هل يتزايد الدور السياسي الصيني في الشرق الأوسط؟

اعتادت الصين في العقود الماضية أن تنأي بنفسها عن الصراعات الدائرة في الشرق الأوسط، واتخاذ سياسة الحياد إزاء قضاياه وأطرافه نهجا لها، وتمكنت بكين من الحفاظ على موقفها طوال الفترة الأخيرة، فهي ابتعدت عن الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، كما أنها لم تنخرط في الصراع السني- الشيعي من قبل، وهذه السياسة المتوازنة منحتها مكاسب اقتصادية وسياسية جيدة مع معظم الدول في منطقة الشرق الأوسط لاسيما إيران والسعودية والعراق، إذ تجد دول المنطقة أن سياسة التوازن الصيني، تعد إيجابية وذات منفعة للجميع حيث تسعي لخلق الاستقرار وخفض الصراعات القومية والمذهبية في الإقليم قدر الإمكان.

استطاعت الصين مؤخرا أن تجني ثمار نهجها الحيادي برعايتها للمفاوضات الإيرانية – السعودية من أجل استئناف العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية بين البلدين، والتي انقطعت منذ عام2016م، وبالفعل نجحت الوساطة الصينية بإعادة العلاقات بينهما، وعدم تدخل أي طرف في الشؤون الداخلية للطرف الآخر، الأمر الذي سيؤدي وفق للمراقبين إلى خلق مزيد من الاستقرار في الشرق الأوسط وخفض صراعات النفوذ، وبالتالي خفض صراعات سنية – شيعية لا طائل منها سوي الفرقة والخراب، كما أن هذه السياسة الحكيمة تمنح الصين مكانة مرموقة في النظام الدولي ما يفيد بأن نفوذ الصين السياسي متجه نحو التزايد في العالم ولاسيما في الشرق الأوسط.

يذكر أن علاقة الصين بدول منطقة الشرق الأوسط، كانت تقتصر على الملفات الاقتصادية، ومبادئ الشراكة والتنمية، ولا علاقة له بأزمات المنطقة السياسية. أما الآن نري بكين، أصبح لها نفوذ سياسي هام ومؤثر في المنطقة، من شأنه تغيير الأدوار وتعدد الفواعل سياسيا علي المستويين الإقليمي والدولي. ولعل ما يبرز هذا الدور السياسي للصين حاليا، هو تدخلها في صراعات المنطقة بتقديم مبادرات عدة من أجل تحقيق تسوية وتقديم حلول، وبدأت برعايتها للمفاوضات بين السعودية وإيران، بالإضافة إلي مبادراتها تجاه كل من: الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والحرب في السودان، وأزمة ليبيا.

 بكين.. دور اقتصادي:

 تسعى الصيـن دائما إلـى تطوير وحمايـة مصالحهـا الاقتصاديـة فــي الشــرق الأوســط دون التدخل في قضاياه السياسية. وانتهجت طوال تاريخها مع دول المنطقة استراتيجية اقتصادية قائمة علي الشراكة والتنمية، يعد أبرزها:  

(*) طريق الحرير: في عام 2013، أطلقت الصين مشروع طريق الحرير” وتسعي من خلاله إلي التوسع في الشرق الأوسط لربط دول المنطقة بها من الناحيتين الاقتصادية والسياسية. وأدى مرور طرق المشروع في منطقة لها أهمية بالغة إذ تحتوي على احتياطات ضخمة من النفط والغاز- إلى دفع الصين لإبرام اتفاقيات اقتصادية وسياسية مع دول عدة في المنطقة.

(*) التعاون مع إيران: وقعت الصين اتفاقية تعاون استراتيجي مع إيران لمدة 25 سنة، ترتكز على العامل الاقتصادي، إذ تجد الصين في إيران شريكا رئيسيا لها في الشرق الأوسط لتنفيذ مشروعها نظرا لشدة النفوذ الإيراني فيها وموقعها الجغرافي، فهي تتحكم بمضيق هرمز الذي يعد معبرا هاما للطاقة العالمية، وتطل على منطقة الخليج العربي، كما أنها دولة العبور نحو بقية دول الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية والغربية، وتعد موردا رئيسيا للطاقة والمواد الخام مثل الحديد والمنتجات البتروكيماوية، إلى الصين، لذا تعد أولوية في طريق الحرير.

(*) التعاون مع السعودية: تنظر الصين إلي المملكة علي أنها دولة محورية وذات ثقل اقتصادي وسياسي في المنطقة، كونها تعد أكبر شريك لها في الشرق الأوسط، لاسيما في مجال الطاقة، لامتلاكها كميات ضخمة من احتياطات النفط، وتعد السعودية من أكثر الدول العربية استقبالا للاستثمارات الصينية، وكذلك من أكثر الدول العربية استثمارا في الصين، ودخلت بكين مع الرياض في اتفاقيات عديدة حول الطاقة الشمسية والتقنية المعلوماتية وتكنولوجيا الصناعات الطبية والبتروكيماوية، ما يجعل السعودية من الدول الهامة المنخرطة في الطريق الحرير.

ويعد تاريخ الدور الاقتصادي والتنموي للصين في المنطقة، بمثابة أحد العوامل التي هيأت لها دخولها الساحة السياسية في الشرق الأوسط. لذا فقد لاقت استحسانا لدي كثير من دول الإقليم، وعلي رأسها الدول المحورية به.

الصين.. دور سياسي متزايد:

لم يكن للصين دورا سياسيا في الشرق الأوسط من قبل، بل كانت دائما ما تنأي بنفسها عن قضاياه، إلا أنه مؤخرا، بدأ الدور السياسي الصيني في الظهور، في ظل تراجع ملحوظ للدور الأمريكي في المنطقة، نتيجة انخراطها في الحرب الروسية الأوكرانية، بالإضافة إلي خلافاتها مع حلفائها في الإقليم، وكانت ذروة ذلك الظهور، مع إتمام المصالحة بين الرياض وطهران برعاية بكين وعلي أرضها، والتي ترتب عليها التطرق إلي ملفات أخري في المنطقة لا تقل أهمية، تحاول بكين لعب دور مؤثر فيها علي غرار تلك المصالحة، من خلال عرض مبادراتها، تتمثل أهم المبادرات السياسية التي قدمتها “بكين” فيما يلي:

(&) رعاية المفاوضات السعودية – الإيرانية: تعد بكين الشريك التجاري الأول لكل من الرياض وطهران، وتربطها بهما “شراكة إستراتيجية شاملة” وبالتالي تسعى لتقريب وجهات النظر بينهما، خدمة لمصالحها وتعزيزا لنفوذها كفاعل مؤثر سياسات في المنطقة. لذا استضافت بكين المباحثات بين الرياض وطهران في مارس الماضي، وأعلنت السعودية وإيران في 10 مارس 2023، استئناف علاقاتهما الدبلوماسية، بحسب بيان مشترك للبلدان الثلاثة. وجاءت تلك المباحثات ومن ثم الاتفاق، استجابة لمبادرة من الرئيس الصيني وبالاتفاق مع قيادتي البلدين ورغبة كل منهما في حل الخلافات. ولعل نجاح الاتفاق من شأنه أن يحول الصين إلى لاعب رئيسي في منطقة الخليج، بل ومنافس ذو ثقل، للتواجد الأمريكي.

تعتبر هذه المصالحة، أول وساطة حقيقية تقوم بها الصين في الشرق الأوسط، لحل أهم الملفات الخلافية به، ونص الاتفاق على تفعيل اتفاقية التعاون الأمني بين السعودية وإيران، الموقعة في 2001، والاحترام المتبادل، وعدم التدخل في الشئون الداخلية، وإعادة فتح السفارتين في البلدين. ولم يغفل الاتفاق الجوانب الاقتصادية، حيث نص على تفعيل الاتفاقية العامة للتعاون في الاقتصاد والتجارة والاستثمار والتقنية والعلوم، الموقعة في 1998.

(&) مبادرة التوسط في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي: حاولت الصين التوسط في الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، في عام 2021، حينما احتدمت المواجهة بين حماس وإسرائيل. ونشرت صحيفة موسكوفسكي الروسية في 17 مايو 2021 نصا بعنوان “الصين أرادت التوسط في الصراع بين فلسطين وإسرائيل”. وأضافت أن “الجديد كليا في التأزم الراهن للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، هو عرض الصين لعب دور الوسيط في صراعات الشرق الأوسط”. وصرح وزير الخارجية الصيني حينها وانغ يي، بأن “بكين تؤكد على دعوتها الفلسطينيين والإسرائيليين للحضور إلى الصين لعقد مفاوضات مباشرة”.

