لماذا تتزايد ظاهرة هروب السجناء في الدول الغربية؟
في ١٣ سبتمبر الجاري، ألقت الشرطة الأمريكية القبض على السجين الهارب من إحدى سجون ولاية بنسلفانيا الأمريكية، بعد مرور ١٣ يوم على هروبه واستنفار أمني موسع، في حادثة أثارت انتقادات المعارضة والشارع الأمريكيين، حتى أنها حازت على اهتمام إعلامي لافت، بالذات مع وجود حوادث مشابهة خلال الفترة الأخيرة، تركت بدورها علامات استفهام حول الإجراءات الرقابية والميزانية المخصصة للسجون.
وفي الإطار ذاته، يناقش هذا التحليل أهم أسباب تكرار حوادث هروب السجناء من سجون الدول الغربية، وتأثيراتها.
إخفاق متكرر:
على ما يبدو أنه مهما بلغت قوة السجون من تقنيات حديثة وزيادة في عدد الحراس والأسلحة، فلابد من وجود ثغرات يحاول السجناء استغلالها، ولعل أبرز الأمثلة على ذلك، حادثة هروب السجين دانييلو كافال كونتي، وهو نزيل من أصل برازيلي في إحدى سجون ولاية بنسلفانيا الأمريكية بعد قتله لصديقته، وكان من المقرر أن يتم نقله إلى سجن إصلاحي آخر، إلا أنه اختفى عن الأنظار في غضون 10 دقائق فقط. بعد ذلك رصدته كاميرات المراقبة يتجول في بعض أحياء المدينة، وهذا قد يعني حصوله على مساعدة خارجية أو داخلية، ولم تتمكن الشرطة الأمريكية من القبض عليه إلا في ١٤ سبتمبر الجاري، بعد مرور ١٣ يوم على هروبه، في حادثة سببت حرجا لجهاز الأمن في الولايات المتحدة. وفي واشنطن أيضا، كان قد تم الإعلان هروب سجين آخر يدعي كريستوفر هاينز من مستشفى جامعة جورج واشنطن، بعدما كان معتقلا بتهم قتل.
وتزامنت تلك الحادثة أيضا مع هروب سجين آخر في بريطانيا، يدعي دانيال خليفة من إحدى السجون البريطانية، وهو شاب من أصول لبنانية ووالدته إيرانية، يعيش في مقاطعة كامبينج في غرب لندن، وكان جنديا سابقا في الجيش البريطاني منذ ٢٠١٩.
واحتُجز دانيال في وقت سابق بسجن وندزوورث غرب العاصمة بعد اتهامه بالتجسس لصالح إيران، وحصوله على معلومات تخص القوات المسلحة البريطانية، قد تكون مفيدة لجهة تخطط لعمل إرهابي لصالح دول معينة. واتهم أيضا بزرع ثلاث قنابل مزيفة في مقر قاعدته العسكرية التي كان فيها، وهي مقر الاتصالات العسكرية الأساسية والأكثر حساسية في بريطانيا، والتي تغطي عمليات عسكرية في الخارج.
إلا أنه تمكن من الهرب من السجن لأكثر من 75 ساعة، بمساعدة شاحنة تنقل الطعام إلى السجن عن طريق ربط نفسه بالجانب السفلي من شاحنة توصيل الطعام. حتى تمكنت الشرطة البريطانية من القبض عليه بمساعدة شهود عيان أبلغوا عن رؤيته. ولا زالت السلطات البريطانية تحقق في كيفية هروبه وما إذا كان قد حصل على مساعدة من خارج السجن أو داخله.
وفي فرنسا أيضا، مثل رضوان فايد أحد أخطر رجال العصابات، والسجين في إحدى السجون الفرنسية أمام المحكمة في ٥ سبتمبر الجاري، بعد محاولته الهروب من السجن باستخدام طائرة هليكوبتر في ٢٠١٨.
انتقادات شديدة:
في الولايات المتحدة، وجه ساسة ومحللون انتقادات عدة لإدارة هذا السجن بسبب وجود أعداد كبيرة من فتحات التهوية وبأحجام كبيرة أيضا قد تشجع المعتقلين على الهرب، في سجن تبلغ مساحته نحو تسعة هكتارات، وبه 160 كاميرا مراقبة، ويحتوي على أكثر من ألف سرير.
بينما كانت أولى الانتقادات في بريطانيا، هي التساؤل عن سبب احتجاز خليفة في سجن وندزوورث في الأساس بدلا من سجن بلمارش شديد الحراسة، والذي عادة ما يحتجز فيه المتهمون بالإرهاب وغيره من القضايا الحساسة، خاصة وأن دانيال جندي سابق اتهم بجمع معلومات عن زملائه الجنود لصالح تنظيمات إرهابية، ووضع قنابل مزيفة في عدد من السكنات.
كما أثارت الحادثة أسئلة كثيرة سيطرحها البرلمان البريطاني على وزير العدل، بعضها يتعلق بتأثير نقص أعداد الحراس في سجن وندزوورث وضغوط العمل التي يتعرضون لها نتيجة لفرار السجناء، بالإضافة إلى تساؤل أهم حول ما إذا كان قد تلقى خليفة دعما من داخل السجن أو خارجه.
الأمر الذي يشير إلى وجود ثغرات أمنية في السجون البريطانية تحديدا، في ظل وجود سلسلة من الإخفاقات الأمنية على نفس الشاكلة. ففي ٢٠٢٠، اعتقلت السلطات الفرنسية سجينا هاربا من بريطانيا سيرا على الأقدام عبر نفق اليوروتونيل الواصل بين البلدين.
حوادث الهرب هذه قد لا تشير فقط إلى وجود ثغرات في السجون الغربية، ولكن إلى إمكانية انتشار الزُعر في صفوف المواطنين، فمثل هذه الحوادث تؤثر على سير الحياة العامة بشكل كبير، فقد تضطر السلطات إلى تعليق الدراسة أو العمل، الأمر الذي من الممكن أن يترك تداعيات أوسع على سمعة الدولة في الخارج، لا سيما على قطاع السياحة. فالاستنفار البريطاني مثلا، أدى إلى تعطيل جزئي للموانئ والمطارات وتأخير المواطنين عن أعمالهم.
ملفات متعلقة:
تكرار مثل هذه الحوادث من شأنه أن يثير إشكاليات أخرى متعلقة بنظام السجون وأوضاعها في الدول الغربية، ويأتي على رأسها أزمة التكدس في سجون هذه الدول، رغم تكدس أكبر للمنظمات والهيئات الحقوقية في العواصم الغربية التي تغض الطرف في الغالب عن مثل هذه الأوضاع.
(*) الولايات المتحدة على سبيل المثال، تتصدر قائمة الدول في معدلات السجن المبلغ عنها، مع أكثر من مليوني سجين في كافة أنحاء البلاد، أي 25% من سجناء العالم. حتى أن تلك السجون لم توفر الحماية الكاملة للنزلاء خلال فترة كورونا، وتوفي ما يفوق 2700 سجينا، ورغم إجراء تخفيض عقوبة السجن كأحد إجراءات التصدي للوباء، إلا أن أعداد المساجين بدأت في الارتفاع مرة أخرى إلى مستويات ما قبل الجائحة خلال عام 2021 حتى مع ارتفاع حالات الإصابة بمتحور دلتا، وفقا للتقرير العالمي لعام 2022.
(*) في فرنسا أيضا، تجاوز عدد السجناء 74 ألف شخصا في يوليو 2023، وفقا لبيانات وزارة العدل الفرنسية، وبذلك حطمت فرنسا رقمها القياسي لعدد السجناء خلال العام الجاري للمرة السادسة على التوالي. فرسميا لا يمكن للسجون الفرنسية أن تأوي أكثر من60,666 فرد فردا، وبذلك ارتفعت نسبة الحجز في السجون إلى أكثر من 122.8% مقابل 1١٢,7% في 2022.
وأفاد تقرير لوزارة العدل الفرنسية بأن ٤١٪ فقط من النزلاء يستفيدوا من الزنزانة الفردية من العدد الكلي البالغ ٧٢٣٥٠ سجينا، إلى درجة وصل بعدها مستوى التكدس في السجون الفرنسية إلى ١٥٠ ٪ و ٢٠٠ ٪ و ٢٠٨ ٪ من الطاقة الاستيعابية للسجون الرئيسية.
(*) وفي بريطانيا، فإن سجن وندزوورث، الذي من المفترض أنه يكفي لألف شخص فقط إلا أنه يحوي حاليا أكثر من 1600 سجين، بما يقارب من ضعف الطاقة الاستيعابية له.
وهذه الأوضاع من شأنها أن تؤدي إلى تنامي ثقافة العنف داخل السجون، ومن ثم انتقالها إلى الخارج.
معضلة الأولويات:
خلال الأعوام الثلاثة الماضية، كانت الحكومات الغربية مدفوعة بالعديد من الضغوطات التي فرصت عليها اتباع سياسة تقشفية وتقليص ميزانيات بعض المؤسسات كجزء من سياستها لخفض الإنفاق ومن ثم التضخم، وكان أهمها تفشي فيروس كورونا والحرب الروسية الأوكرانية على وجه الخصوص وتداعياتهما الاقتصادية. حتى أن تصاعد نفوذ اليمين المتطرف في الدول الغربية كان له أثر أيضا في هذا الشأن، وعليه كانت أولى الميزانيات التي تم تخفيضها هي ميزانية بعض السجون.
وأشار نواب ومحللون فرنسيون إلى أن هناك انخفاض في عدد حراس السجود، فبعد أن كان عملهم يتطلب منهم حراسة قرابة 50 سجينا فقط، أصبحوا اليوم يحرسون 150 معتقلا. ولهذا أكدوا أن فرنسا تحتاج إلى مساحات أكبر من السجون في وقت يعارض فيه سياسيون محليون بناء سجون في مناطقهم.
والأمر نفسه بالنسبة للمعارضة البريطانية التي اتهمت الحكومة بأن ما حدث كان نتيجة طبيعية لتخفيف ميزانية السجون في بريطانيا، فأصبح من السهل هروب السجناء نتيجة لضعف إمكانات الرقابة وغيرها من الإجراءات، كما أشار محللون إلى أنه في بعض الأحيان كان يتم الإفراج بالخطأ عن بعض السجناء. حتى أن إدارة السجن قالت إنه تم خفض ميزانيتها بشكل كبير خلال السنوات الماضية، ولم يعد باستطاعة العاملين في السجن السيطرة على السجناء،حتى مبني السجن نفسه مبني قديم من العصر الفيكتوري،ويحوى عددا من السجناء أكثر من الطاقة الاستيعابية المحددة له. والعاملين بالسجن نحو 69 موظفا فاصل وبالتالي إدارة السجن التهمة الحكومة بأنها خفضت ميزانيتهم وهم بالأساس يعانون. فالأحزاب المعارضة اعتبرتها فرصة مواتية لانتقاد سياسة الحكومة التقشفية في رعاية المؤسسات.
كما أن الحكومة الألمانية أقرت أيضًا موازنة تقشفية لعام 2024 بقيمة445.٧ مليار يورو، نتيجة الإنفاق الإضافي في ظل الأزمات المتعاقبة، سينخفض الإنفاق العام بنحو 30.6 مليار يورو، وشمل الانخفاض اقتطاعات من العديد من الوزارات، باستثناء وزارة الدفاع التي ارتفعت موازنتها إلى ٥١,٨ مليار يورو.
ولكن على جانب آخر في السويد، دفعت الاضطرابات الداخلية على إثر حادثة حرق المصحف الشريف، والخارجية المتمثلة في الحرب الأوكرانية،إلى رفع ميزانية السجون لديها لتصل إلى ١٤ مليار كرون خلال عام ٢٠٢٤، لزيادة القدرة الاستيعابية للسجون وتنفيذ الإجراءات المشددة.
في الختام، يمكن القول إن الحرب الأوكرانية تحديدا أفرزت معضلة أولويات أدت إلى تخبط في سياسة الإنفاق الحكومي، حول ما إذا كانت الأولوية ستكون للسياسات الاجتماعية أم التسليح حفاظا على الأمن الخارجي.