لماذا يجب أن يتوحد العرب؟..في “نحو استراتيجية لإعادة بناء النظام العربي” (عرض كتاب)
لقد قدم الشرفاء هذه الرؤية في مطلع الألفية الثالثة (عام 2000) بهدف إعادة الأمن القومي العربي وإعادة بناء النظام العربي بما يكفل له حماية أراضية من المحيط إلى الخليج وتطبيق اتفاقية الدفاع المشترك وتنفيذ مشروع بنك التنمية العربي ليتمكن بواجبه نحو مساعدة الدول العربية الفقيرة وحمايتها من الانهيار الاقتصادي. كما يهدف هذا الكاتب في كتابه إلى تبديد ظلمات اليأس وتحويلها إلى نور من الإيمان بالقدرة العربية على استعادة طاقتها المهدرة واسترجاع قوتها الضائعة.
يعنى مصطلح” الأمن القومي العربي” عند المؤلف في كتابه “نحو استراتيجية لإعادة بناء النظام العربي”، أن قضية الأمن لها مجموعة من الأقوام من الدول بالرغم من اختلاف توجهاتهم أو ديانتهم أو لغاتهم، وأن هناك مصلحة معينة مدركين أهميتها وآثارها على مجتمعاتهم سواء كان ذلك من الناحية السياسية أو الاقتصادية، ويستشعرون بما يمكن أن يهدد تلك المصالح ويعملون مدى آثار السلبية على شعوبهم فيما لو تأثرت تلك المصلحة المشتركة والأخطار التي تترتب عليها في كافة المجالات الحياتية.
لذا يرى المؤلف أن هذه المرحلة من حياة الأمة العربية تتطلب المصلحة الوطنية والقومية في الظروف الراهنة، وأنه في هذه اللحظات الحرجة يجب أن ترتفع كل القيادات فوق جراح الماضي، وأن يضعوا مصالح الأمة العربية فوق كل الاعتبارات لتحقيق مصالحة عربية، وأن تتنازل كل دولة تنازلًا متبادلا للأخرى لدفن الماضي البغيض ووأد الخلافات أيا كانت كيلا تستغلها قوى البغي في النفاذ من هذه الثغرات بمحاولة إملاء مفاهيم ومعتقدات جديدة للسيطرة على أفكارنا ليسهل عليهم ترويضنا والسيطرة.
وتتطلب تحقيق الوحدة العربية في تلك المرحلة القادمة من وجهة نظر الكاتب وضع استراتيجية تعيد بناء النظام العربي ليتحقق للدول العربية ما تطمح إليه شعوبها من تطور وتعاون بين أقطارها لحماية مصالح الأمة العربية ومواجهة ما يترددها من أخطار تسعى لطمس هويتها واسترقاق شعوبها ونهب ثرواتها. وقدم المؤلف في “نحو استراتيجية لإعادة بناء النظام العربي” العديد من المحاور سواء في المجال السياسي، والعسكري، والاقتصادي، ومواجهة العولمة الاقتصادية، مصداقية الشعارات العربية، والسوق العربية المشتركة، المشروع القومي، الخلافات العربية. ونتطرق إلى ما ذكره الكاتب من محاور في كتابه على النحو التالي:-
المجال السياسي:
وهنا نشير إلى أن المؤلف حدد عدة نقاط فيما يتعلق بالمجال السياسي، وأهمها:
- وضع ميثاق جديد تحدد فيه العلاقات العربية بأسلوب واضح وملتزم مع تحديد صريح لواجبات كل دولة عربية مما يضمن لها من حقوق ويستوجب عليها من التزامات وقت السلم أو في وقت الاعتداء على أحدها من خارج المجموعة العربية.
- كذلك وضع إطار لأسلوب التعامل فيما بين الدول العربية على أساس الاتصال المباشر والحوار المستمر لإنهاء أي خلاف وأن تتم معالجته بالسرعة التي تجعل الأمر محصورًا بين القادة منعًا لأية تداعيات تنعكس سلبًا على الشعوب وتزيد من ابتعاد هذه الأمة عن أهدافها.
المجال العسكري:
وفي المجال العسكري طالب المؤلف بإنشاء مجلس الأمن القومي العربي بحيث يشكل من قادة القوات المسلحة في الدول العربية وتتبعه أمانة خاصة مقرها في الجامعة العربية حيث يتولى المجلس القومي التخطيط الاستراتيجي والعسكري، بحيث يكون مسؤولًا عن تنفيذ ما يلي، ولنذكر أهم النقاط :
- وضع النظم والإجراءات الكفيلة بتفعيل معاهدة الدفاع العربي المشترك والموقعة من قبل الدول العربية كافة.
- تحقيق الاتصال بالقيادات العسكرية في الدول العربية والقيام بالتنسيق فيما بينها.
- ترتيب التعاون بين القوات المسلحة في الدول العربية مع بعضها البعض بواسطة إجراء المناورات السنوية ضمن برنامج معد لذلك.
المجال الاقتصادي:
وهنا يرى المؤلف أن الأسباب التي أدت إلى تخلف أكثر الدول العربية اقتصاديًا ليس بسبب عدم توفر ثروات طبيعية أو نقص في العمالة الفني، ولكن السبب الحقيقي هو عدم توفر الموارد المالية التي تستطيع به استغلال ثرواتها الطبيعية سواء كانت بترولية أو خام مختلفة. ويضيف هنا الكاتب أنه ولو تحققت الموارد المالية للأمة العربية لاستطاعت أن تستثمر مواردها وتحقق لشعوبها فرص الهمل والعيش الكريم.
ويؤكد المؤلف أن المرحلة القادمة تتطلب إجراءات فعالة ونظرة علمية موضوعية في تفعيل إمكانات الدول العربية لتستفيد من ثرواتها وفوائضها المالية ، وذلك على النحو التالي:
إنشاء بنك عربي قيمة رأس ماله لا تقل عن خمسين مليار دولار -تكون مهمته تصحيح الهياكل المالية في الدول العربية، وتطوير إمكاناتها الاقتصادبة- حتى تستطيع الخروج من الكبوة الاقتصادية على أساس خطة خمسية تأخذ في الاعتبار الدول التي لديها إمكانات وثروات يمكن استثمارها وتحقيق مردود اقتصادي في وقت لا يزيد عن خمس سنوات، على أن يكون أداء البنك وسياسته التنفيذية على الدراسات الاقتصادية حتى تستطيع معالجة الخلل المالي تباعا في الدول العربية.
ما سبق ذكره يؤكد رؤية المؤلف التي تقول إن الأمة العربية إذا استطاعت أن تضع الآليات العلمية العامة وتسخر فوائضها المالية في خدمة الاقتصاد العربي مما سيحقق لها استثمارات عربية في مأمن من التجميد أو المصادرة أو التلاعب. علاوة على ذلك، أن المردود المالي على الاستثمار العربي ستكون مضمونة الفوائد، ستفوق ما تحصل عليه الاستثمارات العربية في الدول الغربية من فوائد هزيلة وأحيانا فقدان رأس المال في الاستثمارات الدولية.
مواجهة العولمة الاقتصادية:
في وجهة نظر المؤلف أن أشرس وأخطر أنواع الصراع في الحاضر والمستقبل يتمثل في الصراع الاقتصادي، وذلك نظرًا للتطورات الاقتصادية المتلاحقة في عصرنا الحاضر، وانتهاء صراعات ومواجهات معسكرات القوتين الشرقية والغربية؛ فإن هذه التطورات والتغيرات قد فرضت أسلوبًا جديدًا في صراع البقاء، أو ما يسمى بالصراع الاقتصادي.
يعتبر المؤلف أن أخطر أنواع الصراع.. الصراع الاقتصادي؛ لأنه متمثل في صدام قدرات اقتصادية وإمكانات تخطيطية، وأساليب تسويقية تعتمد على أساسًا نوعية الإنتاج والسعر المنافس وسرعة الحركة ومرونتها، والتكيف مع متطلبات السوق بكل الأخلاقيات والقيم الجديدة التي تسوده في الوقت الحاضر وصولًا إلى هدف رئيسي، وهو ضخ أكبر كم من الإنتاج إلى أسواق جديدة.
ويرى المؤلف، أن الأمر يتطلب تخطيطًاً بعيد المدى تشارك فيه جميع المؤسسات الاقتصادية سواًء كانت حكومية أو شبه حكومية والقطاع الخاص، وذلك ببناء استراتيجية شاملة تهدف في النهاية إلى زيادة الإنتاج الذي من شأنه إتاحة الفرص لتشغيل أكبر عدد ممكن من أبناء الوطن العربي، وبالتالي يحقق مردوده على الاستقرار في الدولة، ويصبح الكل له دور في تسيير عجلة التطور والتنمية، مما يحد من ظاهرة البطالة المستفحلة.
ومن وجهة نظر المؤلف أن اتفاقية (الجات) ستفتح مجالا واسعًا من التنافس والغزو السلعي اللامحدود؛ لأنها أعطت الحرية للسوق، والعرض هو أساس التعامل في النظام الدولي الجديد؛ فالقضية لابد من أن تؤخذ على محمل الجد، حيث ستكون السيادة للقوي في الساحة الاقتصادية ويتراجع الضعيف وتصبح الأسواق أسواقًا استهلاكية، وما سيترتب عليه من أعباء خطيرة، منها ما سيسببه من تفشي داء البطالة وما يشكله من أعباء على الدولة إلى أن تضحى بأغلى ما عندها من مخزون استراتيجي وثروات طبيعية؛ فتبيعها مرغمة بأقل الأسعار حتى تتمكن من مواجهة عسيرة -لم تعد لها العدة من قبل- ويستمر التراجع والتخلف الاقتصادي إلى مدى لا يعلمه الله.
لذا يرى المؤلف أنه لابد من وضع خطة مستقبليه تستوعب كافة الطاقات الاقتصادية وتوظيفها توظيفا علميا سليما، وبنظرة شمولية وحياد إلى كافة قطاعات المجتمع، والذي في النهاية إما أن يكون مجتمعًا فعالًا -كل له دوره في تنميته- وإما أن يتحول المجتمع إلى طاقات معطلة مبددة ويتراجع التفكير الشمولي ليصبح تفكيرًا محدودًا ضيقًا يكون محيطه دائرة الفرد والأسرة فقط مما يؤدي إلى تفتت الجهد المشترك لمواجهة متطلبات التطور.
ويعتبر الكاتب المذكور بمثابة خارطة طريق حقيقية ومشروع قومي طموح يسعى لإعادة بناء النظام العربي بما يكفل له حماية أراضيه من المحيط إلى الخليج، وتطبيق اتفاقية الدفاع المشترك، وتنفيذ مشروع بنك التنمية العربي لمساعدة الدول العربية الفقيرة وحمايتها من الانهيار الاقتصادي وتطبيق اتفاقيات السوق العربية والتعاون الاقتصادي بين الدول العربية.