شهد هذا العام، 2023، وضع الصين قدما في الشرق الأوسط من خلال المصالحة السعودية – الإيرانية. كما تعمل بكين في الوقت الراهن على وضع القدم الثانية من خلال تسوية فلسطينية – إسرائيلية. فقبل إعلان نجاح الوساطة الصينية بين السعودية وإيران، قامت بكين بتوجيه الدعوة إلى كل من السلطة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية، لإرسال ممثلين عنهما إلى أراضيها لإجراء مباحثات بإشراف صيني. وتجددت الدعوة بعد نجاح الوساطة، وبعد التطورات الأمنية الأخيرة والمتصاعدة في القدس وفي الضفة الغربية.

في هذا الإطار قام وزير الخارجية الصيني تشن غانغ  في 17 أبريل الماضي بإجراء اتصالين هاتفيين مع وزيري الخارجية، الفلسطيني رياض المالكي، والإسرائيلي إيلي كوهين، معربا عن رغبة بكين في التوسط لاستئناف مفاوضات السلام. ونقلت وكالة الأنباء الصينية شينخوا قوله بأن “ليس للصين مصالح ذاتية في المسألة الفلسطينية الإسرائيلية”. كما أكد بأن “الصين مستعدة لتوفير جميع الشروط لمحادثات السلام الإسرائيلية الفلسطينية”.

لكن التصعيد المتسارع، منذ 9 مايو الماضي، والذي شهد اغتيال القوات الإسرائيلية قادة في سرايا القدس، حمل دلالات عدة. فعلى الرغم من استمرار التصعيد لعدة أيام، لم تتدخل بكين في مفاوضات خفض التصعيد. واكتفت بمحاولة إصدار بيان رمزي لمجلس الأمن يدين استهداف المدنيين من الجانبين، قبل أن تقوم أمريكا بتعطيله.

حقيقة الأمر أن بكين في وضع صعب للعب دور الوسيط في هذا الصراع، نظرا لتعاونها مع تل أبيب، وهي أحد المستثمرين الرئيسيين فيها، ولديهما الكثير من المشروعات المشتركة. ومن غير المرجح أن تفسد الصين العلاقة معها، كذلك غياب أي استعداد إسرائيلي لقبول تدويل الصراع خارج إطار الوساطة الأمريكية. وبما أن إسرائيل جزء لا يتجزأ من الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة، لذا من المتوقع أن توظف واشنطن ثقلها السياسي والمعنوي لعرقلة المبادرة الصينية. كما أن هذا الصراع معقد علي كافة الأصعدة (سياسيا واجتماعيا وأيدولوجيا واقتصاديا) والانزلاق فيه ليس سهلا، لذا من المحتمل أن يقتصر طموح الوساطة الصيني، على المديين القريب والمتوسط، على وضع استراتيجية لإدارة الصراع وليس خلق حلول جذرية وواقعية له.

(&) مبادرة لحل النزاع في السودان: تقدم بكين نفسها، أنها قوة راعية للسلم والأمن الدوليين، وتطمح للعب دور أكبر في النظام الأمني العالمي. واستكمالا لعرض مبادراتها، تأتي أيضا بمبادرة لحل النزاع القائم في السودان، حيث دعت الأطراف المسلحة إلي وقف إطلاق النار، وحل النزاع عن طريق الحوار، وتدعو المجتمع الدولي إلى إعادة دعم السودان، وترفض التدخلات الأجنبية في شئونه، ورفع العقوبات عنه.

وعلي الرغم من تراجع العلاقات الصينية السودانية في السنوات الماضية، لعدة أسباب منها: انفصال جنوب السودان، وحالة عدم الاستقرار السياسي والأمني، والإطاحة بالرئيس عمر البشير والذي كان علي علاقات قوية بالصين، إلا أن بكين ظلت تدعم الخرطوم سياسيا واقتصاديا، لاسيما بعدما وضعت الإدارة الأمريكية السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب وفرضت عقوبات عليه، فلجأت الحكومة السودانية إلي تنمية علاقاتها مع الصين، ولاسيما في مجال النفط، مما منح الخرطوم صفة أكبر شريك تجاري لبكين في أفريقيا.

مما لا شك فيه أن الرغبة الحقيقية وراء سعي الصين لتقديم هذه المبادرة، تعود إلي حماية المصالح الصينية، حيث أن استمرار النزاع سيؤثر سلبا علي مصالحها في السودان، فهناك أكثر من 130 شركة صينية تعمل هناك، كما سيؤثر أيضا في مشروع “الحزام والطريق” الذي انضم إليه السودان، فالموقع الاستراتيجي للخرطوم والمطل على البحر الأحمر يعد عاملا أساسيا في المشروع الصيني، ويشكل بوابة الصين نحو إفريقيا، فضلا عن غناه بالموارد الطبيعية. ولا تزال بكين تراقب الأوضاع في السودان عن كثب، وربما سيكون عليها أولا أن تدعم معالجة الأزمة عبر الاتحاد الإفريقي أو الأمم المتحدة أو الوساطات التي تعرض لحلها.

(&) مبادرة لحل الأزمة في ليبيا: يرتكز النفوذ الصيني تجاه ليبيا علي العامل الاقتصادي أولا، حيث أن كثير من المشروعات المتوقفة بها منذ عام 2011، هي مشروعات صينية. والصين هي إحدى الدول الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن. وقد امتنعت في مارس 2011م، عن التصويت على قرار المجلس بتوجيه ضربات جوية للأراضي الليبية، وفرض حظر جوي عليها. وخلال ترأسها الرئاسة الدورية لمجلس الأمن في أغسطس 2022، أكدت علي أن أزمة ليبيا تتطلب من المجلس، الاستفادة من أدواته للعب دور صحيح في حلها، وأن الوسائل السياسية هي السبيل الوحيد للحل. كما أنها كانت تؤكد علي الدعم، لعمل اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) التي تستمر في لعب دور هام في الحفاظ على اتفاق وقف إطلاق النار، وتيسير انسحاب القوات الأجنبية والمرتزقة.

واستكمالا للدور الصيني تجاه الأزمة الليبية، فقد أشار مستشار البعثة الصينية لدي الأمم المتحدة، في 11 مايو الماضي، في اجتماع مجلس الأمن، حول ليبيا، إلى أنه “يتعين على المجتمع الدولي تقديم دعم بناء للاستقرار السياسي والمصالحة الوطنية والتنمية الاقتصادية في ليبيا، وتجنب التأثير المعقد للحلول المفروضة من الخارج على الوضع في ليبيا”. كما حذر من “التدخل الخارجي في ليبيا”، واصفا إياه بالسبب الرئيسي للأزمة التي طال أمدها. وقال تشيانغ، “إن الالتزام بمبدأ الملكية الليبية والقيادة الليبية هو السبيل الوحيد لتحقيق السلام والاستقرار في البلاد”. كما تأمل الصين في “أن تواصل المحكمة الجنائية الدولية الاتباع الصارم لمبدأ التكامل على النحو المنصوص عليه في نظام روما الأساسي، والاحترام الكامل للسيادة القضائية والآراء المعقولة للدول المعنية، وتجنب التسييس وازدواجية المعايير في عملها”.

طموح صيني محسوب:

كانت الصين ولا تزال عازمة على منافسة أمريكا، خاصة في مجال نفوذها الحيوي، ويبدو أنها أرادت أن تكون صاحبة الخطوة الأولي في معظم القضايا الهامة في الإقليم. لذا فإن تحول بكين إلى انتهاج سياسة استباقية يمثل اختراق دبلوماسي للهيمنة الأمريكية، ومرحلة جديدة، تبادر من خلالها إلى تقديم الاقتراحات، ومحاولة لتقويض نفوذ الطرف المنافس وإعلان نفسها لاعب سياسي هام. إذ أن الصين تريد طرحت نفسها بديلا وداعما للاستقرار وطرفا يمكن الوثوق به، كونها تعتمد على سياسة الشراكة والمنفعة المتبادلة في المقام الأول، ما يغري دول المنطقة بالتوجه نحو الصين أكثر، خاصة إن معظم الدول ترغب في التنمية الاقتصادية وتنويع مصادر الدخل.

من المعلوم أن تاريخ الصين في التوسط بالنزاعات ليس كبير، ويبدو من خلال وساطتها الناجحة بين السعودية وإيران وعرض مبادرتها للتوسط بين فلسطين وإسرائيل، وكذلك السودان وليبيا- تريد لعب دورا جديدا ومؤثرا في الشرق الأوسط، مما يعني انتهاج سياسة نشطة في المنطقة. كل هذه المساعي من أجل بناء صورتها كقوة عظمى مسئولة، وتحدي واضح للهيمنة الأمريكية، وذلك بهدف حماية مصالحها الاستراتيجية، وتوسيع نفوذها الجيوسياسي في الشرق الأوسط. وربما سنشهد في الفترة المقبلة التحولات التي قد تخوضها المكانة الإقليمية للصين، حيث أن مساعيها الأخيرة تجاه المنطقة تنبئ بدور سياسي واسع الأفق.

معوقات مربكة:

إن ظهور الصين كفاعل أساسي مؤثر في سياسات الشرق الأوسط ولعبها دور الوساطة بين دول المنطقة- يضعها في مواجهة حتمية مع الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة أن معظم هذه الدول بها تواجد عسكري أمريكي، كما أنها تمتلك علاقات سياسة واقتصادية قوية معها، بالإضافة إلى الوقوف الأمريكي بوجه مشروع طريق الحرير الصيني، حيث تحاول أمريكا أن تضع مشاريع مضادة للمشروع الصيني في المنطقة. كما أن ظهور النفوذ الصيني بهذا الشكل الفعال وتأثيره الواضح على المشهد السياسي، يعد تهديدا لمكانة أمريكا في المنطقة، كطرف مهيمن من الناحية السياسية والاقتصادية وحتى العسكرية، وبالتالي تهديد لمكانتها الدولية بطريقة مباشرة، لذا ستعمل بشكل أو بآخر علي عرقلة هذا النفوذ. وعليه سيتعين علي بكين خوض الأجواء الجيوسياسية الجديدة بطرق مدروسة حتي لو رجحت كفتها فيما يتعلق بالتنمية الاقتصادية، مع دول المنطقة، فإن واشنطن تكمن قوتها في التعاون الأمني والعسكري.

 وبالتالي، قد يكون من المتوقع أن المحاولات الأمريكية للحد من توسع دائرة النفوذ السياسي الصيني في المنطقة في الوقت الحالي، ستتجه نحو سعيها للتهدئة والتفاهم، خاصة في ظل وجود أزمة كبري حالية تتعلق بالاقتصاد الأمريكي. كما أن منطقة الشرق الأوسط حاليا أصبحت حلبة للتنافس المتعدد الأقطاب، لذا علـى القوى العظمى أن تستجيب لهذه الحقيقة. وطالما لم يعد بالإمكان الحفاظ على الأحادية القطبية الأمريكية، لذا ربما من الأجدر بواشنطن أن تواكب التغييرات الراهنة لتحقيق مصالحها على أفضل وجه.

فى النهاية، قد تحظى المساعي الصينية بالقبول في الشرق الأوسط من قبل دول المنطقة، خاصة بعد رعايتها للمصالحة السعودية- الإيرانية والتي ترتب عليها انتهاج هذه الدول لسياسة “تصفير المشكلات” وحل الخلافات بالحوار، ولا يمكن إنكار ما قدمته الصين من بدائل أمام صانع القرار العربي فى ظل الدور الجديد لها، بتقديمها نفسها نموذجا للقوة المسئولة. إلا أنه لا يمكن القول أيضا بأن الأدوار في منطقة الشرق الأوسط قد اختلفت وأن الصين باتت هي الطرف المهيمن، ولكن يكمن الاعتراف بحقيقة أن هناك لاعب جديد ومؤثر، من المتوقع أن يؤدي ظهوره إلي فرض تغيير قواعد اللعبة في المنطقة.

سارة أمين

سارة أمين- باحث في شئون الشرق الأوسط، الباحثة حاصلة علي ماجستير في العلوم السياسية، شعبة العلاقات الدولية، متخصصة في دراسة شئون الشرق الأوسط والخليج العربي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى