النزوح العراقي الكبير 2014 .. ملف عالق وحلول منتظرة
"مساحات فكرية"
إسراء جمال-باحثة في الأمن الإقليمي
كان عام 2014 هو الأسوء في تاريخ موجات النزوح العراقي، إثر الحرب على تنظيم”داعش” الإرهابي، حيث نزح أكثر من 6 ملايين مواطن عراقي من مناطقهم الاصلية وهو ما يمثل 15 % من عدد سكان العراق والتي تحولت وقتها إلى محل صراع وجودي بين الدولة العراقية وبين التنظيم الإرهابي الذي استولى على مساحة كبيرة من الأراضي العراقية حتى عام 2017 الذي أعلنت فيه العراق استعادة أراضيها وانتصارها على التنظيم الإرهابي، إلا وأن مشكلة النازحين لا تزال قائمة حتى يومنا هذا، ولا يزال هذا الملف عالقًا حتى الآن، إذ عاد ما يقرب من 4.6 مليون نازح إلى ديارهم مرة أخرى، ونتج عن ذلك آثار سلبية بطبيعة الحال على جميع الأصعدة سواء على المواطن العراقى من جهة أو على الساحة الاقتصادية والسياسية من جهة أخرى، خاصة وأنها لم تكن حالة النزوح الأولى في العراق الذي شهد منذ ثمانينات القرن الماضي صراعات داخلية وخارجية أدت إلى تفاقم الأزمات داخل المجتمع سواء على المستوى الاقتصادي أو السياسي أو الاجتماعي.
الفئات المتضررة من النزوح العراقي
بعد عملية النزوح الكبير الذي حدث في المجتمع العراقي 2014 حدثت تغيرات كبيرة على الصعيد الديمغرافي، خاصة وأن بعض المناطق قد انقسمت طائفيًا وعرقيًا ما أدى إلى توسيع دائرة توظيف الانقسامات المجتمع العراقي في الصراع على هوية الدولة ويعرضها لصراع حقيقي بين مكوناته لأنها بهذا الشكل سوف تفقد أساسيات بناء الدولة والتى على رأسها القانون، وهو ما يساهم فى أن يفقد المواطن العراقي المتضرر شعوره بالإنتماء لدولته الأم بسبب افتقاره للأمن والأمان.
وفي السياق ذاته يجب الإشارة إلى أن عودة المواطنين إلى ديارهم كانت قائمة على أساس عرقي حيث عاد الأكراد إلى ديارهم عام 2017، بينما واجه التركمان والأيزيديين وغيرهم من الطوائف المختلفة الأخرى مشكلة في العودة إلى ديارهم مرة أخرى وذلك بسبب ما ذكرناه عن الصراعات العرقية الداخلية.
أيضًا ما يمثل أزمة حقيقية هو انهيار البنية التحتية في بعض المناطق التيعانت من امتداد الحرب إلى بنيتها التحتية والفوقية والمجتمعية، مما يجعل عملية العودة صعبة ومكلفة للغاية، بالإضافة إلى التكدس السكانى الذي حدث في المناطق التي احتوت النازحيين في مخيمات بمناطق متفرقة داخل محافظات (الأنبار، بغداد، دهوك، أربيل، السليمانية، نينوى، وديالى).
أسباب استمرار أزمة النزوح في العراق
يعيش النازحين حاليًا في ظل ظروف مأساوية حقيقية داخل مخيمات منتشرة بإقليم كردستان العراق وهو آخر مكان يحتوي على النازحين حتى الآن بسبب تجاهل الأزمة سواء على الصعيد الدولي أو الداخلي وبسبب نقص المستلزمات المعيشية (الصحية والغذائية وغيرها)، حيث لا يستطيع معظم هؤلاء العودة لديارهم لعدة أسباب:
أولًا: تفتقر بعض مناطق العودة للخدمات الحياتية الأساسية حيث لا توجد منازل صالحة للسكن ولم يتم إعمارها مرة أخرى بالإضافة إلى فقر فرص العمل للمواطنين العائدين إلى أماكنهم ولا توجد مساعدات مادية لإنهاء الأزمة المعيشية.
ثانيًا: التحديات الأمنية التي تعيق عودة النازحين إلى منازلهم وكانت الحكومة قد أعلنت فى وقت سابق إغلاق جميع المخيمات ما عدا مخيمات كردستان ولكن يواجه المواطنون مشاكل عشائرية وأمنية ومشاكل ثأر مما يزيد من الأمر تعقيدًا حيث تقوم بعض الميليشيات بالسيطرة على بعض المناطق وتقوم بمداهمات ضد النازحين مما يزيد من الأمر تعقيدًا.
ثالثًا: أسباب سياسية هي التي تمنع حل مشكلة النازحين فى إقليم كردستان،وذلك بسبب أن لديه حكم ذاتي ولا تستطيع وزارة الهجرة الضغط على حكومة الإقليم لغلق المخيمات في الإقليم وذلك بعد أن أعلنت الحكومة العراقية غلق جميع المخيمات دون مخيمات إقليم كردستان التي كانت قد أعلنت موخرًا إغلاق مخيمين للنازحين داخل إقليم كردستان في محاولة لحل هذه الأزمة وهو ما كان يحتاج إلى تسوية سياسية لاستعادة النازحين وإدماجهم بالمجتمع مرة أخرى.
جهود ضرورية لحل أزمة النزوح
توفير بيئة أمنة هو أول خطوات الحل الحقيقية لعودة المواطنين النازحين إلى ديارهم، حيث يرفض الآلاف العودة لهذا السبب في الأساس، لذلك على السلطات والفرقاء العراقيين أن يضعواملف إعادة النازحين في الصدارة لحل هذه الأزمة.
كما يتعلق الأمر أيضًا بتحسين ظروف المعيشة وخلق بيئة طبيعية وإيجاد فرص عمل للمواطنين وإنعاش البنية التحتية وتحقيق المصالحة المجتمعية، باعتبارها من أهم عوامل العودة.
وكانت منظمة الهجرة الدولية قد كشفت في تقرير لها أن هناك اكثر من مليون مواطن يعيشون ظروف قاسية مؤكدة على ضرورة وجود حلول مستدامة لإنهاء هذه الأزمة، خاصة مع وجود نحو 26 مخيمًا يقطن بها نحو 35.5 ألف أسرة، لذلك من المهم أن تكثف الحكومة العراقية جهودها لخلق بيئة مستقرة للعائدين بجهود إعادة الإعمار، بالإضافة إلى ضرورة تعزيز دور وزارة الهجرة ومنظمات حقوق الإنسان لوضع خطط مستقبلية لحل هذه الأزمة.
للاطلاع على العدد كاملًا يمكن فتح الرابط التالي: مساحات فكرية العدد الرابع- مارس 2024