انعكاسات ألغام “البنا” الفكرية في الواقع المصري.. في ” مفاهيم الدم عند الإخوان”.. (عرض كتاب)
قدم “مركز رع للدراسات الإستراتيجية” باعتباره مركز تنويري يهتم بقضايا المنطقة كتاب “مفاهيم الدم عن الإخوان” كمحاولة للمساهمة في بناء منظومة فكرية مناهضة للفكر المتطرف ومكافحة المنطلقات الفكرية التي تستند عليها الجماعات الإرهابية للقيام بأعمال عنف، إيمانًا بدور المركز في رفع الوعي وتقديم الأفكار التي تساعد على حل بعض المشكلات التي قد تعيق المجتمع وتؤخره في مشروع بناء الوعي وإصلاح الخطاب الديني الذي نادى به الرئيس “عبد الفتاح السيسي” عدة مرات منذ توليه الحكم.
وقع الاختيار على كتاب “رسائل الإمام الشهيد حسن البنا” وبعض أجزاء من كتاب ” الدعوة والداعية” فضلاً عن بعض أجزاء من محاضرات “حسن البنا” مؤسس جماعة الإخوان المسلمين عام ١٩٢٨ ومرشدها الأول، كنموذج استهدفته الباحثة للدراسة والتحليل النقدي، بهدف استخلاص المفاهيم الفكرية والتنظيمية التي أصل لها البنا، واعتمدتها كل الجماعات الإرهابية كدستور ومصدر للتأصيل لما قامت به من أعمال عنف وإرهاب خلال القرن الحالي والسابق.
تأتي أهمية الكتاب لما رصدته الباحثة أسماء دياب رئيس برنامج التطرف والإرهاب بمركز رع للدراسات،من تسرب بعض تلك المفاهيم إلى وجدان البعض من الشباب الغير مؤدلج، لذا جاءت أهمية الكتاب في هذا التوقيت لرصد وبحث تلك المفاهيم ومحاولة تحليلها وتقديم مفاهيم مجابهة لها من خلال منظومة منهجية علمية ومحددة، اعتمدت الباحثة في ذلك على عرض الردود الشرعية من القرآن الكريم باعتباره على رأس مصادر التشريع الإلهي باعتباره قطعي الثبوت وتفسيراته التي تلقتها الأمة بالقبول منذ مئات السنين، ومن السنة النبوية الصحيحة العملية والقولية، ثم على آراء بعض العلماء من الأزهر الشريف.
بالإضافة لما سبق؛ اعتمدت الباحثة في كتابها مفاهيم الدم عند الإخوان على السوابق التاريخية وما استقر في العلوم السياسية في شأن الرد على التأصيل لبعض مفاهيم الدم، فيما لم يؤصل له البنا من الجانب الشرعي، ولإلمام بالأمر من كل جانب استعانت الباحثة بعرض بعض آراء لمفكرين معنيين بمجابهة الفكر المتطرف والرد عليه من خلال كتبهم ومقالاتهم ومحاضراتهم، فقد وقع الاختيار على ثلاثة مفكرين وعلماء:
أولاً. الشيخ “د. على عبد الرازق” من علماء الأزهر الشريف ووزير الأوقاف المصرية عام ١٩٤٧م، أول من فتح باب التأصيل الشرعي لمنظومة فكرية مناهضة للفكر المتطرف، من خلال كتابه “الإسلام وأصول الحكم” عقب سقوط نظام الخلافة الإسلامية كنظام حكم كان سائدا قبل ١٠٠ عام.
ثانياً. المفكر العربي “على محمد الشرفاء” وهو كاتب إماراتي له إسهامات بارزة في مجابهة الفكر المتطرف، تمثلت أفكاره في العديد من الكتب مثل ” المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي ” و ” المنهاج الإلهي ” وغيرها الكثير من الكتب التي تحاول تقديم نموذج إصلاحي تنويري للخطاب الديني، هذا بالإضافة إلى مئات من المقالات التي تعكس نفس الرؤية الإصلاحية.
