إلى أين يصل مستوى الاغتيالات التي تنفذها إسرئيل؟
يُعد ما حدث صباح الأربعاء الموافق 31 يوليو الجاري لهذا العام 2024، في قلب العاصمة الإيرانية طهران وأثناء حفل تنصيب الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان، من اغتيال لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، وكذلك ما سبقه بساعات معدودة من قصف صاروخي إسرائيلي للضاحية الجنوبية في العاصمة اللبنانية بيروت واغتيال القيادي البارز في حزب الله فؤاد شكر، والذي يُلقب بالرجل الثاني في الحزب بعد حسن نصر الله، ثم قصف مدفعي شديد علي أطراف بلدة زبقين جنوبي لبنان، كل هذا بالتزامن مع استمرار آلة الحرب الإسرائيلية في القتل والتدمير في غزة والداخل المحتل دون توقف، مؤشر خطير بأن الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط تنزلق نحو المزيد من التصعيد والعنف، وربما الانجرار نحو صراع موسع، جراء الإجرام الصهيوني الذي تشهده المنطقة وبمباركة أمريكية أوروبية ودعم مطلق، وهذا ما يعرقل بالفعل أية محاولات رامية للتهدئة أو التفاوض من أجل إنهاء العدوان الإسرائيلي البربري علي قطاع غزة والمستمر منذ أكتوبر الماضي 2023، وهذا ما تطمح إليه بالفعل حكومة بنيامين نتنياهو اليمينة المتطرفة التي لا تريد لهذا العدوان أن ينتهي ولا تريد المفاوضات، ومؤخراً أعلنتها وبصراحة في تحد صارخ للقوانين والاتفاقيات الدولية بأنها ترفض حل الدولتين والاعتراف بدولة فلسطين.
كل الدلائل تشير بأن المخطط الصهيوني لهذه الحكومة المتطرفة لإشعال المنطقة وجني أية مكتسبات، يُجري تنفيذه علي قدم وساق، وقد اتخذت إسرائيل من حادث الهجوم الصاروخي علي بلدة مجدل شمس في مرتفعات الجولان السورية المحتلة يوم السبت الماضي 27 يوليو الجاري، ذريعة لتوجيه التهديد والوعيد لمحور المقاومة في كافة العواصم العربية بل وتطّرق الأمر حد الوصول إلي طهران، وتصاعد سياسة الاغتيالات والتي لا محالة ستؤدي إلي زعزعة الاستقرار والأمن الإقليمي وتوسيع رقعة الصراع، بما يصعب السيطرة عليه.
استنادا إلي ما سبق، هل حادث اغتيال هنية وشكر إلي جانب الغارات الإسرائيلية المكثفة في هذا التوقيت، سيطلق العنان لصراع موسع في المنطقة؟، وهل حقاً الكيان الصهيوني ربما ارتكب هجوم مجدل شمس لتنفيذ مخططه هذا؟ وما الذي ستجنيه حكومة نتيناهو المتطرفة من هذا الوضع وفي هذا التوقيت؟ وما التصور المحتمل للمشهد في المنطقة؟
مخطط التصعيد:
لقد بات واضحاً للعيان أن المخطط الصهيوني لا يشتمل فقط علي تصفية القضية الفلسطينية من خلال تدمير قطاع غزة واتساع رقعة الاستيطان في الداخل المحتل، بل الأمر أخطر من هذا بكثير، فإسرائيل التي تحظي بدعم حكومات الغرب اللامشروط، تتخذ من منطقة الشرق الأوسط الآن ساحة لارتكاب أبشع الجرائم والانتهاكات. ولعل اغتيال إسماعيل هنية في طهران وفي هذا الحدث الهام داخل الأراضي الإيرانية من حفل تنصيب الرئيس الجديد وبحماية الحرس الثوري الإيراني وما لديه من تحصينات هو اختراق أمني بالغ الخطورة للداخل الإيراني، ومؤشر قوي للتصعيد في الفترة المقبلة، حتى وإن لم يأت الرد من طهران فلا محالة سيأتي من وكلائها بشكل أو بآخر، لأن حزب الله علي وجه التحديد سيحتاج في الفترة المقبلة إلي تعزيز مصداقيته فيما يتعلق بقدرته علي الردع وحفظ وحماية صفوف محور المقاومة. لأنه علي ما يبدو أن سياسة الاغتيالات لقادة محور المقاومة في المنطقة لن تتوقف.
وبالحديث عن اغتيال هنية علي وجهه التحديد وما له من دلالات عدة، فلا شك أن العملية تأتي في هذا التوقيت لكسر شوكة المقاومة الفلسطينية في غزة والتي لم يتم التوصل لأي من قاداتها داخل القطاع حتى الآن، وكذلك لإحداث فراغ قيادي كبير علي المستويين السياسي والعسكري، سيما في هذا التوقيت الحرج الذي تُجري فيه المفاوضات من أجل إنهاء العدوان الإسرائيلي علي قطاع غزة، وهذا ما تصبو إليه حكومة نتنياهو المتطرفة، فطبقاً للخبراء والمحللين فهذه هي سياسة الكيان الصهيوني التي تقوم علي تحد صارخ للمجتمع الدولي، والقفز علي قوانين وقرارات الشرعية الدولية، وإدمان الاغتيالات، وتكثيف الضغوط، وحرق الأوراق، ونسف الجسور.
ذريعة مجدل شمس:
ولعل الدعم المطلق الذي حظت به هذه الحكومة وما زالت، خاصة في هذا العدوان علي غزة منذ أكتوبر 2023 وحتى الآن، سبب كاف لأن تعيث في منطقة الشرق فساداً وتدميراً وانتهاكاً، وتقلب معادلات الصراع العربي الإسرائيلي بتغيير حقائقه المادية علي الأرض، فهي الآن تري أنها قادرة علي ضرب أكثر من عاصمة أو مدينة عربية أو غير عربية في وقت واحد بحجة الدفاع عن النفس، ومن هنا نشير إلي حادث قرية (مجدل شمس)، والهجوم بصاروخ علي أحد ملاعب القرية ما أودي بحياة 12 من المدنيين والأطفال وإصابة العشرات وخرجت بعدها حكومة الاحتلال تشجب وتدين وتدّعي أنهم أبنائها نظراً لأوضاع الطائفة “الدرزية” في القرية فيما يتعلق بعلاقتهم بالكيان المحتل.
و(مجدل شمس) هي بلدة تقع في مرتفعات الجولان السورية، وقد احتلها الكيان الصهوني منذ حرب 1967، ثم قام بضمها في عام 1981، وعلي الرغم من أن هذه الخطوة لم تحظي بشرعية الاعتراف الدولي، إلا أن واشنطن هي الوحيدة وفي عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، التي صرّحت بالاعتراف بإسرائيلية الجولان في 2019. بعد وقوع الجولان تحت وطأة الاحتلال، كانت تل أبيب تتجنب الدخول في صدام مع الطائفة الأكثر انتشاراً في هذه المنطقة وهي “الدرزية”، وسمحت للزعامات المحلية بممارسة دورها ومنحتهم بعض الامتيازات مقابل الولاء لحكمهم. وبعد دمج الجولان في نظام المجالس الإسرائيلية، أعطي الاحتلال لـ “الدرز” الإقامة الدائمة وفتح الباب أمامهم للتقدم لنيل الجنسية الإسرائيلية. ومع ذلك لم يتقدم سوى 20 في المئة من سكان قرية مجدل شمس للحصول على الجنسية الإسرائيلية حتى عام 2018. ولعل هذا ما يجعل حكومة الاحتلال الإسرائيلي تتحدث عنهم وكأنهم أبنائها، مع العلم أن هناك كرهاً شديداً من قبل العديد من الدرز للكيان الصهيوني. كما اتهمت إسرائيل حزب الله بإطلاق الصاروخ وتعهدت بالرد الشديد العنيف، رُغم نفي الحزب هذا الاتهام بأنه المسئول عن الهجوم.
دلالات التوقيت:
جاء حادث اغتيال إسماعيل هنية في طهران ومن قبله بساعات فؤاد شكر في بيروت فضلاً عن الغارات المكثفة علي الجنوب اللبناني واستمرار العدوان علي قطاع غزة، تنفيذاً لتهديدات حكومة الكيان الصهيوني بعد هجوم مجدل شمس، وبالنظر لترتيب الأحداث، نجد أن الهجوم علي هذه القرية جاء بعد عودة رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو من زيارته إلي الولايات المتحدة الأمريكية، وعقب وصلة من التصفيق الحار داخل أروقة الكونغرس الأمريكي الذي دّعم وبارك الإبادة في قطاع غزة منذ اللحظة الأولي والتي يقوم بها هذا اليميني المتطرف نتنياهو ضد الفلسطينيين المدنيين الأبرياء. المتأمل في هذا المشهد جيداً يُدرك أن تل أبيب علي يقين دائم بأن أي خطوة ستخطوها في الشرق الأوسط، ستقف واشنطن خلفها لا محالة وبدعم كامل، رُغم مغبّة هذا الإجراء.
لذا لا يُستبعد علي الإطلاق أن حادث مجدل شمس ترتيب صهيوني بحت، من أجل السعي في تنفيذ مخطط التصعيد علي كافة المستويات سيما الاغتيالات لعدة أسباب:
(*) تعطيل أية مفاوضات من أجل وقف العدوان الإسرائيلي علي قطاع غزة، وبخاصة أن المرشح للانتخابات الرئاسية الأمريكية دونالد ترامب صرّح بأنه سيطالب بـ “وقف الحرب الإسرائيلية علي غزة حال فوزه بالانتخابات الرئاسية في نوفمبر القادم 2024”.
(*) جنون نتنياهو السياسي ومحاولاته الهمجية لتحقيق أية انتصارات ليواجه بها الشارع في الأراضي المحتلة ويمتص غضبه في ظل ضبابية المشهد المتعلق بعودة المحتجزين لدي حماس، وليطيل أمد وجوده بهذه الحكومة من خلال العزف علي توسيع رقعة الحرب واعتماد سياسة الاغتيالات والتصفية، لذا يتجه إلي إشعال الخارج لتخفيف الضغط عليه في الداخل، وتجنباً لما ينتظره بعد الحرب.
(*) لفت أنظار العالم عن المجازر التي تُرتكب بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وفي الداخل المحتل واتساع رقعة الاستيطان في الضفة الغربية والاعتقالات العشوائية والانتهاكات الجسيمة التي تُمارس بحق الأسري الفلسطينيين في سجون الاحتلال.
(*) التنصل من المسئولية الدولية سيما بعد ما وجهته المحكمة الجنائية الدولية من إتهام لإسرائيل بارتكاب جرائم حرب، وإصدار مذكرة توقيف بحق نتنياهو، ومع ذلك لم تمتثل إسرائيل لقراراتها.
(*) توجيه أنظار الرأي العام العالمي إلي إيران وأذرعها في منطقة الشرق الأوسط من خلال اتهام حزب الله بارتكاب جرائم شنيعة ك هجوم مجدل شمس، لكي يصبح ضرب لبنان واختراق إيران مباحاً لإسرائيل تحت ذريعة الدفاع عن النفس وهذا ما حدث بالفعل، ما يعني استدعاء إيران وحزب الله للدخول في الحرب والرد على الاغتيالات والاستهداف الإسرائيلية.
وختاماً، من المرجح أن الأوضاع في المنطقة ستزداد تعقيداً في الفترة المقبلة، فمن تم اغتياله هذه المرة هو الشخصية الأبرز في حركة المقاومة الفلسطينية حماس وهو الذي كان يتزعم الحركة في أية مفاوضات بشأن وقف إطلاق النار وإنهاء العدوان، وغياب هنية الآن لا شك سيؤثر علي هذا المشهد سلباً، ما يعني تعطيل المفاوضات وإطالة أمد الحرب، ما سيؤدي إلي زيادة حدة العنف والتصعيد، وربما قد ينتقل الصراع لأماكن أخري، ونشهد دخول أطراف وفواعل أخري أيضاً إلي الساحة، فربما يتدخل حزب الله أو الحوثي بشكل يقلب المعادلة رأساً علي عقب في ظل متغيرات القوي المتسارعة إلي جانب الترسانة العسكرية التي يمتلكها كل منهما. وعلي أية حال سيناريو التصعيد بشكل عام وارد رغم كارثيته علي المنطقة بأكملها وعلي كافة الأطراف.