قيد الانتظار: متى تتوسع عمليات الفصائل العراقية ضد إسرائيل؟
تتصاعد التوترات في منطقة الشرق الأوسط جراء العدوان الإسرائيلي علي كل من قطاع غزة وجنوب لبنان وما ترتب عليهما من اغتيالات إسرائيلية لكبار قادة محور المقاومة في المنطقة، ومن المحتمل أن الساحة الآن تتأهب لهجوم إسرائيلي علي طهران بل والتلميح باستهداف منشآتها النووية، عقب الهجمات الصاروخية الإيرانية علي الأراضي المحتلة رداً علي قصف الضاحية الجنوبية ببيروت واغتيال الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله وعدد من قيادات الحزب، ومن قبله اغتيال إسماعيل هنية وفؤاد شكر. ما يُنذر بتصعيد كبير لحرب متعددة الجبهات نظراً لتواجد وكلاء إيران في أربعة دول عربية محورية، منها العراق حيث الفصائل العراقية المسلحة الموالية لطهران والتي شاركت في “جبهة الإسناد” في هذه الحرب القائمة، ولكن ذرروة المشاركة جاءت عبر إطلاق عدد من الصواريخ والمسيرات تجاه الأراضي المحتلة عقب اغتيال نصر الله، كما هددت أيضاً باستهداف القواعد الأمريكية في العراق حال توجيه ضربة إسرائيلية لإيران. وعلي صعيد الشأن العراقي الداخلي، فإن هناك جهود عراقية حثيثة لمنع تدخل فصائل المقاومة بالصراع القائم وتنفيذ تهديداتها تخوفاً من مغبّة أي هجوم إسرائيلي علي العراق.
وعليه، هل تتدخل فصائل المقاومة العراقية حال التصعيد الإسرائيلي بقصف إيران؟ أم تستجيب للرأي الداخلي العراقي من قبل الحكومة والمسئولين وكذلك الأوضاع الداخلية المتأزمة في المجتمع العراقي؟
مخاوف متصاعدة:
تتزايد المخاوف العراقية من احتمالية تصعيد الفصائل المسلحة التابعة لإيران والتي يُطلق عليها “المقاومة الإسلامية في العراق”، ضد الاحتلال الإسرائيلي، سواء بالانطلاق من الأراضي العراقية أو السورية، ما قد يؤدي إلي جر أقدام بغداد إلي الصراع القائم، وهو ما دفع رئيس الوزراء العراقي الأسبق، حيدر العبادي أن يصرّح ب “التحذير من توريط بلاده في الأوضاع المستعرة ما بين تل أبيب من جهة وطهران ووكلائها من جهة أخري”، فضلاً عن التصريحات الرسمية العديدة التي تشير إلى إمكانية استهداف إسرائيل للعراق، أبرزها بأنه “لا يجوز السير بتهور نحو الحرب من أجل مكاسب خاصة”. لأنه بالنظر إلي المشهد الراهن نجد أن الاحتلال الإسرائيلي من المرجح أن يشن هجمات انتقامية رداً على أي هجوم من الميليشيات الإيرانية بالعراق ضد الأهداف الإسرائيلية والأمريكية كما يُعلن عنها. وعلي الرغم من أن هجمات فصائل محور المقاومة بشكل عام في المنطقة لم تدفع إسرائيل لوقف التصعيد العسكري في قطاع غزة منذ عام وحتى الآن، إلا أن جيش الاحتلال اتخذ منها ذريعة لفتح جبهات أخري وتوسيع رقعة الحرب كما حدث مؤخراً في لبنان واليمن. والعين الآن علي العراق وسوريا.
وقد تزايد القلق في الأوساط العراقية خلال الأيام القليلة الماضية بعد اعتراض جيش الاحتلال الإسرائيلي طائرة مسيرة أطُلقت من الشرق تجاه مدينة إيلات بالأراضي المحتلة، وكذلك رصد مسيّرة أخرى تسقط في حيفا، وهو الهجوم الذي تبنته هذه الفصائل العراقية. كما دعا فصيل “كتائب حزب الله” بالعراق، في الوقت ذاته إلى “زيادة منسوب وحجم عملياته ومستوى تهديده للكيان الصهيوني”. بالإضافة إلي تصريحات الفصائل مجتمعة باستهداف القواعد والمصالح الأمريكية في العراق والمنطقة في حال مهاجمة إسرائيل لإيران. حيث أعلنت بأنه “إذا ما تدخل الأمريكيين في أي عمل عدائي ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية أو في حال استخدام العدو الصهيوني للأجواء العراقية لتنفيذ أي عمليات قصف لأراضيها، فستكون جميع القواعد والمصالح الأمريكية في العراق والمنطقة هدفا لنا”. ولعل هذا ما دفع الحكومة العراقية برئاسة محمد شياع السوداني بالتصريح بأنه “لن يُسمح باستخدام مجاله الجوي أمام الاحتلال الإسرائيلي لأية عمليات عسكرية”.
ومن هنا اتخذت الحكومة العراقية أيضاً إجراءات وخطوات عدة تحسباً لهجوم إسرائيلي على المستوى العسكري والأمني وحتى على مستوى الوزارات، خاصة وأن الكيان الصهيوني الآن وعبر المظلة الأمريكية الغربية للعربدة يمني ويسري والدعم المطلق المُقدم له، يرتكب أبشع الجرائم وينتهك سيادة دول أخري دون أي رادع، ضارباً بالقوانين والمواثيق الدولية عرض الحائط، لذا فإن تهديداته للعراق يجب أن تؤخذ على محمل الجد وأن يكون هنالك مساحة كافية من الحذر.
مشهد عراقي مُعقّد:
نتيجة المخاوف العراقية من دخول فصائل المقاومة المسلحة علي الخط، إلي جانب المقاومة اللبنانية بشكل مباشر ضد الاحتلال الإسرائيلي، جاء تحرك رئيس الحكومة العراقية، محمد شياع السوداني، وذلك من خلال اجتماعه مع قادة تلك الفصائل للتحذير بأن”البلاد لا تحتمل مغامرة من أي طرف”، طبقاً لتقرير نشره موقع “ميدل ايست” البريطاني. وأشار التقرير كذلك إلى أن العديد من المسئولين العراقيين يعتقدون أن “انخراط البلاد في الصراع الدائر سواء من خلال الجيش العراقي أو الميليشيات الموالية لإيران قد يتسبب في انهيار البلاد سياسياً وعسكرياً واقتصادياً”. لذا تتحرك الحكومة العراقية في محاولات منها لمنع تفاقم المشهد عبر ما يلي:
(*) اجتماعات علي المستوي الرسمي: حيث أجرى رئيس الوزراء العراقي، خلال الفترة الماضية، لقاءات مع العديد من كبار الضباط والشخصيات السياسية وقادة الفصائل المسلحة التابعة لطهران. وشرح خلالها حقيقة الوضع الذي تواجهه البلاد والعواقب المترتبة على تورط أي طرف عراقي في الصراع الدائر. وتأتي تحركات السوداني في هذا الصدد خوفاً من تداعيات إقحام العراق في الحرب القائمة والعدوان الإسرائيلي على لبنان، بعد تهديد الفصائل المسلحة العراقية بالتصعيد ضد إسرائيل لمساندة حزب الله اللبناني. ما يعني أن هناك احتمال كبير بأن يشن الكيان الصهيوني هجمات علي العراق بحجة استهداف الموالين لإيران، سيما بعد تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بـ “قدرة بلاده على الوصول لأذرع طهرن في أي مكان”.
(*) التأكيد علي حتمية الرد الإسرائيلي: حيث أكد أحد مستشاري رئيس الوزراء العراقي بأن “إسرائيل سترد بالتأكيد على الهجوم وستهاجم العراق حتماً، كما ستشن غارات على سوريا واليمن وبعض المواقع النفطية في إيران”، لافتاً إلى أن رئيس الوزراء العراقي يسعى إلى “منع أي ذريعة قد تستخدمها إسرائيل لضرب البلاد”.
(*) التركيز علي الوضع الداخلي المتأزم: فالوضع الداخلي بالعراق وكما هو معلوم يواجه تحديات كبيرة، خاصة فيما يتعلق بإعادة إعمار المناطق التي تدمرت خلال الحرب على ما يُعرف بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) إلي جانب أزمة النازحين وتضرر النواحي الاقتصادية بالبلاد.
أما فيما يتعلق بموقف الفصائل العراقية المسلحة، خاصة بعد اللقاءات المتكررة مع المسئولين العراقيين وعلي رأسهم رئيس الوزراء، فبحسب ما جاء في تقرير موقع “ميدل إيست” البريطاني أن “الميليشات العراقية المسحلة الموالية لإيران قررت النأي بنفسها عن الحرب على لبنان، مدفوعة بمخاوفها من ضربات إسرائيلية قد تؤدي إلى تدمير مقراتها واغتيال قياداتها، فضلاً عن التداعيات الوخيمة المحتملة على العراق وزعزعة أمنه واستقراره”. وأشار التقرير أيضاً إلي أن “الميليشيات العراقية وافقت على وقف أي عمليات عسكرية في هذه المرحلة”، بينما توعدت ب”الرد الفوري على أي غارة إسرائيلية تستهدف إحداها”.
وهنا يجب التنويه إلي بُعد هام ألا وهو، أنه لا سلطة تامة للعراق علي هذه الفصائل المسلحة كونها تخضع فقط لإيران متمثلة في الحرس الثوري الإيراني الذي يُعد المسئول عنها تنظيماً وتدريباً، ما عدا عدة فصائل تابعة للحشد الشعبي والتي تم الاعتراف بها كقوات عراقية نظامية من قبل حكومة السوداني. أي أن موقف معظم الفصائل بالنأي بنفسها والعراق عن الحرب الراهنة قد يتبدد في أية لحظة نتيجة لمحاولات التصعيد الإسرائيلي غير المسبوقة، ما يعني أن رئيس الحكومة العراقية لن يكون قادراً حينها علي التحكم بحركة تلك الفصائل، إلا عبر اللجوء إلي طهران للضغط عليها، نظراً لأن سياسية محمد شياع السوداني لم تقم علي استعداء الفصائل المسلحة منذ قدومه للسلطة كما فعل سلفه مصطفي كاظمي، الذي كان عداؤه لها واضحاً.
التأهب العراقي:
جاء التأهب العراقي تحسباً للتصعيد المحتمل علي النحو التالي:
(*) المستوى الأمني: حيث اتخذت الحكومة العراقية إجراءات وخطوات عدة تحسباً لهجوم إسرائيلي على المستوى العسكري والأمني والوزاري. حيث كشف (الإطار التنسيقي) الذي يجمع القوى السياسية الشيعية، عن اتخاذ العراق خطوات متعددة في ظل التخوف من هجوم إسرائيلي خلال المرحلة المقبلة، لاسيما مع تصعيد أذرع طهران من تهديداتها باستهداف المصالح الأجنبية بالمنطقة. كما تم الإعلان عن أن القوات الأمنية والعسكرية العراقية باتت في حالة تأهب قصوي علي غير المعتاد.
(*) تعزيز جبهة الحدود: حيث عززت السلطات العراقية إجراءاتها على الحدود مع سوريا، ووجه رئيس الحكومة برفع درجة جاهزية القوات الأمنية، وخاصة فيما يتعلق بمسألة الحدود السورية. حيث لطالما كانت الحدود العراقية معها، بؤرة نشطة وآمنة للتنظيمات الإرهابية بين البلدين. لذا تري الحكومة الآن أنه من الضروري تعزيز تلك الجبهة حفظاً لسلامة المواطنين وسيادة البلاد، خاصة في الوقت الحالي.
وختاماً، فإنه طبقاً للوضع الراهن فإن هناك احتمالاً بألا يدخل العراق طرفاً في هذا الصراع القائم، خاصة في ظل الضغط العراقي الداخلي علي فصائل المقاومة المسلحة بالبلاد، ولكن ومع تغير وتيرة الأحداث بشكل متسارع يوماً عن يوم، فإن كل السيناريوهات واردة، خاصة أن الفصائل العراقية التابعة لإيران تعد طرفاً في ما يعرف بـ”استراتيجية وحدة الساحات”، إذ تعمل تحت مظلة قيادة مشتركة مع فصائل أخرى في لبنان وسوريا واليمن. ومن المرجح حينما يتوسع الصراع من قبل الاحتلال الإسرائيلي لفتح جبهات جديدة فلا شك أننا سنجد أطرافاً أخري خاصة الفواعل من دون الدول حاضرة في هذا المشهد، ما يجعله أكثر تعقيداً.