ثالثاً. عرضت الباحثة لآراء المفكر الفلسطيني “د. عدنان إبراهيم” من المفكرين الإصلاحيين من مذهب أهل السنة والجماعة، له إسهامات تتسم بالعقلانية الشرعية في الرد على الأفكار المتطرفة وتقويضها بمنهجية علمية مستنبطة من النصوص الشرعية وملمة بشتى العلوم الإنسانية الحديثة، من مؤلفات عدنان في سياق دحض الفكر المتطرف ” النظرة الاستعلائية “، و ” التوظيف السيئ لحد الردة ضد المخالفين “، فضلاً عن محاضرات بعنوان ” ما هيه الجهاد “، و ” موقف الإسلام ضد المخالفين “. بعد توضيح المنهجية العلمية التي تم اعتمادها لتحليل ونقد والرد على مفاهيم الدم عند الجماعات المتطرفة، نجد أنفسنا في معرض توضيح ما هي المفاهيم التي استخلصتها الباحثة من رسائل “حسن البنا”.
احتوى كتاب “مفاهيم الدم عند الإخوان” على ثماني وعشرون مفهوماً؛ سبعة مفاهيم فكرية،منهم مفهومين رئيسيين ( الخلافة، الأستاذية ) وخمس مفاهيم تابعة للمفهومين الرئيسيين ( نظام الحكم، ومفهوم الوطن، الجهاد، الحاكمية، الاستعمار)، المفاهيم الفكرية تمثل رأس الهرم في المنظومة المتطرفة التي تعد أهداف مركزية لجماعة الإخوان المسلمين وأخواتها، بالإضافة إلي واحد وعشرون مفهوم تنظيمي منهم ثلاث مفاهيم رئيسية ( البيعة، وتربية النشء، ونظام الأسر)، وثماني عشر مفهوم تابع لتلك المفاهيم التنظيمية الرئيسية وهم؛ أركان “البيعة” ( الفهم، الإخلاص، العلم، الجهاد، التضحية، الطاعة، الثبات، التجرد، الإخوة، الثقة )، و (السرية، التكفير، التقية، الاستعلاء بالإيمان، الولاء والبراء، المرأة، الجندية، المال )، تلك المفاهيم التنظيمية (الحركية) تمثل مناهج أصل لها البنا لإعداد الفرد الاخواني وتأهيله ليصبح أداة طيعة لتنفيذ أوامر الجماعة التي تسعى إلى الوصول إلى الأهداف المركزية (المفاهيم الرئيسية).
قسمت الباحثة كتاب “مفاهيم الدم” إلى أربعة فصول بالإضافة إلى فصل تطبيقي ختامي؛ الفصل الأول والثاني يحتويا على المفاهيم الفكرية الرئيسية والتابعة، والفصل الثالث والرابع يحتويا على المفاهيم التنظيمية (الحركية) الرئيسية والتابعة، وأخيرا الفصل الختامي يحتوي على إثني عشر قضية كمثال تطبيقي على بعض الأحداث التي تمثل جرائم عنف وإرهاب، وقعت تلك الحوادث بفعل عناصر من جماعة الإخوان المسلمين أو بالمشاركة معهم، تم التأصيل لتلك الأفعال في سياق مفاهيم الدم التي تناولها الكتاب.
المفاهيم الفكرية:
بدء كتاب “مفاهيم الدم عند الإخوان” من خلال الفصل الأول بالتعرض لمفهوم “الخلافة” باعتباره أخطر المفاهيم الفكرية الرئيسية التي تمثل رأس هرم المفاهيم، يمثل المفهوم هدف رئيسي مدون في ميثاق تأسيس الجماعة، حيث أسست الجماعة عام ١٩٢٨ بعد أربعة أعوام من سقوط الخلافة ـ كنظام للحكم،وأُلغي العمل بنظام الإمبراطوريات في العالم ـ بهدف عودة نظام الخلافة مرة أخرى، وانبثقت من الجماعة عدت جماعات وتنظيمات وأحزاب تعمل لنفس الغرض، عرضت الباحثة مفهوم “الخلافة” عند حسن البنا وفي الفقه الإسلامي؛ “الخلافة تكون لوراثة النبوة”، بغرض وضع أساس علمي للمفهوم، ثم تم عرض تأصيل “حسن البنا” لوجوب العمل بنظام الخلافة في كل العصور، فأوجب البنا على المسلمين (الإخوان) وجوب العمل على إعادة نظام الخلافة، حيث اعتبر البنا أن هذا الهدف هو رأس أولويات الجماعة.
تم تعرض” كتاب مفاهيم الدم عند الإخوان” للمفهوم بالتحليل والنقد والرد من خلال الكتاب في إطار نصوص القرآن الكريم تفسيراته، بعرض مفهوم “الخلافة” في القرآن الكريم و الحديث الشريف ثم من أراء العلماء والمفكرين، فقد استهدف الشيخ “د. علي عبد الرازق” من خلال كتابه “الإسلام وأصول الحكم” بحث هذا المفهوم تحديداً، وقد تم الرد عليه من قبل “عبد الرازق”، حيث أثبت الشيخ خلو النصوص الشرعية مما يوجب العمل وفق نظام “الخلافة”، كما استشهد عبد الرازق من التاريخ على فساد صلاحية نظام الخلافة لعصور ما بعد الخلافة الراشدة، بالإضافة على تأكيد نفس الرد بعرض رأي للمفكر “علي الشرفاء” فقد أكد “الشرفاء”أن نظام “الخلافة”أحد أنظمة الحكم الذي تطلبه واقع الحال زمن الخلافة الراشدة، وكان من المفترض ألا يتعداه، كم ساق “الشرفاء”أمثلة لوقائع قتل وتدمير حدثت عبر التاريخ كنتيجة للتمسك بالعمل بنظام “الخلافة”.
في ذات السياق؛ عرض كتاب “مفاهيم الدم” مفهوم” نظام الحكم” باعتباره مفهوم تابع أول لمفهوم “الخلافة”؛ حيث أسس”حسن البنا” في رسائله لأتباعه أن السعي للحكم ركن من أركان الإسلام الذي يؤمن به، واعتبر هذا الفهم والتأصيل لوجوب الوصول للحكم من الأصول والعقائد في الإسلام، عرض الكتاب للرد على هذا التأصيل من خلال عرض أركان الإسلام كما ذكرها النبي على سبيل الحصر، ثم عرض الكتاب للتفرقة بين الركن والفرض والآراء الفقهية حول المفهوم، ثم التعرض لرأي الشيخ “محمود عابدين” من علماء الأزهر الذي أكد على أن السعي للحكم ليس من الأصول أو العقائد في الإسلام.
لتأكيد الفكرة بحث الكتاب تأصيل حسن البنا للمفهوم، من خلال التأكيد على فساد الاستدلال عند حسن البنا حيث استشهد البنا بأثر عن سيدنا عثمان بن عفان لا يصلح دليل علي وجوب السعي للحكم واعتباره من العقائد، حيث لا يدل الاستشهاد سوى علي أهمية وجود منظومة حاكمة دون اشتراط وجوب انتمائها لتيار ديني معين، أكد على نفس الفكرة الشيخ “د. علي عبد الرازق” حيث أكد علي خلو النصوص الشرعية من أن تكون الحكومة في يد جماعة دينية أو وجوب توافر مواصفات شرعية في الحاكم استشهادا بعمل المسيح وقوله “أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله”، نفس الرأي ذهب إليه د. عدنان إبراهيم حيث أكد أن إقامة الحكومة الإسلامية عند البنا هو امتداد لمفهوم الحاكمية عند أبو الأعلى المودودي، فأكد “عدنان” أن النبي كان يحس أصحابه على الزهد في طلب السلطة.
كما تعرض كتاب” مفاهيم الدم عند الإخوان” تباعاً لمفهوم “الوطن” وهو مفهوم تابع ثاني لمفهوم “الخلافة”؛ هذا المفهوم الذي يؤصل به البنا لأتباعه لعدم الاعتراف بالحدود الوطنية، حيث رسخ البنا في نفوس أتباعه أنا الوطن مرادف للأممية بمعنى أن كل بقعة فيها مسلم هي جزء من الأمة عند البنا” كخطوة لإعادة “الخلافة” وصولا “للأستاذية”، تم الرد على تأصيل “البنا” لمفهوم “الوطن” من خلال عرض مدلولات لفظية للوطن في القرآن وتفسيراتها، ثم الرد من خلال عرض الهدي النبوي في هذا الإطار، ثم عرض الكتاب رد من استشهادات المفكر “علي الشرفاء” حول مفهوم “الوطن” و أهميته، حيث أكد “الشرفاء” على خطورة فكر الإخوان في هذا الإطار وما أسفرت عنه تلك الأفكار الضالة، وتم عرض كذلك لرأي “د. عدنان” حول فقه الأوطان من السنة، حيث تحدث “عدنان” عن كيفية التعامل في أوقات الفتن شرعاً في إطار فقه الأوطان.
وتعرض الكتاب من خلال الفصل الثاني لعرض المفهوم الفكري الرئيسي الثاني “الأستاذية”؛ كمفهوم يمثل الغاية العليا التي أصل لها البنا سعيا للوصول إليها، من خلال السيطرة على العالم بأسره بعد عملية متدرجة تبدأ بالفرد ثم الأسرة ثم المجتمع ثم الأممية، وتتحقق الأستاذية من خلال الرجوع إلى نظام الخلافة الذي يعد الجسر العابر للوصول للأستاذية على جميع بقاع العالم، بهذا وسع “البنا” حدود الوطن الإسلامي ليشمل العالم، وجعل الوسيلة إلى ذلك من خلال الجهاد وهو مفهوم سنقوم بتناوله لاحقاً، استشهد “البنا” للتأصيل لمفهوم “الأستاذية” بعدد من الآيات في غير سياقها، وهو فساد الاستدلال الذي اعتمده البنا منهجاً في الرسائل.
وعرض كتاب “مفاهيم الدم عند الإخوان” للرد على تأصيل “البنا” لمفهوم “الأستاذية”؛ من خلال عرض تفسيرات الآيات ـ التي اعتمد “البنا” على الاستشهاد بها ـ من مصادر مختلفة، حيث جاءت التفسيرات لا علاقة لها ولا يستدل منها علي سيادة العالم كما أصل له البنا من خلال مفهوم “الأستاذية”، ثم عرض الكتاب للرد من خلال الرجوع إلى أحد المؤلفات التي تطرقت إلى أصل عقيدة الإخوان و تحدث حول هذا المفهومـ كتاب “الإخوان الماسون”، أكد المفكر “علي الشرفاء” من خلال كتاباته على نفس الأفكار في إطار الرد على المفهوم، حيث شرح “الشرفاء” كيف جندت المخابرات التابعة لعدة دول مختلفة عبر التاريخ جماعة الإخوان، وتم شرح فساد المفهوم باعتباره يصطدم مع إرادة الخالق لقوله تعالى: “ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين”.
وعرض الكتاب في أوراقه مفهوم “الجهاد” باعتباره الوسيلة التي اعتمدها “حسن البنا” للوصول لأهدافه في سيادة العالم، فصنف الكتاب بذلك مفهوم “الجهاد” كمفهوم تابع أول لمفهوم “الأستاذية”، حيث أصل “البنا” لأتباعه لمفهوم “الجهاد” في عدة رسائل واعتمدته الجماعة بناء عليه منهج يدرس لأتباعها، وتتغنى به في أناشيدها، وجعلت منه رمزاً في رايتها، وتضمن التأصيل استشهاد البنا ب١٥ آية من القرآن عن الجهاد متغافلا ضابط يعد معيار يحدد مقتضيات القتال ذكر في القرآن الكريم، لذلك تم الرد على تأصيل البنا للمفهوم من خلال عرض التفسيرات المختلفة.
في ذات السياق؛ أكد كتاب ” مفاهيم الدم عند الإخوان” على أن البنا أصل لأتباعه لمفهوم “الجهاد” بالاستشهاد ب٣١ مروية تحث على القتال، ولم يتعرض البنا لمدى صحة تلك الروايات وفق علم “الجرح والتعديل”، رد الكتاب على هذا التأصيل “للبنا”حيث ضعف البنا حديث المتن فيه لا يخدم أهدافه، مما يعكس أن البنا لايتبع منهج علمي ثابت بل يقوم بالتأصيل وفق أهوائه، ثم عرض كتاب “مفاهيم الدم” لضابط الجهاد من واقع السنة العملية للنبي رداً على التأصيل الذي ساقه البنا لمفهوم “الجهاد”، ثم عرض الكتاب رأي للمفكر “علي الشرفاء” حول مفهوم مختلف وعقلاني للجهاد، وضابط الجهاد عند “الشرفاء” بمعنى القتال من النصوص الشرعية.
وعرض الكتاب بعد مفهوم “الحاكمية” باعتباره مفهوم تابع ثاني لمفهوم “الأستاذية”، فقد أصل البنا لأتباعه لمفهوم الحاكمية من خلال عدة رسائل، تم الرد عليها من خلال كتاب “مفاهيم الدم” من الواقع العملي والواقع التاريخي في عهد الصحابة، ومن أراء بعض المفكرين مثل “على الشرفاء”، عرض الكتاب لمفهوم “الحاكمية” عند “حسن البنا”، وكيف يوجب القتال ضد الحكام والمحكومين بناء على هذا المفهوم.
اختتمت الباحثة الفصل الثاني بعرض مفهوم “الاستعمار” عن “البنا”، حيث صُنف في مفاهيم الدم كمفهوم فكري تابع ثالث لمفهوم “الأستاذية”؛ حيث أصل “البنا” لمفهوم “الاستعمار” في رسائله لاتباعه باعتباره القطب الأخر المستهدف للجهاد ضده، فأوجب “البنا” على أتباعه وفق هذا المفهوم غزو العالم للوصول للأستاذية أي سيادة العالم، تم الرد على مزاعم “البنا” من خلال كتاب “مفاهيم الدم”من خلال عرض بعض السوابق التاريخية، والتأكيد بأن عمل الصحابة ليس شأن ديني في هذا الإطار، وأن المسألة تقع في دائرة أنتم أعلم بشئون دنياكم، ثم استشهد الكتاب في إطار الرد علي تلك المفهوم المخرب بعمل الصحابيين الجليلين “علي بن ابي طالب” و”عمرو بن العاص”، حيث أوقف الصحابيين الفتوحات في عصرهما، مما يدل على أن الأمر ليس واجب ديني، ثم عرض الكتاب لآراء بعض المفكرين لتقويض هذا المفهوم مثل “على الشرفاء” و”عدنان إبراهيم” و”حسين مؤنس”.
المفاهيم التنظيمية (الحركية):
تابع كتاب “مفاهيم الدم عند الإخوان” تحليل المفاهيم التي أصل لها البنا في رسائله، حيث تعرض الجزء الثاني من الكتاب؛ للمفاهيم التنظيمية التي يربى عليها الفرد الإخواني للتأهل للمهام التي تطلب منه تنفيذها من قبل الجماعة، فيعرض الفصل الثالث من الكتاب لمفهوم “البيعة” كمفهوم تنظيمي رئيسي وأركان البيعة العشر كمفاهيم تابعة له، حيث تعد البيعة جواز المرور لقبول الفرد عضو تنظيمي في جماعة الإخوان، حيث يقسم الفرد على البيعة وقد حُدد نص للبيعة للفرد الإخواني في التنظيم، ونص أخر لأعضاء النظام الخاص يشبه نص البيعة عند داعش، أسس “البنا” لمفهوم “البيعة” في رسالة بعنوان “رسالة التعاليم” يحفظها الإخواني عن ظهر قلب تنفيذاً لتعليمات مرشدهم الأول.
عرض الكتاب للرد على مفهوم “البيعة” من خلال الرد على أركان البيعة العشر التي أسس لها البنا، فقد جعل “البنا” من الفهم أول أركان البيعة ليعلن “البنا” لأتباعه بأن الإيمان بأن مفهوم “البنا” للإسلام هو الحق المطلق، بحيث من أراد الانتماء للجماعة عليه أولا أن يفهم الإسلام وفق مفهوم “البنا”، حقيقًا لا يمكن إدراك مدى خطورة فهم “البنا” دون دراسة المنظومة الفكرية التي أصل لها “البنا” من خلال المفاهيم الفكرية التي تعرض لها كتاب “مفاهيم الدم”، مثل إيمان الفرد بوجوب استعادة الخلافة ووجوب السعي للأستاذية العالم عن طريق استعمار العالم والوسيلة لذلك الجهاد، وتكفير المجتمع والحكام وفق مفهوم الحاكمية والإيمان بمفهوم البنا عن الوطن بمعني تجنيس العقيدة،هنا ندرك لماذا جعل البنا من ركن الفهم أول أركان بيعة الفرد ليصبح عضو داخل الجماعة.
فقد تم تحليل وعرض المفهوم والرد عليه من خلال عرض أراء بعض المفكرين في هذا الإطار، حيث أكد “د. عدنان” على تأصيل حسن البنا وتبنيه للفكر الشمولي، وأكد على خطورة ذلك الفهم الذي يخلق قوالب بشرية مكررة، تجعل الفرد الإخواني لا يرى خارج حدود جماعته.
أسس “البنا” للركن الثاني من البيعة، وهو “الإخلاص” ويقصد البنا هنا ليس الإخلاص في العبادات، لكن قصد الإخلاص للفكرة والعقيدة الإخوانية، أصل لأتباعه في “رسالة التعاليم” لمفهوم الإخلاص مستشهداً بآيات في غير سياقها، لتوظيفها باطلاً في غير موضعها ومعناها، وقد تم عرض تفسيرات الآيات في الكتاب رداً على استشهاد البنا، لإبطال مزاعم “البنا” الفاسدة في الاستدلال.
أسس “البنا” لركن “العمل” كمفهوم يعد ثالث أركان “البيعة”، حيث آصل البنا لأتباعه من خلاله على أن العمل بإخلاص للوصول لأهداف الجماعة هو مقتضى البيعة على ركن “العمل”، حيث أوجب البنا على أتباعه ومن هم تحت ولايتهم، بإلزام أنفسهم وغيرهم بفهم “البنا” للإسلام.
أسس “البنا” من خلال رسائله لأتباعه لمفهوم “الجهاد” كركن رابع “للبيعة”، فعرض الكتاب كيف أراد “البنا” أن يؤكد لأتباعه ألا تصلح بيعة أحدهم دون إيمانه بفرضية “الجهاد” وصولاً لتحقيق أهداف الجماعة، وقد تم تحليل هذا المفهوم في كتاب “مفاهيم الدم”، والرد عليه في إطار عرض وتحليل المفاهيم الفكرية.
عرض كتاب “مفاهيم الدم” لركن البيعة الخامس “التضحية”، كأحد المفاهيم التنظيمية التابعة وفق تصنيف الباحثة، أصل “البنا” لركن “التضحية” بالاستشهاد بأربع آيات في غير سياقها، تم عرض الرد على تلك الاستشهادات من التفسيرات القرآنية وعرض لأسباب النزول لتفنيد أباطيل “البنا” وتوضيح فساد الاستدلال الذي انتهجه “البنا” سبيلاً.
ويشير كتاب “مفاهيم الدم عند الإخوان” إلى أن “البنا” جعل من “الطاعة” ركن سادس للبيعة، حيث نص قَسم البيعة الإخوانية على هذا المفهوم لفظاً، فعرضت الباحثة من خلال الكتاب كيف قسم “البنا” الطاعة إلى ثلاث مراحل، كل مرحلة لها طبيعة والتزامات تم التعرض لها بالتحليل والرد والنقد.
ويقول الكتاب إن “البنا” أسس في ركن البيعة السابع لمفهوم “الثبات”، حيث عرض كتاب “مفاهيم الدم”كيف أسهم هذا المفهوم في تعزيز قدرة أفراد الجماعة على التعامل في فترات المحن، التي تعرضت لها الجماعة في أوقات تاريخية مختلفة، استشهد البنا بالآيات القرآنية للتأصيل لاتباعه للبيعة على “الثبات”، وتعرض الكتاب للرد عليها من التفسيرات القرآنية وأراء بعض المفكرين.
جعل “البنا” من “التجرد” و”الأخوة” مفهومين،وهما ركن ثامن وتاسع يبايع عليهما الفرد الإخواني، حيث عرض كتاب “مفاهيم الدم”لتأصيل “البنا” للركنين في “رسالة التعاليم”، وعرض الآيات التي استشهد بها “البنا” في هذا الإطار والرد عليها من التفاسير المعتمدة.
ويؤكد كتاب “مفاهيم الدم عند الإخوان”: أن “البنا” اختتم أركان “البيعة” بمفهوم “الثقة”، حيث جعل منه ركن عاشر لقبول بيعة العضو داخل الجماعة، عرض الكتاب كيف أراد “البنا” من خلال هذا الركن جعل الفرد الإخواني جندي مطيع في يد قائده أو مرشده، حيث أصل البنا لهذا الركن لضمان عدم مراجعة العضو أو مناقشة الأمر الذي يصدر من الجماعة، وأصل للمفهوم من خلال الاستشهاد ببعض الآيات القرآنية في غير سياقها، وتم عرض الردود عليها في الكتاب من خلال توضيح التفاسير وأراء بعض علماء الأزهر.
أكمل البنا “رسالة التعاليم” الذي أصل فيها للبيعة وأركانها ببعض الأسئلة يطرحها الفرد الإخواني على نفسه، وبعض الالتزامات يلتزم بها العضو ليضمن بذلك السيطرة الكاملة على كل فرد داخل الجماعة، وعرض الكتاب كيف ضمن “البنا” بذلك الولاء المطلق لأفراد الجماعة، لغرض صناعة فرد إخواني بمفاهيم تنظيمية لا تخطأ الهدف المنشود.
ويطرح كتاب “مفاهيم الدم عند الإخوان” في فصله الرابع سؤال، هو: كيف أهتم “البنا” بفكرة “تربية النشء” على المنظومة الفكرية التي أصل لها من خلال صناعة حاضنة إخوانية وهي “نظام الأسر”، حيث خصص البنا رسالة بعنوان “نظام الأسر” فصل فيها لشكل تلك الأسر وواجبات كل فرد داخل هذه الأسر الإخوانية، عليه عرض كتاب مفاهيم الدم للمفهومين التنظيميين “تربية النشء” و”نظام الأسر” كمفهومين رئيسيين،ثم عرض الكتاب لثماني مفاهيم تابعة لهم، يربى عليها الفرد الإخواني داخل الجماعة (السرية، التكفير، التقية، الاستعلاء بالإيمان، الولاء والبراء، المرأة، الجندية، المال).
وبدء الفصل الرابع في الكتاب بمفهوم “تربية النشء” صنفته الباحثة كمفهوم تنظيمي (حركي) اهتم به البنا وخصص له المحاضرات؛ منها محاضرة ألقاها قبل تأسيس التنظيم بعام في “جمعية الشبان المسلمين” بعنوان “أثر التربية في حياة الأفراد والأمم”، مما يعكس اهتمام البنا منذ اللحظات الأولى لإنشاء الجماعة لتفرد بناء شخصية الإخواني وتميز السمات الإخوانية عن غيرها للتأهل لتنفيذ أهداف الجماعة، عرض الكتاب وحلل نصوص الرسائل التي أصل لها “البنا” في هذا الشأن، وردود بعض علماء الأزهر الشريف عليها، وعرض بعض الآيات القرآنية التي ترد أفكار “البنا”، ثم عرض لبعض المناهج التي صاغتها الجماعة من خلال كتب تدرس داخل الأسر الإخوانية بخصوص “تربية النشء”.
وعرض الكتاب مفهوم “نظام الأسر” وكيف أصل له “البنا” في رسالة بنفس العنوان، فصل فيها لما يجب أن يكون عليه تلك الأسر، فوضع “البنا” ثلاث أركان لتلك الأسر الإخوانية، عرضها الكتاب ورد على ما جاء بها من مزاعم في ضوء آيات الذكر الحكيم.
في سياق متصل؛ تناول كتاب “مفاهيم الدم عند الإخوان” مفهوم “السرية” عند الإخوان صنفته الباحثة كأول مفهوم تنظيمي تابع لمفهوم “نظام الأسر”، لما له من أهمية خاصة في رسائل “البنا”، الذي لم يخصص له رسالة معنونة إنما نص عليه في أجزاء من رسائل متفرقة، حيث رصد كتاب “مفاهيم الدم” أربع أجزاء من رسائل “البنا” يؤكد بالدلالة على الحفاظ على السرية، عرض الكتاب للرد عليها من أراء العلماء، ثم عرض الكتاب المناهج التي أُلفت لدراسة كيف يكون العمل سري داخل التنظيم.
يأتي مفهوم “التكفير” صنفته الباحثة كمفهوم تنظيمي ثاني رغم انتمائه للمفاهيم الفكرية علمياً،لما له من أهمية تنظيمية يربى عليها العضوداخل الأسر الإخوانية، من خلال رسائل “البنا” والمناهج التي أُعدت لتفصيل وشرح المفهوم، حيث رصدت الباحثة خمس أجزاء من رسائل أصل فيها “البنا” لعقيدة التكفير لكل من هم خارج الجماعة، وعرض الكتاب للرد عليها من القرآن والسنة وأراء العلماء والمفكرين.
لقد صنفت الباحثة في كتابها مفهوم “التقية” كمفهوم ثالث تنظيمي تابع، يربى عليه عضو الجماعة داخل الأسر الإخوانية، من خلال رسائل “البنا” التي تم رصد ستة منها، أصل من خلالها “البنا” لاتباعه لمفهوم “التقية”وكيف يتم التعامل بمقتضيات التقية عملياً، وتم عرض الردود على تلك الرسائل في الكتاب من القرآن الكريم وأراء علماء الأزهر.
وتابع كتاب “مفاهيم الدم عند الإخوان” عرض المفاهيم التنظيمية للجماعة من خلال تصنيف مفهوم “الاستعلاء بالإيمان” كمفهوم رابع تابع، حيث رصد الكتاب لسبعة أجزاء من رسائل “البنا” يؤصل من خلالها لاتباعه لمفهوم “الاستعلاء بالإيمان”، وعرض الكتاب كيف يستخدم أتباع “البنا” لهذا المفهوم في العصر الحالي، كما عرض للرد على تأصيل “البنا” للمفهوم من أراء العلماء.
وعرض الكتاب أيضا “مفاهيم الدم” لمفهوم “الولاء والبراء” وتم تصنيفه كمفهوم خامس تنظيمي تابع، يربي عليه الفرد الإخواني داخل الأسر، ويستخدمهأعضاء الجماعة لتبرير الشماتة في خصومهم،ويستخدمون الآيات في غير سياقها للتأصيل لذلك، أصل لها “البنا” لمفهوم “الولاء والبراء” في بعض الرسائل وتم عرضها في كتاب “مفاهيم الدم” والرد عليها.
كما تناول كتاب “مفاهيم الدم عند الإخوان” مفهوم “المرأة” كمفهوم سادس تنظيمي تابع، تربى عليه الفرد داخل الأسر الإخوانية، فيتشكل داخل الأسر صورة ذهنية عن المرأة توظف لخدمة أهداف الجماعة، حيث أصل “البنا” في أكثر من ستة مواضع للمفهوم لرسم صورة ذهنية لما يجب أن تكون عليه المرأة الإخوانية، وقد تم تصنيف المرأة في الكتاب كمفهوم، ليعكس كيف حول “البنا” المرأة لشيء يستخدم لخدمة أهداف الجماعة، وعرض الكتاب لتطور دور المرأة داخل الجماعة بحسب متطلبات المرحلة، وتم الرد على تأصيل “البنا” من أراء المفكرين، وعرض الكتاب بعض المناهج الإخوانية التي تدرس داخل الأسر بخصوص مفهوم “المرأة”.
وصنفت الباحثة في كتابها “مفاهيم الدم عند الإخوان مفهوم “الجندية”كمفهوم سابع تنظيمي تابع، فقد أصل “البنا” لأتباعه للمفهوم في أكثر من ستة مواضع من الرسائل، مما يعكس مدي أهمية المفهوم لدى”البنا” الذي يربى عليه الفرد لصناعة عناصر مؤهلين جسدياً لتنفيذ أهداف الجماعة، وقد تم الرد على تأصيل “البنا” في ضوء القرآن الكريم والهدي النبوي وأراء العلماء، ثم تم عرض لبعض المناهج التي تدرس داخل الأسر الإخوانية بخصوص هذا الغرض.
أختتم كتاب “مفاهيم الدم” أوراقه بتصنيف “مفهوم المال”كمفهوم ثامن تنظيمي تابع، أصل “البنا” للمفهوم في عدة مواضع رصد الكتاب أربع منها، وتم عرض أهمية المفهوم كشريان لضمان استمرارية نشاط الجماعة، وعرض الكتاب للواقع العملي الذي مارسته الجماعة عبر التاريخ لضمان توفر هذا المفهوم واستثمار موارد الجماعة، وكيف أصل “البنا” لفكرة الحفاظ علي سرية مصادر التمويل الذي تتبعه الجماعة إلى وقتنا.
أخيرًا؛ عرض الكتاب من خلال الفصل الختامي لأثنى عشر قضية وضح من خلالها كيف أسهمت مفاهيم الدم التي تناولها كتاب “مفاهيم الدم عند الإخوان”، بالرصد والتحليل والنقد في صناعة أحداث تلك القضايا في فترات زمنة مختلفة بفعل عناصر من جماعة الإخوان أو بالمساهمة معهم، واتضح من خلال القضايا المدعمة بالوثائق كيف أسهمت المنظومة الفكرية الضالة ل”حسن البنا” في إراقة الدماء عبر التاريخ.