيث تم الإبلاغ عن 8.267 حالة، ومن ضمنهم 224 حالة وفاة، وقد أعلن المسؤولون في السودان انتشار وباء الكوليرا في القضارف في 26 سبتمبر 2023، وانتشاره في 46 منطقة ضمن 9 ولايات حتى 23 ديسمبر 2023، حسب منظمة الصحة العالمية، لذلك تحاول المنظمات الإنسانية الحد من تفشي المرض وتوفير العلاج للمصابين، إضافة إلى مراقبة جودة المياه، وقد حرصت المنظمات على تطعيم أكثر من 2.2 مليون شخص ضد الكوليرا في المناطق المعرضة للخطر في القضارف والجزيرة. مع استمرار جهود المنظمات لتطعيم 5.5 مليون شخص أخرين في 6 ولايات. كما توفي أكثر من ألف شخص من مرضى الكلى والأمراض المزمنة الأخرى بسبب نقص الأدوية والرعاية الطبية، وإصابة 100 ألف بالملاريا ونحو 3500 بحمى الضنك، وفقًا للأمم المتحدة، نظرًا للغلق القسري للمستشفيات والصيدليات والمراكز الصحية.
(*) ارتفاع الأسعار وانعدام الأمن الغذائي: تسبب الوضع المأساوي في السودان في نقص شديد في السلع الغذائية، مع الزياة في أسعار السلع المتاحة، وسوف يزداد الوضع سوءًا في حال توقف الإنتاج الزراعي وتحديدًا في ولاية الجزيرة التي تحتوي على أكبر المشاريع المروية على مستوي العالم، وتمتلك مخزونا استراتيجيا للمحاصيل الأساسية من القمح والذرة، الأمر الذي قد يهدد المنشآت الزراعية والثروة الحيوانية ومنظومة الري، فضلاً عن نقص الأدوية لأنها تتوفر من مدينة “ود مدني”، إضافة إلى إغلاق الأسواق وتوقف الإنتاج.
وعليه، قد تتسبب في مضاعفة أسعار بعض السلع الغذائية لأكثر من ثلاثة أضعاف ثمنها بسبب توقف سلاسل الإمداد، إلى جانب انعدام الأمن الغذائي الحاد إلى مستويات عالية لـحوالي 17.7 مليون شخص في جميع أنحاء السودان أي نحو 37% من السكان، فضلاً عن العقبات التي تعيق المنظمات الإنسانية من الوصول إلى الأشخاص المتضررين، لذلك يبحث المواطن السوداني عن أماكن آمنه توفر له الغذاء والمأوي والمسكن.
(*) انعدام الأمن: يتعرض الشعب السوداني لأبشع عمليات النهب والسرقة واحتجاز الرهائن، حيث يشهد المواطنون سرقة المنازل والسيارات والآلات الثقيلة والجرارات ووسائل الحركة والاتصال، إضافة إلى قتل الميليشيا لأكثر من 12 ألف شخص، وحرق أحياء ومواقع بأكملها، وإعدام المدنيين في منازلهم وهو ما يتنافى مع الأعراف والقوانين الدولية، الأمر الذي قد يهدد سلامة توفير الاحتياجات الإنسانية وإنتاج الغذاء للمواطنين، وسوف يزداد الوضع سوءًا باستمرار الميليشيا في عمليات القتال في الولايات التي لا تزال آمنة.
(*) تنامي ظاهرة تعرض النساء للعنف الجنسي: تتعرض النساء والفتيات للاعتداءات جنسية من قبل ميليشيا “الدعم”، الأمر الذي يجعل الأسر تبحث عن أماكن آمنة لحمايتهم من تلك الاعتداءات الوحشية، وإلى الآن لا يوجد حصر دقيق لحالات الاغتصاب، ولكن ما تم توثيقه منذ بداية الحرب نحو 360 حالة اغتصاب في البلاد، ويعد هذا العدد 1% فقط من الحالات الفعلية اللاتي تعرضن للاغتصاب، بسبب خوفهم من التحدث، ولكن هناك فتيات أخرى تحدثت على كثرة حالات الاغتصاب القسري على موقع (X) وطالبت بعضهن بحبوب منع الحمل والبعض الآخر بفتاوى دينية تسمح لهم بالانتحار،ِ ويعد ذلك انتهاكًا للمادة الـ 27 من اتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949، والتي تنص على “حماية النساء ضد أي اعتداء على شرفهن، ولاسيما ضد الاغتصاب، أو أي هتك لحرمتهن”.
(*) تعليق المساعدات: هناك 18.1 مليون شخص بحاجة ماسة إلى المساعدة حتى نهاية عام 2023، حسب خطة الاستجابة بالسودان، وتم تمويل ما نسبته 39.5 % فقط أي توفير 1012.5 مليون دولار من أصل 2.6 مليار دولار أمريكي حتى 21 ديسمبر 2023، وفقًا للأمم المتحدة، كما أكدت “كليمنتاين نكويتا سلامي” منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في السودان، أن السبب في تقليص عمل المنظمات الإنسانية في البلاد يرجع إلى مقتل وإصابة عمال الإغاثة أنفسهم، إضافة إلى تعرض المستودعات والأصول الإنسانية للنهب والتدمير، ويؤثر نقص الوقود أيضًا على حركة موظفي الإغاثة الإنسانية والإمدادات وتوليد الطاقة اللازمة لتوفير المياه وغيرها، وبالرغم من ذلك يحاول الشركاء في المجال الإنساني تقديم المساعدات للأشخاص المتضررة اللذين يمكنهم الوصول إليهم، ولكن تم تعليق جميع البعثات الإنسانية الميدانية داخل ولاية الجزيرة بعد الاشتباكات المسلحة بين أطراف الصراع، الأمر الذي يهدد تقديم المساعدات الحيوية لأكثر من 270.000 شخص بحاجة إلى مساعدات داخل “ود مدني”، إضافة إلى السكان النازحين من العنف المستمر في البلاد، وفقًا لخطة الاستجابة الإنسانية في السودان، كما أوقف برنامج الأغذية العالمي تقديم المساعدة لـ 800 ألف شخص في البلاد، نظرًا لامتداد المعارك التي تعرقل تقديم المساعدات للأشخاص المتضررين.
ثانيًا: اللجوء إلى الدول المجاورة
شهدت دول جوار السودان عبور عددًا كبيرًا من اللاجئين، حيث لجأ حوالي 1.5 مليون منذ إبريل 2023، وتمثل دولة تشاد النسبة الأكبر حيث لجأ إليها حوالي 484.626، تليها جمهورية جنوب السودان بنحو 441.963، ثم مصر بحوالي 378.504 حالة لجوء، وإثيوبيا تقدر بحوالي 40.489، وأخيرًا جمهورية إفريقيا الوسطى فقد لجأ إليها نحو 25.715 شخص، وبعد الأحداث الأخيرة في ولاية الجزيرة، فقد لجأ معظم النازحين الجدد إلى تشاد وجنوب السودان، وفقًا لمفوضية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين، ويرجع السبب الأساسي في تزايد أعداد اللجوء إلى نقص المواد الغذائية، والانتهاكات العنيفة التي تتعرض لها الفتيات والسيدات، إضافة إلى قتل الرجال ونهب المنازل والسرقة وتزايد حالات الاغتصاب والتحرش، كما يفر العديد من اللاجئين لتلك الدول بسبب روابطهم التاريخية، إضافة إلى وجود أسر وأقارب لهم في هذه البلدان.
وعليه، قد تؤثر نسبة النزوح على الأوضاع الاقتصادية للدول المجاورة وتحديدًا الدول الفقيرة مثل تشاد وإفريقيا الوسطي وجنوب السودان، نظرًا لعدم قدرة تلك الدول على استيعاب الأعداد الكبيرة من اللاجئين مع توفير حياة كريمة لهم، حيث تعاني هذه الدول من مشاكل اقتصادية وسياسية ضخمة، حسب خبراء.
ففي تشاد الدولة الأكبر في نسبة النزوح، نظرًا لقرب حدودها من مناطق الصراع في مدينة الجنينة بإقليم دارفور، وقد تمثل عمليات النزوح عبئًا مضاعفًا من الضغوط الاقتصادية على البلد الفقير الذي يحتاج إلى التدفق المستمر للمساعدات الأساسية من غذاء وماء ومأوى، وكما هو معروف فإن انجمينا لديها 400 ألف سوداني قد فروا إليها في الفترة الماضية.
وفي جنوب السودان، فإن معظم النازحين الجدد من مواطني جنوب السودان الأصليين اللذين كانوا يقيمون في السودان، وفي ظل معانة ثلث سكان البلاد من الجوع، وبالرغم من أن معظمهم يعيشون على المساعدات الإنسانية فقد لجأ إليها أكثر من 441 ألف شخص، أما إفريقيا الوسطى فقد فر إليها عدد قليل نظرًا لغلق الحدود بين البلدين، ومع ذلك تعاني من مشاكل اقتصادية وسياسية وأمنية، وفي إثيوبيا يحتاج مئات اللاجئين للغذاء والدواء، ويشعر بعضهم بانعدام الأمن، وقد طالب اللاجئين السودانيين بتدخل المنظمات والمانحين لتوفير مزيد من الدعم لتلبية الاحتياجات الأساسية لهم.
بينما تسعى مصر إلى تقديم الدعم الكامل للوافدين إليها من مناطق النزاعات، من خلال مساعدة مفوضية شئون اللاجئين في الاستجابة لحالات الطوارئ، وتقديم المساعدة للأكثر ضررًا على الفور، إضافة إلى حماية حقوق اللاجئين ومحاولة دمجهم في نظام التعليم والصحة، فيما تشهد البلاد زيادة كبيرة في أعداد الطلاب الملتحقين بالمدارس والمراكز المجتمعية السودانية في مصر، حيث ارتفعت بنسبة تتجاوز 90% في 200 مؤسسة تعليمية، وهناك أكثر من 10 آلاف طالب على قوائم الانتظار، وهناك 11.5 ألف طالب سوداني مسجلين في المدارس الحكومية المصرية، وفقًا لإحصائيات وزارة التربية والتعليم، ونظرًا لاعتماد هذه المراكز بنسبة كبيرة على بعض المعونات والمنح التي تقدمها مفوضية شؤون اللاجئين في مصر، هناك حاجة ماسة إلى مزيد من التمويل، لأن هناك أسر غير قادرة على تحمل المصاريف بالدولار، ويتبين من ذلك أن هناك صعوبات، تتمثل في نقص التمويل الذي يعيق الجهود التي تبذلها المفوضية وشركاؤها لتقديم المساعدات، رغم المساعي المصرية للتخفيف عن الأشقاء السودانيين.
ولم تقتصر مصر على تقديم المساعدات الإنسانية للسودانيين في البلاد فقط، بل قامت الحكومة المصرية بإرسال طائرات عسكرية محملة بأطنان من المستلزمات الطبية، وشحنات الأدوية.
وجدير بالذكر، أن هناك نحو 5 ملايين سوداني مقييمين في مصر منذ سنوات، وفقًا لبيانات السفارة السودانية في القاهرة.
ومما سبق، يمكن القول إن غالبية السودانيين يعانون من ارتفاع كبير في إيجارات المنازل في بلدان اللجوء، إضافة إلى استغلال بعض التجار والمحال والمصانع للعاملين السودانيين، من خلال دفع مرتبات متدنية، وهناك من يرى أن اللاجئين هم السبب الرئيسي في زيادة الأسعار وانخفاض قيمة العملة المحلية، كما تنشط في بعض المناطق الحدودية بين الدول المجاورة شبكات التهريب والإتجار بالبشر.
ثالثًا: إمكانية العودة
يرغب بعض اللاجئين السودانيين بالعودة لبلادهم، رغم النزاع القائم بين الجيش وميليشيا “الدعم السريع”، نظرًا لصعوبة العيش في الظروف الاقتصادية الصعبة بالبلاد المستضيفة كذلك، إلى جانب ارتفاع أسعار الإيجارات وصعوبة الاندماج في المجتمع المستضيف التي تشكل أكبر التحديات أمام اللاجئين، فضلًا عن شعورهم الدائم بعدم امتلاكهم أي حقوق في الدول التي لجأوا إليها.
وعادة ما تستغل بعض الدول المستضيفة القُصّر، اقتصاديًا أو جنسيًا، وتعتبر الفتيات أكثر عرضة من خلال عملهن كخادمات في البيوت أو غيرها من الأعمال التي تعرضهن لسوء المعاملة والاستغلال بسبب ظروفهن.
كما يعاني اللاجئين السودانيين في بعض البلدان المستضيفة من التمييز المجتمعي، حيث يعيش بعضهم في أحياء فقيرة وغير آمنة، وقد تفتقر إلى الخدمات الصحية وخاصة في الدول الفقيرة، الذي تعتمد بالأساس على تقديم المفوضية للمساعدات والجهات المانحة، الأمر الذي قد يجعل اللاجئ يُقدم على طلب إعادة التوطين في بلد ثالث، عن طريق تقديم طلب للمفوضية السامية لشئون اللاجئين، ومن ثم تقوم بمراجعة الأسر الأكثر ضعفًا ممن يستوفون معايير إعادة التوطين.
وقد تطالب بعض الدول بإعادة توطين اللاجئين لديها في بلدانهم الأصلية أو بلدان ثالثة عن طريق المفوضية، نظرًا لعدم قدرة بعض الدول المستضيفة على استيعاب العدد الكبير من اللاجئين، فضلاً عن الظروف الاقتصادية، لذلك لابد من قيام المفوضية بتوسيع نطاق عملها وتقديم المزيد من المساعدات للأشخاص المتضررة في البلدان المستضيفة، حيث يشير الوضع الحالي في السودان إلى أن عمليات القتال المستمرة سوف تؤدي إلى مزيد من النزوح داخل البلاد وخارجها.
وختامًا؛ يمكن القول إنه في ظل الوضع المأساوي في السودان، فإن خيار العودة إلى الوطن بالنسبة للنازحين أو اللاجئين السودانيين، لم يكن خيارًا بالنسبة لهم، لأن من ضمن أسباب العودة هو الشعور بالأمان والتحرر من الخوف والحماية من الهجمات المسلحة مرة أخرى، إضافة إلى توفير الاحتياجات الحياتية الأساسية، فضلًا عن الاستعادة الكاملة لحقوقهم، وهو ما لم يتوفر في السودان في الوقت الحالي، ومع استمرار النزاع بين الجيش وميليشيا “الدعم السريع” من المتوقع أن تزداد أعداد النزوح داخل السودان وخارجه، حيث يمثل السودان أعلى نسبة نزوح في العالم، لذلك لا بد من تكاتف القوى الدولية والإقليمية لإتمام اللقاء المنتظر بين طرفي الصراع، لإيجاد حلول عاجلة لحماية المدنيين من النزوح القسري والعنف الجماعي لإنهاء الحرب.
للاطلاع على العدد كاملًا يمكن فتح الرابط التالي: مساحات فكرية العدد الرابع- مارس 2024