تطور الظاهرة الحوثية وجدلية العلاقة بالخارج.. في “الحوثيون.. دراسة منهجية شاملة”.. (عرض كتاب).

عبدالرحمن سعد الدين- باحث مساعد بوحدة دراسات العالم

يأتي الاهتمام بالحوثيين، نتيجة للدور الكبير والمؤثر للجماعة في الشأن اليمني، وفي الشرق الأوسط ككل. وتختلف الأراء بشكل كبير حول ماهية الظاهرة الحوثية، وهذا ما يعقد من عملية تحليلها بشكل موضوعي.

وتزداد صعوبة تحليل ظاهرة الحوثيين، نتيجة لكونها قضية تتشابك فيها عدة فروع بشكل متلاحم، مما يعقد من فهمها وتفسيرها بشكل موضوعي، حيث يختلط الفكر بالسياسة، والتاريخ بالحاضر في بناء معقد يصعب استيعابه. ويسعى الدكتور أحمد محمد الدغشي ـ أستاذ أصول التربية وفلسفتها المشارك، إلى تجاوز هذه التعقيدات وتقديم دراسة موضوعية تتعلق بالظاهرة الحوثية ومستقبلها، رافعا شعار “رضا الناس غاية لن تدرك”، واختار الدكتور أحمد الدغشي وقتا مثاليا، حيث قدم كتابه، بعدما وضعت الحرب الخامسة أوزارها، وزادت الحاجة الملحة إلى ضرورة فهم الصراع وايجاد حلول لما يدور داخل أراضي اليمن، والذي يشتعل دون سابق إنذار بين فترة وأخرى.

 خلفية تاريخية:

أشار”الدغشي” إلى حقيقتين يعتمد على كلاهما في دراسته، الحقيقة الأولى: هي أن اليمن عاشت في وئام وتوافق لسنوات طويلة دون وجود مشاكل وانقسامات على الرغم من وجود مكونان مذهبيان عبر تاريخها الاسلامي وهم الشافعية (نسبة إلى الإمام محمد ابن إدريس الشافعي) وثانيهما، هو الزيدي ( نسبة إلى الإمام زيد بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب). وعلى الرغم من انتساب الزيدية إلى الإمام زيد إلا أن “الدغشي” برأه من وجود زعم باشتراط نسبي أو عائلي أو حتى حصر الخلافة في البيت العلوي، وكان الضروري بالنسبة له مراعاة مصلحة المسلمين وعدالة الوالي.

وتشير الحقيقة الثانية طبقا للدكتور أحمد محمد الدغشي إلى أنه لم يؤثر عن الإمام زيد نيل من كبار الصحابة (أبي بكر وعمر)، بل اشتهر عنه القول بصحة ولاية الشيخين. وتعد حادثة القتال بين الإمام زيد وبين جيش هشام بن عبد الملك الأموي دليلا واضحا على ذلك، حيث لم شارك معه إلا 218 رجل، ورفض الباقون الدخول في القتال نتيجة لعدم خضوعه لمطلبهم الخاص بالتبرؤ من أبي بكر وعمر، ونتيجة لذلك أطلق عليهم لقب الروافض.

مراحل التنظيم وتطوره:

أنشئ التنظيم في العام 1990 بمحافظة صعده وكان يتضمن مجموعة مختلفة من الأنشطة التي تقسم على برنامج يومي به ثلاث فترات، وهم فترة صباحية، فترة بعد الظهيرة، فترة مسائية، وسرعان ما أصبحت هذه المدارس قبلة لكثير من الطلاب المنتمين للمذهب الزيدي الهادوي، حيث بلغت حلقات التدريس للمنتدى أكثر من 67 حلقة تدريس ومدرسة تجاوزت صعدة، وانتقلت إلى عدة محافظات يمنية أخرى، ومن ثم إلى قطر كي تكون أول دولة خليجية تتأثر بهذا المذهب. وبقي الوضع كما هو دون أي خلاف يذكر، حتى قام مجموعة من الشباب بطباعة منهج دراسي خاص بهم، مما أشعل خلافا طال كافة نواحي اليمن، وسعى الشباب إلى أن يطلقوا على أنفسهم لقب منتدى الشباب المؤمن. وأراد رؤساء التنظيم الترويج له على أنه تنظيم يهدف إلى تعليم الشباب العلم الشريف بمختلف فنونه، تنمية ورعاية المواهب، إعداد الداعية إلى الله ثقافيا وأخلاقيا، إضافة إلى ترسيخ الوحدة بين المسلمين والبعد عما يثير الخلاف.

وتبرز أهمية العام 2004، نظرا لتكوين الدرع العسكري للشباب المؤمن، والذي يسمى بالحوثيين بعد انقسام بين قادته في تلك الفترة. ووقعت طوال الفترة الماضية 5 حروب دامية في مدة لا تزيد عن 4 أعوام، بين الدرع العسكري لتنظيم الشباب المؤمن (الحوثيين) وبين الجيش اليمني، الذي لم يتمكن فيها أي طرف من تحقيق انتصار حاسم على أرض المعركة.

عوامل الظهور وتصاعد الأزمة:

أشار ” الدغشي” إلى تعدد الأسباب التي أدت إلى ظهور جماعة الحوثي ومن أبرزها: نشوب خلاف حاد بين حسين الحوثي ومحمد سالم عزان، نتيجة لرغبة الحوثي في إعادة استهلاك الموضوع الثقافي والفكري والتركيز على القضايا التقليدية القديمة، إضافة إلى انتقادات حسين الحوثي اللاذعة لأهل السنة والفقه الإسلامي المتبع. وأشار الدكتور أحمد محمد الدغشي، إلى أنه طبقا لرواية الأمين العام الأسبق محمد يحيى سالم عزان، أن الخلاف كان واضحا منذ العام 1999 حيث انقسم الطرفين إلى طرف يرجح ضرورة التركيز والتوسع في الجوانب العلمية ودراسة الموروث الفكري بجرأة وحرية، بينما يركز الجانب الأخر بقيادة محمد بدر الدين على التربية الروحية، والتقيد بالموروث الفكري، ومعرفة الحدود الفاصلة بين المذاهب. وعلى الجانب الأخر عانى يهود صعده بشكل كبير من سياسات الحوثيين العدائية بشكل عام، حيث اتجه الحوثيون نحو طرد بعض الأسر اليهودية اليمنية، وبرر أنصار الحوثي ذلك بأنهم سعوا إلى وقف بث الرذيلة بين اليمنين عن طريق بعض من الجماعات اليهودية. وعلى الجانب الأخر، يرى الأمين العام الأسبق لتنظيم الشباب السيد محي الدين، أن الحوثيين اتجهوا إلى تعزيز فكرة، هي أنهم يحاربون اليهود، مما يكسبهم سمعة عالمية، وبذلك يتجاهل الحوثيون حق المواطن اليهودي في موطنه والذي يجب احترامه طبقا للقانون.

وأثر العامل الخارجي بشكل كبير على ظاهرة المغالاة في التشيع باليمن، حيث تأثر أتباع المذهب الشيعي في اليمن كثيرا بإيران أو بلاد فارس قديما، وظهر هذا التأثر بشكل واضح بعد الثورة الإيرانية في العام 1991، وتبرز حقيقتان إلى السطح عن حسين الحوثي وهما، أن نشأة حسين الحوثي أثرت بشكل كبير على أفكاره ومعتقداته، حيث ساهم سفره بصحبة والده إلى إيران في تكوين رأيه المؤيد والمعجب بالتجربة الإيرانية والخمينية، على الرغم من عدم  إيمانه بالمذهب الإثني عشري. والحقيقة الثانية، هي سعي إيران الحثيث لنشر وتصدير مشروعها الثوري الديني في كل مكان يمكن أن تصل إليه وتتمدد فيه.

وبرز بشكل كبير خطورة الشعار الذي دائما ما يردده الحوثي وأتباعه وهو ” الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام)، وتسبب هذا الشعار في المعركة التي اندلعت بين القوات اليمنية والجماعة الحوثية، نتيجة لخطورة الشعار الذي يمثل صورة سلبية ومتطرفة عن اليمن، مما يؤثر سلبا على الدولة وموقفها السياسية.

مستقبل الحوثية:

 يعتمد مستقبل الجماعة اليمنية على 3 اتجاهات، هم الاتجاه العسكري، حيث تستمر الجماعة في تدعيم قواتها تحديدًا بعد خروجها بلا هزيمة من الحرب الخامسة، والاتجاه السياسي و التنظيمي الذي حمل تناقضا كبيرا بين رؤية كل من الأمين العام السابق لتنظيم الشباب المؤمن محمد سالم عزان وبين الحوثي وأتباعه، حيث أكد “عزان” أنه من الأفضل التركيز على تعليم الشباب عن طريق المؤسسات السياسية بدلا من الجماعات، التي لا تنتمي للدولة. وعلى الجانب الأخر، تظهر الرؤية الحماسية، الطموحة والمتعارضة في بعض الأحيان بين أتباع الحوثي. وفيما يخص الاتجاه الفكري والتربوي، يرى الدكتور الدكتور أحمد الدغشي ـ أستاذ أصول التربية وفلسفتها المشارك، أنه الحل الحقيقي والفعال للأزمة حيث أدرك الباحث أهمية التعليم ودوره الفعال في درء شرارة الفتنة وتقديم رؤية حقيقية تساهم في تحقيق التوافق بين كل الأطراف ونبذ التعصب.

ووضع الدغشي مجموعة من التوصيات تساعد في مواجهة الأزمة بشكل فعال وإخراج اليمن من المأزق الحالي، كما أكد على ضرورة احترام حقوق اليهود اليمنين، منعا لخلق زريعة لتدخل أطراف أخرى في الصراع.

وختاما، أكد الدكتور أحمد محمد الدغشي، على ضرورة الاعتماد على المعالجة المشتركة، التي تعتمد على شخصيات ذات سمعة حسنة، ومسلك نزية، وخبرة متراكمة في حل صراعات من هذا القبيل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى