إلى أين يتجه العالم؟.. “في العالم 2050: كيف نفكر في المستقبل؟”.. (عرض كتاب “الجزء الأول”)

عرض وقراءة: عبدالرحمن سعد الدين

أشار الكاتب المخضرم، والصحفي والاقتصادي البريطاني هاميش ماكري، إلى أن هناك 4 قوى دافعة للتغيير، ستؤثر على شكل العالم خلال المرحلة المقبلة، هم على الترتيب: الديمغرافيا لما لها من أهمية كبيرة في تحديد إمكانيات النمو الاقتصادي ومدى حيوية المجتمع، ثم الضغط على الموارد البيئية، باعتبار أن تحدي المناخ يؤثر على كافة الدول، والطبيعة المتغيرة للتجارة والتمويل الدوليين، والعامل الأخير يتمثل في العولمة، وتأثيرها المستمر في  تشكيل نمط الحياة.

يذكر أن كتاب “العالم 2050: كيف نفكر في المستقبل؟” من تأليف هاميش ماكري، وترجمة محمد عوض وسارة الحداد، وناشره مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة.

كيف يبدو العالم الآن؟

 عارض المؤلف في بداية كتابه ما يتردد حول التراجع الأمريكي، وأكد على تطور الاقتصاد الأمريكي بشكل كبير في الفترة الأخيرة إذا ما قورنت بدول الإتحاد الأوروبي. كما وضح الكاتب الفارق الكبير بين التعليم الأمريكي بكافة مستوياته وبين التعليم في مختلف دول العالم، والذي بدوره يضمن الهيمنة الأمريكية لفترة طويلة. ووضح الكاتب أيضا الدور الكبير للتعليم والثقافة والهجرة في تعزيز السيادة الأمريكية، وضمان البقاء على عرش الهيمنة العالمية حتى منتصف القرن الحالي.

يرى الكاتب الكبير أن أمريكا الجنوبية، تعاني بشكل كبير إذا ما قورنت بأمريكا الشمالية ودول أوروبا، حيث تواجه معظم هذه الدول أزمات اقتصادية واجتماعيه طاحنة، تؤدي إلى مشاكل التي يصعب مواجهتها. وعلى الجانب الأخر، أشار المؤلف إلى أن قارة أوروبا أصبحت أكثر تماسكا من الناحية السياسية، وتكاملا من الناحية الاقتصادية، مؤكدا على وجود العديد من المشاكل التي تعوق عدد من الدول الأوروبية، وهو ما يسبب ارتباكًا في المشهد الأوروبي ككل. وأثبتت تجارب بعض الدول الأوروبية مثل المملكة المتحدة وأيرلندا التي لا تنتمي لنظام اليورو، امكانية تحقيق نمو أسرع من الدول الأوروبية الأخرى التي تتبع نظام العملة الموحدة.

وانتقل الكاتب بشكل مباشر إلى الدولة ذات المساحة الأكبر في العالم، وهي روسيا التي تمتلك احتياطي هائل من الموارد الطبيعية، ورأس المال البشري الحاصل على تعليم استثنائي، والحدود البرية التي تشترك فيها مع أكبر كيانين اقتصاديين في العالم، هما الصين والإتحاد الأوروبي، ولكنها أيضا تعاني من مشاكل حقيقية نتيجة للديموغرافيا واعتماد اقتصادها بشكل كبير على صادراتها من الطاقة والمواد الخام. وتحول الكاتب من قارة أوروبا إلى أسيا، متحدثا عن الصين، مشيرًا إلى أن الدولة المكتظة بالسكان، أحدثت قفزة إعجازية في العقود الأخيرة، ساهمت في انتشال أبنائها من الفقر الشديد. وقال المؤلف إن دول المدينة محدودة المساحة مثل هونج كونج وماليزيا وتايوان، حققت تنمية اقتصادية كبيرة، أدت إلى تعزيز مكانتهم الاقتصادية بشكل لافت.

استنكر “ماكري” رؤية الكثيرين للقارة السوداء في صورة الأطفال، الذين يعانون من سوء التغذية، والمجتمعات التي دائما ما تواجه خطر المجاعات. وقال إن القارة السوداء، حققت وفقا لما يعكسه الواقع الحالي لبعض دولها نجاحات مذهلة، حيث تعد معدلات النمو الاقتصادي بها هي الأسرع في العالم، حتى بالمقارنة مع الصين. ويرى “ماكري” أن هناك 5 دول أفريقية تتحكم في زمام التقدم في القارة وهم: نيجريا، إثيوبيا، جمهورية الكونغو الديمقراطية، جنوب افريقيا. مؤكدًا أن هذه الدول مجتمعه من الممكن أن تعبر عن الدول الأفريقية، وما تواجهه من تحديات مختلفة، حيث تعد نيجريا إحدى أكثر الدول اكتظاظًا بالسكان على مستوى العالم مع احتياطي نفطي ومستوى دخل للفرد يبلغ حوالي 7000 دولار، بينما تمثل إثيوبيا الدول الأفريقية التي واجهت الفقر، وأحدثت نمو اقتصادي، يُعد الأضخم في القرن الـ21 بعدما كانت 3 أفقر دولة على مستوى العالم، وتمثل جمهورية الكونغو الديموقراطية دول أفريقيا التي مازالت تبحث عن الحكم الرشيد الذي يمكنها من الوصول لمرحلة جديدة من التعايش السياسي بين العرقيات المختلفة داخل الدولة الواحدة. وعلى الجانب الأخر، تعد دولة جنوب أفريقيا صاحبة أكبر قصة نجاح أفريقية في كافة المجالات على الرغم من تباطؤ وتيرة هذا النجاح في الفترة الأخيرة. وعلى النقيض من النظرة المتفائلة حول أفريقيا، يرى الكاتب أن منطقة الشرق الأوسط، مليئة بالتوترات السياسية، والنزاعات، والتفاوتات بين مختلف دولها، ولذلك قد تصبح أقل أهمية فيما بعد.

الديمغرافيا واتجاهات العولمة:

أشار الكاتب إلى أنه طبقا لتوقع الأمم المتحدة، سيبلغ عدد سكان الكوكب حوالي 10 مليار نسمة، مما يشكل عبئا حقيقًا، ومسؤولية كبيرة على كافة الدول، وتحديدا فيما يخص كيفية توفير الخدمات الملائمة؛ لسد حاجة المواطنين. ووضح الكاتب أنه طبقا لتوقعات الأمم المتحدة، ستجتاح الشيخوخة معظم دول العالم على فترات متلاحقة، والذي يؤدي بدوره إلى انخفاض العمالة والانتاجية، كما سيؤثر ذلك على رغبة الدول في استقبال المهاجرين، نتيجة لنقص العمالة بالدول المتقدمة. وأوضح الكاتب الدور الكبير الذي سوف تقوم به التقلبات الديمغرافية على مستوى العالم، ويعد المثال الصيني الهندي هو الأبرز، حيث أنه من المتوقع أن تتخطى الهند الصين فيما يخص عدد السكان لتصبح هي الدولة الأكبر في العالم من حيث الكثافة السكانية. وستحاول كافة الدول المتقدمة مواجهة خطر انخفاض معدلات الخصوبة وزيادة نسبة الشيخوخة، التي ستجتاح هذه الدول عن طريق الاستعانة بالهجرة كحل مثالي لإنقاذ هذه الدول. وعلى النقيض من أوروبا، تمتلك القارة الأفريقية معدلات خصوبة مرتفعة تبشر بزيادة عدد السكان، مما يشجع من محاولات تعزيز إنتاجية دول القارة الأفريقية.

أكد الكاتب على حتمية تغير المناخ، باعتباره واقع لا يمكن الهروب منه، وذلك نتيجة لظاهرة الاحترار العالمي، والتي ترتفع بشكل ملحوظ في الفترة الأخيرة. ويؤكد الكاتب أنه من الضروري أن يتمكن العالم من استيعاب ارتفاع درجات الحرارة على مستوى العالم، وتقديم حلول فعاله تساهم في احتواء ارتفاع درجات الحرارة ومنعها من الموصول إلى 2 درجة مئوية.

أوضح هاميش ماكري، أن هناك تزايد كبير لدور التجارة جنبًا إلى جنب مع التكنلوجيا، وتحديدًا بعد تخلي الصين ومن بعدها أوروبا الشرقية عن سياساتها الشيوعية، وأصبحت اقتصادات سوق فاعلة. ولكن يشير الكاتب إلى أنه من الممكن أن نرى تراجع لدور التجارة الدولية في الأعوام القادمة نظرا لعدة أسباب وهي: تقلص الفارق في الأجور بين العالم المتقدم والناشئ، تغير أليات وطرق التصنيع، تفضيلات المستهلك والتي تتغير بين الحين والأخر لأسباب مختلفة، وأبرز الأسباب هو تحول أنماط الشراء من السلع إلى الخدمات.

وظهر في الآونة الأخيرة التأثير التكنولوجي على استخدام العملات على المستوى الدولي، حيث انتشر على نطاق واسع استخدام عملة البيتكوين، نظرا لأنها بعيدة عن أنظار البنوك والحكومات ولا يمكن تعقبها. وعلى الجانب الأخر، تبرز عيوب عملة البيتكوبن في عدم القدرة على تأدية وظائف الأموال الـ3 وهي أن تكون وحدة حسابية، وسيلة للتبادل، مخزن للقيمة، ولذلك يرى الكاتب أن العملات الوطنية ستتمكن من التغلب على البيتكوين، نظرًا لوجود العديد من القصور في هذه العملة. ولم يتوقف دور التكنولوجيا عند هذا الحد، حيث أنه من الممكن استخدام بطاقة الدفع أو الهاتف أو أليات أخرى مثل مسح قزحة العين، كأدوات حديثة بدلا من النقود للتبادل المادي، وهو ما لقي استحسانا كبيرا في الفترة الأخيرة.

كيف ستتحول الحكومات والحوكمة؟

أشار الكاتب إلى أنه طبقا لما حدث من تطور تكنولوجي من الثورة الصناعية إلى الآن، يمكن أن نشير إلى أن التقدم ينقسم إلى فئتين عرضيتين هما: التطور التدريجي، والتطور الثوري. يتميز التطور التدريجي بارتفاع قدرة المجتمعات على التكيف بشكل أكبر، وعدم ملاحظة هذا التغير بشكل كبير كما هو الحال في التغير الثوري، وعلى الجانب الأخر، يتميز التغير الثوري بأن له أثر كبير يفوق التوقعات، ويؤدي إلى نتائج بإمكانها تغيير صورة العالم لسنين طويلة. وكان لانتشار وباء فيروس كورونا دور كبير في إحداث طفرة هائلة في الاتصالات، إذ تطور العالم بمقدار عقد من الزمن مقارنة بما سبق، وأثرت الاتصالات بشكل كبير على الحياة اليومية للأفراد من حيث التعليم والصحة والعمل وكافة المجالات الأخرى. كما يراهن الكاتب على أن التكنولوجيا ما زالت قادرة على إبهار العالم وأن هناك العديد من المجالات، التي سيكون للتكنولوجيا دور كبير مثل: مجال الطاقة، مجال التكنولوجيا، مجال الرعاية الصحية، مجال التكنولوجيا الحيوية،مجال الزراعة،مجال الصناعة؟

أشار الكاتب إلى تحطم الافتراض الذي يشير إلى أن نوع من أنواع الليبرالية سيسود العالم بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، حيث قدمت الصين نموذجًا مبهرًا، بعيد كل البعد عن الديموقراطية الليبرالية. وتتعرض الديموقراطية الليبرالية طبقا للكاتب، لهجوم من جهات عديده والمحرض الرئيسي لذلك هو الأزمة المالية التي عصفت بالديموقراطيات الغربية على وجه الخصوص في 2008: 2009. ويؤكد الكاتب على أن الديموقراطيات في كافة دول العالم أمامها ثلاث اتجاهات في المستقبل وهم: الصمود، التراجع، الازدهار، ويختلف ذلك طبقا لمصير كل دولة. كما أكد الكاتب على تراجع دور المؤسسات العالمية في المستقبل حيث ستكون أداه من أدوات الدول لتحقيق مصالحها، وخاصة إذا حدثت حرب باردة جديدة بين الصين وأمريكا.

وقد حاول الكاتب بشكل كبير بناء تصورات حول شكل العالم 2050 من خلال استعراض معظم الجوانب المرتبطة بذلك، كما أكد انه ليس هناك مجال للشعور باليأس، وذلك لأن الشعور باليأس يعني تجاهل براعة البشرية وقدرتها على التكيف. وختامًا، نوه الكاتب أن ذكاء البشر دفعهم إلى خطوة كبيرة للأمام، للتعايش مع هذه الازمات، ومواجهة كافة التحديات والمخاطر التي تعصف بها من حين إلى أخر.

الحلقة الثانية من عرض كتاب “العالم 2050: كيف نفكر في المستقبل؟” تتطرق إلى مستقبل العالم والتنافس بين نظم الحكم، والأيديولوجيات المتنافسة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى